الأحد, ديسمبر 22, 2024

د. محمود عباس: الجدلية بين الأسد والتكفيريين

التكفيريون، ليس فقط هم المسلمون المتطرفون، بل العروبيون، الأخطر من المتدينين، الذين يضيفون الخبث إلى الكراهية، والحقد إلى المؤامرة، وهم الشريحة الأكثر تفعيلا في تدمير سوريا، وتهجير شعوبها، والقيام بعمليات التغيير الديمغرافي على الأسس العنصرية القومية، وبغطاء مذهبي، لجلب الأطراف المذهبية إلى جانبها، فالمتدينون تطغى عليهم الجهالة مقارنة بالعروبيين، أو العروبيون المختفون وراء الدين، الذين يكفرون الشعوب الأخرى غير العربية، وينكرون حقوق الأخرين، وفي مقدمتهم الشعب الكردي، وحقه في تقرير مصيره.
قادت هذه الشريحة، المعارضة السورية ومنذ السنوات الأولى من الصراع، والعديد منهم تحدثوا باسمها، في المحافل الدولية، وهاجموا الكرد، وألصقوا بهم كل الموبقات لترضية الذات الحاقدة قبل السلطات العروبية، ومن بينهم رؤساء قادوا المجلس الوطني السوري، وفيما بعد شريحة من الذين شكلوا الإتلاف الوطني السوري، وتاليا الهيئة العليا، فبرزت على أثرها أسمائهم في الأوساط السورية، وحصلوا على تشريفات من السلطات الإقليمية، وأخرهم أسعد الزعبي، الذين لا يقلون حقداً على الأخرين من الأسد، ولا غرابة فهذه الشخصيات التي لا داعي لذكر أسمائهم، خريجو مدارس البعث العنصرية، وإن كان هناك متهما مع الأسد وشريحته في تدمير الوطن، فهؤلاء لا يقلون إجراما عنه وعن سلطته، بل ولا نستبعد أنهم من ضمن الشريحة المفرزة لاختراق المعارضة وتشويهها وطنيا وعالميا، إلى جانب المجموعات التي تخرجت من سجون البعث، ولقنت قبل أن تطلق صراحها، علماً أن هذه الشريحة لا عتب عليها، وطنيون كانوا، واليوم يتحدثون تحت تأثير عمليات غسل الدماغ.
لا بد من تغييرات أعمق ضمن وفد الهيئة العليا، ومثلها في المنظمات العسكرية الراديكالية، ولا بد من تحديد الموقف من التكفيريين، العروبيين قبل الإسلاميين، لجلب تأييد دولي للمعارضة السورية، ولا شك وبعد السنوات السبع من الانحرافات في جسم المعارضة، والاختراقات التي حدثت من قبل الانتهازيين البعثيين، والتابعين لهم، وسيطرتهم بهيئة الإرهابيين، عروبياً وإسلاميا، فإن مسيرة التغيير والتنقية ستكون طويلة وشاقة، بدونها لن تبلغ محادثات جنيف نهاية، ولا المعادلة السورية إلى تسوية سياسية، وسيظل الصراع العسكري مستمراً.
وإن تم الحد من هذه الشريحة الفاسدة، وتنامت المفاهيم المعتدلة في المعارضة، ومن بينها الموقف من القضية الكردية، وغيرها من القضايا الإثنية والمذهبية، ومواجهة السلطة ومعارضتها الانتهازية، على بنية إسقاط النظام، حينها سيكون للمجتمع السوري أملا بعودة أصدقاءه السابقين وإعادة النظر في مواقفها، ومن المحتمل، حينها، أن تصدر عن جنيف هذه أو القادمة نتائج مأمولة، وإلا فسوريا ستظل في جحيمها، وأغلبية المعارضة متهمة مثلما هي سلطة بشار الأسد وحاشيته، فلا فرق بين من سيحكم سوريا، بشار الأسد أو أمثال أسعد الزعبي.
للأسف، هؤلاء التكفيريين وحتى اللحظة، لا يختلفون عن سلطة بشار الأسد، من حيث البنية الفكرية والعملية لقبول الواقع السوري، بتنوعه القومي، وتعدد الشعوب، فلم يتمكنوا رغم كل هذا الصراع وبسبب الخلفية العنصرية، والإسلام العروبي، الخروج من خيمة البعث والأحزاب المشابهة لها، ولا يزالون يتشربون من ثقافة الحقد ذاتها، ويفتخرون بها، فمنذ بدايات الثورة السورية لم ينحرجوا يوما في مهاجمة الكرد وقضيتهم، عندما سمحت لهم الفرص في ذلك، في الإعلام أو بتصريحات فردية أو على أطراف أروقة المؤتمرات.
استفادت سلطة بشار الأسد من نزعتهم العنصرية تجاه الشعب الكردي، والطوائف الدينية غير السنية، وحصدت على خلفيتها ما لم تحلم به، فأظهرت المعارضة، من خلال هذه الشريحة العروبية الخبيثة، للداخل السوري وللعالم أنها ليست بأفضل من دكتاتوريته، بل وأخطر، بالنسبة للعالم الخارجي الحضاري على الأقل. واليوم يتفق أغلبية المحللين السياسيين على بقاء سلطة بشار الأسد ليس حبا به، بقدر ما هو كرهاً أو مخافة من تنامي دور المنظمات العروبية الإسلامية الإرهابية.
فبمعرفة ما تقف عليه المنظمات التكفيرية، تجعلنا نفهم ماهية السلطة التي أفرزتها، وبدراسة ركائز وخواص السلطة الشمولية الدكتاتورية تبين لنا أسباب تشويه كل ما يتصل بالثورة السورية أو حتى بذكرها، وخلفية ابتذال المفهوم والكلمة، وإلصاقها بالتكفيريين.
وعلى الأغلب أن زوال طرف سيكون العامل المؤكد لزوال الأخر، وبالتالي فبينهما رباط مصيري، البقاء أو الانقراض معاً، فكل من يتوقع أن المنظمات التكفيرية كداعش أو النصرة ستزول من المنطقة، مع وجود السلطة، يجانب الصواب، ويستند على ضحالة التحليل، أو لديه قصر نظر، ولولا أن بقاء الأسد يستند على هؤلاء التكفيريين: العروبيين أمثال الزعبي والذين فصلهم عن السلطة وانضموا إلى المعارضة لغاية، وبانتهازية فاضحة وبدون أي تغيير في المفاهيم، والإسلاميين كداعش، التي سلمت لها مدينة تدمر، ومطار دير الزور، وفوج الميلبية المدرع، واللواء 91، خلال السنوات الماضية، وبعضها في الفترة التي كانت السلطة في عز قوتها العسكرية، وبعضها في حضرة القوات الروسية، كالمرة الأخيرة التي تم فيها تسليم تدمر، مع معسكر الروس، وبدون أن تدمر آلية فيها، وبعد مرور شهور قليلة أعادت الأمانة( مدينة تدمر والآثار والمعسكر الروسي) إلى السلطة، بعد قصف وحيد للطيران الروسي، لا نعلم إذا كان قد قتل البعض من ميليشيات داعش أم لا ؟! لما استمرت سلطة بشار الأسد حتى اللحظة ولما بقي هذه الحيرة الدولية بوجوده أو عزله رغم كل جرائمه.
وهذه الجدلية تنسحب على معظم السلطات في الشرق الأوسط، والتي لها رباط مقدس مع المنظمات التكفيرية العروبية، أو الإسلام الراديكالي وغيرهما من المعارضات الفاسدة، التي خدمتهم سلطة بشار الأسد، وحافظت إلى حد ما على وجودهم، والتي لولا الصراع الخبيث بين بشار الأسد والتكفيريين العروبيين الإسلاميين اليوم لكن أمام سقوط السلطات الدكتاتورية في المنطقة كقطع الدومينو، فخدمات المعارضة الفاسدة من خلال شخصياتها التكفيرية الانتهازية أمثال الزعبي وغيره، لا تقدر بثمن، لذلك فهو وأمثاله يكرمون في العواصم العربية، ومن على منابرها يزعقون بتصريحاتهم الفاجرة بحق الشعوب الأخرى كالشعب الكردي ويصمتون على جرائم المنظمات الإرهابية الإسلامية كداعش بحق الأديان الأخرى كما فعلتها بالإيزيديين والمسيحيين. لا نشك لحظة بأنه كانت للسلطات الإقليمية دور في استدامة الصراع في سوريا، والحفاظ بشكل غير مباشر على سلطة بشار الأسد ومعها المعارضة التكفيرية والمنظمات الإسلامية الإرهابية، ليعطوا بدورهم فكرة للعالم أن دكتاتورياتهم أفضل من الثورات التي ستخرج المنظمات الإرهابية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamkurda@gmail.com
27/3/2017م

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *