الخميس, ديسمبر 26, 2024

أحمد كايا.. الصوت الثائر الذي لا يموت

دجوار أحمد أغا

ربما لأن فرنسا دوماً كانت الأقرب إلى الكرد، من حيث الروح المعنوية وخاصة مع زيارة الكثير من المستشرقين الفرنسيين إلى كردستان، وإبداء تعاطفهم مع الكرد وقضيتهم العادلة أمثال (رينيه موريس، كريس كوتشيرا، روجيه ليسكو، وغيرهم) ولا ننسى سيدة فرنسا الأولى أيام الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، التي لقبها البعض بأم الكرد دانيال ميتران رئيسة مؤسسة فرنسا للحريات، نجد الكثير من عظماء الكرد موجودين في مقبرة العظماء “بير لاشيز” في باريس، يرقدون إلى جانب بول إيلوار، وبلزاك، ولوبون، والمئات غيرهم من العظماء.

يلماز غوناي، وعبد الرحمن قاسملو، وصادق شرف كندي، وأحمد كايا المغني الشاب الذي هزم الفاشية التركية بصوته وكلماته القليلة، التي وجهها عبر الأثير إلى الرأي العام التركي والعالمي مثبتاً علو كعبه مثل أجداده العظماء سعيد بيران، وسيد رضا، والقاضي محمد. دعونا نراجع معاً مسيرة حياة ونضال هذا المغني الثائر، صوت الناس الأحرار، الذي لو كان بيننا الآن لغنّى لكل القضايا الخاسرة التي يخاف الناس من التطرق إليها.

 الولادة والنشأة

 ولد أحمد كايا لعائلة تقيم في ملاطية، مكونة من أم أصولها من أرضروم، وأب أصوله من أديامان، كان الطفل الخامس والأصغر في العائلة، بتاريخ 28 تشرين الأول عام 1957. دفعته الظروف المعيشية الصعبة لترك المدرسة باكرا، والبحث عن عمل يساعد والده في تحمّل تكاليف المعيشة. اضطّر والده الذي كان يعمل في مصنع للنسيج في ملاطيه، إلى المغادرة والتوجه صوب إسطنبول عام 1972 بحثاً عن فرصة عمل.

كايا ومنذ صغره، كان ميالاً للفن، الموسيقا والغناء. وقد سنحت له الفرصة للغناء وهو ما يزال في التاسعة من عمره خلال احتفال بمناسبة عيد العمال. هذه المناسبة التي فتحت له الأبواب على مصراعيها في عالم الغناء والموسيقا، حيث اتجه إلى العزف على آلة الطنبور بأسلوب (الباغلما). لم ييأس كايا من الحياة رغم الظروف القاهرة، التي ألمّت به وعائلته، فقرر الدراسة خارجياً، حيث حصل على الثانوية ودخل معهد الموسيقا للتعليم قسم الكمان.

 تشكّل وعيه الثوري

 كان في الثالثة عشرة من عمره، عندما وقع انقلاب عسكري في تركيا سُميّ بانقلاب العسكر على حكومة سليمان ديميريل في 12 آذار 1970 تأثر كثيراً بأفكار اليسار الثوري الذي كان نشطاً في تلك الحقبة، خاصة قادته الثوار أمثال دنيز كزميش، وماهر جايان، وحسين إينان، وغيرهم. اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، والقضايا الطبقية المجتمعية دفعته نحو الغناء الملتزم بقضايا الجماهير الشعبية، فلاقى رواجاً كبيراً خاصة بين طلبة الجامعات.

بسبب توجهاته اليسارية وقيامه بطباعة وتوزيع منشورات اعتبرتها الحكومة ممنوعة، وتم اعتقاله وزجه في السجن وهو ما يزال في السادسة عشرة من عمره. بعد الخروج من السجن، التحق بأصدقائه اليساريين وشارك في العديد من النشاطات الثقافية والسياسية دون أي التزام حزبي رسمي.

المسيرة الفنية والانطلاقة القوية

عمل كايا سائق سيارة أجرة في إسطنبول لفترة من الزمن. وفي العام 1985 أصدر ألبومه الغنائي الأول الذي حمل عنوان (لا تبكي يا صغيري) وكانت فيه 14 أغنية 13 منها من تلحينه هو نفسه. كلمات الأغاني كانت لشعراء متميزين، متمردين، أمثال: ناظم حكمت، وأحمد عارف، وصباح الدين علي، ومحمد عاكف آرصوي، وغيرهم. احتل الألبوم قائمة الأكثر مبيعاً في تركيا، لكن السلطات الفاشية القمعية التركية، منعت الألبوم من التوزيع وأصدرت تعليماتها بسحب الألبوم من الأسواق بحجة أنه داعم للقضية الكردية، وهو ذو محتوى ومغزى سياسي.

الانطلاقة الحقيقية كانت عام 1986 خلال إصداره الألبوم الثالث تحت عنوان “أغنية الفجر” الذي ضم إحدى عشرة أغنية جميعها من ألحانه بالإضافة الى كتابته لكلمات ثلاثة منها. أبرز ما مّيز هذا الألبوم، كانت أغنية من كلمات الشاعر “نوزاد جيليك” المحكوم عليه بالإعدام وكانت قصائده ممنوعة من النشر.

أصدر كايا أكثر من 17 ألبوماً غنائياً بصوت شجي وألحان رائعة طالما رددتها الجماهير الشعبية العاشقة لصوته. الألبوم رقم 14 كان الأكثر مبيعاً على الإطلاق، إذ بيع منه مليونان ونصف نسخة والسبب كان وجود أغنية “نداء الحرية” التي يقول فيها:

“أخوك يومًا ما سيعود من الجبل احتضنه يا صغيري” وقد فسرتها السلطات الفاشية التركية بأنها تتغنى بحزب العمال الكردستاني المحظور والمصنّف “إرهابياً” حسب رؤيتهم. وبسبب ذلك، تم جمع الألبوم من الأسواق ومُنع كايا من إقامة الحفلات.

وقفة بطولية في وجه الحقد الشوفوني الأعمى

 خلال حفل توزيع الجوائز يوم العاشر من شباط 1999، ولدى استلامه جائزة أفضل فنان في تركيا، أعلن أمام شاشات التلفزة التركية وبكل جرأة، انتمائه الكردي وتعلقه الشديد بقضية شعبه الكردي ووطنه كردستان. ثارت ثائرة الشوفونيين الأتراك وقاموا بالانقلاب عليه، وبدلوا حبهم وعشقهم له، إلى عداوة شرسة، وطالبوا بطرده وإسقاط الجنسية عنه، واتهموه بالخيانة، لكن كل ذلك لم يثنه أبداً عن موقفه البطولي والمبدئي الشجاع.

قال كايا من منصة التتويج: “لأنني من أصول كردية، غنيت أغنية كردية في البومي الجديد، الذي سيصدر قريباً. سأصور مقطعاً مصوراً لأغنية باللغة الكردية. أعلم بأن هناك أشخاصاً ليدهم الشجاعة الكافية لنشره، ولأن لم يفعلوا، أعلم كيف سيحاسبهم الرأي العام في تركيا. وتركيا لديها مشكلة تُسمّى (كردستان). لم أتراجع عن التحدث عن هذه القضية للذين ينكرون الحقيقة ولم أتعب من ذلك”.

الاتهامات بالخيانة والمحاكمات

 اليوم التالي لحفلة توزيع الجوائز، بدأت التهديدات والاتهامات بالخط العريض تتصدّر الصحف التركية وخاصة صحيفة “حرييت” التي لعبت دوراً كبيراً في تأليب الناس على كايا واتهامه بالانفصالية والخيانة والمطالبة بمحاكمته. الفنان المحبوب ومعشوق الجماهير، أصبح بين ليلة وضحاها “خائناً” و”إرهابياً” في عرق الشوفونيين.

تم استدعاء كايا إلى المحكمة بتهمة العنصرية من جانب محكمة الأمن القومي التركية، حيث تم اتهامه بإقامة حفل موسيقي في برلين عام 1993 دعماً لحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى اتهامه برفع أصابعه بإشارة النصر خلال الحفلات، التي يقيمها.

 الغربة والوفاة

خلال حزيران عام 1999 كان لأحمد كايا جولة غنائية في العاصمة الفرنسية باريس. وبالفعل ذهب وأقام حفلته، لكنه لم يعد بعد انتهاء الحفلة. قرر البقاء في الغربة. لم يستمر بقاؤه في الغربة كثيراً ففي السادس عشر من تشرين الثاني من العام 2000 توفي أحمد كايا إثر نوبة قلبية وهو ما يزال في قمة عطائه وشبابه.

حياة قصيرة أمضاها مليئة بالإثارة والأحداث الرائعة والتي خلدها التاريخ. صوت جهوري رائع تردد صداه فوق قمم الجبال وداخل أقبية المعتقلات والزنازين. صوت أصيل نابع من الأعماق، غنى بحب وعشق لا متناهي لوطنه وشعبه وتغنى بهما بكل عنفوان.

ومن الجدير بالذكر أن الفنان الكبير أحمد كايا قد تزوج مرتين، الأولى من “أمينة” خلال العام 1982 وخلف منها ابنة اسماها “تشيغدام” والمرة الثانية كانت في العام 1985 من “غولتن خيال أوغلو” التي أنجبت له أيضاً ابنة أسماها “ميليس”.

المصدر: صحيفة روناهي

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية