إعداد/ عبد الرحمن محمد

تحتفظ ذاكرة السوريين عامة وأهل الجزيرة بشكل خاص بالكثير من قصص البطولة والفداء، التي تناقلت الألسن سيرتها شفاهيا وقل توثيقها إلا فيما ندر، لكن صفحات ومواقع الكترونية والقليل من الكتب الموثقة ما زالت تطالعنا بالجديد بين حين وآخر، وتارة بعض المعمرين أو المهتمين بالتاريخ وقصص المقاومة والبطولة.

من تلك القصص شبه المجهولة والمغيبة نوعا ما، قصة “ذيب السرايا” والذي عرف بهذا اللقب الشهير، واسمه الحقيقي محمد بك السلطان، أو حماد بك، /1870-1930/ وتولى مناصب ومسؤوليات عدة بين عامي 1898-1919، وكان من الشخصيات البارزة والمعروفة في تلك الفترة الحساسة.

تخرّج “حماد بك من الكليّة العسكرية التي افتتحها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في الأستانة بين عامي ١٨٩٣ – ١٨٩٦، انتسب إليها وتخرجت منها شخصيات شهيرة من عشائر، وعائلات ذات صيت ونفوذ، ومنهم “وزير الحربية الشهيد يوسف العظمة، ورضا الركابي، ورمضان باشا الشلاش”.

 عُيَّن حماد بك متصرّفاً في معظم الولايات العربيّة، التي كانت تحت النفوذ العثماني آنذاك بعد تخرجه، ومنها: “الزور، وجرميك، والجزيرة العليا، وموطلي، وجباقجور، وعقره، والقطيف، والقرنة، والسماوة، والحي، والحلة، وعانة، وصاصون، وجزيرة ابن عمرو”.

بعد جلاء العثمانيين ورحيلهم عن البلاد العربية مع هزيمتهم في نهاية الحرب العالمية الأولى، عين حماد بك نائباً للجزيرة العليا في المجلس النيابي، الذي يعد “نواة مجلس الشعب السوري”، واستمر في مهامه حتى عام ١٩٢٧، وهو أوّل نائب عن الجزيرة السورية في المجلس، وقدّم خلال عمله في تلك المواقع والمهام التي تقلدها صوراً مشرقة جسَّد فيها الانتماء الوطني والقومي.

يقول الدكتور عبد الله المجيدل، أستاذ كلية التربية في جامعة دمشق في بحث مطول بعنوان “صفحات من مقاومة أهلنا في الجزيرة للاستعمار الفرنسي” عن وطنية حماد بك وتفانيه ومكانته بين سكان المنطقة:

“رفض المغريات التي قدّمها له أدميرال الأسطول البريطاني في أثناء فترة حكمه في قضاء القطيف؛ لتسهيل مهمّة احتلال الإنكليز لمنطقة الخليج العربي، وقيامه بفض النزاعات التي كانت تحصل بين القبائل العربيّة في نجد والحجاز، ومشاركته في الحملة العسكرية التي دعا إليها جميل بك المدفعي، للمشاركة بثورة رشيد عالي الكيلاني المعروفة “بثورة العشرين” ضد الاحتلال البريطاني في العراق مع أخوته الشيخ علي، والشيخ ميزر، والشيخ دحام السلطان، وابن عمهم الشيخ مسلط الصالح، كما أسهم في تأليب القبائل والعشائر العربيّة والكرديّة ضد الاحتلال البريطاني في العراق، على الرغم من أنّه قد تلقى يومها تهديداً مباشراً من حاكم الموصل السياسي الكولونيل البريطاني “تولدر” بالكتاب رقم ١١٢/٥ بتاريخ الأول من  تموز ١٩٢٠، والذي ينذره مضمونه بالضرب بشدة بواسطة الطائرات، والبطش به إن داوم على تحريض القبائل ضدهم.”

كان حماد بك من القلائل الذين يلتقون سراً بالزعماء والشخصيات الهامة، التي نفتها فرنسا على مناطق الجزيرة، وأبعدتهم عن دمشق، وغيرها، أمثال “سعد الله الجابري، وشكري القوتلي، ونجيب الريّس، وسلطان باشا الأطرش، وحسني البرازي، والشراباتي..” وغيرهم، وكانت فرنسا تخشى من الوقوف في وجهه لمكانته، وقوة عشيرته ونفوذه، وهو الأخ الأصغر للشيخ علي السلطان ١٨٦٠ – ١٩٦٦”.

 يشير المجيدل في بحثه إلى فصل آخر من مواقف حماد بك، في محاولة فرنسا فصل الجزيرة والفرات عن سوريا بعد حادثة اختطاف محافظ الحسكة وقتذاك “توفيق شامية” وفي اجتماع هام: “وفي أثناء الاجتماع طرح مفوّض المندوب السامي الفرنسي هذه الفكرة فلاقت معارضة شديدة من نائب الجزيرة العليا الشيخ المجاهد حماد بك السلطان، الذي قام بإفشال الاجتماع، وإجهاض آمال الفرنسيين، وعندها فرضت سلطات الاحتلال الإقامة الجبرية عليه لمدة ٢٢ يوماً، وحلَّت المجلس النيابي والمجلس التنفيذي الذي كان عضواً فيهما، وفي الوقت نفسه اتخذت قراراً بتصفيته، وفي عام ١٩٣٣ تعرّض المجاهد حماد بك لوعكة صحية ألزمته الفراش، وهنا وجدت السلطات الفرنسية الفرصة سانحة للتخلص منه فقامت بإرسال طبيب الجيش الفرنسي للتخلّص منه، فقام الطبيب بحقنه بإبرة سامة قاتلة، وإخفاء سر موته” وتم تصفية الطبيب القاتل مع عائلته بعد ذلك من قبل مجموعة من الجنود السنغاليين في الجيش الفرنسي.

​الثقافة – صحيفة روناهي

شارك هذه المقالة على المنصات التالية