ديالا علي : أريد رجلاً.. لا مدير مدرسة

الفتاة تحلم دوماً برجل يحبها ويستوعب رغباتها، كما يحترم شخصيتها، في سن مبكرة من مراهقتها تبدأ بوضع مواصفات عالية الجودة  للرجل الذي ترغب بالارتباط به في المستقبل، تحكي في الجلسات النسائية عن ملامح ذلك الغائب المبهم الذي لم يأتِ بعد، تخطط في خيالها لنمط الحياة واللحظات التي ستقضيها معه دون توقف أو حدود. المرأة في طبعها مخلوق محب للحياة والحرية، تمتلك قدرة فائقة في تخيل الأشياء وتطبيقها في حال توفرت الفرص لذلك وخاصة عندما تكون تلك الفتاة واعية وذي قدر كافٍ من الذكاء.

من خلال تجربتي الحياتية وتعدد المواقف والعثرات التي مررت بها، تأكدت بما لا يدع مجالاً للشك في نهاية المطاف، بأنني أريد الارتباط برجل لا ذكر، رجل أقضي معه ساعات طويلة دون أدنى شعور بالذنب أو النقص، يحبني كما أنا في جميع فصولي المتقلبة، أكسر معه تلك النمطية المبهمة حول الحياة والمرأة، أرقص وأغني بلا حدود تذكر، أشاركه خيالي بكامل تفاصيله دون خجل أو التفات وأشاطره رغباتي، دون النظر إلي بنظرة انحلال أو يعيرني بمساوئي، رجل يهتم بتفاصيلي الصغيرة ويقدسها، تجمعنا طقوسنا الخاصة وأماكننا الخاصة، رجل يستمع لآرائي وأفكاري ويقدرها من غير أن يحرجني أو يقلقني. أريد رجلاً هكذا. ذات يوم قلتها لإحدى المقربات لي، فبدت على وجهها ضحكة هستيرية وملامح سخرية والقليل من الغرابة، لتقول لي: من أين أجلب لك هذا الرجل الأسطوري، ونظرتنا _كما تربيتنا _ إلى هذه اللحظة حول الصورة النمطية للرجال، شبيهة دوماً بشخص صارم، لا يتقبل الخطأ، متقلب المزاج  كأنه يريد حبسنا نحن النساء على الدوام، سواء كان هذا بالصفوف الدراسية، كمدير المدرسة مثلاً، أو في البيت، كالأب، الأخ و الزوج. هذا المفهوم الذي اكتسبناه غالباً ما يترجم إلى أفعال حقيقية على أرض الواقع.

في الواقع إذا تمعنا النظر نحن النساء ككل في هذا الأمر جيداً وتجردنا من عاطفتنا قليلاً، سنجد أن كلام قريبتي فيه مساحة كبيرة من الحقيقة، فالمرأة التي تفكر برجل من هكذا نوع تكون في نظر الجميع إما فاقدة لعقلها أو غير واقعية تعيش في عالم من الخيال، لأنه وبكل بساطة لا يوجد رجل بهكذا ميزات، يوجد رجال يتقمصون هذا الدور ويتظاهرون بالتحرر، ولكن، في الحقيقة بعد الزواج أو طول العلاقة تكتشف المرأة بأنها كانت تحلم فعلاً، لأن الحدود التي يضعها الرجل للمرأة في العلاقة لا تعطيها مساحة كافية من الحرية، لتمارس حياتها كما هي ترغب معه، وغالباً تقع الفتاة في هذا المأزق مع الزوج، لأنه يجد نفسه دوماً حاكماً عليها ولا يجوز لها حتى أن تحلم معه في السرير.

التجارب النسائية في هذا الصدد كثيرة ويائسة إلى حد كبير، ترغمنا على البعد قدر المستطاع من هكذا نماذج مؤذية، بدل تلوين حياتنا بألوان زاهية تجعلها سوداء معتمة غير نافعة للتأقلم والنضوج دون ترك نافذة واحدة على الأقل للهروب منه. أتذكر ذات مرة بينما كنا نتحدث أنا وصديقتي في الفصل الدراسي عن الزواج ومؤهلات الرجل الذي يستحق أن نرتبط به كيف يجب أن تكون وشوشتني وهي متحسرة، النسبة الكبيرة من حولنا والذين ارتبطوا وتزوجوا محطمين في علاقاتهن، كانوا يأملون شيئاً واصطدموا بشيء مختلف تماماً عن توقعاتهم، كيف لنا أن نحلم بأشياء عصيبة، قلّ ما نجدها في هذا العصر الذي يحجب أعيننا من رؤية كل ما هو ممكن. هذه هي معاناة كل امرأة شرق أوسطية، تريد أن تلتقي بشريك حياتها دون تقديم تنازلات أكثر لتدمير شخصيتها ومحيها عن الوجود.

جميعنا نرغب في ذلك الرجل الذي يكون بجانبنا كصديق، قبل أن يكون زوجاً أو حبيباً، تربطنا به أشياء استثنائية خاصة و بعض من ذلك الخيال المقموع في ذاكرتنا، نتصرف في حضوره بكامل عفويتنا لا حسابات تمنعنا من إطلاق عنان ذواتنا الأصيلة معه. ربما نشعر بالأمان أكثر مع الرجل الذي ينظر إلينا كنساء بحسن نية ونبل في المشاعر بعيداً عن المفاهيم المجتمعية الموضوعة في عقولنا .

لذلك أقول دوماً بأنني “أريد رجلاً لا مدير مدرسة” يقيدني و يحاسبني، كما يفعل المدراء في محاسبة تلاميذهم المشاغبين خاليين من الإنسانية في التعامل وإطلاق الأحكام دون رحمة أو شفقة. وجب علينا أن نفهم أن  العلاقات البشرية كافة، أساسها الجانب الإنساني قبل كل شيء، وأن تكون مبنية على أساس متين ومتماسك وفي نفس الوقت تكون مرنة ومتوازنة لا صلبة وهشة تدمر كل ما هو جميل فينا ومن حولنا فهذا النوع من التواصل بمختلف مسمياته يندرج تحت بند الدمار الشامل لبناء الإنسان.

لأن الواقع لا تلوح ملامحه بهكذا مواصفات للرجل الذي نريده، لذلك قررنا في النهاية بعد فقدان الأمل وعدة محاولات فاشلة لاصطياد ذلك الكنز الثمين الذي يعني لنا الكثير من الناحية المعنوية أن الاكتفاء بأنفسنا وأن نصبح أصدقاء لذواتنا، كما نطلق عنان حريتنا في أماكن بعيدة عن الثرثرة والضجيج المتوارث عبر الأجيال.

أن نطير بعيداً في الأفق، نتألق ببياض أجنحتنا وأعيننا التي وعلى الرغم من تعاستنا الأبدية، رفضت الانطفاء واختارت أن تبقى براقة مع ترك مساحة آمنة كالجدار بيننا وبين كل ما هو مؤذ، هو الحل الأمثل لما تبقى منا من فتات الحياة. أن نترك الماضي ونكلله بأزهار بسيطة كبساطة قلوبنا وننطلق نحو ذلك المستقبل الذي يعدنا بالكثير من الأمل والتجدد .

​المصدر: اتحاد مثقفي روجآفايي كردستان

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية