الجمعة, يناير 10, 2025

آمبرين زمان: الأكراد يطلبون من الولايات المتّحدة إنشاء منطقة حظر جويّ بعد الهجمات التركيّة

من المتوقّع أن ترتفع حدّة التوتّر بين تركيا والولايات المتّحدة الأميركيّة بعد أن نفّذت القوّات الجويّة التركيّة سلسلة هجمات قبل طلوع الفجر ضدّ مقاتلين أكراد في منطقة سنجار العراقيّة وشمال شرق سوريا أسفرت عن مقتل أعداء وأصدقاء في الوقت نفسه، وقد تؤدّي إلى عرقلة الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة.

وقد قضى خمسة مقاتلين من البشمركة تابعين لحكومة إقليم كردستان، التي تُعتبر حليف تركيا الأقرب في المنطقة، في الضربات الجويّة على جبل سنجار. وقُتل 20 مقاتلاً على الأقلّ من وحدات حماية الشعب الكرديّة السوريّة، وهي الحليف الأوّل للتحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة في المعركة ضدّ الجهاديّين في سوريا، عندما استهدفت الطائرات التركيّة مقرّهم في جبل قره تشوك بالقرب من مدينة المالكيّة، المعروفة باسم ديريك في اللغة الكرديّة. وأدّى الهجوم أيضاً إلى تدمير مبنى يضمّ مكاتب إذاعة محليّة.

وتأتي هذه الضربات في وقت حسّاس جداً، بينما يشدّد التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة معركته ضدّ “داعش” في الرقّة.

وقال مسؤولون في التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة مطّلعون على تفاصيل الهجمات إنّ المسؤولين الأتراك أبلغوا الولايات المتّحدة بخططهم قبل تنفيذها. وقال المسؤولون لـ “المونيتور”، طالبين عدم الكشف عن أسمائهم، إنّ تركيا سعت إلى تنسيق الهجمات مع مركز العمليّات الجويّة المشتركة في قطر، الذي يقود هو والحلفاء الأميركيّون الحملات الجويّة في سوريا والعراق وغيرهما. وأوضح أحد المسؤولين إنّ “المركز لم يتجاوب معها”. ومع ذلك، نفّذت تركيا الهجمات.

وقال ناطق باسم القيادة المركزيّة، ردّاً على أسئلة “المونيتور” عبر البريد الإلكترونيّ: “إنّ التحالف على علم بالضربات الجويّة التركيّة في شمال العراق وسوريا. وكما سبق وقلنا، يجب أن يحترم جميع جيران العراق السيادة وسلامة الأراضي العراقيّة. نحثّ جميع القوّات على التركيز المستمرّ على الخطر الأكبر على السلام والأمن الإقليميّين والعالميّين، وتركيز جهودهم على [“داعش”]، لا على أهداف قد تدفع التحالف إلى تحويل طاقته وموارده بعيداً عن هزيمة [“داعش”] في العراق وسوريا”.

وقال مسؤول كرديّ سوريّ لـ “المونيتور”، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إنّ عدداً غير محدّد من القوّات الخاصّة الأميركيّة كان على مسافة قريبة جداً من قره تشوك عندما نفّذت الطائرات التركيّة ضرباتها.

وأكّد مسؤول في التحالف هذه الرواية، لكنّه رفض الدخول في التفاصيل. ويدلّ ذلك على أنّ تركيا لم تطبّق بشكل صحيح ربّما تدابير تفادي التصادم المتّفق عليها مع التحالف والتي يفترض أن تمنح القوّات الحليفة ما يكفي من الوقت للابتعاد عن الخطر. وتدلّ الإصابات في صفوف البشمركة في سنجار أيضاً على خلل استخباراتيّ من الجانب التركيّ.

وحمّل قائد في قوّات الدفاع السوريّة التي تقودها وحدات حماية الشعب الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب مسؤوليّة الهجمات التركيّة. وقال في مقابلة عبر تطبيق “واتساب”: “لو لم يتّصل ترامب هاتفيّاً بـ [الرئيس التركيّ رجب طيب] أردوغان ويهنّئه ويدعه إلى واشنطن، لما تجرّأت تركيا على التصرّف بطريقة تلحق الأذى بنا وبالمعركة الأميركيّة ضدّ [“داعش”]”.

وعنى القائد بذلك الاتّصال الهاتفيّ الذي أجراه ترامب في 17 نيسان/أبريل لتهنئة الرئيس التركيّ بعد يوم من فوزه بفارق بسيط في استفتاء يمنحه صلاحيات غير مسبوقة يقول منتقدوه إنّها مساوية للدكتاتوريّة.

ويقال إنّ مسؤولين كثيرين في الإدارة الأميركيّة، بما في ذلك وزير الخارجيّة ريكس تيليرسون الذي كان في الغرفة مع ترامب أثناء المكالمة الهاتفيّة، كانوا معارضين لمنح الرئيس التركيّ صلاحية مطلقة، ولا سيّما أنّ المراقبين الدوليّين قالوا إنّ الاستفتاء تخلّلته مخالفات كثيرة. ويتّفق هؤلاء المسؤولون على أنّه كان بالإمكان الاستفادة من رغبة أردوغان الكبيرة في الحصول على موافقة من الولايات المتّحدة تشرّع هذه النتيجة المثيرة للجدل من أجل الحصول على تعهّدات بتعزيز التعاون، خصوصاً في سوريا. وقد تمّت إضاعة هذه الفرصة، ومن المتوقّع أن يستقبل ترامب أردوغان في واشنطن في 16 أيار/مايو.

وبعد الضربات الجويّة اليوم، أصبح الجوّ أكثر توتّراً، ويتعرّض البيت الأبيض لضغوط كبيرة من الإدارة ومن المسؤولين الأكراد السوريّين من أجل استنكار أفعال تركيا بشكل علنيّ. وقالت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطيّة: “يتعيّن على الولايات المتّحدة اتّخاذ موقف واضح ضدّ الاعتداء التركيّ”. وأضافت في مقابلة هاتفيّة مع “المونيتور”: “نحن نحارب مع الولايات المتّحدة، وتركيا تضربنا من الخلف، مزوّدة [“داعش”] بمزيد من الأكسيجين. نطالب بأن تنشئ الولايات المتّحدة منطقة حظر جويّ لحمايتنا من اعتداءات أخرى”.

وفي مبادرة تضامنيّة، عاينت القوّات الأميركيّة في شمال سوريا تداعيات الهجمات في قره تشوك، لكنّ ذلك لن يكون كافياً لتهدئة المخاوف الكرديّة بشأن هجمات تركيّة أخرى.

وبرّرت هيئة الأركان العامّة التركيّة أفعالها في بيان اليوم، قائلة إنّ الهدف منها كان منع أعضاء حزب العمّال الكردستانيّ من إدخال “إرهابيّين وأسلحة وذخائر ومتفجّرات إلى تركيا”. ويخوض حزب العمّال الكردستانيّ منذ العام 1984 تمرّداً دامياً من أجل حكم ذاتيّ كرديّ داخل تركيا، وهو على علاقة وثيقة بوحدات حماية الشعب التي تعتبر مؤسّس حزب العمّال الكردستانيّ المعتقل عبدالله أوجلان قائدها أيضاً. ولا تجد تركيا أيّ اختلاف بين هاتين المجموعتين، فهي تصنّف الاثنتين بأنّهما إرهابيّتان وتطالب الولايات المتّحدة بالتخلّي عن تحالفها مع وحدات حماية الشعب.

وحاولت الولايات المتّحدة مجاراة تركيا، التي هي حليفة مهمّة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) وتضمّ قاعدة إنجرليك الجويّة الضروريّة للعمليّات الأميركيّة في المنطقة، والحفاظ في الوقت نفسه على شراكتها العسكريّة مع الأكراد السوريّين.

وتبرّر واشنطن موقفها على الأرض بالقول إنّ حزب العمّال الكردستانيّ مدرج على لائحتها الخاصّة بالمنظّمات الإرهابيّة، خلافاً لوحدات حماية الشعب. وبالتالي، تتمكّن الولايات المتّحدة من الاستمرار في تسليح مقاتلي وحدات حماية الشعب وتدريبهم، وفي الوقت نفسه تزويد تركيا بمعلومات استخباراتيّة آنيّة عن حزب العمّال الكرستانيّ. وتقول تركيا إنّها سئمت من ازدواجيّة الولايات المتّحدة، وهي تهدّد منذ فترة بتولّي زمام الأمور بنفسها.

ووصف نيكولاس أ. هيراس، وهو زميل بارز في مركز الأمن الأميركيّ الجديد، الذهنيّة التركيّة لـ “المونيتور”، قائلاً: “قرّر الجيش التركيّ، تماماً كالأميركيّين، بأن يستهدف بوحشيّة ما يعتبره خطوط الإمداد والدعم لحزب العمّال الكردستانيّ بين شرق تركيا وسوريا والعراق. ولطالما اعتبر الجيش التركيّ ديريك في سوريا ملجأ رئيسيّاً لشبكة حزب العمّال الكردستانيّ، وسنجار والمنطقة المحيطة بها قاعدة عمليّات لحزب العمّال الكردستانيّ من أجل استهداف القوّات التركيّة المنتشرة حالياً أو التي سيتمّ نشرها قريباً في شمال غرب العراق حول الموصل”.

وأضاف هيراس: “يبعث الجيش التركيّ رسالة مفادها أنّ حربه ضدّ حزب العمّال الكردستانيّ لا تتوقّف عند الحدود التركيّة، وأنّه لن يكون هناك أيّ ملجأ لحزب العمّال الكرستانيّ في أيّ مكان”.

وتتخوّف تركيا أيضاً من نفوذ إيران المتنامي في العراق وسوريا، وتصرّ على أنّ حزب العمّال الكردستانيّ يتعاون مع الميليشيات الشيعيّة لتعزيز هذا النفوذ. وتتشارك حكومة إقليم كردستان، خصوصاً مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق وزعيم الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ، هذه المخاوف التي انعكست في بيان حكومة إقليم كردستان بشأن الضربات الجويّة. فقد وصفت الحكومة الضربات الجويّة في بيانها بأنّها “مؤلمة وغير مقبولة”، لكنّها صبّت غضبها بشكل خاصّ على حزب العمّال الكردستانيّ، معتبرة الهجمات نتيجة لوجوده في سنجار. فقد جاء في البيان أنّ “حزب العمّال الكرستانيّ يطرح مشكلة بالنسبة إلى شعب إقليم كردستان، ويرفض مغادرة سنجار على الرغم من الدعوات الكثيرة إلى انسحابه”. يشار إلى أنّ حزب العمّال الكردستانيّ واليزيديّين التابعين له سيطروا على أجزاء من سنجار منذ تدخّل حزب العمّال الكردستانيّ ووحدات حماية الشعب لإنقاذ آلاف اليزيديّين من الذبح على يد “داعش” في أغسطس/آب 2014.

ويتمتّع بارزاني بعلاقات جيّدة جداً مع أردوغان، ويقال إنّه حضّ مؤيّديه في تركيا على التصويت لصالح الاستفتاء.

وقد منح الرئيس التركيّ تحرّكات حكومة إقليم كردستان نحو الاستقلال زخماً هائلاً عندما سمح للأكراد العراقيّين بتصدير نفطهم بشكل مستقلّ عن بغداد عبر خطّ لأنابيب النفط يؤدّي إلى محطّات التصدير على ساحل البحر المتوسّط التركيّ.

وأدّت هذه الخطوة إلى تدهور العلاقات بشكل أكبر بين تركيا والحكومة المركزيّة في بغداد. وسجّلت هذه العلاقات أدنى مستوى لها عندما نقلت تركيا المئات من قوّاتها الخاصّة إلى قاعدة بعشيقة بالقرب من شمال غربي الموصل في كانون الأول/ديسمبر 2015.

وتصرّ تركيا على أنّ جنودها متواجدون هناك لتدريب المقاتلين العرب السنّة المشاركين في المعركة من أجل الموصل، وللدفاع عن التركمان السنّة في مدينة تلعفر الخاضعة لسيطرة “داعش” ضدّ أيّ هجمات ثأريّة محتملة قد تنفّذها الميليشيات الشيعيّة. لكنّ السبب الرئيسيّ لوجودهم هناك، وفقاً للمسؤولين الأتراك، هو لإحباط خطط إيران وحزب العمّال الكردستانيّ المزعومة القاضية بإنشاء ممرّ يمتدّ من قواعد حزب العمّال الكردستانيّ على الحدود العراقيّة الإيرانيّة عبر سنجار وحتّى ساحل البحر المتوسّط السوريّ.

وإنّ كلّ هذه الخطوات يرفضها رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي المتّهم بالضعف في وجه السلاطين العثمانيّين.

وقال عباس كاظم، وهو زميل بارز في كلية الدراسات الدوليّة المتقدّمة في جامعة جون هوبكينز، لـ “المونيتور”: “شهدت العلاقات التركيّة العراقيّة توتّراً كبيراً منذ سيطرة “داعش” على الموصل. وإنّ الجنود الأتراك في بعشيقة، ومرور مقاتلين “داعش” عبر تركيا، واستضافة تركيا لأحداث كثيرة معادية للحكومة العراقيّة، والتصاريح العدائيّة المستمرّة التي يطلقها المسؤولون الأتراك ضدّ العراق زادت حدّة التوتّر في العلاقات الثنائيّة”.

وأشار كاظم إلى أنّه عقب الهجمات التي حصلت اليوم، “سيجد العبادي نفسه في موقف صعب جداً، وسيتعيّن عليه أن يظهر أنّه لا يستطيع تحمّل هذه العدائيّة التركيّة المستمرّة. لقد حاول مرّات عدّة التصالح مع تركيا، لكنّ كلّ عمل عدائيّ جديد يفتح ملفّات قديمة وجديدة ويجعل مهمّته أكثر صعوبة”.

“المونيتور”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *