خطب الكراهية في ساحة الأمويين
د. محمود عباس
عندما تتحول الخطب في الساحات العامة إلى رصاص مدوٍ، كالذي اغتال الطفل حمزة الخطيب، وتصبح ساحة الأمويين في دمشق منصةً للتحريض ونشر الكراهية ضد الشعب الكوردي، وتُحشد الجماهير بذات الأساليب التي استخدمها النظام البائد ضد طلائع الثورة، قبل أن يستولي عليها المتطرفون والعنصريون، الذين يحولون اليوم التحشيد السياسي إلى أداة لتأجيج الصراعات العرقية والإثنية وتعميق الكراهية بين مكونات الوطن، فعلينا أن ندرك أن الوطن يسير نحو مستنقع الحرب الأهلية، والمزيد من الدمار الفكري والثقافي.
التصريحات والتهديدات التي أُطلقت من تلك المنصة، بإملاءات تركية، تؤكد أن العقلانية تتراجع أمام طوفان الحقد والتعصب الأعمى، حيث يُستخدم الخطاب السياسي كأداة لإذكاء الصراع ضد الشعب الكوردي، بدلًا من أن يكون وسيلة لتعزيز الحوار والتعايش المشترك.
هذه الظاهرة المرضية، ليست جديدة في التاريخ، فقد حذر منها العديد من الفلاسفة والمفكرين الذين رأوا كيف يمكن للكلمة أن تكون إما أداة لبناء المجتمعات أو وسيلة لتمزيقها.
الخطابات التحريضية ضد الكورد باتت تنتشر بين المجموعات المتطرفة التي استولت على النظام، وذلك أمام أعين سلطة أحمد الشرع، تضم هذه المجموعات أيتام البعث، وبقايا داعش، وأدوات تركيا، الذين يسعون لإبادة الكورد، إلى جانب من أطلقوا على أنفسهم اسم “ملتقى ثوار الجزيرة“. لا يحتاج هذا التحريض إلى تفسير، فالمخطط كارثي، والتهاون أمامه لن يؤدي إلا إلى تكرار المآسي السابقة في سوريا.
المنظمات الإرهابية، والتي يُعد هذا الملتقى جزءًا منها، ليست سوى أداة في مؤامرة إقليمية تهدف إلى السيطرة على سوريا، وليست كما تدّعي أنها تعمل لصالحها. يجري دعمها لتعود كما كانت عليه داعش، لكن بأشكال جديدة، وبوتيرة مشابهة لظهورها الأول، غير أنها هذه المرة تتبنى لغة خبيثة مغلفة بالنفاق، بعد أن تعلمت الدرس وأصبحت أكثر قدرة على التكيف مع المرحلة.
إنهم اليوم يعيدون إنتاج التطرف بأساليب مختلفة، لكن جوهرهم لم يتغير، فلا تزال عنصريتهم ضد الكورد متجذرة، ولا تزال عقيدتهم الظلامية قائمة على نشر الإرهاب والعنف ضد كل المكونات التي ترفض الخضوع لهم.
الخطر يتفاقم، وتحشيد العداء للكورد يتم بأساليب متعددة، وهم اليوم يعيدون إنتاج ذات الذرائع التي استخدمها النظام البائد، أضيفت إليها الاتهامات بالكفر والزندقة، وشيطنة النضال الكوردي، تمامًا كما حدث مع أهلنا في شنكال وما يجري حتى اليوم في عفرين، والهجمات المستمرة على جنوب وغربي كوردستان.
إن إخلاء سبيل الإرهابيين والمجرمين من سجون العراق، الذين تلطخت أيديهم بدماء الإيزيديين في شنكال، والدعوات المتكررة، كالتي صرخ بها أحد الخبثاء من أبناء الجزيرة العرب والعرب الأصلاء براء منهم، لإطلاق سراح الدواعش من مخيم الهول والسجون التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، مؤشرات على وجود مخطط خبيث لإعادة إنتاج داعش، ولكن بلحى أقصر وملابس مدنية وربطات عنق، في تماهٍ واضح مع الأجندات التركية التي تدعم هذا المشروع من وراء الستار.
تركيا اليوم تحرض شرائح من المكون العربي ضد قوات الحماية الشعبية في الإدارة الذاتية، وتنشر دعاية ممنهجة تصور الجزيرة الكوردية على أنها “محتلة”، وتدعو إلى “تحريرها”، بينما في الواقع، هي خطة لإعادة تجميع فلول داعش والثأر للمنظمة، التي فرّت أمام صمود تلك القوات، وتم دمجها لاحقًا في الفصائل التي تحتل عفرين، وأجزاء من هيئة تحرير الشام.
على القوى الوطنية السورية، والدول المتضررة من جرائم داعش، والإدارتين الكورديتين، التحرك بجدية لإقناع الإدارة الأمريكية الجديدة والتحالف الدولي بأن الخطر الإرهابي لم ينتهِ، بل يتجدد بطرق أكثر خطورة، وأن استهداف المكونات الأصيلة في المنطقة، من الإيزيديين والمسيحيين والكورد، لن يكون سوى مقدمة لمرحلة جديدة من الفوضى والعنف، ستطال الأمن الإقليمي والدولي.
إن تصاعد الخطاب التحريضي، ونشر الكراهية تشمل كل مكونات سوريا، فعلى جميع القوى الوطنية السورية أن تتكاتف لمواجهة هذا المخطط الإجرامي، وإيقاف الخطب والتصريحات التي تدعو إلى إحياء الحرب الأهلية، قبل أن يفوت الأوان.
الولايات المتحدة الأمريكية
31/1/2025
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=61620