الخميس, نوفمبر 21, 2024

رأس العين: اغتصاب وقتل طفل عراقي وإعدام المشتبه به

في يوم 14 أيلول/سبتمبر 2022 عثر سكان حي المحطة في مدينة رأس العين/سري كانيه، الواقعة تحت سيطرة القوات التركية والجيش الوطني السوري المعارض، على جثة الطفل العراقي الجنسية “ياسين رعد المحمود” مرمية في فناء أحد منازل الحي قرب مكان إقامة الطفل.[1]

أظهر فحص الطب الشرعي تعرض الضحية للضرب المبرح والاغتصاب والقتل ضرباً بحجر أو أداة مشابهة. وفي اليوم ذاته ألقت الأجهزة التابعة للجيش الوطني المعارض القبض على شخص يُشتبه بارتكابه لتلك الجريمة ويدعى “مصطفى س.”.[2]

في مساء اليوم التالي، أي بتاريخ 15 أيلول/سبتمبر، قُتل “مصطفى س.” على يد مسلحين ملثمين في شارع عام وسط مدينة رأس العين/سري كانيه وذلك أثناء نقله من مقر “الشرطة العسكرية” إلى مقر “الشرطة المدنية”.[3]

على الرغم من قيام جهاز “الشرطة العسكرية” بإلقاء القبض على المشتبه به بعد اعترافه، وقرارها بتحويله إلى جهاز “الشرطة المدنية” للنظر في الجريمة ضمن “القضاء المحلي”، إلا أن مقتل “مصطفى س.” جاء خارج نطاق القضاء وسط حالة غليان شعبي ومطالبات واسعة بالقصاص، خاصة في الساعات التي تلت القبض عليه.

تلى ذلك تصريحات إعلامية ومنشورات من عدة قادة في الجيش الوطني تشير إلى قيام الجيش الوطني بتنفيذ عملية قتل المشتبه به دون محاكمته أصولاً.

تابعت “سويون من أجل الحقيقة والعدالة” قضية الطفل، ولغرض هذا التقرير تحدثت مع ثلاثة مصادر بينهم قائدان ضمن الجيش الوطني أكّدا أن “مصطفى س.” دخل إلى منطقة “نبع السلام” بحماية وموافقة من فصيل “صقور الشمال”، وهو عنصر سابق في التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم “الدولة الإسلامية” والمعروف بتنظيم “داعش”، وأن عملية قتله بهذه الطريقة تمّ التوافق عليها بين قادة من فصائل “حركة التحرير والبناء” وبالتواطؤ مع جهاز الشرطة العسكرية، وذلك بعد إصدار عدد من الشرعيين ضمن “الحركة” وخارجها فتوى بوجوب قتله بشكل علني.

تفاصيل حول جريمة قتل الطفل:

تحدثت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مع أحد جيران عائلة الطفل “ياسين” المقيم على مقربة من مكان إقامة المشتبه به، وهو أحد الأشخاص الذين بلّغوا عنه. أخبرنا الشاهد (الذي فضل عدم كشف هويته) أن الضحية كان يلعب عادة في الحي مع أصدقائه أثناء غياب أمه في عملها في بيع الخبز، وأن المشتبه به كان يتحدث مع الطفل في الأيام السابقة لمقتله، مما قد يفسر سهولة استدراجه إلى منزله، وأضاف:

“سمعنا عصر ذلك اليوم في الحارة عن العثور على جثة طفل مرمية في ساحة منزل مهجور، وإنه كان قد تعرض للاعتداء الجنسي. ذهبتُ لرؤية مكان الجثة مع بعض الجيران، فوجدنا آثار دماء تصل حتى باب بيت (مصطفى). طرقنا الباب وطلبنا من الأخير أن ندخل ونرى المكان لكنه رفض. قمنا حينها بالاتصال بالشرطة العسكرية، وجاءوا بعد فترة وجيزة مع عدد من عناصر صقور الشمال. قاموا بتفتيش البيت وعثروا على آثار دماء قرب المصرف الصحي هناك. اعترف مصطفى أنه اغتصب الطفل وقتله وقام برمي جثته وعاد لينظف البيت.”

روى جدّ الطفل في مقطع مصور نشرته وسائل إعلام محلية تفاصيل ما حدث وكيفية العثور على جثة حفيده ذي العشرة أعوام.

قال الجدّ أن حفيده “ياسين” تأخر عن المنزل، فخرج ليبحث عنه. وجد آثار دماء على الأرض قادته إلى مكان الجثة. تم نقل جثة الطفل إلى المشفى وبعد فحص الطبيب تم الكشف عن تعرض الطفل للاغتصاب قبل قتله بواسطة حجر أو أداة مشابهة. تدخلت الشرطة العسكرية وعاينت موقع الجثة وتتبعت آثار الدماء على الأرض حتى منزل “مصطفى س.” الذي اعترف على الفور بقتله الطفل بعد اغتصابه.

من جانبه، قال أحد القادة في جهاز “الشرطة العسكرية” في حديث مع “سوريون” أنهم تلقوا بلاغاً بالجريمة، وقاموا بإلقاء القبض على “مصطفى س.”، وأن الأخير اعترف مباشرة. قال المصدر:

“عند إبلاغنا بالجريمة توجهنا إلى مكان العثور على الجثة وتتبعنا الدم حتى وصلنا إلى منزل (مصطفى) الذي اعترف بجريمته. كان الرجل تحت حماية فصيل (صقور الشمال)، ولكن الفصيل لم يعارض اعتقاله أبداً لأن القضية متعلقة بالاغتصاب وبسبب حالة الغليان الشعبي في المدينة، لاسيما أنها منطقة عشائرية”.

المشتبه به تحت حماية فصيل “صقور الشمال”:

بحسب ما نشرت وسائل إعلام محلية عدة[4] فإن “مصطفى س.” ينحدر من منطقة صوران في محافظة حماه، وكان مقاتلاً سابقاً في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إلى أن تم القبض عليه وأسره لمدة خمس سنوات في سجون الإدارة الذاتية (قوات سوريا الديمقراطية)، وبعد إطلاق سراحه وصل مؤخراً إلى منطقة “نبع السلام” الخاضعة لسيطرة تركية مباشرة بالاشتراك مع الجيش الوطني السوري/المعارض.

أحد جيران “مصطفى س.” في حي المحطة قال في حديثه مع “سوريون”:

“وصل مصطفى إلى مدينة رأس العين قبل أسبوعين في مطلع شهر أيلول/سبتمبر، واستأجر منزلاً في الحارة التي أسكن بها. سبق أن جاء أربعة أو خمسة عناصر من فصيل صقور الشمال لزيارته مرتين أو ثلاث مرات. أخبرنا مصطفى أنه كان سجيناً عند (قسد) وأنه خرج مؤخراً وأن لديه نية السفر إلى تركيا.”

هذا وقد أكدّ ضابط آخر في جهاز “الشرطة العسكرية” أن “مصطفى س.” دخل منطقة “نبع السلام” تحت حماية فصيل “صقور الشمال” وأنه مقاتل سابق ضمن تنظيم (داعش)، حيث قال المصدر في حديثه:

“أفرجت (قسد) عن (مصطفى) بوساطة عشائرية، وانتقل إلى المنطقة عبر مجموعة (الشيخ نجيب) التابعة لـ (صقور الشمال)، والتي وضعت (مصطفى) تحت حمايتها، وعرّفوا عنه كأحد عناصرهم. من المؤكد أن (الشيخ نجيب) كان قد تلقى مبلغاً مالياً مقابل ذلك نظراً لكونه يدير نقاط تهريب للبشر في تلك المنطقة. جرت العادة أن يتم التحقيق مع أي مدني يدخل منطقتنا، ولكن تم التعريف عن (مصطفى) بأنه عسكري لذلك لم يتم التحقيق معه من قبلنا في الشرطة العسكرية”.

دور فصائل الجيش الوطني في قتل المشتبه به:

بحسب المصدر الذي تحدثت معه “سوريون”، وهو قيادي في الشرطة العسكرية، تم إلقاء القبض على “مصطفى س.” في منزله في حي المحطة مساء يوم 14 أيلول/سبتمبر 2022، من قبل دورية تتبع لجهاز الشرطة العسكرية، وبمرافقة مجموعة من عناصر فصيل “صقور الشمال”. ليُقتل على يد مسلحين ملثمين في مدينة رأس العين مساء يوم 15 أيلول/سبتمبر 2022 وذلك خلال عملية نقله من مقر الشرطة العسكرية إلى مقر الشرطة المدنية.

بحسب المعلومات التي حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” من أحد القادة العسكريين في “حركة التحرير والبناء” فإن قادة كل من “أحرار الشرقية” و”جيش الشرقية” و”الفرقة 20″ توافقوا على ضرورة قتل “مصطفى س.” لاسيما بعد إفتاء عدد من الشرعيين في تلك الفصائل بوجوب القتل.

أضاف المصدر بأن “الشرطة العسكرية” كانت على علم بالاتفاق وطريقة التنفيذ ولم تتدخل لضمان نقل المشتبه به بطريقة آمنة لعرضه على القضاء.

وحول الحادثة قال المصدر في حديثه ما يلي:

“مع انتشار خبر اغتصاب الطفل كان هناك غضب واضح لدى عناصر الفصائل، كما كانت رغبتهم في القصاص بإعدام الجاني واضحة. بحسب اطلاعي فقد قام القادة الثلاثة لفصائل (جيش الشرقية) و(أحرار الشرقية) و(الفرقة 20) باستشارة الشرعيين في (حركة التحرير والبناء)، الذين أفتوا جميعاً بوجوب قتل الفاعل. قام القادة الثلاث أيضاً باستشارة شرعيين من خارج الحركة ومن بينهم شرعيي (أحرار الشام) و(صقور الشمال) اللذين قدموا نفس الجواب وتم الاجماع على وجوب القتل شرعاً”.

وتابع المصدر:

“لم يثق قادة الفصائل الثلاثة بأن الشرطة العسكرية سوف تقوم بقتل الجاني، حيث كان هناك حديث حول العقوبة بالسجن مدى الحياة فقط، وكانوا يرون أنه من الممكن أن يهرب مستقبلاً، أو أن يخرج بعد دفع مبلغ مالي على سبيل المثال. لذا أبلغوا القادة في الشرطة العسكرية عن نيتهم بالقصاص من الجاني. رفضت الشرطة العسكرية تسليمه بشكل مباشر، وتمّ الاتفاق على قتله في الطريق من قبل ملثمين. بالفعل كان عناصر الشرطة العسكرية المرافقين للجاني في عملية نقله على علم بالخطة وبما سيحدث، واتخذوا موقف الحياد، ولم يقوموا بإطلاق النار على المسلحين الذين اعترضوا الدورية أثناء عملية النقل”.

وختم المصدر حديثه:

“في البداية لم يتفق القادة على نشر خبر مقتل (مصطفى)، ولكن بعد أن شاع الخبر قاموا بنشره وتبني مقتله قائلين أن الجيش الوطني نفذ العملية. كسبوا بهذا حاضنة شعبية، وأعطوا الأوامر بإطلاق النار والأخذ بالثأر”.

بعد انتشار خبر مقتل “مصطفى س.” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قام عدد من قادة الجيش الوطني بينهم “أبو حاتم شقرا” قائد فصيل “أحرار الشرقية” بنشر الخبر عبر حساباتهم الرسمية مشيرين إلى أن الجيش الوطني هو من نفذ العملية.

صورة رقم (1) – صورة مأخوذة لتغريدة نشرها “أحمد بن عيسى الشيخ” قائد فصيل “لواء صقور الشام” مباركاً عملية قتل المشتبه به باغتصاب وقتل الطفل العراقي. (تمّ حذف التغريدة لاحقاً).

صورة رقم (2) – بيان منشور من قبل المكتب الإعلامي التابع لجيش الشرقية يبارك عملية قتل المشتبه به بقتل الطفل العراقي على لسان “العقيد حسين الحمادي” قائد “جيش الشرقية” والقائد العام لحركة التحرير والبناء. (رابط التغريدة الأساسية – آخر زيارة للتغريدة 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2022).

صورة رقم (3) – تغريدة لقائد تنظيم “أحرار الشرقية” ونائب قائد حركة التحرير والبناء (أبو حاتم شقرا)، يعترف فيها بوقوف عناصر من الجيش الوطني وراء عملية قتل المشتبه به بقتل الطفل العراقي. (آخر زيارة للتغريدة 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2022).

صورة رقم (4) – تغريدة لجابر علي باشا (القائد السابق لحركة أحرار الشام الإسلامية) يطالب بقتل المشتبه به وصلبه وتجاوز أطر المؤسسات التي وصفها بالوهمية. (آخر زيارة للتغريدة: 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2022).

رأي قانوني:

محلّياً:

يعتبر قتل المشتبه به من قبل مجموعة ملثمين، جريمة قتل خارج إطار القضاء ومن قبل أشخاص غير مكلفين بإنفاذ القوانين، ولا يمكن الاعتماد على إعترافات المشتبه به أمام الشرطة العسكرية وحدها كدليل قاطع على ارتكابه لجريمة الاغتصاب (مجامعة قاصر) والقتل، كونه من المحتمل أن تكون تلك الاعترافات قد انتزعت من المشتبه به تحت تأثير الجبر والشدّة التي من المحتمل أن يكون قد تعرض لها في أروقة الشرطة العسكرية، ومن المحتمل أيضاً أن تكون الاعترافات والأدلة التي تم الحديث عنها مفبركة، سيما وإن المشتبه به هو عنصر من عناصر فصيل صقور الشمال، وقد تكون لدى هذا الفصيل أو الفصائل الأخرى نية مبيتة في التخلص منه.

ثم إن الاعتراف وحده لا يكفي لإدانة المشتبه به بالجرم المسند إليه، إن لم يترافق بأدلة أخرى داعمة، وإن لم يحدث الاعتراف أمام جهة قضائية متخصصة، وهذا لم يحدث في القضية موضوع هذا التقرير. ثم وعلى فرض صحّة تلك الاعترافات، كان من الواجب عرض المشتبه به على جهة قضائية متخصصة كما ذكرنا، لمناقشة الأدلة التي قد تدين المشتبه به ومن بينها اعترافه بارتكاب الجرم المسند إليه، لا أن يتم قتله بطريقة غير قانونية ثم تبنّي علني من قبل قيادات في الجيش الوطني السوري/المعارض، وفق ما تم ذكره في التقرير.

ومن الواجب أيضاً قيام جهة قضائية متخصصة بالتحقيق في ظروف وملابسات القضية، للتعرف على النص القانوني المنطبق على الجريمة، في حال كانت الاعترافات المسندة للمشتبه به صحيحة، لأن هذا الأمر سيساعد في تكيف الجرم التكييف القانوني الصحيح وسيحدد النص القانوني المنطبق على الفعل، فإذا كان المشتبه به قد خطط مسبقاً للإغتصاب والقتل بعد ذلك، فهنا يكون الفاعل قد ارتكب جريمة القتل العمد،[5] أمّا إذا كان الفاعل قد لجأ للقتل بعد عملية الاغتصاب نتيجة ظروف معينة، كصراخ الضحية أو حدوث جروح أو آلام نتيجة الاغتصاب، واحتمالية كشف ملابسات الجريمة لاحقاً، وبالتالي رغبة الفاعل في طمس معالم جريمة الاغتصاب والتملص من المسؤولية، فهنا يكون الفاعل قد ارتكب جريمة القتل قصداً لسبب سافل[6] (مجامعة قاصر)[7].

دولياً:

لا يحظر القانون الدولي الإنساني النافذ خلال النزاع المسلح من حيث المبدأ قيام المجموعات المسلحة غير الحكومية بإصدار أحكام قضائية ومنها الإعدام بحق المدانين جنائياً. ولكنه وضع شروطاً صارمة لا غنى عنها كي لا تُعتبر تلك الأحكام انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني وقد ترقى لجرائم حرب وفقاً للمادة (8.2.c.iv) من ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية. وفي التفاصيل، تحظر المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف عام 1949 “إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة”.

ومن المهم الإشارة إلى أن عدم الحظر هذا يهدف إلى ضمان بديل عن “العدالة الموجزة” التي تفاقم من معاناة الناس خلال وبعد النزاع المسلح. لذلك تناول البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 في المادة 6(2) – التي تعتبر انعكاساً للقانون الدولي الإنساني العرفي – شروط المحاكمة بمزيد من التفصيل ونقل محور قانونية إصدار هذه الأحكام من شرط أن تكون المحكمة “مشكّلة تشكيلاً قانونياً” إلى شرط تقديم المحكمة للضمانات الأساسية للاستقلال والنزاهة – في سياق النزاع المسلح غير الدولي – الأمر الذي يشكّل حجر الزاوية في تفسير شرط التشكيل القانوني.[8] هذه الضمانات هي التي تجعل من المحاكمة عادلة وبالتالي النقيض المنطقي للعدالة الموجزة التي يهدف القانون الدولي الإنساني لعدم تطبيقها.

ويتحمل أطراف النزاع مسؤولية ضمان ألّا تصدر أية أحكام جنائية إلّا من خلال محاكم نزيهة ومستقلة تستطيع فعلاً أن تقدم للمتهمين ضمانات المحاكمة العادلة ومنها على سبيل المثال أن يتوفر للمتهم حقوق وأدوات الدفاع اللازمة، ومبدأ ألا يتم الحكم على المتهم إلا وفقاً للنص القانوني الذي يجرّم الفعل ويحدد عقوبته، أن تتم المحاكمة بحضور المتهم، وقرينة البراءة، وغير ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن شرط استقلال القضاء يتطلب ألا تكون أي من الإجراءات بحق المشتبه به – بدءاً من التوقيف وحتى إصدار الحكم – خاضعة لأية تأثيرات رسمية أو شعبية. تتحمل الجهة المسؤولة عن تشكيل الإطار القضائي مسؤولية ألا يقع هذا التأثير على المحكمة.

ونظراً إلى أن المشتبه به في هذه القضية موضوع التقرير لم يحظَ بالحد الأدنى من الضمانات القضائية الواجب توفيرها من قبل المجموعات المسلحة ذات الصلة، فإن مقتله خارج نطاق القضاء قد يرقى ليكون جريمة حرب القتل العمد بالمعنى الوارد في المادة (8.2.c.i) من ميثاق روما والمستمدة من الحظر المفروض في المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف. هذا الفعل الذي قد يرقى لجريمة حرب يستدعي من القيادات المسؤولة في المجموعات المسلحة المتورطة في القضية اتخاذ تدابير فورية لمحاسبة المتورطين.

يتحمل القادة العسكريون للمجموعات المسلحة غير الحكومية خلال النزاع المسلح مسؤولية القيادة الجنائية في حال علموا، أو كان يفترض أن يعلموا، بأن مرؤوسيهم قد ارتكبوا جرائم حرب ولم يقم هؤلاء القادة بمحاسبتهم. وفي سبيل ذلك، قد يعتبر القائد مسؤولاً مسؤولية جنائية في حال لم يفعّل النظام القضائي المتوفر في نطاق سيطرته للمحاسبة على جرائم الحرب.[9]

وتجدر الإشارة هنا إلى إنه حتى لو تم عرض المشتبه به على القضاء الموجود في تلك المنطقة وثبوت الجرم بحقه، فإن تلك المحاكم لا يحق لها إصدار حكم الإعدام، لأن القضاء في تلك المناطق يعلن تمسكه بتطبيق القانون السوري، والأخير يشترط لتنفيذ حكم الإعدام بعد صدور الحكم القضائي المبرم، استطلاع رأي لجنة العفو، بالاضافة إلى موافقة رئيس الدولة،[10] وهذا الأمر غير متوفر في منطقة وقوع الجرم كونها خارج سيطرة الحكومة السورية.

وبناء على ذلك، وفي حال ثبوت الجرم بحق المشتبه به من قبل القضاء الموجود في تلك المنطقة، كان بالامكان فرض عقوبة أخرى كالسجن مدى الحياة أو لمدة معينة، والقول بأنه من الممكن أن يفر السجين خلال فترة اعتقاله تعتبر حجة واهية، فمن لا يستطيع الحفاظ على السجناء ومنعهم من الهروب، لا يحق له إدارة المنطقة أصلاً ولا يحق له قتل السجين كلما تبادرت إلى ذهنه فكرة احتمالية فراره.

وختاماً، فإنّ الحق في المحاكمة العادلة لكل المشتبه بهم دون تمييز أو تفريق هو حق إنساني منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه». كما أنه حق محمي بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.  الإضافة إلى أهمية عدم إفلات المجرمين من العقاب القانوني العادل، تؤكد “سوريون” على أهمية حصول كل مشتبه به على محاكمة عادلة وأن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة محايدة.

[1] “الحسكة.. قتل طفل بعد الاعتداء عليه يشعل الغضب في رأس العين”، موقع جريدة عنب بلدي، 15 أيلول/سبتمبر 2022، آخر زيارة في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2022، متوفر على الرابط: https://www.enabbaladi.net/archives/604755

[2] “مقتل طفل بعد اغتصابه على يد عنصر من الجيش الوطني السوري”، موقع تلفزيون سوريا، 15 أيلول،سبتمبر 2022، آخر زيارة في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2022، متوفر على الرابط: https://www.syria.tv/182975

[3] “مقتل مصطفى سلامة قاتل الطفل العراقي ياسين في رأس العين”، موقع تلفزيون سوريا، 15 أيلول،سبتمبر 2022، آخر زيارة في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2022، متوفر على الرابط: https://www.syria.tv/183121

[4] “الحسكة.. قتل طفل بعد الاعتداء عليه يشعل الغضب في رأس العين”، موقع جريدة عنب بلدي، 15 أيلول/سبتمبر 2022، آخر زيارة في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2022، متوفر على الرابط: https://www.enabbaladi.net/archives/604755

[5] نصت المادة 535 من قانون العقوبات السوري بأنه ” يعاقب بالإعدام على القتل قصداً إذا ارتكب : ـــــ عمداً ..”

[6] نصت المادة 534 من قانون العقوبات السوري بأنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصداً إذا أرتكب: ـــــــ لسبب سافل ..”

[7] ولم تتمكن “سوريون” من التوصل إلى عمر الضحية لتحديد الفقرة التي ستطبق على الفعل من المادة 491 من قانون العقوبات السوري، حيث نصت المادة المذكورة بأنه “من جامع قاصراً لم يتم الخامسة عشر من عمره عوقب بالأشغال الشاقة تسع سنوات، ولا تنقص العقوبة عن خمسة عشر سنة إذا كان الولد لم يتم الثانية عشر من العمر”.

[8] See e.g., ICRC, Commentary of 2020, Convention (III) relative to the Treatment of Prisoners of War, Geneva, 12 August 1949, § 714.

[9] ICC, Bemba Decision on the Confirmation of Charges, 2009, § 501, and Trial Judgment, 2016, paras 205–209.

[10] نصت المادة 43 من قانون العقوبات السوري بأنه “لا ينفذ الحكم بالإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة”.

سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

شارك هذه المقالة على المنصات التالية