الشاعرة بهار محمد بين الفناء واللا فناء اللحظات من عمر الإنسان مرسومة ، فلم لا نعيشها كما هي؟ جزء / 3
بقلم عصمت شاهين الدوسكي
إننا ندرك اليوم إن التشبيهات تعجب الخيال الذهني الخلاق ، ونعلم طبيعتها ومضمونها ،والارتباط بينها تميل له الروح والنفس البشرية ،وليس هناك فواصل عميقة بينها ،بل تكون في مداراتها النفسية والفكرية التي تجسد العوالم لا متناهية في الحياة ،وقد تفلح جميعها أن تكون في محراب الذكرى والحلم ،لا يطويها النسيان الذي قد يجرها إلى الفناء ،ولكنها كانت وما تزال الركيزة الأساسية لأي ذهن خلاق ،يتلمس من خلالها طريقا نحو نواميس البشر الطبيعية باستخدام المجازات والتشبيهات والرموز ،وهي كشف عن وحدة الطبيعة البشرية ،وفي كل تقديراتنا وحساباتنا الأدبي المعاصرة ننصت ونسمع إلى حركة هذا البوح الداخلي من خلال الحروف والكلمات والموسيقى الشعرية التي تتجسد بأشكال عدة في عصرنا الحالي بعيداً أو قريباً من الاحتمالات والنماذج الجريئة في النظم في هذا الموضع أو موضع آخر ،فهي تستند إلى حقائق الهواجس والخيال والأفكار الخلاقة القريبة من الواقع في خضم التناقضات الروحية التي أحيانا نميل إلى تخيلها ووجودها ونود نلمسها كحقيقة تحدث أو مضت أو حلم لم يأتي بعد ،ننتظره أن يتحقق في عالم روحنا وواقعنا ،فهي ليست عملية تصحيح للنفس ولا خطأ هاجس يمر ،بل سبيل ننظر من خلاله إلى الحقائق ،فلا يختلط مفهومنا للأشياء ونميل ونرميها للفناء ،فهي أكثر ،فهي أكثر غنىً وعمقاً ،وإن أتت بصور مجازية وتشبيهيه ،فمعظم ما يدور في ذهننا في البداية يكون غامضاً لغموضه عند الإغريق ،وربما يكون مفهوما خاطئاً في نفس الوقت ،ولكن عندما تتحول إلى حروف وكلمات وموسيقى شعرية ،فنية ،تبعث الحياة في حقائقها وكنها ،وإن كانت قديمة الخطوب ،تتجدد بأسلوب عصري لإضفاء سمة جديدة عليها ،لتظهر صورة شعرية متكاملة بجمالها وتنسيقها وأفكارها وشكلها وبناءها ،إن دمج هذه العمليات الأدبية، الفنية هيمن على السمات الفكرية الخلاقة ، الشاعرة ( بهار محمد ) من منطقة “سميل ” التابعة لمحافظة دهوك كوردستان العراق ،أبحرت في أجواء الفناء ولا فناء في تصوير الهواجس الفكرية المتقدة بالإحساس الجميل والشعور الراقي الذي يرتبط مع الواقع بوحدة متشابهة خفية أو جلية التي تحاول من خلالها إظهار جاذبية الواقع والخيال بدهشة الرؤية التخيلية المستمدة من تجليات الواقع الماضية ،وهو اكتشاف يتم العثور عليه عبر صور الخيال المتشابهة وهي موجات شعرية تتقن الشاعرة ( بهار محمد ) كيفية إظهارها بأسلوب أنثوي حسي ناضج .
(( من دونك حياتي فناء
ومن دون رجاء أيامي
هواياتي تائهة
والأيام تخلو من ضحكات وابتسامات
فمن دونك حياتي لا جدوى منها ))
من شأن الجدوى ولا جدوى ،وصراع الفناء ولا فناء ،يسلك في بعض الأحيان سلوكاً يبدو فيه كأنه كرات ثلجية صغيرة تكبر كلما انحدرت أكثر نحو الارتقاء وتتماسك أكثر ويمكن ملاحظتها أكثر ،فلا ينظر إليها بخجل ،فالحقيقة الشعرية تكشف الهالات الخيالية الخلاقة والواقع مهما كانت مظاهر المقارنات والتشابهات والرموز ،فالشعر يكشف النظام النفسي والفني ومظاهر الطبيعة البشرية ،عن طريق تجليات هذه الهواجس التخيلية والفكرية التي لا نشك بوجودها وعمقها ومضمونها بأي حال من الأحوال من قبل ،إن الوحدة النظامية الشعرية المبدعة تعرض نفسها بنفسها خاصة إن وجد الارتباط الوثيق بين الخيال الخلاق والواقع وبين صور الفناء ولا فناء ،فاللحظات من عمر الإنسان مرسومة سابقاً ،فلم لا نعيشها كما هي؟
(( لحظة من عمر أمضيته برفقتك
وليال بين أحضانك
بعشق عشتها معك
فكنت ملكك فقط
وشفاهنا كانت تمتزج مع بعضهن
واحرق ذاتي في عمري وأقنعها ))
لم نكتفي بمجرد المشاهدة ونحرق ذاتنا ؟ لم لا نحرك إحساسنا، فكرنا، هواجسنا ؟لم نبحث عن عدسة كاميرا شعرية تصورنا ؟لم لا نكتشف أنفسنا بأنفسنا ؟وبمعنى أدق ينبغي أن نطلق اللحظة التي تبقينا في لا فناء، فالحياة مستمرة، وستمر من هنا ،فلم نكتفي بالمشاهدة العادية ؟والمشاهدة العادية ليست إلا فوضى ولا نظام ،الشاعرة ( بهار محمد ) أبحرت وغطست في بحر الجمال والعشق مع ” صمت الليل ” وهي ترفض صيغة عالم الفناء في لا فناء ” فراقك عني بعيد المحال ” وهي صورة من الصراع الفكري والحسي ورغم هذا فهي لا تنكث ” بعهد الجمال ” ولما لا ؟دعنا نكرس حياتنا للحب والجمال والسلام، ندون ما نراه، رؤية شعرية حقيقية، خيالية، ونرميها للفناء ،بل يمكن ملاحظة همته خلال القلوب العاشقة , المحبة للحياة في الحياة .
((والآن أبقى معي
كي نظلم ندون فجر
ونغطس في عزلة جمال العشق
ويمتلئ صمت الليل بنبضات سكرة أفئدتنا
فراقك عني بعيد المحال
وفؤادي ينبض بهواك
جمدتني بالعشق , وعلقتني بقلبك
فأنا منحتك وعود العشق
فليس بمقدوري أبدا
أنا نكث بعهد الجمال))
الشاعرة بهار محمد صورت بأسلوبها الجميل عالم الفناء ولا فناء الذي تحسبه منخلا لتجليات الخيال الخلاق والواقع وعمدت أن تربط كليهما بوعي جميل والتي اتسمت برقة متناهية راقية يتخللها هدوء روحي وصمت وجداني , وحياة أنفقت في سبيلها نبضات قلب جريح , إن هذه الرؤية الشعرية تضمنت كنز من الملاحظات والمشاهدات البصرية والحسية والفكرية وهو ليس رفض للواقع وفناء له , بل حياة متجددة من الحب والجمال والارتقاء الروحي .
**************************************
الشاعرة بهار محمد
ولدت الشاعرة بين أحضان الغربة بعيدة عن وطنها كوردستان مواليد 1984 أصفهان
نشرت العديد من قصائدها في الصحف والمجلات الكردية
درست دراستها ا لثانوية باللغة الفارسية
تعمل حاليا عضو في قسم الإعلام مدينة سيميل التابعة لمحافظة دهوك – كوردستان .
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=62033