قامشلو/ دعاء يوسف
تعرض الشاعرة أمينة تتر لوحات سردية تعبيرية، وصور إبداعية شعرية تنفذ من خلال الكلمات مؤثرة في أعماق القارئ والمتلقي دون عناء ومشقة، وتعبّر بقصائدها عن ذاتها المبعثرة، سائرة على طريق قدوتها، وملهمها الشاعر الكردي “سيداي تيريج”، لتصبح إحدى الأمثلة الكثيرة لشعراء خرجوا من رحم الثورة وكتبوا بلغتهم الأم.
شاعرة كردية موهوبة، تنقلنا عبر نصوصها إلى عالم الخيال، وتشعرنا بدفء كلماتها، ومع صوتها العذب تنقلنا إلى بعدها الخاص، فناجت الليل في ظلامه لترسم النور والضوء المشع في عتمته من خلال انسيابية قصائدها، ولغتها الحية النابضة بالجمال والدهشة والإبداع الحقيقي.
شابة من عامودا ذات إلقاء مميز في الشعر بسبب صوتها العذب وبحتها المميزة التي تتفاوت بين الطبقة القوية والهادئة، وهذا ما جعلها تُلقي القصائد منذ صغرها، فنمت لديها محبة خاصة للشعر، فهي ذات صوت شعري حداثي صدّاح في التعبير السردي والشعري، فقد حرصت أن تعبّر عن إحساسها الفني باستخدام بساطة المعاني، وتتناول قصائدها موضوعات تهم هموم الإنسان والقضية الكردية والمتألمين في وطنها، تاركت العنان لانفعالاتها وأحاسيسها تتدفق بشكلٍ عفوي دون تكلّف وتجسيد للحالة الشعورية والواقع الحياتي.
كلمات نابعة من الروح
فقد بدأت الشاعرة “أمينة يوسف تتر” مسيرتها الأديبة بكتابة الخواطر باللغة العربية في الصغر، قبل أن تنتقل إلى معهد اللغة الكردية، وكانت تلك نقطة تحول في حياتها لتكتب الشعر باللغة الكردية، وحينها أدركت أن الشعر هو وسيلتها للتعبير عن مشاعرها وتجاربها الشخصية.
وكان انضمامها إلى اتحاد المثقفين بداية جديدة لها، حيث شجعها على تطوير موهبتها والاستمرار في كتابة الشعر، فالشعر نافذة تعبّر من خلاله عن مشاعر الحزن والألم، ووسيلة لتفريغ أحاسيسها الداخلية بطريقة مؤثرة.
وفي قصائد أمينة نلتقي مع الحب والحياة والأمل، ونلمس حبها الكبير لشعبها، فأمينة كغيرها من الشاعرات اللواتي تأثرن بمحيطهن فنقلنَ واقعهن، ومشاعرهن عبر الشعر، وهذا ما بدى جلياً من خلال قصائدها المتناغمة التي تفيض بمشاعر متناقضة، تعكس قوة باطنة في الذهن قادرة على الخروج في الأزمات لتكسر بطغيانها كل أشكال الضعف، وتميزت بأسلوبها وطريقة حياكتها للقضايا الحياتية والواقعية، ولنسجها رؤى عميقة لمسائل ومواقف إنسانية واجتماعية.
رحلة في ثنايا كتاباتها
فمن قصائد أمينة قصيدة بعنوان Wargha Dil) مكان القلب) تتحدث عن قصة حبٍ لا تُنسى، وتعكس في كلماتها إحساس العاشق، الذي يبقى يُفكّر ويسهر ويكتب فيُبدع في الليل، ويعيش تلك المشاعر المُتقدة بين الحنين والشوق، لكن في جوٍ يعج بالكآبة والغموض.
كما أن لها قصيدة (Wargeha Dil) حملت في كلماتها حباً مُخبئاً في القلب، فناجت في حروفها قلباً أحبَّ بصمت، وينتظر في الليل لسرقة لحظة مع معشوقه، وتناقضت قصيدتها فتارةً تُطالب المحبوب بصلة وصل وتارةً تطالبه بإعادة مشاعرها والرحيل كما حضر.
وقد تلقت الشاعرة الدعم من قبل شقيقتها التي وصفتها بذات الإحساس المرهف إذ كانت تتأثر عند قراءة القصائد التي تكتبها أمينة، إلى جانب عمها سعود تتر الذي شاركته ذات الحب والاهتمام بالشعر والأحاسيس فكانا يتسامران في إلقاء الشعر وقراءته، وترى أنها ازدادت تعلّقاً بالشعر بسبب هذين الشخصين الذين نمت موهبتها مع دعمهما لها. كما تأثرت أمينة بالشاعرٌ الكرديٌ “سيداي تيريج” الذي ساهم بإغناء التاريخ الكردي وأضاف عبر كلمات شعره لمساتٍ فريدة، فكان قدوةً وملهماً لأمينة وبعض الشعراء الكرد ممن بدأوا مسيرتهم الأدبية بعد الثورة.
فيما يتخبّط الشاعر من تقلبات الحياة المحيطة به وصعابها إلا أن أمينة بقيت أنيقة في تعبيراتها، ومبدعة مختلفة، تتقن أسلوب النثر وتمسك بناصية اللغة، وكتاباتها تنفذ مؤثرة في أعماق القارئ والمتلقي دون عناء ومشقة، وهي توظف المحسوسات المختلفة لرسم لوحاتها السّردية، التي تعج بالمشاعر المتناقضة فبالرغم من عناوينها الرقيقة إلا أن ألفاظ القوة والتمرد تتسرب داخل نصوصها بشكل انسيابي يظهر جليًا مكوناته، في طريقة سردية مميزة.
وهناك الكثير من قصص المبدعين والأدباء الذين بدأوا مسيرتهم الأدبية بعد ثورة روج آفا أذ أتاحت لهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم باللغة الكردية؛ لتحقيق طموحاتهم وأهدافهم التي حُرِموا منها على مدى سنوات عديدة، ونرى اليوم في وجه وأحلام أمينة ورفاقها من الكتّاب والأدباء الشبان صورةً لشعراء كُرد عمالقة في الفن والأدب الكردي واستكمالاً لطريقهم وأحلامهم.
المصدر: صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=52878