أرشيف الوسم: جمعة عبدالله

أحداث عاصفة  في مسيرة الحياة في رواية ( بابو ) للأديب فيصل عبدالحسن

جمعة عبدالله  

يأخذنا النص الروائي الى محطات عديدة ومتنوعة، ترسم مسيرة الواقع والحياة، في شؤون مصيرة عويصة ومهمة، ويتوغل الحدث الروائي باشكاله المتنوعة، في احدث عاصفة في مسيرة حياة (بابو حبيبي) وهي ترمز الى حياة العراق والعراقيين، قبل الاحتلال الأمريكي وبعده، أي بعد عام 2003، ترسم خارطة العراق والعراقيين في ابعادها السياسي والاجتماعي والاخلاقي. مستلهماً المتن الروائي قصة النبي يوسف وتبعاتها الخطيرة في اطار الاخوة الاعداء، في المعنى والمغزى البليغ والعميق، وهي رمزية لحياة العراقي في الغربة والمهجر أو بعد رجوعهم الى الوطن، في صراع دائم غير مستقر يأخذ أشكال وطرق مختلفة. ربما نجد بعضها غريبة عن واقعنا ومعطيات تراثنا، ولكن قصة اخوة يوسف، لن تغيب عن المشهد العراقي، قديما وحديثا. تظهر باشكال مختلفة تبعاً للزمن والظرف المحدد. ودور الطمع المالي في تخريب أواصر العائلة والمجتمع حتى في تخريب الاوطان، حين تتفجر صفات الخيانة والغدر بشكلها الرهيب تهدد الحياة والوجود. ولكن الحياة تبقى مستمرة في البقاء، أو في المعنى الأدق، تحيى من رمادها من جديد. لذلك اننا أمام نص روائي مزدحم في خضم أحداث ومحطات، تذهب في اتجاهات مختلفة، والنص الروائي يملك الامكانية الهائلة من براعة الصياغة والتعبير، في تنقلاته من الواقعية الى السريالية الى الروحانيات، لكنها تسير في اتجاه، وهرم واحد يتحكم بها. في تداعيات الاحداث والصراعات بين الشخصيات الرئيسية في المتن الروائي، تعطي معنى الصراع بين الخير والشر، ولا يمكن ان يحسم، ربما يتغلب احدهما على الآخر لكن دون حسم ثابت. ومن اجل تسليط الضوء في التحليل النقدي، لابد من فرز الشخصيات ومميزاتها الدالة في المتن الروائي ورمزيتها المعنونة والدالة.

– شخصية بابو حبيبي:

الطفل الذي ولد معوقاً جسمياً في صعوبة الحركة، ومصاب بالصم والبكم، فقد والديه وتكفلت رعايته خالته (سعاد) وزوجها ( الحاج ناجي) الذي يكن له احتراماً وتبجيلاً الى حد القدسية. واعتبره ابنه الشرعي ويفضله على أولاده (رعد وعماد) وبناته (موجة ورقية)، رغم ان البعض يعتقد الى هذه الإعاقة والمعوقات ستخلق منه شبحاً شريراً وعدونياً، ينتقم من المجتمع الذي خلقه بهذه التشوهات كشخصية (فرانكشتاين) ولكن النص الروائي خلق منه أيقونة إنسانية نبيلة في قلبه وعاطفته كشخصية رواية (احدب نوتردام) التي تملك مميزات خارقة في صالح ومنفعة المجتمع. يكون مدعاة فخر واعتزاز بالحب النقي، يورق عبيره في العائلة والجيران وسكنة الحي والى ابعد من ذلك، بقلب فياض بالحب والعاطفة السامية، وخلق من إعاقته وإصابته بالصم والبكم، سلماً في خلق معجزات، كحاسة الشم وفرز الروائح كالكلب البوليسي. حتى أمه تستخدمه في معرفة روائح الطعام، وكذلك الجيران والحي في استثمار حاسة الشم الخارقة. وقلب فياض بالإنسانية. فعندما فقد بين يدي والديه في التسوق في (المول / سوبر ماركت ) خلق الفزع والقلق وخاصة من أبيه خوفاً من الخطف من قبل تجار أعضاء الجسم وخاصة الأطفال (يا الله أين أنت بابو ؟!! أظهر يا ولدي فديتك با أغلى ما عندي، كنت وسعاد نسابق الزمن لكي لا يبتعد بابو كثيراً، فيصير من المستحيل العثور عليه، وكان هاجس المزعج الذي سيطر علينا،أنا وسعاد ان يقع بيد من لا يخاف الله، ويوهمه أنه سيد له على أبيه وأمه ويقتاده إلى خارج السوق وبيعه الى العصابات المتخصصة بسرقة الأطفال المعاقين) ص 7.وخاصة ان بابو ولد بعينين زهريتين تميل الى الصفرة تفتح شهية هؤلاء المجرمون (وقد حدثت الكثير من حوادث الخطف لهذا النوع من الأطفال، وعثر على جثثهم فيما بعد مرمية في الاماكن البعيدة وعند مزابل الاحياء، وكل شيء كامل في اجسادهم سوى فقدان العينين !! وقد تم اقتلاعهما بحرفية عالية تدل على التمرس في هذا الفعل الإجرامي الشنيع !!) ص36. واخيراً وجدوه يقود فتاة عمياء هي الاخرى فقدت ذويها في السوق.

– كان بابو حبيبي يملك ميزة خارقة في شفاء المرضى ومن فيهم العلل والسقم، بتمرير عود الثقاب على اجسادهم حتى يذهب المرض والعلة، واشتهر بذلك بين الجيران والحي وما هو أبعد من ذلك، بصفة التي عرف بطبيب الأمراض والعلل.

– بابو العاشق: كان يوقظ كل صباح ابيه، ليقف على عتبة الباب مسكنهم حتى تمر الفتاة (صفاء) لترشقه في ابتسامة تنور انوار قلبه بالفرح والحب، وحين اصابها المرض، طلبت عائلته من بابو ان يشفيها بتمرير عود الثقاب على جسمها حتى يذهب المرض والعلة، فقبل الدعوة بكل سرور وخاصة وهو يحمل شغاف الحب والهوى الى فتاته (صفاء) وحين طلب خطبتها، استغربت عائلة (صفاء) كيف يتجرأ معوق بخطبة فتاة جامعية ؟، وكانت خيبة الرفض اصابت قلبه بجرح ينزف، وتزوجت من شاب من عائلة غنية وميسورة.

– حاول ابيه ادخاله في مدرسة الصم والبكم، لكن مدير المدرسة رفض لصعوبة حركته، مما اصاب ابيه الحزن والخيبة (- آه ياولدي حبيبي !! ماذا افعل لكي تكون كغيرك من الأطفال الطبيعيين، من أعطاهم الرحمن الصحة والقدرة على العيش الطبيعي ؟!! لكنني كنت احاول أن أعلمه مبدأ أن لا يترك الاعاقة التي يعانيها تهيمن على حياته) ص23.

– احتضنته العائلة بحب كبير، وتحاول ان تعلمه بعض الاشارات لتفاهم معه، رغم الصعوبة في البداية ولكنه أخذ يفهم بعض إشارات التفاهم، وبدأ يتعلم على تشغيل الكومبيوتر، وبدأ يعرف أسرار الشبكة العنكبوتية كمحترف في التواصل والمراسلة. وحتى امتلك القدرة الى ان يصل الى اكثر المواقع الحساسة والخطيرة، التي حتى المحترفين يعجزون في الايصال اليها مهما كانت قدرتهم في معرفة أسرار الشبكة العنكبوتية، ولكن بابو حبيبي امتلك القدرة ان يصل الى اي موقع ويراسله، ومن خلال هذه المراسلات حصل على شيك من البنوك بمبلغ عشرين مليون دولار، بشكل شرعي وقانوني، وارسل الى رصيده البنكي، وحين تحرى ابيه عن صحة وفحوى هذا الشيك، اخبره البنك، بأنه بالفعل ارسل هذا مبلغ بشكل شرعي وقانوني وادخل في حسابه في البنك. هذا المبلغ المالي الكبير نقلهم من حالة الفقر والبؤس في الغربة، الى خالة الغني وميسورة الحال، فودعوا الغربة ومعاناتها العسيرة ورجعوا إلى العراق بعد الاحتلال الامريكي عام 2003،واسس بابو في مهاراته الخارقة شركة كبيرة وفتحت عليه العقود والصفقات المالية من الداخل والخارج. وكانت الشركة تحت إشرافه يساعدانه في الإشراف الإداري والمالي وتوقيع العقود شقيقاه (رعد وعماد).

– غدر أخوة يوسف:

من الربح الوفير واصبحت شركة بابو حبيبي، تملك أرصدة مالية وعقارات واملاك كبيرة ومتنوعة. وتنهال عليها الصفقات المالية الرابحة، فلعبت الخيانة والغدر في عقلية شقيقيه (رعد وعماد) ان يستحوذون على المال والسندات والعقارات وأموال الزبائن الشركة، فتدبروا  فخ في خطف بأبو من خلال الشراب المنوم ورميه في الصحراء ليكون طعماً للكلاب السائبة في رمال الصحراء، وفعالاً اخذوه ورموه في رمال الصحراء، ورجعوا إلى أبيهم يتباكون ويذرفون دموع التماسيح على فقدان شقيقهم بابو. بحجة تركوه في السيارة لفترة وجيزة لشرى حاجة معينة، وعند رجوعهم لم يجدوا بابو في السيارة، فبحثوا عنه في كل مكان فلم يفحلوا بالعثور عليه، فكانت الصدمة الكبيرة لوالدهم، واصابه الوهن والارتباك والحزن، كأن خنجر غرس في قلبه، فلم يهدأ له بال بفقدان ابنه (بابو حبيبي) فكان يخرج مع زوجته كل صباح، يفتشون عنه ويسألون هذا وذاك، ونشروا اعلان عن فقدان معوق فمن يعثر عليه يكرم بهدية مالية كبيرة، لكن دون جدوى، أما حال الشركة والأموال والعقارت وصلت الى حد الافلاس التام. وتبخرت كلياً وأصبحوا مدانيين للزبائن والشركات والدولة ووصل الحال بهم الى السجن، بتهمة الاغتصاب وابتزاز أموال الزبائن والدولة، اما حالة بابو حبيبي حين أفاق من مخدر المنوم، وجد نفسه مرمياً وسط رمال الصحراء، فغشي عليه،ولكن الصدفة انقذته من الموت المحتم،، أنقذه احد رجال البدو كان ماراً مع كلبه وشاهد جثة مرمية على الرمال، فأخذه الى بيته واعتنى به، حتى شفى تماماً، واستثمر ميزته الطبية في علاج المرضى بعود الثقاب، حتى احتل مقام الاحترام والتبجيل من ناس الصحراء. فهزه الشوق والحنين إلى ابيه، فرجع اليه ووجده مريضاً منهكاً فاقد البصر، فاحتظنه بحزن وبكاء وقال (- كنت أعرف أنك لا تزال حياً في مكان ما !! وانني سالتقيك قريباً وقد بشرني الله بالكثير من الرؤى جعلني أطمن عليك وعلى مصيرك !! الحمد لله يا ولدي أنك لا تزال حياً، وقد شفيت من عاهتك، فصرت متكلماً لبقاً، فلا اجد فيك ذلك البابو الصغير، الذي لا يكاد أن ينطق حرفاً، هذا الرجل الحكيم المتكلم حكمة هو أبني بابو !!) ص147.

– البعد الرمزي في الخيانة والغدر:

صحة مقولة: من يأتي المال بالحرام يتبخر في الحرام، وهذه حالة عامة تنطبق في أي زمان ومكان، وخاصة على حال حياة العراقيين، في الظواهر الغريبة التي ظهرت بعد الاحتلال، ترسيخ مبدأ الخيانة والغدر في كسب المال الحرام، في تدمير الاخلاق والبنية الاجتماعية والوطن، ونعرف طاعون الفساد اهلك العراق والعراقيين، واحرق الاخضر واليابس، في شهية الطمع بسرقة الجمل بما حمل

 

المرأة والحياة في المجموعة الشعرية (رابط لأغنية ساحرة) الشاعرة سمرقند الجابري

جمعة عبدالله
الشاعرة تملك لون شعري مختلف عن المألوف ,  واسلوب متميز في  اللغة الشعرية بين التشديد والليونة الشفافة  , تجمعها في بوتقة واحدة ,  في الخلق والتكوين النص الشعري من حيث ( الصياغة والتعبير والرؤية الفكرية ) أي تنطق وتتكلم من  مشاعرها ووجدانها الداخلي  , في خلطة كيميائية , نتيجة صراعات ناشبة بين الداخل والخارج  , أو أنها إفرازات مديات الحياة والواقع والوجود , إن تكون المرأة في حالة حذرة , متهيئة نفسياً لكل حادث وطارئ . ولهذا نجد زفيرها الشعري منطلقاً من أعماق  احاسيسها الوجدانية , بالبوح العاصف في الخيال والتصور والرؤى,  في انفعالاتها العاطفية الملتهبة , امرأة لن تساوم على كيانها ووجودها ,  حتى في حالة الحب والعشق , نتيجة تقلبات مفردات الحياة , التي هي في صراع دائم على البقاء , لذلك ترتقي الى مستوى التحديات للمرأة , وهي تجد نفسها في  عواصف هائجة في الانتهاك وسلب انسانيتها وتهميش فعلها . ومن هذا المنطلق نجد صيغة النص الشعري , هو متفجر من الداخل ويطفو على السطح ,  بكل التحديات والمواجهة , إنها باختصار امرأة فعل ورد فعل , وغير مسكونة لحالة الانصياع والتخاذل  , بل تجد انها نداً قوياً في المجابهة والتحدي والتمرد  , هذه القيمة المستخلصة  في أسلوبها الشعري في قصائد المجموعة الشعرية  , تضعنا أمام حالة صراع بين قطبين  , في  عملية إفراغ بما يجيش ويغلى في داخلها , امرأة صعبة وعصية ومتمردة , ولكنها  في نفس الوقت عاطفية و حالمة بالحب كالفراشة , انها على مستوى الفعل  ,  في المواجهة والتحدي والتمرد ,  انها باختصار شديد تحرص ان  تملك كيان ووجود مستقل ,  ويتأهب لكل حادث حديث , والنص الشعري هو وسيلة للتعبير عن نفسها و جوانحها الداخلية بين امرأة متمردة , امرأة حالمة , انها تحلق في المنظور الشعري بين  الطرفي الصراع   , كأنها تحلق في السماء الشعرية  بجناحين مختلفين تماماً عن بعضهما البعض  في المعادلة الحياتية , أو أنها مشطورة بين قطبين , ففي حلة الوجع نجد التشاؤم يغلف روحها  ومعاناتها .
    عن أيّ وجعٍ تتحدثُ؟
وكلّ قصةٍ مغمسةٍ بالدمِ،
أفركُها بينَ أصابِعي
بعكس عقاربِ الساعةِ
بكُلِ صَبرٍ، وبرودةِ أعصابٍ.
ورُبما… أغني،
وأنا أكِّورُ أوجاع الشهرِ الماضي،
أو كوابيسَ الشهرِ الاخيرِ من عامٍ ولّى.
كراتٌ ملونةٌ،
بحجمِ ليمونةٍ خضراءَ .
   لكنها في حالة التفاؤل , نجدها امرأة اخرى من مطر الحب والعشق  ,  امرأة عاطفية من الحرير العاطفة ,  أو  في داخلها إمرأة اخرى رقيقة وحالمة في عشب العشق والعشاق .
   إنها تمطر الان،
أيها العشاقُ…
تذكروا حبيباتَكم برسالةٍ
إبعثوا لهنَّ رابطاً لأغنيةٍ ساحرةً
مع عبارةٍ جميلةٍ
مع أمنيةِ أن (تظلّا معاً)
أو عبارة اعتذارٍ عن كلمةٍ جارحةٍ
سقطت سهوا ذاتَ يومٍ
أيها العشاقُ…
إنكم تخطؤون في حقِّنا دائِماً
ونسامحكم
يا صديقي المطرُ
أطِل هطولَكَ
كي تمنحَهُم فرصة أخرى
للمرةِ الألفِ. .
  هذا التناقض المتوتر يجعلها في حالة يقظة دائمة , لأنها مسكونة في  امرأة اخرى في داخلها  , إمرأة من نار , تصرخ  وتخاف وتخشى  منها بحذر ,  تتمرد عليها ,تلعب بها بين النار الملتهبة , والماء البارد الذي يطفيء غليانها وترقص لها كالغجرية , تحاول ان تداعبها وتبتسم لها ,  خشية من تتفجر  نزواتها الحادة .
    إمرأة من نار تَجلدني
تعـوي في أعماقي منتفضة
تُخرجُ أصابعَها من أنفي
وتَجري راكضة للغابـة
لا أتبعها،
لا أقـفُ بوجهِ زئيرِ اللبوة
أقفٌ متفرجةً على خدوشِ أظافرها في الصخر
أبتسمُ بخبثٍ حين أراها تسّبُ أباهم
أو ترقص كالغجرية،
حين يفارقها وجهك
أخاف تلك المرأة التي أكبتها
أحدثها برفق،
     إمرأة متأهبة لكل الاحتمالات السيئة والاسوأ , من أجل حقها في الحياة والحب , ترفض الغيوم السوداء قبل هبوطها ,انها في حالة تأزم كالحياة المتأزمة بذاتها , كحالة بغداد المأزومة , كالنساء المضنيات  في شقاء الحياة وعسرها , كالأمهات المخلوقات من ماء الكوثر , تحب الوجوه  التي يحبها الله , نجت من الموت خمس مرات , لتعود لحقها في الحياة والحب .
    أهنئ نفسي،
فلقد نجوت من الموت خمس مرات
وعدت لحياة من حقي
صرت، أتنبأ بالحب
وأقبلُ الغيماتَ قبلَ هطولِها
وأمازحَ أطفالاً ليسوا لي
وأشعرُ بالأشياءِ قبلَ حدوثِها.
فأنا يا بغداد…
أعرفُ حكايا عن النساءِ المضيئاتِ
عن الأمهاتِ المخلوقاتِ من ماءِ الكوثرِ
وأعرفُ من بعيدٍ،
الوجوهَ التي يُحبُها الله.
   انها امرأة عصية ومتمردة , كأنها في حالة استنفار شديد  ,  أو حالة حرب , في رأسها معسكر تدريب وجنود ثائرون , ونساء كادحات ,

    في رأسي دائِماً …
معسكرُ تدريبٍ،
وجنودُ ثائرون

نساءُ كادِحاتٌ
وأطفالٌ يتشاجروَن بوقاحة
عجائزَ يعرفِن عن ظهرِ قلبٍ،
كل حكايا الحياة.
أما وجهي …
ليس سوى تخطيطٍ سريعٍ
لإمرأةٍ متمردةٍ.

 لكن من جهة اخرى نجدها  امرأة عاطفية حالمة , كالفراشة تلعب  بين أزهار الحب , تتشاجر كالساسة , وتتصالح  كالعصافير, وتلعب كالطفلة البريئة , ترتبك وتخاف , أي أنها عاشقة من حرير الحب .
    نتشاجرُ كالساسةِ،
نتصالحُ كالعصافيرِ،
نفكرُ ببعضِنا كالأمهاتِ،
نذهبُ للسيِنما كالأصدقاءِ،
نلعبُ سويةً كالأرانبِ،
نرتبكُ من الحبِ كالأطفالِ،

قراءة  في قصة: محنة عشتار للأديبة سنية عبد عون

جمعة عبدالله
 يتمثل الشكل  الجمالي في السرد ,  في براعة نسيج  الصياغة الفنية , في لغة مغناطيسية تشد القارئ بتلهف , وتحفيزه الى متابعة احداث الحدث السردي ,  في ديناميكية متصاعدة في درامية تفاصيل الحدث وتطوراته المتلاحقة  , وكذلك براعة الرؤية الفكرية والتعبيرية الدالة بشكل بليغ , التي لامست الاحساس الملتهب بمشاعره الانسانية  الداخلية , والضمير الحي في تصوير معالم النص السردي وخياله الفني الواقعي  بكل جوانبه  ,  ليعطي جمالاً لدور الاديب الملتزم تجاه قضايا الناس والوطن , بالشعور الانساني المتضامن  , كأنه يتعايش مع تفاصيل الحدث السردي في داخل مشاعره ,  بكل تفاصيل المعاناة والظلم والحرمان الكبير  لشريحة كبيرة من الشباب , الذين امضوا زهرة شبابهم من أجل الحصول على الشهادة الجامعية , وحين تكللت  جهودهم بالنجاح في نيل الشهادة الجامعية , وجدوا انفسهم امام  أبواب الحياة موصدة  في وجوههم , كأنهم فائضين عن الحاجة والطلب والقيمة الانسانية  , مما يفجر الاحتقان بدواخلهم بالإحباط والخيبة ,  بأنهم أصبحوا ضمن جيش العاطلين , مما يزيد من معاناتهم وبؤسهم و فقرهم  وعوزهم , بأن دروب الحياة جفت ويبست بشكل لا يرحم  , هذا الشعور يعمق الفجوة والشرخ الكبير ,  بين الواقع وشباب  المستقبل , أن يصبح مصيرهم مجهول الهوية, مما يزيد القهر الحياتي الذي يتفجر بداوخلهم , في مطالبهم  البسيطة , التي تقرها الشرائع السماوية , بالخبز والعمل والحرية . وحين يعبرون عن  معاناتهم بالتعبيرالحر أو التظاهر  السلمي , نجد سوط الإرهاب والبطش يترصدهم  في كل زاوية  . كأن الواقع ضد التعبير عن نيران الظلم والحرمان والحيف ( فكان التظاهر وسيلة العاطلين الوحيدة ليطالبوا بحقوقهم بعد تخرجهم من الجامعات.. فقد اكلت معاول السنين أجمل محطات أعمارهم الفتية ونبذتهم ساحة عمال البناء وذاقوا لهب سياط العوز والفاقة..) ويصبح صوت القمع  ورعيده  المخيف ,  هو الوسيلة لخنق الأصوات الشابة وإجهاض تحركاتهم السلمية في مطالهم الشرعية والبسيطة , يرفضون أن يصبحوا من جيش العاطلين , هذا الرفض يواجه بالقسوة المفرطة (  حتما سيكون التظاهر وسيلتهم الوحيدة وعزاء نفوسهم للتعبير عما يجول بخواطرهم المتعبة ومعاناتهم الأبدية مع الفقر الذي عصي الفكاك عنهم..) هذا الشاب الطموح الذي حصل على الشهادة الجامعية , اقترن بفتاة بعلاقة  الحب الصادق والعفيف , كان يرسمون مستقبلهم بالألوان الوردية , لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن , فوجدت الشابة التي كان  يداعب قلبها الحب واصرت عليه بالبقاء , رغم ضغوط العائلة والعشيرة بفرض الزواج عنوة عليها , وكانت تعلل نفسها بالذرائع المختلفة , لعل تنفرج أزمة حبيها الشاب الجامعي , وكانت تغازل حبها وهي تتورد أوداجها بالفتنة والجمال  . كأنها سليلة  عشتار ( إله الحب ) ( بضفائرها السود وعقد يطوق جيدها ونظرة عينيها الصغيرتين الحادتين تبدو أجمل صبية رأتها عيناه.. عشتار (كما يناديها) أضناها تعلقها به ولوعة روحها.. لكن أحلامها تبقى نقية..) وكان يأكلها القلق والهواجس المخيفة على حياة  حبيبها الشاب , وهو ينغمر في حماسته في الانخراط بالتظاهر السلمي , يطالب بحقه الشرعي في فرصة العمل , ورفض أن يكون من جيش العاطلين , والتظاهر السلمي الوسيلة الوحيدة للعاطلين , فكانت تخاف عليه من العواقب الوخيمة  , وخاصة ادارة سلطة الواقع , تعتبر التعبير بالرأي الحر  والتظاهر , جريمة لا تغتفر , ونسوا كلام سيد البلاغة الامام العظيم علي ( ع ) يقول ( الفقر في الوطن غربة  ) فكيف  الخلاص من الواقع المأجور ,  الذي ينشر زعانفه واخطبوطه بالإرهاب والقمع , فكيف السبيل والمخرج ؟,  حتى مصباح علاء الدين  رمي في اعماق البحر !! . هذه دوافع الخوف والقلق على حبيبها الجامعي / العاطل, اضافة الى الضغوط الهائلة من العائلة والعشيرة في ارغامها على الزواج عنوة . لذلك انها تعيش محنتين في آنٍ واحد ,  أحدهما أشد ضراوة من الاخر  , هل هناك سبيل تطرح اسئلة كثيرة على نفسها , ولكن دون جواب .
    وهذا نص القصة : محنة عشتار : سنية عبد عون

 

 

تبدو الفتاة قلقة حياله.. والسؤال الذي يبقى ملحا داخل راسها لم تنطقه بعد أمامه.. فهي تلوذ بالتأني.. كانت تنتظره كل يوم بعد عودته من نهار عمل مضن من خلال كوة في غرفتها دون ان يلاحظ ذلك الترقب وتلك القطرات المتساقطة من مسام جسدها الرقيق في نهار تموز اللاهب.. لقد غدت تدور في أفلاكه ولا انفكاك منها وليت الزمان ينصفهما ويلم شملهما دون عناء..

بضفائرها السود وعقد يطوق جيدها ونظرة عينيها الصغيرتين الحادتين تبدو أجمل صبية رأتها عيناه.. عشتار (كما يناديها) أضناها تعلقها به ولوعة روحها.. لكن أحلامها تبقى نقية..

فقد قال لها يوما ان قاربنا لن يغرق أبدا وستجري الرياح بما تشتهي السفن ولن تبقى لهفتنا مضطربة في غد.. وهي تصدقه تماما لكن في دواخلها تسكن أفكارا مرعبة لا ترغب ان تبوح بها أمامه..

جرأته وحماسته أزاء الأحداث في ساحة التظاهر وازاء البطالة التي رافقته منذ سنين عالقة بمخيلتها.. فهي تقف بين نارين كليهما يعذب روحها..

براءتها تروي قصة شقائها انها تهرب منه واليه..

ومن الحاح اسرتها وسعيهم لتزويجها دون يعرفوا سبب رفضها.. فهذا زمن تتفجر فيه صخور الارض لمعاناة الارواح المثقلة بشظف العيش..

فكان التظاهر وسيلة العاطلين الوحيدة ليطالبوا بحقوقهم بعد تخرجهم من الجامعات.. فقد اكلت معاول السنين أجمل محطات أعمارهم الفتية ونبذتهم ساحة عمال البناء وذاقوا لهب سياط العوز والفاقة..

عشتار مصممة ان تمضي بانتظارها دون ان تضل طريقها.. لكنها تتوجس خوفا من اجله انه يسلك طريقا وعرا وإنها ابدا في قلق مريب.. حين يلقي قصائده بين حشود اقرانه.. وبين حشود المتظاهرين.اشعاره تلهب حماستهم ليطرقوا كل الابواب المؤصدة امام ربيع صباهم.. وكما يقول سيد البلاغة ( الفقر في الوطن غربة )..

في سوق المدينة تسحب غطاء رأسها برقة وتأنٍ وترمقه بنظراتها الوله وهي تتهجى حروف اسمه مرارا في سرها وتتعمد ان يراها.. خطواته المتعثرة تنبئها بلهفته وشدة شوقه.. تبتسم له بغنجها المعهود وتمضي.. وكيف تفضح سر قلبيهما وان يشاع خبر قصتيهما..

ستجبر بالتأكيد على زواجها عنوة من أي طارق يتقدم لخطبتها.. وربما لا يتقدم لخطبتها أي رجل وتلك هي سمة تقاليدنا والعشائرية التي غدونا نسبح بفضائها عند ذاك يتهاوى قطار عمرها سدى..

في المقابل هناك في ساحة المدينة حيث يتجمع الفتية.. لم ينتبه الفتى الى ما حل بقدميه الحافيتين وقميصه المتهدل وهو يدس جسده المتهالك وروحه الهائجة بحماسة آمالهم الضائعة وغير آبه بمن قضى نحبه في هذا المكان.. .. فهم لا يمتلكون صخرة يستندون اليها ولا حتى قريب ذو نفوذ يسندهم بعد الله سبحانه وتعالى..

حتما سيكون التظاهر وسيلتهم الوحيدة وعزاء نفوسهم للتعبير عما يجول بخواطرهم المتعبة ومعاناتهم الأبدية مع الفقر الذي عصي الفكاك عنهم..

تقول فتاته.. يا لدهشتي ظننته لا يقوى على حمل جسده وسط حشود المتظاهرين.. كان الفتى يفتح ذراعيه واسعتين لإحساسه بوجع يدفعه بإرادة لم يشعر بها من قبل لكنه لا يعرف كيف يصفها لحبيبته التي تؤنبه وتخاف عليه من الأذى وترفض ان يندس بين تلك الحشود الصاخبة وهي تسمع وترى عويل الامهات الثكلى وأنين الحبيبات.. الخوف يملأ قلبها الغض دائما وأبدا من أجله..

كان التفكير بالهجرة أمرا واردا بالنسبة له.. لكن ذلك قبل ان يعرف تلك الحبيبة التي شدته لجذور هذه الأرض.. انها المرأة وهي الحبيبة والوطن..

أما الصبية.. فكانت تراقب سنان الرعد والغيث الهاطل.. أمانيها الموحشة يتسامق فيها العوز والضجر ولحظاتها أشد قسوة مما يعانيه فتاها فهي مثله غدت جليسة الدار بعد سنوات المثابرة لسنين خلت فهي تعيش ضمن أسرة كثيرة العدد قليلة المورد تشكو العوز هي الأخرى.. فلا منقذ لهما سوى مصباح (علاء الدين )..

تطفح حمرة على ملامح وجهها الأسمر وهي ترمقه بنظراتها المتفائلة.

فاجأته بضحكتها الخافتة وهي تسأله بشيء من الخجل : ما الذي يجري هناك في تلك الساحة.. ؟؟؟ وهل هناك نتائج بشرى قادمة.. ؟؟؟.. اتمنى المشاركة بالرغم من هواجسي وخوفي ولكن اهلي منعوا تواجدي هناك فهم يعرفون أساسا ليس هناك من يحترم انسانية الانسان وحقه في التظاهر..

أجابها بحماسة.. الشمس وحدها تعرف ضراوة المشهد وحماسة القلوب التي تحترق هناك

انها لحظات تعسر فيها الطلق وصراخ الوليد..

.. قالت : تقودني محنتي الى اسئلة كثيرة..

 

  قراءة  في قصيدة الشاعر يحيى السماوي : افطاري الأخير

جمعة عبدالله
هذه نسائم الشعر الاصيل في هذا الصباح الربيعي . قصيدة تحمل صياغة فنية ببراعة مدهشة ورؤية ورسالة تستلهم صميم موجودات التراث الحضاري والانساني والديني , وتطعيمها من حروف الحرير , لكي تكون السند الاساسي في رحلة هذه الرسالة في الارتقاء  الى العلى , وغايتها نقل الانسان من ضفة حالة الاختناق الى حالة أو ضفة آخرى واسعة ورحبة , يتنفس فيها الصعداء في النسائم الربيعية . أما صياغتها الفنية فمقوماتها خبز اللغة والبلاغة المتألقة الى القمة في الجمال والإغراء والغواية ,, لتكون هديلاً  من النغم والإيقاع الموسيقي , الذي ينساب بعذوبة وشفافية كمياه الشلال مصاحبة بصدى الهديل النغمي . عند السماوي الكبير الشعر يغسل ويعجن بالماء الكوثر من رونقة الشعر الاصيل , يرتكز على مقومات الاستلهام ما نتج من براعة التراث الحضاري والانساني والديني , وبالتالي كل مقطع شعري هو سمفونية قائمة بذاتها , أو كل هديل شعري يحمل رسالة , ومجموع هذه الرسائل تصب في مرام واحد في غاية الاهمية وفي نسق متدرج , وصولا الى وضوح الرسالة الهادفة في صورتها المتكاملة الكاملة , من البداية من العنوان المعناطيسي الجذاب : الإفطار الاخير . يستلهم عينة ومرام المرادف في العشاء الاخير للسيد المسيح , حين جمع تلاميذه وغمس بيده ارغفة الخبز غمسها بالنبيذ في مأدبة العشاء الاخير وقال لهم : انطلقوا في رسالتكم فأنتم رسل المحبة والسلام , والسماوي الكبير ينطلق برحلته العشقية / الايروتيكية صباحاً ويشد رحاله في هذا المسير الطويل أو الرحلة الطويلة , لكي يرتوي من وحشية العطش الى الارتوى من ماء الكوثر , لكي يقطف ثمار الجنة , هذا الاستلهام المدهش بين الرسالتين , بين الخبز المغمس بالنبيذ , وبين الافطار الاخير , ليسد جوعه وعطشه الوحشي من اللثم  :

.
مُـخَـرَّزًا بـالـعـطـشِ الـوحـشـيِّ لـلـكـوثـرِ..

والـجـوعِ لأشـهـى ثَـمَـرِ الـجـنَّـةِ..

هَـيَّـأتُ

قِـرى إفـطـاريَ الأخـيـرْ

هذا التمازج بين الرسالتين , رسالة  المحبة والسلام في الاولى , وفي الثانية رحلة العشق الايروتيكي في رحلة المسار والمسير الطويل , في الانطلاق الروحي , حتى الوصول الى فردوس اوروك , وهو المبتغى والمرتجى , لكي يبدل بالغربة الوطن , أو بمملكة الهديل , حتى لو كان في نفق السبعين , فأن معجزة الحب تعيده من جديد الى مرحلة الصبا. نحو السرير الوردي لكي يغفو   :

وهـا أنـا

بـعـد دخـولـي نَـفَـقَ “الـسـبـعـيـنَ”

قـد عُـدتُ الـى صِـبـايْ

في هذه الرحلة نحو مملكة العشق الايروتيكي , يقوم بها رسولان هما , الهة الحب اينانا , ورمز البطولة والجسارة انكيدو :

يـشـدُّنـي حَـبـلٌ مـن الـضـوءِ الـى سـريـركِ الـوردِيِّ..

أغـفـو مُـطـبِـقـًا فـمـي عـلـى مـبـسَـمِـكِ الـنـديِّ ..

أســتـيـقـظُ “أنـكـيـدو” جـديـدًا

أنـتِ “إيـنـانـايْ”

هذه مملكة الحب المبجلة , نشيدها هديل ونغم , وليس نشيدها ( لاحت رؤوس الحرابِ / تلمع بين الروابي / هاكم وقود الشبابِ …… ) أو نشيد ( احنه مشينا للحرب ) اما رايتها فهي : ناي وربابة , وليس رايات حزبية وطائفية . وشرطتها تحمل الورود , وليس الرصاص أو القنابل الدخانية التي تخترق جماجم الشباب   :

مـمـمـلـكـةً نَـشِــيـدُهـا الـهـديـلُ ..

والـشـرطـةُ فـيـهـا تـحـمـلُ الـورودَ لا الـرّصاصَ..

والـرَّايـةُ يـاحـبـيـبـتـي: ربـابـةٌ

ونـايْ

مثلما في بيت الله المقدس ( الكعبة ) يطوف الحاج حول البيت سبعاً ويصلي صلاة الشكر . في المبتغى في رحلة العشق الايروتيكي , يطوف حول السرير الحريري ويصلي صلاة الشكر على سجّادة الشَّعر الحريري :

أطـوفُ حـولَ بـدرِكِ الـتـمـامِ ســـبـعـًـا ..

وأُصَـلِّـيْ رُكـعَـتَـيْ شــكـرٍ

عـلـى سـجّـادةٍ مـن شَـعـرِكِ الـحـريـرِ ..

أتـلـو مـا تُـيَـسِّـريـن مـن هـديـلِـكِ الـشـجـيِّ لـيْ ..

فـمـا الـذي أرجـوهُ مـن لـذائـذِ الـدنـيـا؟

ومـا عـسـايْ؟

ليقطف ما يشاء من ثمار الجنة . التين والزيتون والرمان , في هالة انهار ضوئية والنجم في هالة البدر , والشوق المرهف والمتلهف يقوده الى سريرها الخمري ( ها أنا هيئت لك , فأقطف من ثماري بما تشاء( :

أقـودُ:

أنـهـاري الـى حُـقـولِـكِ الـضـوئـيَّـةِ الأشـجـارِ..

والـنـجـمَ الـى بـدرِكِ..

والـدَّلـوَ الـى بـئـرِكِ..

والـشـوقَ الـى خِـدرِكِ..

والأمـسَ الـى يـومِـكِ يـا:

أنـايْ

ولكن السؤال الأهم والاصعب , كيفية الوصول الى ( ايثاكا ) أو الى مملكة هديل العشق في فردوس اوروك , كيفية البلوغ . هل بدبابة غربية أو شرقية ؟ , أم  بسطوة ( سليمان ) أو عصا موسى التي شقت البحر ؟ :

لـسـتُ “سُــلـيـمـانَ”

فـكـيـفَ جـاءنـي بـعـرشِـكِ الـعـشـقُ؟

ولا “مـوسـى”

فـكـيـفَ ابـتـلـعَـتْ كـلَّ ثـعـابـيـنِ الـضـلالِ والأسـى .

عَـصـايْ؟

ليس بهذه الطرق الملتوية  :

فأنا لـسـتُ “سُــلـيـمـانَ”

فـكـيـفَ جـاءنـي بـعـرشِـكِ الـعـشـقُ؟

ولا “مـوسـى”

فـكـيـفَ ابـتـلـعَـتْ كـلَّ ثـعـابـيـنِ الـضـلالِ والأسـى

عَـصـايْ؟

ليس بهذه الطرق الملتوية والماكرة , لقد انكشف الظاهر والمخفي ولم يعد التستر على العورة , كل الاشياء فضحت نفسها بنفسها , اصبحت رسل الضلال ثعابين , وانكسرت عصا موسى , اصبحت أفاعي سامة , وانما بإرادة وقوة الحب , بالحب تنتصر الحياة على كل الاشياء , بالحب يستقيم العدل , وليس للحياة إلا الحب والعشق . فهي رسالة خالدة تتجدد على الدوام .
ليس لي إلا ان اقول ايها السماوي : الشعر يتوج بك انت ايها الكبير  .

 

جمعة عبدالله: قراءة في الديوان الشعري ( زنابق السنين ) للشاعر د.  بهجت عباس

المضامين القصائد الشعرية  العمودية   , انزاحت الى تناول قضايا مهمة في الشأن السياسي والديني للحقب السوداء المتعاقبة على تاريخ العراق السياسي , التي مرت على العراق , ودفعته الى  حافة العواصف الهوجاء , التي تميزت  في انحراف البوصلة خلال أكثر من ستة عقود عجاف ,  تجرع كأس الحنظل في   المخاطر الجسيمة ,  التي لعبت في مصير الوطن والانسان الى حافة الانزلاق و التصادم العنيف بين الفرق السياسية  . القصائد الشعرية برعت في صياغة  القصيدة العمودية على وقع  أنغامها وبحورها الشعرية في إيقاعات موسيقية مختلفة الترنم والترتيل , في لغة شعرية سلسة ورشيقة وواضحة ,  بحيث تتحرك بوهج الفعل المتجسد من أتون هذه الحقب السوداء , التي مرغت الوطن في المستنقع العكر   ,    عقود عجاف , وتجرع مرارة معاناتها المتشظية , في معالم البطش والاستبداد والطغيان في اتجاهات مختلفة ,  ولم ينقطع نزيف الدموي منذ آنذاك ولحد واقعنا الحاضر . القصائد الشعرية تمتلك الرؤية الفكرية الناضجة في الإحساس الذاتي الصادق , وتمتلك وضوح الرؤية , هذا الوضوح أتاح  فتح معالم القصائد في الاتساع والاشعاع , من افرازات هذه الحقب السوداء  , في مراحلها العاصفة  على ايقاعات تراجيدية  مأساوية  , ولم تغب السخرية والاستهجان والألم والحزن والغضب والاحتجاج , من هذا النزيف الدموي . الذي لم ينقطع نزيفه  من جسد العراق , من الظلم والحرمان والإرهاب ومآتم الموتى بالمجان , في الانحراف البوصلة السياسية والدينية من السيء الى الاسوأ , في الانزلاق السياسي , وتمزيق الهوية الوطنية والاجتماعية  في هذه المراحل العجاف . وقصائد الديوان الشعري ( زنابق السنين) تشكل وثيقة بيانية صارخة  للأحداث الملتهبة التي مرت على تاريخ  الوطن . منذ ان سرقوا أجهضوا ثورة الشعب في ارتكاب سفك  الدماء والمجازر ومشانق الموت في الشوارع والساحات  , في اغتيال عهد الجمهوري الوليد , الذي جاء ليضع العراق على سكة السلامة في الازدهار والتطور . وعبر الشاعر عن فرحته بهذا الحدث الكبير في تاريخ العراق بقصيدة ( ثورة الشعب ) . وترنمت على ايقاع صدى الشعبي الواسع الذي فرح في انطلاقة الثورة .

يا ثورةَ الشعبِ، صُبِّي وابلَ الغضبِ
وحطِّمي كلَّ فـكـرٍ شـاردٍ جدِبِ

وقوِّضي كلَّ ما يَبـنونَ مـن عُرُشٍ
فقد أبَـوْا أنْ يسـيرَ الركبُ بالأرَبِ

وحطِّمـي كلَّ بـاغٍ من خسـاستـه
أنْ يقذفَ الشعبَ بالأهـوال والكُرَبِ

لكن مسيرة الثورة انتكست وخابت الاحلام والامال , واجهضت انطلاقة الثورة  في مهدها  . وضاعت فرحة الشعب , فقد عصفت بها عاصفة هوجاء اقتلعتها من الجذور . من المغامرين المأجورين . الذين عملوا في الظاهر والخفاء على اغتيال الثورة وغرقها بالدماء . من احد المتهورين  الذين حط على رأسه طير السعد , ليمتطي الموجة صولجان الحكم والنفوذ , وما شخصية ( حمدي ) هي رمزية لكل طاغٍ ومستبد يضع نفسه الاله الاعظم والشعب عبيد تابع له , يؤدي فروض الطاعة والمهانة والذل  , بالتلويح  بالقبضة الحديدية في البطش والتنكيل لكل من يخرج من طاعته .

وربَّ عبدٍ كان يُدعى حمدي         حطَّ على رأسه طيرُ السعدِ
فراح يبدي العنفَ والتحـدّي        وينظر الناسَ بعـين الحقدِ
واختار في الدنيا طريقَ الكيدِ        يُـعلّل النفسَ بأغلى صـيْدِ
فلَطَمتـْه كفّ دهـرٍ وغْـدِ         فصار قرداً من قرود الهنـدِ

صـيَّره الزمان حَيْـزبونـا        يبـتدع الفنـونَ والشجونا
وينهـش البائسَ والمسـكينا       ويحسَـبُ العبادَ مارقيـنا
والناسَ، إنْ لمْ تُصغ،ِ خاسرينا     لا يفـهم اليسارَ واليميـنا
لا يُـدرك الظاهرَ والمكـنونا     وإنَّ في الغيب له شؤونـا

صناعة الدكتاتور وخلقه هي من ارادة الشعب وصنعه بنفسه لنفسه .  في بادئ الأمر كان  للتسلية والملهاة وانتهى بالتراجيديا المأساوية ,  حين صنعوا دمية  التنين  , وصلوا ودعوا الرب ان يبث الروح في دمية التنين ,  وحين استجاب الرب الى دعواتهم وصلواتهم  في بث الروح في التنين , وتحركت روحه  واستقام له الحال والمقام , وبعد ذلك  جرعهم المر وجعلهم يتلوعون بنار جهنم . فدعوا الله في صلواتهم أن يسلب الروح من هذا التنين الوحش ,  فلم يستجب لهم , وأخذ التنين يرقص فرحاً ويقهقه زهواً على غبائهم وسذاجتهم   .

صنـعـوا مـن الطِّـين تـنّـيـناً للهوهمْ.

صلَّـوْا ودَعـَوْا ربَّـهم أنْ يبعثَ فيه الروحَ ، فـفعـل .

فلما دبَّـت الحياةُ فـيه ، انـقـضَّ عليهم فهـربوا .

ولما دخـل بـيوتَهـم ، هـجروها ونـاموا في العَـراء.

أخذوا يصلّـونَ ويـدعون الربَّ أنْ يسلبَ الروحَ منه ، فأبى!

أخذ التِّـنّـينُ يـُقَـهْـقِـه وهـم يُـوَلـوِلـون!

لقد أصبحت نعمة النفط نقمة ودمار  ولهيب تحرق  الشعوب وتدميرها , أن تكتوي بالنيران , بدلاً أن تكون نعمة رخاء ورفاه وسعادة  . حدث العكس , فقد أصبح النفط  نقمة ومعاناة ,  فقد  فتح بابواباً عريضة لحيتان الفساد وحاشيتهم في  النهب واللصوصية في وضح النهار , ويحرمون الشعوب من خيراته . أصبحت موارد المالية الضخمة مرتعاً لتنافس والنفوذ على الغنائم الحصص بين أصحاب الجاه والنفوذ. فقد اصبح الذهب الأسود مصدر الشقاء والبؤس وعدم الامان والاستقرار , وأصبح مصدر للحروب والنعرات والفتن .

يـا نفط بـلْ يا لهبُ     أأنتَ حقّــاً ذهبُ؟
أشـقيتـَنا أحرقـتـَنا    جعـلـتـَنا نـنـتـحـب ُ
أغـريتَ كلَّ طـامعٍ    بنهبِ ما لا يُنهَبُ
وكـلَّ سـفـّاح ٍ أثـيـم ٍ دمَـــنــا يسـتـعــــذب ُ
دعـوتَـهمْ لأرضـنا    لبّـَوْا فكان الشَّجَـب ُ
قد خلقـوا أبـشـعَ وحــش ٍ شـهدتـه الحِـقَـبُ
ونَصَّـبوا حاشـيـة ً    ذئـابُ غـاب ٍ تـثـب ُ
وخـلفـه أزلامـُـــه    لا خـُلُــق ٌ، لا أدبُ

وتضمن الديوان الشعري بعض الرباعيات المتفرقة , التي تملك صياغة شعرية وتعبيرية مبهرة في الصورة والدلالة تجسد الواقع في كل مجرياتها المنحرفة عن جادة الصواب , بأن هذه الدنيا من صنع البشر , حينما يعلو الجهل والأوهام والخرافة , الى المراتب العليا , والوعي الثقافي والفكري الى  المراتب السفلى , ماذا تكون نتيجة أفعال الدنيا والحياة ؟ .

      هذه الدّنيـا صنعــناهـا بأيـديــنـا كـئيـبـة
ورفعنـا الجَّهـلَ والأوهامَ أعلاماً رهيـبة
وتركـنـا العقـلَ يستـهدي بآراءٍ مُـريـبـــة
فزرعنا الموتَ والأحقادَ في أرض خصيبة

————–

وكذلك تضمن الديوان الشعري على بعض الخماسيات ذات الاشطر  الخمسة , بارعة الصياغة والتعبير في دلالتها البليغة عن حقيقة الواقع للطبقة السياسية الحاكمة للعهد الجديد , التي تملك السلطة والنفوذ والمال الوفير .

يلعب اللصّ ُبقوتِ الشَّعب والرأسُ عِـمامـة
وجـهـُه ينضح حـقـداً وخداعـاً ولآمـة
فَمـُه يلهـجُ بالحمـد فقـد نـال مـرامَـه
أهوَ الدّيـن الذي أرخـى على العقـل غمامة ؟
أم هُـوَ الشَّيطانُ قد سلَّـمَ للشَّيـخ زمامَـه ؟

جمعة عبدالله: قراءة في كتاب ( أربع شخصيات عراقية من التاريخ ) الكاتب واثق الجلبي

دراسات موجزة تتناول أربع شخصيات عراقية , حضارية وتاريخية . لعبت  دوراً بارزاً في الماضي القديم , وقدمت إسهامات جليلة ومتنوعة في مجالات عديدة في الفلسفة والمعارف العلمية , التي تتعلق في الحياة والوجود والحكمة , واختصاصات في علم الفلك والنجوم والجغرافيا والتاريخ والرياضيات , كما برزوا كفلاسفة, ولهم أعمال مرموقة وبارزة  وحكماء عصرهم الحضاري والتاريخي , سلط الضوء عليها في دراسات موجزة لكنها تحمل معلومات مهمة في القراءة  والتحليل بما يخص هذه الشخصيات , برؤية معاصرة هادفة ورصينة , باعتمادها على الكثير من المصادر والمراجع المفيدة  والموضوعية  , تتحرى الحقيقة والدقة في الطرح والتشخيص , وبما يدور من أسئلة وتساؤلات لفهم أكثر لهذه الشخصيات  المعنية . اعتقد ان الكاتب ( واثق الجلبي ) بذل جهوداً مضنية في تقصي الحقائق بكل موضوعية , في البحث والتنقيب في المصادر , ليكون كلامه مستنداً الى مراجع قيمة , في تسليط حقيقة هذه الشخصيات : اسماءها المتعددة , مكان ولادتها , انتماءها الى البلدان التي برعوا فيها , و أعمالهم ونشاطاتهم , التي تركت بصمات مضيئة على صفحات التاريخ الحضاري , لذلك اعتبر هذه الشخصيات جدلية , لأن وردت أسماؤهم في الحضارات القديمة الثلاثة . العراقية والمصرية والاغريقية , لنقف على ناصية الحقيقة بتنوع اسمائها في كل من هذه الحضارات الثلاث , لأن كل حضارة تدعي بأن هذه الشخصيات تنتسب إليها . بدون  شك هناك تداخل حضاري قائم بالتواصل والتبادل المعارف في مجالات شتى من الحياة والوجود . لذلك سأركز في التناول على شخصيتين من هذه الشخصيات الاربع :
  1 – الشخصية الأولى : اخنوخ , هرمس . ادريس .
اي ان النبي ادريس له أسماء  مترادفة  في الحضارة المصرية والإغريقية , ويستخلص الكاتب ( واثق الجلبي ) خلاصة استنتاجه بأن ادريس ( هو رجل واحد وليس ثلاثة رجال ) ص24 . وكتاب الأستاذ الدكتور احسان محمد الحسن في كتابه ( الأنبياء.  عراقيون ) يؤكد على عراقية انتمائه . كما ورد اسم النبي ادريس في القرآن الكريم , ولكن الحضارة المصرية القديمة تنسبه بأنه مصري ولد في الاسكندرية , وساهم في بناء الأهرامات ودفن في الأهرام الكبير , ونسب إليه كان يسمى ايضا هرميس وفلسفته الهرمسية , وكذلك ورد ذكره في الحضارة الاغريقية بأسم ( Ερμης / هرمس وفلسفته الهرمسية ( Τρισγιστος  أو Ερμητισμος ) وهو من الآلهة الالمبيون الاثنا عشر / ست رجال وست نساء ) . وهو ابن رب الالهة ( زيوس ) ورسوله الذي يتصل بالالهة الآخرين ( بمثابة  شخصية جبرائيل في الاسلام ) , والفيلسوف أو الاله هرمس , فلسفته تعلقت في الوجود والحكمة والحياة , ونشط في تحويل الخرافة الدينية الى فلسفة العقل أو المنطق بتنظيفها من الخرافات الى الاسطورة الفلسفية . وتتفق الحضارات الثلاث ( العراقية والمصرية والاغريقية ) في نشاطاته أي أخنوخ أو ادريس او هرمس , اختص في مجالات علم الفلك والنجوم والجغرافية والرياضيات والتجارة .
 2 – الشخصية الثانية : تنكلوشا
فيلسوف وحكيم من اهل بابل , له عطاءات كثيرة في مسائل الحياة والوجود , وجاء ذكره من بين الحكماء السبعة في التاريخ القديم في كتاب تاريخ الحكماء ( تنكلوش البابلي , ربما تنكلوشا والأول أصح , هذا احد السبعة العلماء الذين رد اليهم الضحاك البيوت السبعة , التي بنيت على أسماء الكواكب السبعة , وكان عالماً في علماء بابل وله تصنيف وهو كتاب الوجوه والحدود كتاب مشهور بين أيدي الناس وموجود , ومدينة الكلدانيين مدينة الفلاسفة من أهل المشرق وفلاسفتهم أول من جدد الحدود ورتب القوانين ) ص29 , رغم عطاءاته الفكرية والفلسفية , عانى الإهمال والإجحاف , وله اهتمامات فلسفية في الحب والعشق والرغبة ( العشق مرض نفسي صعب العلاج وحالة تعرض العقل والنفس وهو بفعل الزهرة والمريخ , اوله الزهرة واخره المريخ , لأنه يبتدئ بالالفة والتشويش والاضطراب ) ص30 . مما هو جدير بالذكر في الآلهة الرومانية  اله ( كيوبيد ) اله الرغبة والحب والجنس , وهو ابن الهة الحب والجمال في الحضارة الرومانية ( فينوس ) , يقابلها في الحضارة الإغريقية ( افروديت ) ويقابلها في الحضارات العراقية , عشتار واينانا , إلهة الحب والجمال  . وكذلك في الحضارة الإغريقية إله الحب والجنس والرغبة  والزواج  إله ( ايرا / Ηρω ) ,
 
  والبعض يدعي بأن الفلسوف / الحكيم  ( تنكلوشا ) بأنه فارسيا أو رومياً أول اغريقياً .
 ومهما اختلفت الأسماء والنسب , وهذا طبيعي جداً في تداخل الحضارات القديمة , لكن تبقى شخصيات عراقية اضاءة وجه التاريخ والحضارة في مجالات العلم والمعرفة والفلسفة , واعتقد ان الكتاب لأربع شخصيات عراقية من التاريخ مهم في المكتبة العربية , في تسليط الضوء على ثقافة الحضارات العراقية الراقية , التي تمثل الوجه المشرق لحضارة وادي الرافدين . كتاب جدير بالاهتمام والقراءة.
جمعة عبدالله

 

متاهات  المرأة في المجموعة القصصية ( معابر الدهشة ) للاديبة زهرة الظاهري – جمعة عبدالله

   النص السردي يمتلك براعة الصياغة والخيال الفني , في صياغة وخلق وتكوين  الحدث , في الغور في الأعماق في عتبات السردية للنص , في الاتجاه الواقعي , أو الواقعية الاتجاه  التي تملك  المغزى والمعنى والايحاء البليغ في دلالته , هو يدخل في سيكولوجية المرأة التي تبحث عن الأمل والحلم والحب وتشوقه , في مجتمع وتقاليده تقف بالضد  من المرأة , أو  في الاحرى  المجتمع الذكوري يعطي كل الحق للرجل , ويسلب كل الحقوق للمرأة , في سبيل ان تظل ظل الرجل , أو اسيرة رغباته وافعاله , أن يكون ولي امرها , والقائم على شؤونها وبرمجة رغباتها وسلوكها وطريقة حياتها وظروفها وأسلوب طريقة معيشتها . في مجتمع ينظر بشكل أحادي للرجل ويترك المرأة تغوص في الظلم والمشقة والمعاناة  . هذه بيانات النص السردي في المجموعة القصصية ( معابر الدهشة ) أن الاديبة ( زهرة الظاهري ) تحاول ان تغوص في الازمة الحياتية الظالمة للمرأة بشكل عام  , وبشكل رصين بكشف الحقائق والوقائع في تداعيات الاجتماعية وتصدعها اليومية والمعيشية . في لغة سردية مشوقة وجذابة , بحيث تثير اهتمام القارئ وتترك اثراً في ذهنه من  التأمل والتفكير , وهو يتابع الاحداث الصادمة في النص السردي . واختارت الضمير المتكلم لقيادة دفة الأحداث وبرمجتها , وهي تحمل شحنات  من الانفعال والتعاطف في المشاعر في حسها ونبضها الانساني , وفي مخاطبة الآخر , مواد سردية من خامة الواقع الاجتماعي  , في جمالية عتبات النص , الذي يحمل ثنائية قبل وبعد الحدث ( ميتا سردية ) في النص والشخصيات , التي تغوص في البؤس والمعاناة في حياتها اليومية , يمتلكها القلق والخوف من المجهول , لذلك نجدها محبطة في الخيبة ومنكسرة في التصدعات النفسية في القهر في الواقع الاجتماعي , الذي ينهال على المرأة في كومة اخفاقات لتشكل لها أزمة حياتية ونفسية من الانكسارات .
   لنقتبس بعض القصص في إيجاز شديد :
  1 – قصة العرافة :
  للخروج من دائرة اليأس والإحباط في حياة المرأة المتكسرة نفسياً في مشاكلها اليومية , تلجئ الى العرافة , لكي تساعدها للخروج من النفق الحياتي المليء بالضباب , لكن العرافة نهج عملها الابتزاز والدجل والغوص أكثر فأكثر في المشكلة  , حتى تخلق لها عقدة نفسية متشظية عند زبونتها , رغم المرأة دفعت المال و باعت أساورها الذهبية واقترضت المال الكثير  ,  دون أن تجد كوة أمل . حتى العرافة ضجرت منها بتذمر وأرادت أن تقطع صلتها والكف في المجيء اليها  لتقول لها في آخر لقاء ( أتعبتني بشكواكِ  وتبرمكِ من كل ما حولكِ , لماذا لا تقتنعي بأن حظكِ من الدنيا سيء جداً , تصرفي في نظركِ تماماً على ان يكون قادم الأيام مواتياً لامزجتكِ الغريبة , أنسي أنكِ امرأة خلقت لغير البؤس , و تخففي من آفاقكِ الواهية ) ص13 .
  2  – قصة فلس :
 من سخرية الأقدار ومهازلها الاجتماعية من الآباء في اختيار اسماء غريبة لابنائهم , تكون محل تندر واستهزاء وسخرية من الناس , وتكون هذه الاسماء الغريبة ,  ثقيلة على صاحبها مثل أسم ( فلس ) رغم انه خريج جامعة , لكنة يشعر بالارتباك والتذمر من اسمه الغريب بين الناس  , وترشده احدى الموظفات التي استغربت من  اسمه ( فلس ) واقترحت عليه الذهاب الى المحكمة في سبيل تغيير الاسم الى اسم مناسب , وبالفعل قدم طلب الى المحكمة بتغيير الاسم , نظر قاضي الى اسمه الغريب وقال متذمراً ( – ابوك الامي الجاهل أسمه ابراهيم العريبي وانت الشاب خريج الجامعة أسمك فلس ؟ ) ص27 . وتم تغيير اسمه الى أسم مجد ابراهيم العريبي .
  3- قصة حمام الشفاء :
  امرأة بائسة منكودة الحظ , كأنها خلقت للقهر الاجتماعي , ان تكون لعبة بغض وكراهية  من زوجة أبيها بعد وفاة أمها , أن تجبرها على الزواج من رجل يفوقها عشرين سنة ومعتوه كأنه من أهل الكهف , وضع مصير حياته بيد أمه , التي عجزت أن تجد امرأة واحدة تقبل بهذا المعتوه بالزواج , وكانت الام شريرة في تعاملها الخشن والقاسي , وكانت المسكينة في عذاب ومحنة , وكانت على الدوام آثار التعذيب الجسدي واضح في جسمها , من رضوض ودماء من الفم والأنف وبقع السياط على جسمها , وزادت معاناتها انها انجبت جنين معوق ومشوه بعد ولادة عسيرة , فلم تعد تتحمل المزيد من المعاناة , وفي ليلة كالحة هربت مع طفلها المعوق , ليستقر بها المقام . ان تشتغل في حمام النساء , وتحت رحمة صاحب الحمام وزجته العجوز في استغلالها بابشع صور من المعاملة القاسية , وبالتالي زوجة صاحبة الحمام دبرت  لها مكيدة بتهمة سرقة أساورها الذهبية الثمينة وجرجرتها الى المحكمة , لم يفلح بكائها ودموعها الحارقة بأنها بريئة من التهمة ,وفي يوم قرار المحكمة طلبت من قاضي أن تكشف خفايا واسرار من الفضائح للزوج والزوجة , وخشية من كشف هذه الفضائح , سارعت العجوز البدينة الى سحب دعوة السرقة والتسامح عنها بحجة ( المسامح كريم ) .
  4 – قصة كورونا :
الاب مناضل سياسي تعرض الى السجن والاعتقال بسبب مبادئه السياسية  السامية بالمثل العليا في سبيل الدفاع عن  المظلومين والمحرومين , وكان يملك الجرأة والعزم والارادة , فلم ينحنِ للمضايقات والاضطهاد وكان داخل السجن ( يغني مع رفاقه سجناء الرأي , وللحرية والفلاحين والمقهورين وللذين  قضوا نحبهم تحت السياط وهم يهتفون بالقدس وفلسطين ) ص51 , وتحملت اعباء الحياة القاسية ابنته , لانه خرج من السجن فقير معدم , ولا يجد احداً يشفع له ويقدم العون لحالته  الرثة , وزاد الطين اكثر بوًساً تعرضه  بإصابة بـ الكورونا , ولم يستطع الذهاب الى المستشفى وشراء الدواء , لأن كل ما جمعته ابنته من المال كان شحيحاً لا يلبي الحاجة للعلاج والدواء . وتدهورت صحته اكثر , وابنته تفتش عن وسيلة نقله  الى المستشفى .
 5 – قصة نور :
 قصة مأساوية تمثل صرخة احتجاج وادانة للمجتمع وتقاليده الظالمة بحق المرأة , في ارتكاب جريمة قتل متعمدة ,  للفتاة انجبت منذ سويعات قليلة  جنين غير شرعي , في عملية دهس وحشية مزقت جسم الفتاة الى اشلاء متناثرة , وبالصدفة كانت هناك امرأة شاهدت مشهد الجريمة بشكل كامل , هرعت اليها , وتطلعت الحاوية القمامة , وجدت هناك علبة بلاستكية , حين فتحت العلبة وجدت في داخلها ,  جنين ملطخاً بالدماء , عارياً من الثياب , رغم البرد والمطر , وانطلقت بالجنين وقد لفته بعطفها صوب مركز الشرطة , تطلعت في وجه الجنين , كان نائماً كوجه ملاك بريء , ابتسمت له وهي تردد بحنان الأم ( – نور سيكون أسمك نور , ستنيرين الدنيا بضيائكِ ) ص109 .

 آهات  تتكسر على  صخرة الحصار في رواية ( فراسخ لآهات تنتظر ) للروائي زيد الشهيد – جمعة عبدالله

  يكشف المتن الروائي بانوراما  محنة الحصار على العراق , ومعاناته المتشظية في نيرانها على كل بقعة من الواقع العراقي , وهو يشهد اتعس مرحلة متأزمة و مأزومة في تاريخه السياسي الحديث , في حكم بشع ومتوحش في تسلطه واستبداده الطاغي , في الاضطهاد والعسف  السياسي والفكري في النهج والسلوك والأخلاق , حين  تسلم  (عريان/  تسمية تشير الى صدام حسين ) , حكم لا يرحم لا البشر ولا الحجر ولا الشجر , هذه التراجيدية المأساوية جثمت على صدور العراقيين على مدى ثلاثة عقود عجاف في لوعتها وقسوتها في الظروف الصعبة والقاهرة  التي جعلت الوطن  يئن بآهاتها الموجعة . سجلت هذه بانوراما المأساة في الحدث الروائي ببراعة وسعة الرؤيا والافق ,  ومن شهود عيان احترقوا بنار لوعتها من خلال ثلاثة من المثقفين , يتميزون بالحس الثقافي والوطني والثوري , يمتلكون اطلاع ومعرفة واسعة بالإرث الثقافي والأدبي العالمي في مجال الشعر والرواية , التي سجلت حضورها العالمي وأصبحت من مخلدات الثقافة الانسانية  الحرة العالمية  ,في نظرتها المنفتحة على الحياة ومجابهة الصعاب والتسلط الاهوج , كما أنها  تمثل الضمير الإنساني الحي ,  أحداث السرد سجل من خلال تفاعل  ثلاثة من المثقفين هم  ( رسام وناقد وشاعر ) ورابعهم الكاتب أو شخصية السارد المتكلم , وجدوا أنفسهم محاصرين ومخنوقين داخل اربعة يسمى الوطن  , وما عليهم إلا كسر ارادتهم وطموحاتهم , ورفع راية الاستسلام والخنوع والذل والانصياع كالببغاوات  الى دولة ( عريان ) التي شيدها في العراق ,  وهي عبارة عن سجن كبير يمارس فيه  نهج الارهاب السياسي والفكري , ولكن هؤلاء الشباب المثقفين  , يملكون الحلم والطموح بالتغيير , يرفضون الانصياع والدخول في قطيع الخرفان التي  يقودها ( عريان ) وأعوانه , هذا الصراع القائم  في صوره  المتوحشة , في سبيل ان تكون الحياة مغلفة  بالاحباط والهزيمة , هذا الوصف والتسجيل والتصوير في فصول السرد الروائي , الذي توزعت فصوله المتداخلة  بين  الحصار داخل الوطن , والتشتت في المنافي الغربة , والعودة بعد سقوط نظام ( عريان ) كناطحة سحاب تسقط  كأنها  مشيدة من الرمال  , اصبح ( عريان ) عارياً كالجرذ بعدما خلع ثياب الاسد  , وبان حقيقته كجرذ مرعوب عارياً من الثياب  . ويعتبر السرد الروائي وثيقة تاريخية تسجل تلك الأحداث العاصفة في تلك المرحلة التي احترقت بنفسها ولنفسها , بسبب نهج التهور والحماقات السياسية الخرقاء , والوقوف بالضد طموحات الوطن في الأمان والحياة الكريمة , التي تحترم فيها قيمة وكرامة الإنسان , ويغور المتن الأحداث في اعماق الحصار الدولي , والحصار من قبل  النظام نفسه في نهج آلة القمع والارهاب, المعجونة بالمعاناة القاسية , لقد عانى هؤلاء الشباب الثلاثة ( عبدالرحمن / نقد . كمال / رسام تشكيلي . مبدر / شاعر ) لوعة الانسحاق الإنساني ,  من اعوان النظام في دولة المخابرات والأمن , عانوا السجن والاعتقال , والظلم والتشرد من أجل تجريدهم من إنسانيتهم , ليدخلوا  في قطيع كالببغاوات , وان تكون وظيفتهم مقتصرة على  التمجيد والتعظيم لشخصية ( عريان ) هذه النخبة المثقفة  تمثل مزايا المثقف الملتزم الاصيل ,  رغم الإرهاب المتوحش والبشع . ( كمال / رسام ). لم يتحمل وزر المعاناة وثقلها الجسيم , فانهى حياته بالانتحار بالغرق في النهر , تاركاً زوجته وعائلته في مهب الريح والمجهول  و( عبدالرحمن / الناقد ) لم يتحمل الواقع المأزوم بعد الاعتقال , أخذ طريق الهجرة والرحيل خارج العراق أول محطة اسطنبول لينتهي به المطاف في السويد  , وتبعه الشاعر ( مبدر ) والكاتب بطل السرد الروائي طفر الى خارج الحدود الى عمان / الاردن لينتهي به المطاف في طرابلس / ليبيا .  وأعوان ( عريان ) يمارسون دورهم القذر وهم يمثلون اقذر حثالات في  المجتمع  , جاءوا من حضيض القاع البئر العفن  , ليصبحوا أصحاب الجاه والمقام والنفوذ , يتحكموا في مصير الناس دون محاسبة وعقاب , ليمارسوا أفدح الاساليب الوحشية في دولة الأمن او العين الكبيرة , التي تحصي وتراقب  وتتصيد حتى أنفاس ولهاث الناس , في سبيل الإيقاع بهم في سراديب السجون وزنازين الموت  , مما يتركوا الناس في حيرة وارتباك والقلق على مصيرهم من هذه الحفنة من الذئاب الوحشية , هذه التساؤلات المربكة والحائرة والقلقة : الى أين مصير وماذا بعد؟  ( ما هذا الذي حدث ؟ لماذا ؟ …. وكيف تسببَ الجناة في تشويه وجه الوطن السمح الجميل ؟ وماذا جنت مدننا الحبيبة حتى ترتفع على جدرانها حواريها لافتات الكدر ؟ ولماذا غدت الشوارع صحفاً يومية يقرؤها الأتون إما بحزن مرير  أو سادية موغلة بالتشفي ) ص15 . لكن الواقع ينحدر الى لهيب  نار المعاناة القاسية , تحت رحمة القتلة والسفلة  , لا يعرفون سوى لغة  الشتائم والسباب باقبح اوصافها , وهم يعطون شهادات حسن السلوك , وتقسيم الناس بين الخونة لا يستحقون الحياة , وبين   أبناء الملائكة والامهات العفيفات والطاهرات , وليس هم من ابناء امهات عرفت بالبغي والعهر , حتى لا يعرفون من هم آباؤهم واسمائهم , وفي مقدمتهم ( عريان )   وهذه بديهية منطقية بأن  العاهر  يوصف الشريف بأنه  ابن العاهرة والزنى ,  وهم  في واقع الحال يقصدون انفسهم  بالتسمية ,  وليس وصم  الناس الابرياء ( لقد رمونا في رحم المنافي ثم راحوا ينهالون علينا بهروات شتائمهم ونعوتهم الجاهزة , فتارة نحن الخونة وهم صومعة العفة ! نحن القمامة على قارعة الطريق وهم ساحة الروض العاطر المفعم بالورود ! نحن أبناء العاريات اللاتي لا يسترن عوراتهن وهم أبناء الناسكات الطهورات حافظات فروجهن وساترات مؤخراتهن ! نحن الكلاب السائبة وهم أولاد الملائكة ! وكأنهم لم يأتوا من أوجار الثعالب العفنة وبيوتات العهر التي ضمت أمهاتهم , وتوزعوا بين آباء لا يعرفون أسماءهم ) ص48 .  ومنذ استلام ( عريان ) زمام مقاليد السلطة , زاد ممارسة  النهج الإرهابي يتصاعد وتيرته أكثر في دولة الارهاب لقمع حرية التعبير , بحجب الصحف  شكاوي المواطنين , بحجة أنها تعطي صورة سلبية للسلطة , وفتح النيران اكثر على المثقفين في نهج الإرهاب والترغيب , لمن لا يمجد القائد الاوحد ( عريان ) لا يستحق الحياة , نصيبه السجن والتعذيب والتشريد والابعاد .بهذا النهج المتسلط يقودون  العراق ( أيُّ خرابٍ قادوا إليه أولئك القتلة ؟ .. واية فجيعة يتجرع أهلنا مرارتها يومياً؟ .. ما معنى أن نظل نتطلع من بعيد ونراقب حارقين مهجناعلى اكتواء تتابعي , تدريجي سيقودنا حتماً الى الفناء ؟! ) ص162 . هذه الأحاديث تدور بين العراقيين والمثقفين ,  في وجعها المؤلم على الدوام , و تتوارد إليهم الأخبار بتشدد  القبضة الحديدية في الغوص في الإرهاب والتعالي والغطرسة المتوحشة . كأن المواطنين دمى  يلعبون بهم لعبة الموت والحياة  , لكي يتسلوا بانتشاء متوحش ( تتبري صورُ الصحافة تعرض أجساداً ممزقة وجثثاً متفحمة , ونيراناً تلتهم أحياءً برمتها , وفي المقابل نرى صورة لاحد قادة عريان آمر أحد الجحافل العسكرية برتبة كولنيالية يشرب ( الكوكا كولا )   أمام جثث بشرية ممزقة جمعت القتلى العراقيين والإيرانيين على السواء , عارضاً ابتسامة انتشاء  أمام  عدسة الكاميرا كما لو أنه ينتصب بين حقل زهور , لتؤخذ له لقطة تذكارية باحتفالية واحتفائية مزدوجة بينه وبين ازدهاء الطبيعة ) 212 . هذه حقيقة السلوك لمن يدعون انهم ابطال الامة العربية وحصنها المنيع ,  وحراس البوابة الشرقية  , ومحرري فلسطين عبر عبادان , وهم بنهجهم يمثلون عار للأمة العربية وفلسطين , فقد دفعوا الوطن من حرب الى حرب , ومن جهنم يليه جهنم آخر , والحياة تتعمق في ازمة مأساتها الدراماتيكية  و ( عريان ) لا يكف عن ارتكاب حماقات خرقاء , واكبر الحماقات العبثية المهلكة , التي لم يحسب لها حساب, هو دخوله الأحمق الى الكويت , كان فخاً منصوباً له , ليتحول العراق الى الضياع والتيه ( – في زمن الضياع يغدو الموت مجاناً .
– زماننا كله ضياع
– الصابرون نفذ لديهم صبرهم فاستعانوا  باليأس أمنية للموت ) ص285 . قدر العراقيين السيء , هي المعاناة في الداخل العراق , والتشتت في منافي الغربة . والسرد الروائي يتعمق في محنة العراقيين في الغربة عامة , وخاصة في عمان / الأردن , ويصبح الوطن لوعة الذكريات للاهل والاحبة والحبيبات والعاشقات , في حنين الشوق ( آ ….. أتذكرين ؟!
عند أزقة كفيكِ خبأت لثمي .
وعلى سهوب عنقكِ أودعت انفاسي .
أتذكرين ؟!
مستعيناً بخفقة صدركِ
جابهت الرحيل , ضممتهُ في ثنايا معطف
الصبر
رحلت وفي كفي قسمٌ من فم عينيكِ
بحتمية احمرار الورد , وشفاء الوطن
أتدرين بغيابكِ تناسل عسس السلطان ,
وتوالدت جحافل المستحيل
صارت الشوارع متاريس ) ص220 .
وعن معاناة العراقيين عامة , والعراقيات خاصة في عمان / الأردن , في حياة صعبة في ظروفها القاسية بالقهر , وكان تجمع العراقيين عند الغروب في الساحة الهاشمية في عمان , يتبادلون إخبار الأهل والوطن  , والظروف المتعبة للعراقيات الوديعات بالطيبة , يكافحن من اجل رغيف الخبز  ( عراقيات بوجوه موحلة أرى , يفترشن الأرصفة ويلذن من قلقٍ يتوقعن حدوثه أية لحظة , يبعن السجائر ويفترشن الورق المقوى , ثم يتخذن من منعطفات سلالم الفنادق ملاذاً لاجسادهن المتعبة , يرمينها عقد ساعة نوم هادئة وليل ينأ عن الهموم  ) ص276 . ويفتش عن حبيته ( نجاة ) ربما تكون بين العراقيات . ولكن الطامة الكبرى تأتي لتقصم ظهر الوطن , بعد انهيار نظام ( عريان ) كان امل كل العراقيين , بأن العراق سيقف على قدميه ويمحي الماضي البغيض ,وترجع الحياة من جديد في إشراقتها وكنس قمامة نظام عريان , ولكن هذه الامال  تحطمت بالفشل والخذلان . فقد جلب المحتل اقذر نخبة سياسية عفنة , من النفاقيات والقمامة التي جمعها المحتل وسلمها مقادير العراق , وهي لا تملك  ذرة من  الانتماء الى العراق , واطلقت العنان لعصابات القتل والجريمة والسلب والنهب , ان يتحكموا بالشوارع وفي مصير العراقيين , واصبح القتل والخطف والسلب بالمجان في غياب الدولة . والذين هفوا إلى حنين الرجوع من الغربة إلى الوطن , تجرعوا علقم الفشل والخذلان والهزيمة  ( – أخطأت كثيراً يا أخي بعودتك .
وأخطأ تقديرات  الحال , فتصور أننا نعيش كأحياء ) ص323 .
هكذا قدر الوطن من السيء  الى الاسوأ , والعراق يرقد على فراش المرض , دون أن يجد طبيب يداويه من علته
( الليلة
وطني يذهب الى السرير
يرمي رأسه المتعب على وسادة القلق
فلا ينام !
……….
…………
غداً تبدأ الحرب !!! ) ص 348 .

 

محاكمة الواقع في رواية ( شيء ما في المستنقع ) للأديب قصي الشيخ عسكر – جمعة عبدالله

المتن الروائي يمتلك براعة في اسلوب التقنية الفنية  بالصياغة الفكرية , في الخيال  الخلاق , وهو يبتكر اسلوب رواية الخيال العلمي , من تداعيات الزمن الحاضر , تملك دلالة بليغة في خطابها الرمزي المثقل بالمغزى العميق  في استلهام اسطورة طوفان ( نوح ) وسحبها الى الواقع  الحاضر ,  ليدق  ناقوس الخطر بالتحذير بالطوفان الثاني القادم , إذا لم يتعظ الواقع من عبر ودروس الطوفان الاول , بهذه النظرة  البصيرية الثاقبة , بأن الطوفان الثاني سيكون أكثر فداحة اذا لم تتغير عقلية المجتمع والمتسلطين عليه في عبثهم في في الخراب والحروب  , إذا لم يتخلص الواقع من الفنتازيا  التي تتحكم به ,  والحدث السردي في الاتجاه ألاسلوب الخيال العلمي في الرواية    يمتلك وجاهة هادفة في الرؤية البصيرية من مديات الواقع المأزوم  , منصات   السردي الروائي اعتمدت السرعة والتكثيف في دراماتيكية  الاحداث المتصاعدة نحو الذروة  القصوى , وهو يدلل عمق  الازمة التي تجتاح الواقع , الذي  بمخمط  الحقيقة والحرية , وبالتالي  يؤديان الى ضياع الواقع والانسان معاً , هذه رمزية المستنقع ,  وهي رمزية الواقع المقطع الأطراف والأجزاء ,  ويتحرك بدون عقل أو رأس  , هذه الرؤية الفكرية التي اشتغل عليها الأستاذ الروائي قصي الشيخ عسكر في رواية ( شيء ما في المستنقع ) في أسلوبها الخيالي الخلاق , في احداث تمتلك البعد الاجتماعي والسياسي والنفسي , والغوص  في دلالاتها العميقة  , والحدث السردي يتطرق الى وجود جثة طافية على سطح المستنقع مقطعة الاجزاء أو بقايا من جثة , بلارأس , وبلا اطراف  ويعطيها ابعاد فكرية عميقة الدلالة , والبحث  داخل المستنقع لتجميع بقايا الجثة طافية على جرفه , بشكل  مختلف عن روايات فرانكشتاين المتنوعة  , ليس في تجميع اجزاء من جثث الموتى من المقابر أو من الحوادث العاصفة , من اجل خلق المسخ للقتل والاجرام والانتقام . في هذه الرواية يكون الأمر مختلف جداً بأن هدف تجميع بقايا الجثة لشخص نفسه , ليعيد حقوقه المسلوبة , في الحرية , ليعيد وجه الحقيقة  الضائعة في ركام الزمن او في المستنقع الذي يرمز الى الواقع القائم   , وشخصية بطل الرواية   يقوم  بدور البصير في التنبؤ في  الأحداث القادمة , لكنه يتهم بالاجرام والقتل ويقدم إلى المحكمة على جرمٍ لم يقترفه  , بما يدلل بأن عدالة القضاء  ناقصة مبتورة , كأنها  تحاول ان تخلق التهم بشتى انواعها وتفرضها عليه  , كأنها تحكم  على جندي عائد من الحرب منكسراً ومهزماً ومحبطاً, يحاكم على خيبته واحباطه وانكساره , هذا الواقع المأساوي في الأزمة الانسانية الضاربة في الأعماق الواقع  , يرى الامور بالمقلوب  ويتهم  بالتمرد والخيانة , وبذلك وجوده  يشكل خطراً على المجتمع والأمن والنظام  , وعليه تقديمه الى المحاكمة , بالتهم ,  بأنه يختلق الاكاذيب في وسوسة عقول الناس ,  . وحين يدق ناقوس الخطر بالطوفان القادم , يتهم بالفوضى وتغيير النظام , ويقدم الى المحكمة بقضية اجرام خطير,  وتجري المحاكمة بهذا الشكل ( الدفاع : يرفع يده معترضاً . سيدي القاضي  ارفض ان يوجه الى موكلي سؤال يخص حياته السابقة , حيث كان يعاني من مرض ,
الادعاء : لكنك لم تكتفِ بذلك قطعت شجرة قديمة
المتهم : كنت أهيئ نفسي للطوفان
الادعاء : لو كان ما تقوله صحيحاً فلم اخترت شجرة ترجع إلى الطوفان الأول ؟
الدفاع : يرفع يده معترضاً . سيدي القاضي لا يحاسب الإنسان على المصادفات
القاضي : الاعتراض مرفوض ) ص80 . كما قوبل بعاصفة من الضحك في المحكمة  حينما قال المتهم , بأنه كان يبحث عن جثته في المستنقع .
                 ×× مسرح الاحداث والطوفان :
طفل فقد ابيه غرقاً فتولت الام تربيته برعاية حنان الام , وتعليمه على  الذكاء والفطنة والبصيرة في الحياة , وكانت قلقة جداً على حياته من العواقب الوخيمة ( أخشى ان خرجت ألا تعود ابداً .
– أني ابحث ابحث عن شيء حلمت به ولا اتذكره
 قالت يائسة :
 – حاول ان تتذكر قبل أن تخرج ) ص6 . فكانت تناوشه الهواجس , التي تضجع راحته في الحلم واليقظة , لهذا يخرج كل ليلة صوب المستنقع , كأنه يفتش عن شيء مفقود منه , رغم تحذيرات الأم بعدم الذهاب ليلاً الى المستنقع , لكنه يخالف رأي أمه ويصر على الذهاب والتفتيش في ماء المستنقع , يأخذه هاجس الحلم الى المستنقع ( جذبه طريق طويل تحف جانبيه اشجار الصفصاف , ثم يلتصق بمستنقع عند أول منعطف , ظل يمشي محاولاً التذكر , غير منتبه الى النقيق وغناء الطيور , كانت أحاسيسه تتمثل في عينيه وهما تتابعان النهر ويخطوان  برجليه وسط الأشجار الكثيفة   , استوقفه شيء ما بالقرب من الجرف  بقعة ضحلة راكدة بدأ الشيء  الغامض ثياباً للوهلة الاولى , ثم تبين بعض جثة تطفو في الماء على صدرها ) ص6 . ثم تبين بقايا جثة بلا رأس , بلا أطراف , وسحبها الجرف , لكن بدأت الحيرة والارتباك تأكل عقله بالهواجس القلقة , كيف وجد بقايا جثة ؟ وكيف عثر عليها ؟ ربما يتهم بالاجرام والقتل , ماذا سيقول الناس عنه ؟ ربما بأنه هو القاتل والمجرم , ماذا سيخلق الانطباع عند الناس بالأقاويل عن إنسان وجد بقايا جثة , وربما تنسحب اقاويل الناس على أمه بالسوء , وخاصة أنها رفضت الزواج بعد موت زوجها غرقاً , وقد تقدم  إليها الكثير  بطلب الزواج , لكنها كانت تصر بعناد , بحجة رعاية طفلها , يشعر  انه في حيرة وتخبط في قراره , كأن الحلم الذي كان يراوده , يجده في اليقظة ماثل أمامه  . وعليه  ان يقول الحقيقة أمام الناس بدون كذب  ومراوغة , ان يكون حذراً في خطواته  , حتى لا يقع في مأزق  ( أتخذ تدابير احتراز بعد أن صنع زورقاً لا يشبه الزوارق الراسية على الجرف , وهدفه ان ينزل الى المستنقع من غير ان يعرفه الاخرين بذلك ) ص47 . لكنه وقع في المحظور وانتشر خبر بقايا الجثة بين الناس ,بعدما سحب الجثة الى غرفته واخفائها , وقدم إلى المحكمة بتهمة القتل والاجرام ( القاضي : ماذا تقول في التهمة الموجهة إليك  ؟
 – الدفاع : سيدي , أن موكلي أصم وأعمى وأبكم
– القاضي : مع ذلك يجب أن لا نتجاوز على الإجراءات التقليدية ) ص59 .  بدأ يشعر بأنه غريب عن المجتمع , والقضاء والنظام ,  يترصدون به , لايقاعه في الفخ , ولا يمكن تغيير عقلية المجتمع بأنه ليس قاتل , ولم يسمع نصيحة الآخرين بعدم تصادم مع المجتمع  ( – اسمع ياولدي , حينما كنت في سنك فكرت بالتغيير , فقد كان كل شيء رتيباً , اردت ان احرك الرتابة فاختفيت , كان الخطأ بعدئذ غير متعمد فبدلاً ان تحدث قفزة  أصبحت أسطورة  ولغز ) ص74 .
لكن الغرابة في امر بقايا الجثة , انه كلما اكتشف  جزء من بقايا  الجثة ,  فقد جزءاً من  جسمه . ,  هو  يحاول جاهداً   تمزيق ستارة القضاء  والقانون  ويكشف الأخطاء  الجسيمة ضد الزمن والانسان  ,فبدلاً من مناقشة  رؤيته الفكرية بالطوفان القادم   , يتهم بالاجرام وخيانة الوطن , وحتى لو كانت بقايا الجثة  هي جثته ( الادعاء : ألم يكن تعرف ان اخفاء جثة مهما كانت محظوراً ؟
المتهم : لكنها جثتي
الدفاع : ( يرفع يده ) سيدي القاضي ما دامت الجثة تابعة له , فلا يحق لاي شخص ان يحاسبه
القاضي : القانون ينص على عموم الجثث , كان على المتهم أن يخبر عنها . الاعتراض مرفوض ) ص81 . ثم تضاف الى لائحة الاتهامات اشياء اخرى تصب في  الاعتراض على القانون والقضاء والنظام  , وهو بمثابة  التحريض على الدولة في المطالبة بالتغيير  ( الادعاء : ماهي دوافع خروجك في الليل ؟
– المتهم : كنت ابحث عن جثتي
  ( ضحك وهرج في القاعة , القاضي يدق بمطرقته )
الادعاء : هل وجدت جثتك ؟
– المتهم : عثرت عليها مجزأة , لا أعرف من قتلني ؟ . وكيف سقطت ؟ مع ذلك قبلت حكماً في اليقظة , ونزلت عنه الى حكم النوم , ثم دفنت الجثة في غرفتي ) ص82 . ويستدعي للمحكمة شهادة الأم لتقول مبررة فعله ( – الام : يحاول ان يجمع أشلاء جثته ويفكر بالطوفان  ) ص84 . ثم تستدعي الى  المحكمة شهادة إمرأة ( الدفاع : هل لكِ ان توضحي الامر ؟ .
– المرأة : في البدء عثر على الوسط ثم القدمين واليدين والرأس
– الدفاع : هل تأكدتِ انها جثته ؟
– المرأة : نعم ) ص85.
لكن وقع المحظور وما كان ينادي به ويحذر منه  , من الطوفان الثاني سيكون أفدح من الطوفان الأول , سيهلك كل شيء , ولم يترك أي شيء لم  يصبه الخراب العام , فقد اشتعلت الحرائق والنيران في كل مكان ( كان يرى ألسنة النار تلتهم الشبابيك  والأشجار الارصنة  , الدخان يتصاعد فتنشر في الأفق روائح كريهة ) ص91 , ولكن بعد الحرائق   تعود جثته  اليه  , يعود ابيه الغريق الى الحياة , تزوجت أمه بعد ما كانت تصر بعناد على رفض فكرة الزواج , اما هو فكان يجدف إلى عمق المستنقع , منتظراً ان تنحسر النار ويعود من جديد . وهذا يدل بأن الحياة لن تموت مهما طال الزمن , فلابد ان تنبعث مجدداً من رمادها .

التحدي ينتصر على الظلم في رواية ( ضحكة موزارت ) للأديب إبراهيم  سبتي –   جمعة عبدالله

  يمتلك الحدث السردي , صياغة فنية في منتهى الشفافية والتشويق والمتعة المرهفة , في أسلوبها  الرشيق ودراميتها المتصاعدة نحو الذروة , بأن تكتمل اجزاء  صورتها الفنية والتعبيرية والفكرية في التدرج الدرامي  للاحداث , تملك أهمية بالغة لأن مادتها الخام هي من  أحداث التي  برزت على المسرح السياسي , بكل عنفوان وأصبحت حديث الساعة , ماهية الظروف القاهرة والقاسية التي تدفع الى الهجرة , وخوض مغامرة عاصفة بالمخاطر والعواقب الوخيمة , مهاجرون أصبحوا شهية حيتان البحر , أو الموت والاعاقة , اضافة أن الهجرة أصبحت تجارة رابحة , قوامها الابتزاز والنصب والسرقة والغش , يعني المهاجر يكون الضحية الطيعة  تحت أمرة المهرب , لعبة بين  يديه , ولكن السؤال المشروع منْ فتح هذا الباب الخطير ؟  ومنْ هو المسؤول في دفع الناس الى شق طريق الهجرة الخطير ؟ بدون شك , حينما تسيطر  على الواقع طفيليات هجينة , مغرورة ومتكبرة , تسلقت على الحكم والنفوذ والمال , وأصبحت فوق القانون والدولة, سلاحها السطوة والجشع والاستحواذ والابتزاز ,لتكون عوامل في  تفجر زوابع الظلم والحرمان والإرهاب . هذه الشريحة المتسلطة على رقاب الناس , تريد ارجاع الزمن الى الوراء الى زمن  العبودية والذل والمهانة , تنتهك كرامة الانسان بأي شكل من الاشكال بكل بساطة , طالما هي تسيطر على رقاب الواقع والناس , ولكن بالمقابل الروح البشرية النزيهة و التواقة الى الحرية ,  ترفض الخنوع والذل وسلب الكرامة , وتخلق روح التحدي والمقاومة والرفض وتضحي بكل غالٍ ونفيس  مهما كان الثمن الغالي  , وهذه الخصائل لم تحسب لها بالحسبان هذه الشريحة الطفولية , ولم تقدر عواقبها ( لو دامت لغيرك لما وصلت اليك ) , فمن يقبل اهانة كرامته وسلب حقوقه في وضح النهار ؟ ومنْ يقبل ان يعيش في الذل والمهانة والهوان ؟ الطبيعة والقوانين السماوية والارضية , تقر لكل فعل رد فعل مضاد له , مهما طال الزمن فلابد من يوم الحساب , وتحت الرماد ناراً قد تتفجر في اية لحظة , لأن البشر ليس لعبة أو دمية لسطوة  الطغيان , هذه المنطلقات الفكرية والتعبيرية من أحداث السرد الروائي في رواية ( ضحكة موزارت  ) يقدمها المؤلف في شفراتها الرمزية الدالة الظاهرة والخفية بعمق الرؤية الفكرية  الصائبة والواقعية  , اذ لا يمكن لاي عاقل ان يغامر بالهجرة إلى الدول الاوربية , اذ لم يكن مضطراً بفعل الظروف القاهرة ضده  , لأن مغامرة اللجوء  محفوفة بالمخاطر , ولكن واقع البلاد  المأزوم ,  يسد كل الأبواب والنوافذ , . سوى أن  يبقى  نافذة الهجرة مفتوحة على مصراعيها.
              ×× أحداث المتن الروائي :
 تتحدث الرواية بلغة السارد أو الراوي لاحداثها , وهي الشخصية المحورية التي تدور حولها الأحداث , بأنه مؤجر بيت من صاحب الدار ( علوان ) لعقد مدته خمس سنوات  , وهذا  التاجر الجشع الذي يملك الأملاك والعقارات والجاه والنفوذ والسطوة القاهرة , ويعتبر نفسه فوق القانون والدولة , يعتزم طرد المؤجر من الدار بكل وسيلة غير شرعية , وهذا المؤجر يرفض الطرد المهين والمذل ,  ويمتنع عن تنفيذه مهما كانت الأحوال , مما دفع المالك ان  يمارس كل انواع  التهديد والوعيد , وكيل الاهانات ومسخ الكرامة  والاستهزاء به  أمام عامة الناس , ويحاول أن يطرده   من وظيفته ومصدر رزقه ايضاً  , لذلك فكر في وسيلة التخلص من صاحب الدار المتنفذ والمتكبر  , بأنه يتمنى أن يمتلك طاقية الاخفاء أو قبعة الاخفاء , فكر بها عندما كان حينذاك طالباً  في المدرسة المتوسطة , عندما لفظ كلمة انكليزية بشكل سيء , اثار الضحك والاستهجان من الطلبة يتقدمهم المدرس , الذي وضعه في موقف حرج امام الطلبة ,  وتمنى لو عنده طاقية الاخفاء لرد الصاع صاعين , ويجعل المدرس اضحوكة واستهزاء امام الطلبة , رغم أن المدرس في اليوم   الثاني ,  قدم اعتذاره الشديد ,وانه آسف لما حصل ,  لهذا جاءت فكرة طاقية الإخفاء وهو يتابع ويراسل اخبار  العالم الألماني ( هولمر ) الذي كما تذكر اخبار  مواقع التواصل , بأن يشتغل  على اختراعه لسنوات في صنع قبعة الإخفاء , ولكن  لم يجد  احداً  من يجربها , وتيقن انها الحل الوحيد أو المنقذ الوحيد  لرد  الصاع بصاعين ضد صاحب الدار الجشع ( علوان )وسيجعله محل تندر واستهزاء امام الناس ويسترجع كرامته المهدورة ( مخرت عباب افكاري المتلاطمة عليَّ اجد شيئاً يريحني ويرد هيبتي المنارة أمام عائلتي وجيراني وزملائي الذين أنتبهوا الى اهانات وتجريح المسؤول , وسينقلون الحدث لعوائلهم بالتأكيد , أذ سيكون ثأري من المسؤول الذي اجهل أسمه ومن قريبه علوان ) ص12 . فلابد أن يفتح قنوات الاتصال , ويسعى إلى الوصول إلى  العالم الألماني ( هولمر ) ليعلن استعداده الكامل ليقوم في تنفيذ تجربة  اختراعه الجديد قبعة الإخفاء , وان يشكو معاناته ( بأن اذهب واقابل هولمر الالماني واتباحث معه واحكي قصتي , وما اوصلني الى  التفكير باملاك هذا الاختراع , سأقول له كل شيء , ولن اكذب وابالغ في اقوالي , وفي لحظة صفاء وأنا بكامل قواي العقلية , قررت السفر إلى ألمانيا ومقابلة يوهان هولمر وجهاً لوجه ليحدث ما يحدث ) ص17 .فباع مكتبته العامرة وحلي زوجته وما  يملك من تعب السنين من المال , وقرر الهجرة أول محطة سفره هي  تركيا , أن يجد مهرب ينقله الى احدى الجزر اليونانية القريبة من حدود تركيا, وتم الاتفاق مع أحد المهربين في مغامرة الإبحار بالقوارب المطاطية مع الآخرين , وهو يدرك حجم  المخاطر الرحلة , ربما يكون نصيبه  الغرق ,  ويكون طعماً شهياً لحيتان البحر ,  ولكن اصراره على الهجرة اقوى من كل المخاطر والعواقب الوخيمة , حتى يسترجع كرامته المهدورة, وابحر مع الاخرين من المهاجرين , وكانت العناية الإلهية حاضرة  انقذته وانقذتهم  من الموت  والغرق , ووصل إلى إحدى الجزر القريبة , ثم انطلق مع الاخرين الى أثينا وبعدها الى الحدود ,  ودخل مقدونيا ثم صربيا ثم هنغاريا  , كانت رحلة طويلة متعبة ومرهقة محفوفة بالعوائق والصعاب, ولكن عناده أن يصل إلى العالم الالماني مهما كلف الامر حتى يرد كرامته من ( علوان الوقح الذي لا يهمه حرمة جار ابداً ,أنسان خارج النظم والأخلاق , وعليَّ تلقينه الدرس الذي يستحقه , لا اعلم لماذا يقفز علوان الى ذاكرتي , وانا احاول تبديد قلقي وخوفي على مصير عائلتي ) ص92 . لذلك تهون عليه  المخاطر والصعاب ,  أمام تحقيق  ارادته مهما كان الثمن , لان الاختراع الجديد بصنع طاقية الاخفا يستحق العناء والتعب , وحين يسألونه من  جماعته من المهاجرين عن سببب الهجرة , يجيبهم بأنه يريد مقابلة العالم الألماني هولمر , يستغربون من كلامه , ولكنه يوضح هدفه لهم (  – أحتاج منه شيئاً , اختراع جديد جئت آخذه منه , سيغير حياتي الى الابد , واعتقد أنه يستحق المعاناة والسفر الطويل ) ص104 . ووصل إلى ألمانيا وذهب الى مختبر العالم الالماني وقابله وقال له ( – لقد تحملت كل تلك الطرق الموحشة وغير القانونية والسير لساعات وساعات , كي اقابلك , قرأت أنك تقوم بتصنيع قبعة الإخفاء  وهو الاختراع الاول في العالم ) ص146 .
قال له العالم بأنه بالفعل يبحث  عن شخص يجربه , ولم يجد احداً , بأنهم خائفون , أو انهم لم يصدقوا اختراعه , ونهض أمام  العالم بأنه جاهز لتجربة , فقال له العالم الألماني ( – هل تقول بأنك جئت الى هنا لتجربتها ؟
 – ولدي فيها غاية آخرى .
– عاهدت نفسي أن لا  تستخدم في غير محلها , ولا أريد إيذاء الناس  , ولا استخدمها في اماتتهم أو سرقتهم ,أو ابغي النفع المادي من روائها ) ص148 . ومن جانب العالم الألماني أطلعه على تفاصيل العقد والاتفاق , بأنه سيمنحه المال الكبير كتعويض في حالة الفشل  , ويحاول أن يسجل اسمه في دائرة الهجرة ويسهل الإجراءات , بعد التجربة , ولكنه طرح شرطاً حتى يوقع الاتفاق ( – ماهو شرطك الجديد ؟
– تمنحني ملكية نصفها
– لماذا ؟
– هذا شرطي الوحيد ) ص160 , اهتز العالم الالماني غضباً واحتجاجاً ورفض الشرط , ودخل في جدال عقيم فترك العالم الالماني في مختبره . ونزل الى الشارع, محاولاً الاتصال بزوجته ليطمئن  عليها وعلى اهله , فسمع صوت زوجته المتقطع يقول ( – اسمع …. راح صوتها يتقطع .. علوان …..
 – ما به ؟
 – قتل ….. ماذا …. قت ……ل ….. قتلوه …..
كيف ؟ من قتله ؟ ….. ) ص 167 . انقطع الاتصال لنفاذ العملة المعدنية , وشعر بالإغماء  والرعشة تجري في عروقه ( – معقولة ؟ لا اصدق .. مات علوان واختفى من حياتي . أنه كلام كبير وخطير , ارتحت كثيراً , وانتعشت وزادني الخبر  الصاعق بالثقة المفقودة منذ زمن . وشعرت بنشوة الفوز في المعركة , ولم أعد احتاج الى القبعة , ولا البقاء هنا ) ص167 .
وزاد زهواَ وفخراً ولهفة ,  كيف الوصول الى العراق  , وقد استعاد كرامته  المهدورة , وكيف الوصول ؟ , هل يملك الحصان الطائر يبرق  به  , والعالم الألماني  قدم شكوى الى دائرة الهجرة , وهذه اتخذت قرار تسفيره الى تركيا , واستعد للسفر الى تركيا هو  في نشوة النصر .
      جمعة عبدالله

البحث عن المصير في رواية ( ما لم يقله سيزيف في مذكراته المجنونة ) للكاتب كريم عبدالله‎‎

 جمعة عبدالله
القسم الاول :
رواية حوارية متعددة الأصوات ( بوليفونية ) و الحوارات  الدرامية صيغت في ابتكار خلاق , غير مألوف في فن الرواية الحديثة , من حيث سياق الأحداث بالصيغة الحوارية أو ثنائية ( السرد والحوار ) وهي تؤدي ادوار مسرحية على المشهد العراقي الواقعي , بتقمص المسرح السياسي عبر تاريخ العراق السياسي  , في عهد نظام البعث , وعهد التغيير بضمانة المحتل الامريكي , في مسائل حياتية بالغة الاهمية في العهدين , من حيث : السياسة والدين , والوعي الأيديولوجي  , والحب والجنس , والحرب , و في حرية الرأي والمعتقد , أو خنق حرية التعبير وتكميم الافواه , من حيث الانتقام والعنف الدموي . والجريمة والإرهاب  , من حيث التجسس والترصد والمراقبة , وحتى توظيف الايروتيكية المبتذلة في الإغواء والاغراء لصيد الضحية , لكشف ما يحمل في داخله من اسرار  , وهي جزء من المراقبة وجس النبض , في التفريق بين من الذي يدين بالولاء التام للقائد المفدى , ومنْ هو المشكوك بالولاء   . من حيث البحث عن المصير الإنسان  المعلق , والبحث عن الحقيقة من وسط الركام الفوضى الخلاقة  . وفي مسائل الشك واليقين في وسط غياب العدالة الضائعة في ركام التيه , والبحث في مسألة الوجود واللاوجود  , شخصيات تؤدي أدوارها المسرحية في المشاهد  والحوارات , تترجم الواقع العراقي الحقيقي  في العهدين , شخصيات حوارية تمتلك مساحات واسعة من الحرية والاستقلالية عن السارد العليم , او من  ( الكاتب ) نفسه ,  الذي وضعهم  في أدوار غير عادلة في  اختلال التوازن . شخصيات ظلمها ( الكاتب ) بحجة اطلاق حرية العنان والحرية  لها لتؤدي ادوارها بصدق على المسرح  , لكنها اتضحت انها مؤامرة من الكاتب نفسه , حتى لا يشفع له تبريراته وذرائعه وتنصله  من المسؤولية , لأنه وضعهم الى مصيرهم المحتوم , ينتهي   أما , القتل , الإعدام , الانتحار . ليقول صراحة الكاتب ( كريم عبدالله ) في اعترافاته الصريحة وجهاً لوجه  ( وعندما أختفى كل شيء ,  وجب عليَّ أنا ( كريم عبدالله ) , أن انهي هذا الحلم الطويل , نعم كان حلماً راودني في الليلة الماضية ) و ( لكن هل عشت فيه كان هو الحقيقة , أم ظلال الحقيقية , هل كنت في حياة سابقة , هل أفكاري وتصاويري موجودة في كل مكان ما , وحدي سأحمل هذه الا آآآآآآآآآآه , ربما لأن الحياة هي الخدعة الكبيرة, التي نحتمي بها في زمن الحقيقة , التي لن تستر عورة الزمن ) ص309 . رغم هذا الاعتراف لكنه لن يسكت أصوات الاحتجاج المدوية من الشخصيات الحوارية , الذين قادهم الى هاوية جهنم . ولن يسكت تذمرهم وتمردهم عليه , ولا يمكن  ان يختفي المؤلف وسط الظلام الثقيل , لأنه سبب لهم شرخاً عميقاً لا يضمد بالتبريرات , في زمن ضياع الحقيقة والمصير والقلق  ( لا وقت لديَّ للتسويغ  , لقد خلقت لكم جميعاً الحياة عالماً جدلياً , كان بامكانكم عن طريق هذا الجدل , أن تتوصلوا إلى  الحقيقة , أنني من خلالكم حاولت أن أكتشف أفضل طريقة لتفسير الظواهر , لقد كنتم جدلاً فكرياً في رأسي , اقلقني كثيراً ) ص308 .  وكنوع من الرحمة والتعاطف تجاه هذا التمرد من الشخصيات الحوارية ضد المؤلف , لأنه قادهم  في النهاية الى العالم السفلي , وحرمهم من حق الحياة , نتيجة اعمالهم الاجرامية  , وهم يؤدون أدوارهم  في مسرح الحياة والواقع . ولكن كل شيء محتمل ومتوقع عندما تنحرف الحياة عن مساراتها الساكة , عندما تفتقد العدالة والمعايير  وسط الغبار الكثيف  , يبقى قانون براقش وهو الفاعل والمفعول ( ما جنت براقش إلا على نفسها ) و ( وسبق السيف العذل ) ولكن هل المؤلف ارتكب جريمة ؟  أم أن الواقع هو الذي سبب أو هو من يتحمل وزر الجريمة  , وليس الكاتب ؟  , هذا القلق الذي ساور المؤلف لانه استنطق موجودات الواقع , ربما في غفوة منه ارتكب هذه حالة التأزم  ( ربما في أثناء غفوتي هذه حدث مالم يكن بالحسبان , لقد خلقت هذه الشخصيات من بنات افكاري , وساعدني كثيراً خيالي الجامح , فهي عزيزة عندي , وجميعهم أبنائي ونتاج فكري , هل كنت عادلاً معهم جميعاً ؟؟!! وهل كنت عادلاً في توزيع الالم والاحزان عليهم ؟؟!! أخشى أن يكون قد حدث اختلال التوازن ,  هذا الاختلال قد يسبب  ثورة عارمة , لم أخطط لنتائجها المستقبلية !!!!! ) ص302 .
لكن هذه الحقيقة المرة , في زمن جرائم البعث , الزمن الذي  وضع الإنسان داخل شاشة كبيرة للمراقبة والترصد والتصيد , وكذلك  في زمن التغيير ,  الدم / قراطية  , وفي زمن كليبوكراتيا ( دولة اللصوص ) , الذي  جاء بهذا  النظام الهجين في ثوب الدين والمذهب , والانسان العراقي يظل  يبحث عن مصره ووجوده في الحياة  .
  يتبع في القسم الثاني