الخميس, ديسمبر 26, 2024

أوصمان صبري.. حياة حافلة بالنضال الوطني

دجوار أحمد آغا

شعوب العالم، التي ناضلت من أجل تحررها وانعتاقها من نير الاحتلال والاستعمار الذي فرضته قوى الهيمنة العالمية والحداثة الرأسمالية، احتاجت إلى نخبة من أبنائها الأبرار المؤمنين بقضيتهم العادلة والملتزمين بها بعيداً عن المصالح الشخصية الآنية. هذه النخبة عادة ما تكون متجانسة وتُكمّل بعضها. من السياسي إلى العسكري ومن الشاعر إلى الأديب والروائي. وهكذا نرى أمثلة كثيرة في تاريخ شعوب العالم، هناك شعراء وأدباء وقادة عسكريون ومثقفون أخذوا على عاتقهم حمل لواء وراية المقاومة والنضال والكفاح من أجل تحرير شعوبهم سواء من نير الاحتلال والاستعمار، أو من استبداد الحكومات والأنظمة القمعية.
شعبنا الكردي؛ ليس حالة استثناء، فهو أيضاً يزخر بكوكبة من القادة الطليعيين لنضاله في مختلف الميادين. وفي مقالنا اليوم نتحدث عن أحد هؤلاء المناضلين الذي لم يتوانَ، ولا للحظة واحدة من عمره الطويل عن الكفاح والنضال بلا هوادة من أجل قضية شعبه الكردي ووطنه المحتل والمجزأ كردستان. إنه أوصمان صبري.


الولادة والنشأة
قرية “نارنجي” التابعة لمدينة “سمسور” الكردية في باكور كردستان والتي غيّرت تركيا اسمها إلى “أديمان”، كانت مكاناً لولادة طفل كردي لزعيم عشيرة “مرديسا” الكردية صبري آغا، سيكون له شأن كبير في مختلف أجزاء كردستان الأربعة. العام 1905 شهدت القرية ولادة الطفل أوصمان. عاش طفولته بين أحضان العائلة وفي طبيعة كردستان الخلابة والتي سوف تترك أثراً بارزاً على أشعاره فيما بعد. دخل أوصمان المدرسة الرشيدية في سن السابعة واستمر فيها مدة ثماني سنوات حيث اضطّر إلى ترك الدراسة والعودة إلى قريته بعد وفاة والده صبري آغا إثر مرض ألمّ به. أصبح أوصمان مساعداً لعمه شكري الذي ترأّس العشيرة خلفاً لأخيه صبري. مثلما كانت العادة دارجة في مختلف أصقاع كردستان، ونقصد هنا الزواج المبكّر، تزوج أوصمان مبكراً وأنجبت له زوجته ثلاثة أبناء، لكنها سرعان ما توفيت مع اثنين من أبنائها، وهم أطفال. أما ابنه الثالث وكان يُدعى “ولات” فقد قُتل في سن السابعة والأربعين. تزوج أوصمان مرة أخرى وأنجبت له زوجته الثانية ثلاثة أبناء وهم (هوشنك، هوشين، هفال) وابنتين هما (هنكور، وهيفي)، بالإضافة إلى تبنيه لابنة أخيه “كوي” التي بقيت إلى جانبه حتى النهاية.

الاعتقالات المتكررة
شارك أوصمان صبري إلى جانب أعمامه شكري ونوري في ثورة الشيخ سعيد بيران 1925حيث تم إعدام عميه، ولأنه لم يبلغ السن القانونية، لم يُعدم. بقي في السجن سنتين ومن ثم خرج بموجب عفو عام في نهاية العام 1929.
بالمجمل تعرّض أوصمان للاعتقال 18 مرة في أوقات متفرقة وأماكن مختلفة. فتم اعتقاله في باكور كردستان في تركيا مرتين، وفي باشور كردستان في العراق مرتين، كما تم اعتقاله في لبنان مرتين، وفي سوريا أعتقل أوصمان صبري 12 مرة لعل أبرزها فترة خمسة أشهر، التي قضاها في زمن حكم حسني الزعيم الذي قاد أول انقلاب عسكري في سوريا سنة 1949-وهو كردي بالمناسبة، من كرد حماه-. مكث أوصمان صبري مدة تسعة شهور في سجن حلب سنة 1959، كما بقي مدة ستة أشهر في سجن المزة سنة 1966، وآخر فترة سجن واعتقال كانت لمدة سنة ونصف في سجن القلعة بدمشق سنة 1971.
ومن الجدير بالذكر أنه تم نفي أوصمان صبري إلى تدمر، والسويداء، وأخيراً إلى جزيرة مدغشقر في أفريقيا من سلطات الانتداب الفرنسي على سوريا.


التوجه إلى روج آفا
بعد إعدام أعمامه شكري ونوري، وخروجه من السجن بموجب عفو عام، توجّه صبري إلى روج آفا التي كانت وقتها تحت الانتداب الفرنسي مثل عموم سوريا. عبر الحدود المصطنعة بين باكور وروج آفا من دشتا سروج باتجاه كوباني، والتي حلّ فيها ضيفاً على شاهين بك برازي.
ساهم في تنشيط الحركة الثقافية والاجتماعية والسياسية الكردية في مناطق روج آفا إلى جانب العديد من الشخصيات الوطنية الكردية التي قدمت من باكور مثل عائلة بدرخان بك أمير جزيرة بوطان، عائلة جميل باشا ديار بكرلي، ممدوح سليم بك الوانلي، د. نور الدين زازا، وسيداي جكر خوين.
المساهمة في تأسيس النوادي الرياضية والثقافية
كان لأوصمان صبري دور كبير في نشر الوعي الثقافي بين الشباب الكرد عن طريق تأسيس نوادٍ ثقافية، رياضية، اجتماعية، تكون غطاء للقيام بالأنشطة التوعوية بين الشباب الكرد خاصة في مجال اللغة والمعرفة. من أهم النوادي التي ساهم العم أوصمان في تأسيسها في العاصمة السورية دمشق نذكر:
نادي صلاح الدين الثقافي والرياضي عام 1938 في جبل قاسيون، حيث تم الحصول على الرخصة من سلطات الانتداب الفرنسي. وكانت تتم فيه إقامة الأنشطة الثقافية بغية زيادة الوعي والمعرفة بين الشباب الكرد.
نادي كردستان في حيّ الكرد “الأكراد ـ ركن الدين” سنة 1942.
نادي هنانو سنة 1949 بدمشق.
نادي الجزيرة سنة 1954.
معظم هذه الأندية كانت في المساء يعطي أصمان صبري دروس اللغة الكردية فكان لديه أسلوب شيق وجذاب في غرس حب اللغة الأم، وضرورة تعلمها في نفوس الشباب الكرد في دمشق وما حولها.
الانخراط في العمل السياسي
العم أوصمان صبري كرّس حياته لخدمة وطنه وشعبه، عمل جاهداً لرفع مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي وصولاً إلى الوعي السياسي لدى أبناء وبنات شعبه الكردي. ساهم إلى حد كبير كما ذكرنا سابقاً في تأسيس النوادي الثقافية والاجتماعية والرياضية. بداية نضاله السياسي كان في الانخراط مع (آل بدرخان “جلادت وكاميران” إلى جانب ممدوح سليم بك، قدري جميل باشا، بوزان شاهين بك، حاجو آغا، وغيرهم) في تأسيس جمعية “خويبون” التي أُسست في مدينة “بحمدون” اللبنانية سنة 1927. توجه صبري إلى باكور مرة أخرى للمشاركة في ثورة آكري بقيادة إحسان نوري باشا.
شارك بفعالية ونشاط في تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا سنة 1957 برفقة حمزة نويران، عبد الحميد درويش، الشيخ محمد عيسى، رشيد حمو، محمد علي خوجة، شوكت حنان. وعلى إثر الانشقاق الذي حصل في الحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق، حيث انشق جلال الطالباني وعدد من أعضاء المكتب السياسي من الحزب، حدث انشقاق مماثل في الحزب الديمقراطي الكردستاني سوريا (البارتي)، حيث أصبح هناك جناح يمين وجناح يسار. ولدى محاولة توحيد الجناحين، برزت القيادة المرحلية كطرف ثالث. أما أوصمان صبري؛ فترك العمل السياسي في العام 1969 وتفرغ للأدب والثقافة الكردية.


التفرغ للعمل الأدبي
الأدب الكردي مهم جداً ليثبت للعالم وجود شعب حي ومقاوم، وليتعرّف أبناء وبنات الشعب الكردي نفسه على تاريخهم ولغتهم وأدبهم وقصصهم وحضاراتهم العريقة. شارك أوصمان صبري الأميرين الكرديين (كاميران، جلادت) سليليّ عائلة الأمير بدرخان بك أمير جزيرة بوطان في نشر الوعي والثقافة الكردية عبر مجلة هاوار وروناهي، روزا نو، ستير، وغيرها من المطبوعات التي أصدرها الأخوان بدرخان سواء في دمشق أو بيروت.
كتب أوصمان الكثير من القصص والمقالات السياسية والقصائد الشعرية. كتب العم أوصمان صبري عن تجربته في كتابة الشعر: “إذا كُتبت القصائد والقصص بهدف توعية الناس، فسيكون لها دور ومكانة في حركة التحرر الديمقراطي وتؤدي دورها التقدمي، وأنا كتبت كل نتاجاتي من أجل أداء هذا الدور”.
الوفاة
لابتعاده عن وطنه الأم كردستان التي بقيت حسرة في قلبه، تعرض قلبه لنوبات صعبة لم يستطع أن يتحملها؛ فتوقف هذا القلب الكبير عن الخفقان بعد 88 عاماً من الحياة. نعم رحل أوصمان صبري الذي زاره القائد والمفكر الكردي والأممي عبد الله أوجلان عدة مرات في منزله بدمشق، حيث أبدى صبري اهتمامه وتعاطفه مع ثورة حركة حرية كردستان، كيف لا وهو من أبرز الشخصيات الكردستانية التي رفضت الاعتراف بالحدود المصطنعة في كردستان.
من أهم أقواله: “الأمة التي تُحبّ نفسها وتعي ذاتها، هي التي تُحب لغتها” نظراً لما للغة من أهمية في حياة الأمم والشعوب. تم نقل جثمانه من دمشق إلى قرية “بركفري” في ريف الدرباسية حيث تم دفنه هناك بتاريخ 11 تشرين الأول1993.
الإرث الثقافي لأوصمان صبري
ترك العم أوصمان صبري خلفه العديد من المؤلفات التي تتحدّث عن معاناة وآلام الشعب الكردي ومن أبرز ما ترك:
أبجدية كردية لاتينية (ألف باء) دمشق 1955
العاصفة (باهوز) دمشق سنة 1956
آلامنا (دردي مه) دمشق 1957
الأبطال الأربعة (جار لهنك) دمشق 1984
ومن الجدير بالذكر أنه منذ العام 2017 هناك مهرجان أدب تحت اسم (مهرجان أوصمان صبري للأدب) تقيمه هيئة الثقافة والفن في إقليم الجزيرة بشكل سنوي. كما أن بلدية الشعب في كبرى مدن شمال وشرق سوريا وهي قامشلو؛ قد أطلقت على الساحة الغربية في مدخل المدينة والتي كانت سابقاً تُسمّى (دوار قرموطي) اسم أوصمان وأصبحت تُعرف الأن باسم “دوار أوصمان صبري”.

المصدر: صحيفة روناهي

 

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية