عبّر الشعب الكردي، في كل مراحل التاريخ الحديث و المعاصر، عن وحدته القومية و السعي لتقرير مصيره بنفسه على أرض كردستان التي تمت تجزئتها رغماً عن إرادته. و تجسّد هذا التعبير في استمرار التمازج القومي و التأثير المتبادل بين سكان كل الأقاليم الكردية، من كل النواحي الثقافية و السياسية و الاقتصادية، و ذلك رغماً عن الحدود الاستعمارية التي فُرضت بالقوة.
لقد استمرت المرأة الكردية في حمل أوعية التراث الكردي الذي ساهم الفنّانون و الأدباء في نقله و صقله و تعميمه في ربوع الوطن الكردي، هذا الوطن الذي سعت و تسعى القوى السياسية الكردية لتحريره من الغاصبين.
في مواجهة تواطؤ المستعمرين الذين يستهدفون وجود الشعب الكردي و حقوقه، كان و لازال مطلوباً من القوى الكردية حشد أكبر قدر من الإمكانات، و التضامن و التنسيق الأمثل من أجل التمكن من المقاومة و رفع الغبن عن الشعب الكردي.
في عام 1937، بينما كان الشعب الكردي في شمال كردستان يتعرض إلى القتل الجماعي على يد جنرالات تركية، كان في غرب كردستان، يناضل الشعب الكردي ضد مظالم حكومة الكتلة الوطنية العميلة للانكليز، و يطالب بالحكم الذاتي أسوة ببقية مكونات الشعوب و المناطق الخاضعة للانتداب الفرنسي، و كانت القوى الوطنية الكردية في جنوب كردستان و شرقه تطالب بحق الشعب الكردي في تقرير مصير بنفسه، و رغم الظروف الاستعمارية القاسية، كان يوجد حدّ أدنى من التواصل و التضامن بين الناشطين في الحركة الوطنية الكردية في كافة أقسام كردستان.
في هذه الحلقة نترجم وثيقة فرنسية تتعلق بالحركة الوطنية الكردية في جنوب وغرب كردستان، و هي مرسلة في السابع من أيلول عام 1937، من قبل مدير الأمن العام الفرنسي في بيروت إلى وزارة الخارجية الفرنسية في باريس.
****
الأمن العام
بيروت، في السابع من شهر أيلول عام 1937
إلى وزارة الخارجية
معلومة رقم: 4668
أمن بيروت
أ/س الحركة الكردية:
تبين المعلومات المجمّعة من الأوساط العراقية في لبنان بأن الليوتنان-كولونيل (المقدم – المترجم) المتقاعد توفيق وهبي بك، مدير الأشغال العامة في العراق هو من محرضي الحركة الانفصالية الكردية.
يعتقد بأنه يحاول الثأر لصديقه بكر صدقي (1). فبالاتفاق مع أصدقائه السياسيين، أرسل توفيق وهبي بك تسع مئة دينار إلى الضابط المتورط في مقتل جعفر باشا العسكري(2)، و الذي يعتقد تواجده في الأقاليم الخاضعة للانتداب الفرنسي، و ذلك لتحضير مؤامرة ضد نوري باشا سعيد (3)، بمساعدة الأكراد المقيمين في لبنان و في سورية.
يقال بأنه سيتم قريباً إرسال أربع مئة من الدنانير الأخرى، وذلك عن بواسطة نجيب عبوس، مدير السكك الحديدية العراقية.
يوجد من بين العناصر الكردية في لبنان و في سورية أنصار للانفصال الكردي، و دليل ذلك هو أنه، قبل عدة أيام، تم تقديم العديد من الطلبات إلى الحكومة السورية للحصول على ترخيص بإقامة مراسم تعزية لذكرى (وفاة-المترجم) بكر صدقي.
قادة هذه الحركة الكردية هم:(4)
– الكابيتن (النقيب –المترجم) حسن دليمي (عالية)
– الكابيتن علي غالب (عالية)
– الكابيتن سعدي مصطفى ( وصل الى دمشق منذ يومين)
الكابيتن إسماعيل توهلا (يتواجد في لبنان أو دمشق)
كان من المنتظر مجيء نوري باشا سعيد في السادس من أيلول. أخّرَ سفره لعدة أيام بسبب عد استعداد زوجته.
مدير الأمن العام
المفتش العام لشرطة دول المشرق الخاضعة للانتداب الفرنسي
الخاتم و التوقيع
****
ملاحظات المترجم:
(1)- بكر صدقي: كردي ولد في عام 1886، في قرية عسكر في منطقة كركوك الكردية، كان ضابطاً في الجيش العثماني، ثم التحق بالجيش العراقي الذي أنشأه الانكليز بعد تنصيب الأمير فيصل ملكاً على العراق. ترقى إلى رتبة فريق في هذا الجيش، قام بانقلاب عسكري في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول عام 1936، فاستمالته تركية عن طريق التركماني حكمت سليمان الذي عينه بكر صدقي رئيساً للوزراء، و احتفظ لنفسه منصب رئاسة الأركان. على حد علمنا المتواضع لم يحقق بكر صدقي أية منجزات للشعب الكردي، لكن بقي انتماءه الكردي في نظر المعادين للكرد جريمة استحق عليه القتل. ففي طريقه إلى تركية للمشاركة في المناورات العسكرية التركية المقررة في 18 آب 1937، توقفت في الموصل الطائرة التي كانت تقله مع قائد القوات الجوية العقيد محمد علي جواد، فتم اغتياله في التاسع من شهر آب عام 1937 في حديقة المطار من قبل نائب العريف عبد الله التلعفري. كثرت الروايات حول الجهات المخططة لاغتيال بكر صدقي، و من جهتنا نضيف إليها احتمال كبير لدور الأجهزة التركية في هذه الجريمة.
(2)- جعفر العسكري، هو من مواليد بغداد عام 1886(على الأرجح)، (يُقال بأنه كردي الأصل)، و هو صهر السياسي العراقي نوري السعيد، تخرج من المدرسة العسكرية في استانبول برتبة ملازم في عام 1914، أثناء الحرب العالمية الأولى حارب في صفوف الجيش العثماني ونال وسام الصليب الحديدي الألماني في عام 1915، بعد أن وقع في أسر الانكليز، انضم إلى صفوف الهاشميين لمحاربة العثمانيين، وشغل في العهد الفيصلي في سورية (1918-1920) منصب حاكم حلب.
بعد تنصيب الأمير فيصل من قبل الانكليز ملكاً على العراق، شغل جعفر العسكري العديد من المناصب الهامة، منها: وزارة الدفاع لفترتين ( 1923-1924) و (1926-1928). بعد حلّ قضية الموصل و الضم النهائي لإقليم جنوب كردستان إلى ولايتي البصرة و بغداد لتشكل معاَ دولة العراق، و بعد أن وافقت الحكومة العربية على اتفاقية لتمديد الحماية الانكليزية و استثمار النفط في عموم الأراضي العراقية، سمحت له بريطانيا بشن هجمات عسكرية على إقليم كردستان العراق. و في عام 1936، قاوم انقلاب بكر صدقي، فوقع قتيلاً في ديالى في التاسع و العشرين من شهر تشرين الثاني ، و تم دفنه فيما بعد في عام 1937، في المقبرة الملكية في بغداد.
(3)- نوري السعيد (1888-1958): كان ضابطاً في الجيش العثماني، انضم الى القوات الهاشمية، و رافق الأمير فيصل أثناء حكمه في دمشق (1918-1920)، شغل دوراً سياسياً بارزاً في العراق بعد أن نصب الانكليز فيصل ملكاً عليها. بقي طوال خدمته السياسية موالياً و مسوّقاً للسياسة الانكليزية في العراق و في الشرق الأوسط.
تولى نوري السعيد منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة
23مارس 1930 – 19 أكتوبر 1932.
20أكتوبر 1932 – 27 أكتوبر 1932.
25ديسمبر 1938 – 6 أبريل 1939
7أبريل 1939 – 21 فبراير 1940.
22 فبراير 1940 – 21 مارس 1940.
9 أكتوبر 1941 – 8 أكتوبر 1942.
9 أكتوبر 1942 – 25 ديسمبر 1943.
26 ديسمبر 1943 – 3 يونيو 1944.
21 نوفمبر 1946 – 11 مارس 1947.
6 يناير 1949 – 10 ديسمبر 1949.
15 سبتمبر 1950 – 10 يوليو 1952.
2 أغسطس 1954 – 17 ديسمبر 1955.
18 ديسمبر 1955 – 8 يونيو 1957.
3 مارس 1958 – 13 مايو 1958
(4)- نرجو من القراء تصحيح كتابة الأسماء إن وجدوا ضرورة لذلك، و سنكون لهم من الشاكرين.
يتبع
المادة منشورة بتاريخ 09/03/2010
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=2142
اترك تعليقاً