قالت رابطة “تآزر” للضحايا إن العديد من السوريين وقعوا ضحايا “أخبار كاذبة” حول سهولة عبور الحدود إلى تركيا من منطقة رأس العين/سري كانيه.
ووثقت “تآزر” في تقرير مقتل طالب لجوء وإصابة آخر، خلال آب/أغسطس، واعتقال عشرة أشخاص على الأقل، خلال تموز/يوليو 2022، أثناء محاولتهم عبور الحدود إلى تركيا بطريقة غير شرعية
يوثق هذا التقرير مقتل طالب لجوء سوري وإصابة آخر بجروح بليغة، بسبب إطلاق النار بشكل مباشر عليهم من قبل قوات حرس الحدود التركية (الجندرما)، بتاريخ 14 آب/أغسطس 2022، أثناء محاولتهم مع آخرين عبور الحدود إلى تركيا بطريقة غير شرعية في منطقة رأس العين/سري كانيه، التي تحتلها تركيا منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، نتيجة عملية “نبع السلام”.[1]
كما يورد التقرير معلومات وشهادات مفصلة حول تعرض عشرة أشخاص على الأقل، بينهم امرأة، للاعتقال من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها تركيا، في رأس العين/سري كانيه وريفها، خلال تموز/يوليو 2022، أثناء محاولتهم العبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية.
تعرّض المحتجزون/ات لسوء المعاملة والتعذيب في سجون “الجيش الوطني السوري”، كما تعرضت عائلات بعضهم للابتزاز المالي، وقد تمَّ إطلاق سراح ستة منهم، بينهم امرأة، بعد أن دفعت عائلات أربعة منهم على الأقل فدى مالية، فيما بقي مصير أربعة محتجزين مجهولاً، رغم دفع عائلة أحدهم فدية مالية للإفراج عنه، لكن دون جدوى.
ساهمت “أخبار كاذبة/شائعات” في زيادة عدد طالبي اللجوء الذين حاولوا الدخول إلى تركيا من منطقة رأس العين/سري كانيه، لكنهم أصبحوا ضحايا لاحقاً، حيث تعرض العشرات للاعتقال من قبل “الجيش الوطني السوري” منذ مطلع عام 2022، بسبب التوجه إلى الحدود أو محاولة قطعها طلباً للجوء، فيما استُهدف آخرون بإطلاق الرصاص الحي من قبل “الجندرما” بقصد القتل، من أجل منعهم من ذلك.
تؤكد الشهادات والمعلومات التي تحققت منها “تآزر” أن عناصر وقادة فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، هم من يديرون عمليات الإتجار بالأشخاص وتهريبهم بطريقة غير شرعية إلى تركيا، مقابل الحصول على المال، حيث وثقت الرابطة في تقرير لها، نُشر بتاريخ 7 آب/أغسطس 2022، نشوب ما لا يقل عن تسع حالات اقتتال/اشتباك داخلي بين تلك الفصائل في رأس العين/سري كانيه وريفها، خلال النصف الأول من عام 2022، بسبب خلافات حول تقاسم واردات تهريب البشر إلى تركيا.
قيود أمام دخول السوريين إلى تركيا:
وكانت الإجراءات الفعلية لمنع دخول السوريين إلى تركيا قد بدأت منذ أواخر عام 2015، حينما شرعت تركيا ببناء جدار حدودي مع سوريا، والذي يبلغ طوله 911 كيلو متراً على طول الحدود التركية السورية، ويتألف من كتل إسمنتية يبلغ ارتفاع الواحدة منها أربعة أمتار. حتى 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، أعلنت الحكومة التركية عن وضعها اللمسات الأخيرة على ما أسمته “الجدار الأمني” مع سوريا، قائلةً إنها تهدف من وراء الجدار، منع تسلل الإرهابيين من الجانب السوري إلى أراضيها، وإنهاء عمليات التهريب بين الطرفين.
أرغمت جميع تلك القيود السوريين على اللجوء إلى طرق عبور غير شرعية وخطرة في معظم الأحيان، وأصبحوا ضحايا لمجموعات منظمة لتهريب البشر من سوريا إلى تركيا، وترتبط أغلب تلك المجموعات بأطراف النزاع المسيطرة في عموم سوريا بشكل أو بآخر، أو يتم غض النظر عنها وعن نشاطاتها.
وتتبع الحكومة التركية “سياسة الاعتداء الممنهجة” لمنع عبور طالبي اللجوء السوريين إلى أراضيها، حيث يقوم عناصر “الجندرما” التركية، المنتشرين على طول الحدود، بضرب وإهانة وتعذيب الأشخاص الذين يحاولون اجتياز حدودها بطريقة غير شرعية، فضلاً عن استهدافهم بإطلاق النار بشكل مباشر، في مراتِ كثيرة، أدت إلى مقتل وإصابة العشرات، منذ بناء الجدار الحدودي.
إن استمرار الممارسات العنيفة من قوات حرس الحدود التركية تجاه طالبي اللجوء السوريين، يتزامن مع ما تقوم به السلطات التركية بترحيل آلاف اللاجئين السوريين من أراضيها قسراً[2]، والتخطيط لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري من تركيا إلى الشمال السوري، فضلاً عن التهديد بشنّ عمليات عسكرية جديدة.
المسؤولية القانونية:
بناءً على ما ورد في هذا التقرير من حالات القتل والاعتقال والتعذيب، فأنها تعتبر وبدون أدنى شك، جرائم وانتهاكات واضحة للعديد من حقوق هؤلاء المدنيين، ضمن إطار القانون الدولي الإنساني[3] وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان[4]، ناهيك عن انتهاك حقهم في اللجوء، وإرجاع من بقي منهم على قيد الحياة قسراً، إلى مناطق نزاع غير آمنة[5].
إن حالات القتل بالاستهداف المباشر والإعدامات غير القانونية على الحدود، تعتبر انتهاكاً واضحاً لحق هؤلاء الضحايا في الحياة وضمان عدم حرمانهم منها بشكل تعسفي[6]، وهو ما يكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
أما عن حالات الاعتقال التعسفي للأشخاص الذين حاولوا عبور الحدود إلى تركيا بطريقة غير شرعية، من قبل “الجيش الوطني السوري” المعُارض، وسوء المعاملة التي تلقاها هؤلاء المحتجزون، فهي بدون أدنى شك تعتبر تعذيباً، وبالتالي انتهاكاً واضحاً وجريمة تستوجب المحاسبة استناداً لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة[7] لعام 1984، علماً بأن جميع الناس، والمعتقلين منهم على وجه الخصوص لهم الحق في الحياة والسلامة الشخصية من جميع أشكال التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وفق ما يضمنه القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان في حالات الحرب كما في حالات السلم.
بصفتها قوة احتلال، على السلطات التركية ضمان عدم قيام مسؤوليها ومن تحت قيادتهم في “الجيش الوطني السوري” باحتجاز أي شخص تعسفياً أو إساءة معاملته. السلطات التركية ملزمة بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة وضمان معاقبة المسؤولين عنها بالشكل المناسب.
مقتل طالب لجوء وإصابة آخر برصاص الجندرما:
بتاريخ 14 آب/أغسطس 2022، قُتل “سليمان السّياد” (28 عاماً) وأصيب شاب آخر كان برفقته، نتيجة اطلاق النار بشكل مباشر عليهما من قبل قوات حرس الحدود التركية (الجندرما)، أثناء محاولتهما العبور إلى الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، بالقرب من قرية “العدوانية[8]” في ريف رأس العين/سري كانيه الغربي.
وينحدر “السّياد” من مدينة رأس العين/سري كانيه، وهو متزوج ولديه ثلاثة أولاد، وكان قد قرر قبيل مقتله، الهجرة إلى القارة الأوروبية عبر تركيا، ذلك نتيجة انعدام الاستقرار وتردي الأوضاع المعيشية في منطقة “نبع السلام”.
وقال أحد أفراد عائلة “السّياد” لـ “تآزر”، إنَّ الضحية كان من ضمن مجموعة تتألف من 15 شخصاً حاولوا العبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية، إلا أنه كان أقلهم حظاً. وتابع حديثه قائلاً:[9]
“تعرض سليمان ومن معه لإطلاق النار بشكل مباشر من قبل الجندرما، أثناء محاولتهم اجتياز الجدار الحدودي، وفيما نجح بعضهم في العبور، وتراجع البعض الآخر، أصيب ابننا بثلاث طلقات في صدره، كذلك أصيب شاب آخر كان برفقته بجروح بليغة”.
نُقل “سليمان” والجريح الآخر إلى مشفى رأس العين العام، لكنه كان قد فارق الحياة عند وصوله المشفى، وأضاف الشاهد/المصدر قائلاً:
“قام أحد الأشخاص الذين كانوا برفقة سليمان بسحبه وإبعاده عن الجدار الحدودي، ثم اتصل مع أقرباء لنا في قرية القليعة القريبة من قرية العدوانية/نقطة عبور الحدود، وأبلغهم بإصابته، فقاموا بالقدوم على الفور وإسعافه مع الشاب الآخر إلى مشفى رأس العين العام، لكن ابننا كان قد فارق الحياة قبل وصوله إلى المشفى”.
ووفقاً للشاهد، دُفن “السّياد” في قرية “القليعة” غربي رأس العين/سري كانيه من قبل أقربائه، فيما بقي الشاب الآخر يتلقى العلاج في قسم العناية المركزة، ووصف الأطباء حالته بالحرجة.
اعتقال طالبي لجوء وابتزاز عائلاتهم:
وثقت “تآزر” خلال شهر تموز/يوليو 2022، اعتقال عشرة أشخاص على الأقل، بينهم امرأة، من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، في رأس العين/سري كانيه وريفها، أثناء محاولتهم العبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية.
وأفادت الشهادات التي جمعتها “تآزر” من عائلات المحتجزين/ات أنهم تعرّضوا لسوء المعاملة والتعذيب في سجون “الجيش الوطني السوري”، كما تعرضت بعض تلك العائلات للابتزاز المالي، وقد تمَّ إطلاق سراح ستة من المحتجزين، بينهم امرأة، بعد أن دفعت عائلات أربعة منهم على الأقل فدى مالية، فيما بقي مصير أربعة محتجزين مجهولاً.
وقال شاهد تعرض أربعة أفراد من عائلته للاعتقال في رأس العين/سري كانيه لـ “تآزر” إن قوات “الشرطة العسكرية” لا تزال تحتجز أحدهم، على الرغم من دفع العائلة فدية مالية مقابل الإفراج عنه، وتابع حديثه قائلاً:[10]
“اعتقلت الشرطة العسكرية أربعة أشخاص من عائلتنا، في ريف رأس العين/سري كانيه الغربي، أثناء محاولتهم العبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية، وبقيوا محتجزين حتى يوم 5 آب/أغسطس 2022، حيث تمَّ الإفراج عن ثلاثة منهم بعد دفعنا مبلغ 2500 دولار أمريكي لتلك القوات لقاء إطلاق سراح الجميع، لكن الأخير لازال محتجزاً، بحجة أن القضاة في إجازة”.
وأضاف الشاهد أنه المحتجزين المُفرج عنهم كانوا قد تعرضوا لتعذيب جسدي ونفسي شديد، في حين لا يملكون معلومات حول تفاصيل تقديمهم للقضاء وآلية الإفراج عنهم من الناحية القانونية.
وقال شاهدٌ آخر تحدثت إليه “تآزر” إن أخاه اعتقل برفقة ثلاثة شبان آخرين، على الطريق الدولي السريع M4، أثناء توجههم إلى رأس العين/سري كانيه، قادمين من مناطق الإدارة الذاتية، من أجل عبور الحدود إلى تركيا بطريقة غير شرعية، وشرحَ ما جرى قائلاً:[11]
“تعرض أخي والشبان الثلاثة للاعتقال، بتاريخ 5 تموز/يوليو 2022، من قبل قوات الشرطة العسكرية، التي احتجزتهم لمدة 25 يوماً في سجن ببلدة مبروكة، في ظروف احتجاز سيئة، رافقها توجيه شتائم متكررة لهم وإخضاعهم لضغط نفسي وقلة في الطعام، قبل أن يتم عرضهم على المحكمة العسكرية في رأس العين، مطلع آب/أغسطس 2022، والإفراج عنهم”.
في جميع الحالات التي تحققت منها “تآزر”، لم يحترم “الجيش الوطني السوري” حقوق المحتجزين، فقد اعتقلت فصائله المختلفة الأفراد واحتجزتهم تعسفاً، فضلاً عن ممارسة المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على أقرباء المحتجزين، بوسائل منها ابتزازهم مادياً، أو تعمد إخفاء مصير هؤلاء الأشخاص وأماكن وجودهم، في انتهاك للقانون الدولي الإنساني والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.[12]
———————————–
[1] أفضت عملية “نبع السلام” التي اطلقتها القوات التركية بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وانتهت بتاريخ 22 من الشهر ذاته، إلى سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها “أنقرة” على شريط حدودي بطول 120 كم بين مدينتي رأس العين/سري كانيه شمال غرب الحسكة، وتل أبيض شمال الرقة، وبعمق 32 كم، وأدت إلى نزوح أكثر من 175 ألف شخص من المنطقة، بحسب لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا.
[2] بحسب إحصائيات رسمية صادرة عن إدارة المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا، وتحديداً معابر “باب الهوى” ومعبر “باب السلامة” ومعبر “تل أبيض”، بلغ عدد المرحلّين قسراً إلى سوريا حوالي 11 ألف شخص، منذ بداية العام 2022. علماً أن هذا الرقم لا يشمل أعداد المرحلين الذين يتم القبض عليهم في أثناء محاولتهم اجتياز الحدود نحو تركيا بطريقة غير شرعية.
[3] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مصادر القانون الدولي الإنساني.
[4] الأمم المتحدة، أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان.
[5] رئيس لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، باولو بينهيرو، في كلمة ألقاها أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021: “هذا ليس الوقت المناسب ليظنن أحد أن سوريا آمنة وأنه يمكن للاجئين العودة إلى ديارهم، لا بل نشهد تصاعدًا في القتال والعنف“.
[6] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 6، موقع الأمم المتحدة-حقوق الإنسان-مكتب المفوض السامي.
[7] اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984.
[8] تعد قرية “العدوانية” الحدودية غربي رأس العين/سري كانيه نقطة لتهريب البشر إلى داخل الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، منذ احتلال المنطقة نتيجة عملية “نبع السلام” التركية في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وتستثمرها فصائل “الجيش الوطني السوري” وعلى رأسها “الفرقة 20” لجمع الأموال عبر فرض الاتاوات على الأشخاص الراغبين/ات بالعبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية.
[9] تمَّ إجراء المقابلة عبر الانترنت، بتاريخ 15 آب/أغسطس 2022، ولم يتم نشر بيانات الشاهد بناءً على رغبته.
[10] تمَّ إجراء المقابلة عبر الأنترنت، بتاريخ 6 آب/أغسطس 2022، وتحفظ الشاهد على نشر اسمه حفاظاً على سلامة أفراد عائلته، إذ لا يزال أحدهم محتجزاً لدى قوات “الشرطة العسكرية” في رأس العين/سري كانيه.
[11] تمَّ إجراء المقابلة عبر الأنترنت، بتاريخ 5 آب/أغسطس 2022، وتمَّ التحفظ على اسم الشاهد بناءً على رغبته.
[12] قاعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر 98، كما وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الاختفاء القسري بأنه جريمة حرب مركبة، انظر/ي القاعدة 156
المصدر: رابطة “تآزر” للضحايا
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=7120