محمد سعيد رياض

تفيد الدراسات التاريخية، بأنه ما أن ظهرت الألواح المسمارية في بلاد الســومريين القديمة جنوب العراق منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، بدأ معها تدوين التاريخ حتى تبين أن السكان الأصليين في كردســتان كانوا مجموعة من الشعوب والقبائل الكردية العريقة التي شكلت الجذور والأصول القديمة، التي انحدر منها الكرد. وكان من بين هؤلاء الأسلاف الأوائل (الســوباريون) الذين يقول عنهم العلامة محمد أمين زكي، نقلاً عن المؤرخ السير سيدني سميث: “كانت هناك في العهود القديمة منطقة شملتها بحيرة وان وشرقها كركوك، وجنوبها بابل، وغربها وادي الخابور، وكان يستقر في هذه المنطقة (السوباريون- الشوباريون)، و كان اسم هذا الشــعب علماً لعشــائر كبيرة في كردستان، وأن السوباريين في القسم الغربي من نهر دجلة كانوا يعرفون باسم (الهوريين)، الذين استطاعوا أن يبسطوا سيطرتهم في القرن الـ18 قبل الميلاد على القسم الأكبر من ســوريا حتى نهر الفرات، وفي هذه الفترة كانوا يطلقون على ســـوريا اسم بلاد (هورو)”.
كما أن العالم ـ هورست كلينكل ـ يقول: “إن الهوريين بدؤوا بالظهور في سوريا منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، واستطاعوا تسلم القيادة السياسية في عدد من الحواضر الســورية”.
وحسب بعض المصادر أيضا، فإن مواطن الهوريين كانت تمتد غرباً لغاية جبال أمانوس على الساحل الشمالي الشرقي للبحر المتوسط، إلا أن عالم الآثار ـ جورجيو بوتشيلاتي ـ البروفسور في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس قد نجح أخيراً في حل لغز الهوريين: أنهم شعب قديم يعود إلى فجر التاريخ، وأن أساطير الحثيين، ومقاطع من الباب المقدس وبضع تحف فنية عثر عليها قبل خمسة عقود تضمنت كلها إشارات إلى الهوريين والإله الملك الذي كان يقيم في عاصمتهم (كورش)….وتحدثت نقوش أسدين مصنوعين من البرونز باللغة الهورية عن الملك (أوركش ونعوار) وربطت نعوار بمدينة أخرى قرب الحسكة على نهر الخابور.
ثم قاد البحث بسرعة إلى (تل موزان ـ كري موزان) قرب مدينة عامودا في محافظة الجزيرة، وبدأ التنقيب في هذا التل وتم العثور على عاصمة الهوريين (أوركش)، كما عثر أخيرا على بوابة القصر المتوجه نحو الغرب، كما تم العثور على مستودع ومخزن تابع للملك فيه من الأختام والبعض منها عليها نقوش تعطي اسم الملك (توبكيش أندان) أي الملك توبكيش باللغة الهورية.
كما أن الآثار، التي اكتشفت حديثاً في محافظة الجزيرة من المملكة الهورية الميتانية القديمة لها دلالاتها البينة على أن هذه المنطقة بأرضها وسكانها هي كردية الأصل منذ أقدم العصور فقد جاء في كتاب (إيبلا ـ عبلا ص 31) أن بعثة أثرية بريطانية برئاسة (ماكسويل مالاوان) حققت في تل شاغر بازار الواقع جنوب قامشلو، حيث عثر فيه على أثريات هامة، يتراوح تاريخها بين عصور ما قبل التاريخ، والألف الثاني قبل الميلاد.
وكذلك في “تل براك” الواقع شمال الحسكة حققت نتائج باهرة، حيث أزاحت الستار عن معبد يرقى تاريخه إلى مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، واكتشف إثر ذلك مدينة ميتانية والقصر الملكي فيها وكذلك الكثير من رقم ملوكها، ثم قامت بعثة أثرية ألمانية برئاسة (أنطون مورتفات) بين عامي 1955 و 1956 بمواصلة التحريات في موقع تل الفخارية شمال ســـوريا في أعالي نهر الخابور، حيث سبق لهذه البعثة أن اكتشفت آثار مدينة يعود تاريخها إلى العهد الهوري- الميتاني في الألف الثاني قبل الميلاد، وحديثاً اكتشفت فيها آثار أخرى تؤكد اقتراح المنقبين السابق بأن عاصمة الميتانيين المعروفة باسم (واشوكاني)، وتقع في ثنايا هذا التل “تل موزان”. قرب مدينة عامودا الذي اكتشف فيها جورجيو بوتشيلاتي قصر الملك توبكيش الهوري، وسبق الحديث عنه، ومن الآثار الهورية الرائعة هو ضريح (النبي هورو)، الذي لايزال قائما منذ ذلك الزمن القديم سليماً حتى اليوم في جبل الأكراد شمال غربي حلب، ولا شك في أن ما كان عليه هذا النبي من مكانة مقدسة بين الهوريين قد جعل اسمه يتمثل اسم الهوريين نفسه، وهكذا نرى في ذلك كله، ما يثبت بشكل قاطع استيطان الكرد في شمال سوريا منذ أقدم العصور.
في الآونة الأخيرة تم  اكتشاف مدينة كردية ـ غيرت مجرى التاريخ الميتاني في حموكر قرب الحدود الســورية العراقية، حيث دلت البعثة الأمريكية على هذا الكشف الأثري، في نطاق مدينة تاريخية تعد الأولى في العالم، لتسقط الادعاءات السابقة حول، الدول  الســومرية الأولى في التاريخ البشري ـ كما كان يعرف ـ وقد أشار رئيس البعثة الأمريكية إلى أن(سكان جومرك  التاريخية ينتمون إلى سكان جنوب شرق تركيا، وشمال وشرق ســـوريا)، وهم أول من مدّن المدن، وجعلها دولاً مستقلة، قبل الســومريين الذين وصفوا بذلك بنحو ثلاثة آلاف ســنة.

​صحيفة روناهي

شارك هذه المقالة على المنصات التالية