التصعيد في سوريا… هل بدأت مرحلة إنهاء الوجود الإيراني في المنطقة؟
آرام سعيد – باحث في مركز الفرات للدراسات
إنّ تزامن هجوم “هيئة تحرير الشام” على مدينة حلب وسيطرتها عليها، مع وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل بعد اشتداد المعارك بينهما في الأيام الأخيرة، يثير تساؤلاً حول العلاقة بين الحدثين المهمين على الساحة الإقليمية.
فالهدنة التي تمت بوساطة أمريكية والتي ستستمر لستين يوماً، حيث سيتولى بعدها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مهامه بشكل رسمي، تهدف إلى تهدئة الجبهة الشمالية لإسرائيل التي ستستعيد أنفاسها خلال هذه الفترة، ووضع سيناريوهات التصدي لإيران مع الحليف الأمريكي خلال الأشهر القادمة، بعد وصول الصراع الإيراني-الإسرائيلي إلى حافة الانفجار، والذي من الصعب التكهن بأبعاده إن حصل بالفعل. فهل يمكن الربط بين الصراع الإسرائيلي- الإيراني المحتدم، والتصعيد الأخير في الشمال السوري؟
إذا عدنا قليلاً إلى تصريحات القادة الإيرانيين قبل أيام من دخول الهدنة حيز التنفيذ نجد أن تهديداتهم بالرد على إسرائيل ودعم “حزب الله”، كان أكثر حدّة بعد الرد الإسرائيلي على إيران واستهداف أنظمة دفاعٍ جويّ بما فيها منصّات إطلاق صواريخ S300″” ومواقع الصواريخ والطائرات المسيّرة ومركزاً للأبحاث النووية، بعد أن كانت وتيرة هذه التهديدات خافتة أثناء سير الانتخابات الأمريكية وفوز ترامب بالرئاسة، حيث كان الإيرانيون يفكرون في محاولة تثبيت معادلة ردع جديدة ضد إسرائيل قبل مجيء ترامب، وذلك بعد الخسائر الفادحة التي مني بها وكلاؤها في المنطقة وتعرض هيبتها للاهتزاز عقب الهجوم الإسرائيلي الأخير في العمق الإيراني.
في موازاة ذلك، تسربت أنباء عن بدء تسليم موسكو قطعاً من طائرات سوخوي 35 إلى طهران ليتم تركيبها في إيران تحت إشراف خبراء روس، كما زادت وتيرة التصعيد الكلامي للمسؤولين الإيرانيين إزاء العقيدة النووية، سيما بعد القرار الرسمي الذي تقدمت به دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) والولايات المتحدة إلى “مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية” ضد إيران.
بناءً على ذلك؛ يمكننا الربط بين هذه التوترات والهجوم المباغت لـ”هيئة تحرير الشام” وبعض الفصائل الموالية لتركيا على حلب، ورغم التحليلات والتخمينات الكثيرة التي تناولت هذا الحدث الكبير، إلّا أن فهم الساسة الإيرانيين له قد يبدو أقرب إلى الواقع، حيث اتَّهموا على الفور الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراءه.
وربما يسعى هذا التحرك أيضاً لحسم الموقف التركي تجاه إيران ودفع أنقرة للانضمام إلى التحالف الإقليمي الذي تدأب واشنطن على تشكيله ضد طهران، ووضعها في مواجهة إيران مستقبلاً. كما يسعى أيضاً وبدرجةٍ أهمّ إلى إبعاد الخطر الإيراني المباشر؛ سواءٌ عبر طهران نفسها أو عبر وكلائها، عن إسرائيل وتوجيهه إلى منطقة أبعد في الداخل السوري، وذلك بعد تجميد جبهة حزب الله من خلال الهدنة، كذلك تجميد جبهة جنوب سوريا من خلال التهديد المباشر بالإطاحة بنظام الأسد، ويبدو أنّ إسرائيل استشعرت رضوخ الأسد لإيران بعد الزيارات المتتالية للقادة والمسؤولين الإيرانيين إلى دمشق والتي كان آخرها زيارة علي لاريجاني مستشار المرشد خامنئي ووزير الدفاع عزيز نصير زاده، ما أثار غضب نتنياهو ووصف “الأسد” بأنه “يلعب بالنار”.
يأتي الهجوم على حلب في ظل كل التوترات السابقة، ويبدو أنّ الهدف منه وامتداده إلى المناطق الوسطى، التي تعتبر معاقل لحزب الله وإيران والفصائل الموالية لها، هو إدخال إيران وأذرعها في حرب استنزاف مع فصائل المعارضة المسلحة التابعة لتركيا، وإبعاد حلقة النار عن إسرائيل نحو الداخل السوري، إلى حين عودة ترامب إلى البيت الأبيض على الأقل، حيث سيدفع ذلك إيران وفصائلها إلى التفكير مائة مرّة قبل القيام بأي هجوم يستهدف إسرائيل أو أمنها.
تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل أنّ تكلفة إخراج إيران من سوريا قد تكون كبيرة، كما يصعب ضمان عدم انحدار الأوضاع نحو حرب إقليمية يتجنبها الأمريكيون سيما مع التصعيد الحاصل في الحرب الأوكرانية-الروسية، وبالتالي فإنّ إشغال إيران وفصائلها بهذه المعركة ستحقق لهما النتائج المرجوة من دون تكاليف كبيرة، أو مخاطر من ردود فعل قد تهدد أمن إسرائيل أو مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة فيما إذا قامتا بالتصدي بشكل مباشر لإيران وأذرعها في سوريا.
تَعتبر إيرانُ سوريا حلقة وصل مهمة لنفوذها الإقليمي في المنطقة، وهي ممرها الرئيسي نحو رأس حربتها “حزب الله”، ويدرك المسؤولون الإيرانيون أنّه إذا فقدت إيران نفوذها في سوريا فإن عمقها الاستراتيجي في المنطقة سيتعرض للانهيار وبالتالي سيكون الخطر محدقاً بها بشكل مباشر. لذلك فإنّ إيران ستخوض هذه الحرب، وتضع ثقلها فيه، وتستقدم الفصائل الموالية لها مثل الحشد الشعبي العراقي وحزب الله والألوية الأخرى، وهذا سيحمّلها تكاليف كبيرة في ظل الأزمة الاقتصادية الداخلية الخانقة التي تعاني منها، ما سيزيد أيضاً من مفعول سياسة الضغوطات القصوى التي ينوي ترامب فرضَها عليها بمجرد استلامه مهامه.
وستركز إسرائيل على استهداف أيّ تحرك من شأنه أنْ يمد حزب الله بالأسلحة والإمدادات، وفي غضون ذلك ستعزز الولايات المتحدة قوتها في المناطق الخاضعة لحمايتها شرق الفرات ومن المؤشرات على ذلك دخول الدعم العسكري واللوجستي من معبر الوليد، بالتزامن مع هجوم حلب، ودعم مجلس دير الزور العسكري للسيطرة على القرى السبع شرق الفرات الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية السورية والفصائل الموالية لإيران، التي تشكّل مصدر تهديد لقوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية.
في الختام، يبدو أنّ هذه المرحلة تتطلب من الولايات المتحدة وإسرائيل إنهاك الأذرع الإيرانية وإنهاءها بشكل عاجل في المنطقة، ولا سيّما في سوريا، لتجنّب خطرها المضاعف على أمن إسرائيل والقواعد الأمريكية وحلفائها، إذا تصاعد الصراع مع إيران، ولجأت الأخيرة -في حال توجيه ضربة عسكرية إليها- إلى تزويد هذه الأذرع بأسلحة دمار شامل مثل الأسلحة الكيماوية، كما أفادت تقارير غربية، أو حتى تزويدها برؤوس نووية تكتيكية، فيما لو تمكنت إيران من صنع القنبلة النووية، وحينها سيتحول طوق النار الذي أحكمته إيران حول إسرائيل إلى طوق نووي تتحكم به الميلشيات، ما سيقود الشرق الأوسط برمته نحو سيناريو جحيمي يصعب الفكاك منه.
المصدر: مركز الفرات للدراسات
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=57422