أرشيف الوسم: فرصة ثانية

إصدار جديد للأديبة صباح بشير: “طريق الأمل” قصّة تبعث الأمل في نفوس اليافعين

في تعاون ثقافيّ مثمر بين دار عيساوي للطّباعة والنّشر ونادي حيفا الثّقافيّ، صدرت قصّة جديدة للأديبة صباح بشير، بعنوان “طريق الأمل”.

القصّة الموجّهة لليافعين، تقع في أربع وسبعين صفحة من الورق المصقول الملوّن، مزيّنة برسومات أنيقة وجذّابة، وغلاف فنّي بديع، وهي من تصميم الفنّان سمير حنّون.

تطرح القصّة، الّتي تزيّنَ غلافها الخلفيّ بكلمة للكاتب والإعلامي نايف خوري بعنوان “المحبّة بلسم للحياة”، قيَما إنسانيّة نبيلة، وهي تدعو إلى التمسّك بالأمل، مقرونا بالعمل والعزم والإصرار، كسبيل للتغلّب على الأمراض الخطيرة، وتؤكّد على دور المحبّة والتّعاون والدّعم المعنويّ من المحيطين بالمريض في رحلة الشّفاء.

تدور أحداث القصّة حول أمّ مريضة بالسّرطان، وتركّز على الدّور المحوريّ الّذي تلعبه الأسرة في مساندتها حتّى تبلغ برّ الأمان.

هذا وقد صدر للأديبة صباح بشير سابقا، رواية “رحلة إلى ذات امرأة”، ورواية “فرصة ثانية”، وكتاب بعنوان: “شذرات نقديّة”، وكتاب في أدب الرسائل.

كما ساهمت في تحرير وإعداد سلسلة من الكتب التّوثيقيّة لنادي حيفا الثّقافيّ، ممّا يعكس غزارة إنتاجها وتنوّع اهتماماتها الأدبيّة.

نافذتي تُطلُّ على رواية “فرصة ثانية” للأديبة صباح بشير

د. خالد تركي

تعرَّفتُ على الكاتبة الرَّائعة صباح بشير، ورائعتها الاجتماعية والواقعيّة، رواية “فرصة ثانية” من خلال نادي حيفا الثَّقافيِّ، منارة الأدب والثَّقافة، حين اقترح عليَّ زميلي العزيز على مقعد الدِّراسة الثَّانويَّة، الكليَّة العربيَّة الأرثوذكسيَّة، ورفيقي في الجبهة الدِّيموقراطيَّة للسَّلام والمساواة، المحبُّ والشَّغوفُ  والقارئ النَّهمُ، الأستاذ والمحامي ومدير ومؤسِّس نادي حيفا الثَّقافي، فؤاد نقَّارة، قراءتها..

فاقتَنيتُها..

لقد مُنحت هذه الرِّواية هذا الاسم، “فرصة ثانية” لأنَّها تحمل في طيَّاتها الأملَ والمُرادَ والطَّمأنينةَ، ولأنَّ الحياة لا تنتهي بفشل تجربةٍ في الحياة، عاطفيَّة أو اجتماعيَّة أو حياتيَّة..

تبدأ الرِّواية بمأساة وفاة الأمِّ، فاتن، في غرفة الولادة.. تبدأ بالموت وتنتهي بثلاثة أفراح، وحياة كريمة للمولود الجديد يحيى..

أمّا ابراهيم فقد مرَّ بتجربة عاطفيَّة فاشلة لم تثنه عن إعادة التَّجربة رغم صعوباتها وعقباتها والخوف من الفشل، فتزوَّج زواجًا ثالثًا ناجحًا بعد زواجين فاشلَين، الذَين احبطاه، وبقي بنفسيَّةٍ حزينة متشائمةٍ وآثر العيشَ لوحده وأصدقائه، لكنَّ جارته نهاية أتته مخلِّصةً لخيبَتَيهِ ومخلِصَةً له، لتكون نهايةً لبؤسه، وجد فيها بدايةً لسعادته، بعد أن كان لا “يجرؤ على التَّحليق مرَّةً أخرى” (ص 90)..

يقول ابراهيم: لو أنَّني بقيتُ مغلق القلب ممتنعًا عن الحبِّ، لما منحتني الأيَّام فرصةً ثانيةً للفرح، ففي كلِّ قلبٍ مغلقٍ، هناك مساحة واسعة للحبِّ، تنتظرُ فقط من يفتح لها الباب لاستقبال الفرص” (ص 258)..

وتقول الكاتبة صباح بشير عن ابراهيم في تجربته الثَّالثة: “انطلقَ في طريقهِ مقبلاً على مستقبلٍ يموج بالاحتمالات، عازمًا على تحويلِ جراحِهِ إلى علاماتٍ تُذكِّره بقوَّتِهِ وعزيمتِهِ، فهو يستحقُّ السَّعادةَ. قرَّر أن يفتحَ أبواب القلب والعقلِ معًا، وأن يواجّه الحياة بكلِّ ما فيها من تحدِّيات وفُرص، وينطلقُ نحو حبيبته نهاية” (ص151) التي وضَعَت نهايةً لآلامه وعذابه.. فكانت كما نقول في العامِّيَّة “الثَّالثة ثابتة”.

لقد دخلتُ الرِّواية من باب غرفة الولادة، الولادة الصَّعبة التي تنتهي بوفاة الأمِّ، وولادة يحيى يتيمًا، وقلبي على قلب ابنتي مي الحبيبة في عملها، قابلة في المستشفى، فقد عشتُ معها تلك الصَّفحات الرَّائعة الأولى للرِّواية، حيث طلبَت منِّي بحماسٍ وشوقٍ، تسليفها الرِّواية بعد إتمام قراءتها، فبعد يومين بالتَّمام، أهديتها الرِّواية، محذِّرًا إيَّاها: بابا لن تستطيعي تركَها للحظةٍ، بل ستكون قراءتها متواصلة..

وعُدتُ على قراءتها مرَّةً أخرى، والمرَّة الثَّانية كانت أمتعَ من الأولى.

لقد كان يحيى محور الرِّواية، حيث أحياها يحيى في تقاربِ القلوبِ والتَّعارفِ والحبِّ والمودَّةِ التي انتهت بالسَّعادة والفرح، انتهت بالزَّواج، رغم الألم والحزنِ والفاجعة..

“اختار مصطفى اسم يحيى لمولوده، ليحملَ معنى الحياة والأملِ، الذي لا يريد له أن ينطفئ حتَّى في أحلك اللّحظاتِ، أراد أن يُعبِّرَ عن عظمة الحبِّ الذي جَمَعَ بينه وبين فاتن، وأثمر بهذا المولود، ففي لحظة فراقِها الأبديِّ عنه، لم يجد عزاءً سوى بتسميةِ ابنه يحيى، وكأنَّه بذلك يُحيي ذكرى حبيبتِهِ ويُخلِّدَ حبَّهما الأبديِّ” (ص 26). ﴾..وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى.. ﴿

لقد بدأت الرِّواية بمأساةٍ، بموت فاتن الوالدة، وانتهت بزواج والد يحيى مصطفى لخالته أخت فاتن هُدى، التي احبَّت وأخلصَت وافتدَت حياتها لابن اختها يحيى، من أجل سعادة يحيى، وكان شاغلها الدَّائم المولود يحيى، فقد أهدت هُدى حياتها وقدَّمتها قربانًا من أجل يحيى، فلم تظلمه بل كانت له أمًّا حنونًا رؤومًا مثاليَّةً، أمًّا رقيقةً، رغم الصُّعوبات والعراقيل التي كادت أن تحول دون هذه النِّهاية الجميلة، وذلك بفضل الجميل الذي قدَّمه مصطفى للبوَّاب والخادم والعامل فيصل عنده، في معرضه لبيع السَّيَّارت، حين كشف له ألاعيب سناء التي كادت أن تدخل بين قلبين وتدسَّ السُّمَّ في عسلِهما، ” استمع فيصل بذهولٍ لكلمات سناء، كلُّ كلمةٍ تكشف عمقَ خبثِها ودناءة تفكيرها، شعرَ بغضبٍ عارمٍ تجاهها، وعزم على إخبار مصطفى بما سمعه ورآه” (ص 171)..

بفضل جميلِ ابراهيم، بانت ونبتت بذور الوفاء والامتنان والعرفان والمعروف عند فيصل.. لقد فشل كيدُ سناء، رغم إغرائها له، فظهرت رخيصةً حين قالت له : “سأكون معكَ كلَّما احتجتَ إليَّ” (ص 76).

ما أجمل أن يُردَّ الجميلُ بالجميلِ.. رحمَ الله امرئ عرف قدر نفسه، فلزِمهُ، فيعترف مصطفى أنَّه: “أنا أدرك أنَّني لستُ زوجًا مثاليًّا، فأنا أكبرُ منها سنًّا، ولستُ مثاليًّا بأيِّ شكلٍ من الأشكال” (ص141). “يا إلهي، ماذا فعلتُ بنفسي وبهدى؟ كم أنا أنانيٌّ!” (ص182). ومن ناحية ثانية يصف هدى: ” أكنُّ لهدى كلَّ تقديرٍ واحترامٍ، هي إنسانةٌ رائعةٌ طيِّبةُ القلب، وأنا مقتنعٌ أنَّها ستكونُ زوجةً صالحةً، واُمًّا مثاليَّةً ليحيى، أعرف أنَّها تقدِّم تضحيةً كبيرةً بموافقتها على الزَّواجِ، لكنَّها تفعلُ ذلك بدافع الحبِّ والمسؤوليَّة فهي تحبُّ يحيى كثيرًا. (ص141).

لكنَّ هدى قرَّرت، “لم تستلم لمشاعرها السَّلبيَّة، تذكَّرت حبَّها الشَّديدَ لأختِها وقرارها بأن تصبرَ على زوجها، وتحافظَ على يحيى وبناء بيتٍ من الحبِّ على شاطئ الذِّكريات، بيت يملأه دفءُ العائلة وسعادة الأطفال” (ص 189).

﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾

لقد انتصرت الكاتبة بإبداعها وسلاسة سردها بعد أن زرعت شكوكًا في قلبي، حيث آلمني الأمر بأنَّ هذا الزَّواج لن يتمَّ، ممَّا دعاني أن  أحرثَ الصَّفحات، صفحة تلو اختها، إلى أن اقنعتني أنَّها انتصرت بتتمَّة هذا الزَّواج الذي أردتُه أن يكون منذ البداية، من أجل سعادة يحيى..

وهذا ما تمنَّيتُه ساعة وفاة فاتن متسائلاً عن مصير يحيى وحياته، “فحبِّي ليحيى هو امتدادٌ لحبِّي لشقيقتي ورفيقة روحي” (ص 36)، “أختي تعيشُ في هذا الطِّفلِ” (ص49).

انتصرت هدى على عجزِ ومحنة مصطفى: “سو ف أساعدك على تجاوزِ حزنكَ” (ص 191).

لقد كرِهتُ لبنى وتصرُّفاتها مع زوجها عبد الله، واستبدادها وسيطرتها العقيمة عليه بعد أن تزوَّجها حبًّا وكان متيَّمًا بها، بينما كان زواجها له هروبًا من سجن والديها البيتيِّ العنيفِ والمتزمِّتِ، الذَين تحكَّما في حرِّيَّتها حيث فرضا عليها القيود والقوانين المُتَعصِّبة والمُتشدِّدة التي تُكبِّلها بصرامة مفرطة، فوجدت في زواجها من عبد الله هروبًا من سجنها، “لذلك هربتُ من سجنهم، بزواجٍ لم يكن حبًّا حقيقيًّا، هربتُ نحو مجهولٍ رسمتُه رغبةً في الهربِ، فقد كان عبدُ الله بوَّابتي الوحيدة نحو عالمٍ جديدٍ ينبضُ بالحرِّيَّةِ والانفتاحِ، عالم يغدقُ عليَّ فيه حبَّه وعنايتَهُ واهتمامه دون حدودٍ” (ص 253)..

لقد كان عبدُ الله زوجًا مُهمَلاً هامشيًّا في حياتها “حتَّى في الفراش، لم يعُد له حقٌّ في مشاعر زوجتِهِ ولم يجرؤ على لمس جسدها أو الاقتراب منها، فأصيبَت روحه بجروحٍ غائرة” (ص 220). حيث وجدت في ذلك أن تنتقم من عبد الله، لتحلَّ عقدتها التي سحبتها معها من بيتها، بدلاً من أن تقابله الحبَّ والإخلاص والحنين، فهو لم يُفقدها حرِّيَّتها بل منحها كلَّ ما تريد، لكنَّها قابلته بكيدها العظيم ولؤمها واضطهادها واحتقارها له، بل وكانت في قمَّة السَّاديَّة معه، إلى أن انتفض عليها بتهديده لها بالطَّلاق وإخبار أهلها بذلك.

“ينفجرُ عبدُ الله غاضبًا: لا أريدك زوجةً بعد اليومِ، أنانيَّتُكِ تُنهكني، لا تُفكِّرين إلا بنفسِكِ، سأتَّصلُ بوالدك الآن، سأخبرُهُ بكلِّ ما يدور بيننا بِدقَّةٍ سأوضِّحُ له الأمورَ، فأنا لم أعد أطيقُ صبرًا أكثر من ذلك، سأذهبُ غدًا إلى المحكمةِ للبدء بإجراء الطَّلاق، أعدِّي نفسك لذلك” (ص 237).

انتفض عبدُ الله على الظُّلم والغبن والاستبداد والاستعباد والاجحاف وانتصرَ..

لقد انتهت الرِّواية بفرح عوَّضنا عن لحظات الألم والغضب: “حضر والدا هدى ووالدا لبنى، وعبدُ الله مع زوجته لبنى الحامل في شهرها الثَّامن، ومصطفى وهدى الحامل أيضًا في شهرها السَّادس، وصديقهم إبراهيم وزوجته نهاية” (ص 257).

لقد تعرَّفتُ في هذه الرِّواية على سيمفونيَّة نينوى، التي “ترجعُ إلى القرن السَّابع قبل الميلاد، عثر عليها المنقِّبون مدوَّنةً على ألواحٍ طينيَّةٍ بين خرائب نينوى القديمة، فأعادوا عزفها بعد فكِّ شفرة سلَّمها الموسيقيِّ القديم ” (ص 68)، وبدأتُ أبحث عنها وأسمعها مرَّة تلو أخرى، مما أثرى معلوماتي وساهم في زيادة معرفتي بالحضارة الأشوريَّة، والحياة الآشورية والثَّقافة في أرض ما بين الرَّافدين

العزيزة، وهناك من يُناقض هذه المعلومة بقوله من أنَّها سمفونيَّة حديثة لموسيقارٍ ايرانيٍّ حسين علي زادة، واسم المعزوفة “ناي نوا” أي عزف على النَّاي على مقام النَّوا (هو مقامٌ موسيقيٍّ شرقيٍّ يتفرَّع من مقام النَّهاوند)..

شكرًا لحيفا التي احتضنت أحداث الرِّواية..

تبريكاتي القلبيَّة العطرة للكاتبة صباح بشير بصدور ثمرة قلمها “فرصة ثانية”.

أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ  وَخَيْرُ جَلِيسٍ في الزَّمانِ كِتابُ.

ملحوظة: صدر الكتاب بالتَّعاون بين نادي حيفا الثَّقافيِّ ودار الشَّامل للنَّشر والتَّوزيع (نابلس مقابل جامعة النَّجاح الأكاديميَّة)، من الحجم المتوسِّط، في مائتين وتسعٍ وخمسين صفحة، لوحة الغلاف الرائعة للفنَّان الفلسطينيِّ جمال بدوان، (الدكتور جمال بدوان ابن قرية عزُّون، قضاء محافظة قلقيلية، فلسطين، يعيش في أوكرانيا ويحمل جواز سفر أوكراني)، الإخراج الفنِّي سمير حنُّون (بلدة عنبتا، محافظة طولكرم، من سكَّان رام الله)..

رواية “فرصة ثانية” لصباح بشير، رحلة في عوالم الأمومة والتضحية

عدلة شدّاد خشيبون

كما هي عادتي في كلّ رحلة، سواء كانت قريبة أو بعيدة، وقبل أن أجهّز أمتعتي، أحرص على اختيار كتاب أو كتابين بناءً على مدّة الرحلة.

في رحلتي الأخيرة، لم أبحث طويلًا في مكتبتي، ولم أقع في حيرة الاختيار، فرواية “فرصة ثانية” كانت بانتظاري.

“فرصة ثانية”، رواية واقعيّة للأديبة صباح بشير، صدرت حديثًا عن دار الشّامل للنّشر والتّوزيع، وتقع في 259 صفحة.

تبدأ الرّواية بحدث مأساويّ مؤثّر وهو موت “فاتن”، الذي أعاد إلى ذاكرتي موت سلمى في رواية “الأجنحة المتكسّرة” لجبران خليل جبران، فكلاهما يمثّل الاحتضار ثم الموت، يليه التشتّت والحيرة.

وفي خضمّ هذه المأساة، يولد طفل جديد، اسمه يحيى، ليمنحه والده مصطفى فرصة للحياة وهنا نتذكّر قول الشاعر: “سميته يحيى ليحيا”.

يبدأ صراع طبيعيّ متوقّع، يتعاطف معه القارئ بشدّة، خاصّة مع قصّة الحبّ التي انتهت بهذه النهاية المحزنة، بوفاة الزوجة.

تنقلب صفحة أخرى من الرّواية لنكتشف جانبًا اجتماعيًّا مؤثّرًا بين أسرة مصطفى وأسرة فاتن، حيث تتولّى هدى الشّابة رعاية الطفل اليتيم، وتنشأ بينهما علاقة حبّ أموميّ وتعلّق قويّ.

تتوالى الأحداث بأسلوب مشوّق يجذب القارئ ويجعله يسترجع ويستذكر ذكريات مشابهة من واقعه.

لقد ذكرّتني هذه الأحداث بقصّة طالبة في مدرستي، فقد أخبرتني ذات مرّة أنّ والدتها توفيت، وكانت هي وأخوها لا يزالان صغيرين، فاختارت جدّتها خالتهما لرعايتهما وتربيتهما.

كانت الخالة بمثابة الأمّ الحنون لهما، وقد شعرا بذلك بفضل رعايتها الحانية.

كما تذكّرت أيضًا قصّة مشابهة لعائلة من أقاربي، حيث قامت الخالة بدور الأمّ والزوجة ورعاية الأبناء، وكانت بمثابة الأمّ الثانية لهم.

إنّ هذه القصص تؤكّد واقعية أحداث الرّواية، أمّا الصّراع الداخليّ الذي عاشته هدى فكان طبيعيًّا، والتضحية التي قدّمتها كانت جليّة. كذلك عانى مصطفى الذي وافق على هذا الزواج على مضض، وظلّ الصّراع يلاحق هدى حتّى بلغ بها اليأس من مصطفى درجة كبيرة، فبدأت تفكّر بالانفصال وإنقاذ حياتها، وإنهاء زواجها الذي لم يكلّل بالنّجاح في بدايته، لكنّ الكاتبة، استطاعت أن تعيد الأمور إلى نصابها، لتصبح هدى زوجة وأمًّا مثاليّة.

ضمّت الرّواية قصصًا أخرى متشابكة، جميعها تدور في إطار العائلة والعلاقات الاجتماعيّة، كما تضمّن النّص عدّة حكايات جانبيّة سارت بالتّوازي مع القصّة الرئيسيّة، على سبيل المثال، قصّة إبراهيم ونهاية، وقصّة عبد الله ولبنى، حيث حاولت الزّوجة التّنفيس عن مشاكلها بطريقة استفزازيّة دون مراعاة لمشاعر زوجها المحبّ والصّبور، على الرّغم من محاولاته المستمرّة للتّقرّب منها، إلا أنّه كان يصطدم في كلّ مرّة بتصرّفاتها الغريبة وسلوكياتها السلبيّة، ممّا أدّى به في النّهاية إلى اتّخاذ قرار الطلاق، وهو الحلّ الوحيد في مثل هذه الحالات، لكنّ دور الأمّ الإيجابيّ أنقذ الموقف بلباقة، وبمساعدة هدى، تمكّنت الأسرة من تجاوز الأزمة، وتكلّلت النّهاية بفرحة انتظار مولود جديد.

ما أثار انتباهي، هو تسليط الضوء على مكانة المرأة، وخاصّة الأمّ، التي لعبت أدوارًا متعدّدة لحماية عائلتها، ومن ذلك حديثنا عن أمّ مصطفى التي اختارت هدى لرعاية الطفل، ورفضت تسليمه لامرأة أخرى قد تسيء معاملته.

عنوان الرّواية “فرصة ثانية” هو عنوان تفائليّ بامتياز، يحمل دلالات رمزيّة عميقة، تتجلّى بوضوح خلال قراءة النّص.

أمّا البناء الروائيّ فتميّز بالتّماسك والقوّة، واتّسمت الأحداث بالتّفاؤل والتّشويق، رغم البداية التي غلب عليها الحزن.

نستنتج من هذا العمل، أنّ الحياة قصيرة، وعلينا أن نمنح أنفسنا والآخرين فرصة ثانية دائمًا، لننعم بالسّعادة والرّاحة، بدلاً من الاستسلام لليأس وقطع الأمل وإغلاق الأبواب في وجه الحياة.

المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية هو مدينة حيفا الجميلة، ولا شكّ أن الكاتبة تكنّ لها حبًّا عميقًا، فقد استوحت من بحرها وهوائها العليل الكثير من جماليات العمل.

لوحة الغلاف بريشة الفنّان جمال بدوان، وهي لوحة جميلة وموفقة للغاية، تعبر عن عاطفة الأمومة وسرّ الحياة، كذلك لغة الكاتبة لغة شاعريّة عذبة، تنسجم مع الأحداث وتزيدها جمالًا بأسلوب سلس وشيّق، فتشعر وكأنك تستمع إلى سيمفونية موسيقيّة تأخذك في رحلة ممتعة دون ملل أو كلل.

هذه هي الروائيّة الكاتبة الأديبة صباح بشير، صاحبة القلم المميّز والفريد، الذي وهبها الله إياه، فحافظت عليه بمطالعاتها ودراساتها ومقالاتها النّقديّة وقراءاتها لإبداعات مبدعينا.

 

رواية “فرصة ثانية” تقدم رؤية جديدة للحبّ والحياة

مفيد جلغوم

تستدرجك الروائية صباح بشير في روايتها المعنونة “فرصة ثانية”، صفحة بصفحة، حتى تأتي على كامل الرواية بصفحاتها المئتين وثمان وخمسين صفحة دون عناء او ملل.

هذا الاستدراج الممتع مبني على ترابط احداث الرواية، وسهولة لغتها، واقتراب احداثها من بنية المجتمع العربي عامة والفلسطيني خاصة، فأحداثها تكاد تكون واقعية جدا في مجتمعاتنا.

لمن لم يقرأ الرواية بعد لأنها حديثة الصدور، فهي رواية اجتماعية تدور حول بطل الرواية مصطفى الذي تتوفى زوجته فاتن في الصفحات الأولى من الرواية، وتنجب له الطفل يحيى، الذي ينمو في الرواية حتى الاحتفال بسنته الثالثة، بعد أن قامت خالته هدى بتربيته منذ اليوم الأول، وهنا يتزوج مصطفى من خالة الطفل يحيى التي تعتني به، وهي معضلة وربما نعمة في مجتمعنا العربي، إلا أن الرواية تطرح القضية من عدة زوايا عاطفية واجتماعية، فيحار المرء هل يشجّع هذا النوع من الزيجات أو يرفضها، ونترك اتخاذ القرار في ذلك للقراء، الذين يتابعون مجريات الرواية بتفاصيلها.

الرواية تدور أحداثها في مدينة حيفا، تلك المدينة التي تصفها الروائية بأجمل الأوصاف، فكلماتها تقطر سحرا وجمالا ، وغنية بالعاطفة الوطنية، فتقول عنها:

حيفا تعج بالحياة.

حيفا سيمفونية من البشر والحجر والبحر والحياة.

حيفا عراقة التاريخ، وحداثة الحاضر.

حيفا حكاية إنسانية خالدة.

حكاية شعب عاش على هذه الأرض منذ القدم.

حكاية صمود وحب وامل.

ثم تعلنها بكل وضوح:

حيفا لا تنام على وسائد الليل، بل تبقى مضاءة بأنوارها الساطعة، كأنها تقاوم الظلام.

الرواية مليئة بالأسئلة والأفكار التي تجعل القارئ يتوقف عندها للتفكير أو لمحاولة الإجابة عليها بعمق، وتأخذ القارئ الى عالم الأحلام، فتقول:

حان الوقت للحلم، لكنه حلم يولد بعد الم ومعاناة (ص6)، أما الولادة فهي معاناة حقيقية، خسرت فيها فاتن حياتها، فتقول: ما أقسى الولادة(ص9).

ومن ثم تأتي بالسؤال الكبير: كيف تتحمل الأمهات هذا الألم، هل حب الأمهات لأطفالهن يستحق هذه التضحية (ص9).

هذه أسئلة وجودية تفتح العقل على التفكير والإجابات المتعددة.

كما تتطرق الرواية إلى ثنائية الحب والجنس في العلاقات البشرية، فتورد الفرق بينهما بطريقة واضحة، وتتحول الروائية إلى عالمة اجتماع تقدم للقارئ تعريفا لكل مفهوم منهما. فالحب لديها شعور يتغلغل بالأعماق، ينبجس من ينابيع العاطفة الصادقة. بينما الجنس شرارة توقد نار الرغبة، وتلهب المشاعر لحظة ثم تنطفئ، تاركة وراءها رماد الندم.(ص65).

الرواية أيضا تغوص في النفس البشرية، تشجع على سماع الموسيقى الهادئة، فتقول إن الموسيقى لغة عالمية تتجاوز الزمان والمكان، يفهمها القلب قبل العقل (ص85).

كما تحض على القراءة وترسم للقارئ متعة في هذه الهواية فتقول: أجد متعة في القراءة، فهي ملجأ وحياة اخرى.(ص76)

تدخل الرواية بيوتنا وتغوص في الخلافات الزوجية التي لا يخلو بيت منها، خصوصا في السنوات الأولى من الزواج، وتعرض لنا ألوانا من الخلافات التي أحيانا تكون تافهة جدا، ولا تستحق التوقف عندها، إلا أنها اعطتها حقها في صفحات الرواية ومنها الخلاف حول وجود الثوم في الملوخية، والتي قد تعتبر شيئا بسيطا، الا أنها اشعلت الخلاف بين الزوجين، ليتوقف القراء عند هذا المثال ويفكروا في خلافاتهم الزوجية.

في النهاية أعتقد أن الرواية تستحق القراءة، ففيها إضاءات عدة على حياة المجتمع العربي الفلسطيني الذي يعبق برائحة الميرمية، ويتحلى بالبقلاوة، ويستمتع بالملوخية مع الثوم، كما جاء بالرواية، وهو ما حاولت صباح بشير بكل أريحية وسلاسة التأريخ له بطريقة أدبية.