رغم عمل واشنطن على الانسحاب عسكريا من سوريا، لا تبدو أنها في موقع التراجع سياسيا في الحلبة السورية، سواء لناحية الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، أو فرض حساباتها الاستراتيجية والأمنية عبر تركيا والاقتصادية عبر قطع الطريق لمنع ترجمة أي انفتاح عربي على النظام تعويما ماليا.
ليل الثلاثاء ـ الأربعاء صوت مجلس النواب الأميركي بغالبية ساحقة (435 صوتا) على مشروع “سيزار سوريا لحماية المدنيين” والذي يوجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزارة الخزانة بوضع عقوبات على أي جهات أو شخصيات تقيم تعاملات محظورة مع الأسد وتشمل قطاعات النفط والغاز وقطع الطائرات وإعادة الاعمار والهندسة.
يدعو المشروع أيضا وزارة الخزانة، وفي فترة لا تتخطى 180 يوما، إلى إفادة الكونغرس إذا ما كان هناك أدلة كافية حول قيام المصرف السوري المركزي بأعمال غسل أموال.
المشروع، الذي تلاحم حوله الديمقراطيون والجمهوريون، ستكون محطته التالية مجلس الشيوخ قبل توقيعه، على الأرجح قانونا، من قبل ترامب في البيت الأبيض. ويتخطى توقيت القانون السياق الحزبي الأميركي ويأتي في وقت تحاول واشنطن إرسال رسالة إلى حلفائها وخصومها على حد سواء في المنطقة فحواها بأنها غير راضية عن الانفتاح العربي على الأسد.
التذمر الأميركي من إعادة فتح السفارات أو الاستعدادات لخطوات مماثلة أو اقتصادية نقلته وفود الإدارة الأميركية إلى الخليج أخيرا، ومن أبرزها وزير الخارجية مايكل بومبيو والمسؤولان عن الملف السوري جايمس جيفري وجويل رايبرن في زياراتهم لدول الخليج والأردن ومصر وتركيا.
يقول مطلعون إن هذا الاستياء الأميركي أبطأ، وحتى جمّد، أي خطط سعودية لإعادة فتح سفارتها في دمشق، وهو دفع آخرين لإرسال ديبلوماسيين برتب أقل من سفير أو سفيرة، ووضع خطط الانفتاح الاقتصادي على نار هادئة.
طبعا، الدول العربية غير مقيدة بالموقف الأميركي وهي لا تقوم بهذه الخطوات لإرضاء بومبيو أو ترامب بل لتفادي الانزلاق إلى دائرة العقوبات التي تطال ممولي الأسد. فدول الخليج المنفتحة اقتصاديا على آسيا وأميركا لن تجازف بثقة المستثمرين فيها بتجاوز العقوبات والذهاب إلى سوريا. فالعقوبات الأميركية لن توفر أي جهة حليفة أو عدوة تتعاطى وتقدم تسهيلات معينة للأسد، وهذا الأمر نقله المسؤولون الأميركيون لشركائهم في الدول العربية.
إذ رغم استعدادها للخروج عسكريا من سوريا، ليست واشنطن بموقع التراجع عن أهدافها الجيوسياسية في سوريا، أي استمرار عزل الأسد، رغم القبول بفكرة عدم رحيله عن السلطة قريبا. طبعا، تدفع روسيا تدفع في الاتجاه المعاكس وهي شجعت دولا عربية على الانفتاح على الأسد.
أما أمنيا، فتبدو الولايات المتحدة أكثر قربا لتركيا وإسرائيل في مرحلة تحضير الانسحاب وما بعده. وهي تفضل أن تتولى أنقرة بدل روسيا أو الأسد أو غيرهما السيطرة على المناطق التي ستخليها. ولهذا السبب زار ما لا يقل عن خمسة مسؤولين أميركيين والسناتور الجمهوري ليندسي غراهام، المقرب من ترامب، تركيا في الأسابيع الأخيرة.
وفي حين يحل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضيفا على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو اليوم، فإن واشنطن استبقت الجولة بإغراء تركيا بالمنطقة الآمنة، ومنظومة صواريخ باتريوت واحتمال زيادة التبادل التجاري إلى 75 مليار دولار بين الجانبين. أما اسرائيل التي دخلت في مواجهة شبه مفتوحة ضد إيران في سوريا، فهي تحظى بدعم واشنطن السياسي والاستخباراتي.
لم تتغير أهداف واشنطن في سوريا إنما تتقلص أدواتها العسكرية مع إعلان انسحابها، وستزيد من اعتمادها على الأوراق الاقتصادية وعلى شركائها الأمنيين لتنفيذ مهامها.
في هذه المعادلة قد تتفوق روسيا أمنيا نظرا لحضورها داخل سوريا وعلاقتها بالأكراد والأسد، إنما اقتصاديا فتحمل أميركا العصا الأقوى في مسألة العقوبات ولن يكون من السهل تجاهلها أو تجاوزها.
“الحرة”
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=49566
اترك تعليقاً