القرداحة/ جرمانا (سوريا) 15 سبتمبر أيلول (رويترز) – حقق الرئيس السوري أحمد الشرع إنجازات دبلوماسية كبرى منذ توليه السلطة قبل تسعة أشهر، لكنه يخاطر بخسارة المعركة الأهم التي تتمثل في الحفاظ على وحدة بلاده التي تواجه بشدة خطر الانقسام.
ففي شمال شرق سوريا، تقاوم القوات الكردية الاندماج في صفوف الدولة بعد حرب أهلية دامت 14 عاما، وتطالب بدستور جديد يعترف بحقوقها. وفي الجنوب الشرقي، يدعو الدروز علنا إلى الاستقلال بعد اشتباكات عنيفة مع القوات الحكومية.
وفي شمال غرب سوريا، يقول زعيم للطائفة العلوية إن إدارة الشرع تهدد وجود الطائفة بعد أن ارتكب مسلحون سنة تابعون للحكومة مجازر بحق مئات المدنيين هناك في مارس آذار.
وتنقلت رويترز عبر معاقل الأقليات العلوية والمسيحية والدرزية في سوريا الشهر الماضي، وتحدثت إلى عشرات السكان وزعماء الأقليات الذين عبروا عن غضبهم من إدارة الشرع الإسلامية في أعقاب تفجر العنف الطائفي منذ إطاحته بالرئيس بشار الأسد.
وقال أبو بلال (45 عاما) وهو أب لثلاثة أبناء ويعيش في جرمانا “كيف مواطن عايش بدولة والدولة بتقصفه.. إزاي أثق في هذه الدولة.. هما بيجرونا عشان نطلب التقسيم لكي نحمي أنفسنا”.
ودعا الزعيم الروحي للدروز الشيخ حكمت الهجري في نهاية الشهر الماضي إلى إنشاء إقليم منفصل، متهما القوات البدوية المدعومة من الحكومة بمحاولة “إبادة” الطائفة الدرزية. ووجه الشكر لإسرائيل على تدخلها بعد مهاجمتها قوافل للجيش في السويداء في يوليو تموز وقصفها مبنى وزارة الدفاع في دمشق.
وفي أجزاء من السويداء، يقف مقاتلون دروز في نقاط تفتيش ويحرسون الطرق ويديرون مجالس محلية. وشهدت المنطقة سلسلة من الاحتجاجات الشهر الماضي، وهي الاحتجاجات التي طالبت بالاستقلال، ولوحت بأعلام إسرائيل إلى جانب الراية الدرزية متعددة الألوان.
ويتهم مسؤولون سوريون إسرائيل، التي سيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي في جنوب سوريا بعد الإطاحة بالأسد، بتأجيج الانقسامات الطائفية في محاولة لزعزعة استقرار سوريا.
ولم يرد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على أسئلة رويترز حول هذا التقرير. وأكدت إسرائيل التزامها بحماية الدروز وإبعاد المسلحين عن مناطقها الحدودية.
ورفضت حكومة الشرع الدعوات إلى نظام الحكم الفيدرالي أو تقسيم البلاد، وقالت إنها تريد توحيد البلاد وحكم جميع السوريين. وقال الشرع لرؤساء تحرير صحف عربية الشهر الماضي “إذا كانت الفيدرالية أو اللامركزية تعني التقسيم، فهذا غير مقبول”.
ولم ترد وزارة الإعلام ووزارة الخارجية والرئاسة السورية على طلبات التعليق.
وقال مسؤول سوري رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن هويته، إن المصالحة في السويداء يجب أن تبدأ بالسماح للنازحين من البدو والدروز بالعودة إلى ديارهم، وتبادل الأسرى بين المسلحين السنة والدروز كوسيلة لإعادة بناء الثقة تدريجيا وأوضح أن الخلافات عميقة للغاية وستستغرق معالجتها سنوات.
وتعهد الشرع بمعاقبة المسؤولين عن أعمال القتال في السويداء، وفي أوائل سبتمبر أيلول، أعلنت السلطات السورية اعتقال أفراد من وزارتي الداخلية والدفاع على صلة بعمليات القتل.
لكن أحد الأشخاص المشاركين في جهود الوساطة بين الدروز وإدارة الشرع قال إنه لم يتم إحراز تقدم يذكر منذ اشتباكات يوليو تموز، وإن “تحالفا فضفاضا للأقليات” آخذ في الظهور في سوريا بدعم من إسرائيل.
واجتمع 400 ممثل عن الأقليات، من أكراد وعلويين ودروز، الشهر الماضي لمناقشة إقامة دولة سورية لا مركزية، في اجتماع دعا إليه زعماء أكراد في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا. ودعا بيان صادر عن الاجتماع إلى وضع دستور جديد يضمن حقوق الأقليات.
وقال غزال غزال، رئيس المجلس العلوي الأعلى في سوريا خلال الاجتماع “نحن بحاجة إلى رص الصفوف لمواجهة الظلم والتفرقة التي أحرقت قلوبنا جميعا. الفكر الظلامي سلط السوريين على بعضهم، وانتُهكت الأعراض وسُلبت المقدسات”.
وحقق الشرع، القيادي السابق في تنظيم القاعدة، والذي كانت هناك مكافأة بعشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، انتصارا دبلوماسيا كبيرا في مايو أيار عندما التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اجتماع بالرياض.
ورفعت الولايات المتحدة لاحقا معظم العقوبات المفروضة على سوريا، وأعلنت إدارة ترامب دعمها لجهود الشرع في توحيد البلاد وتحقيق الاستقرار فيها. ومن المتوقع أن يلقي الشرع في وقت لاحق من هذا الشهر كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهي المرة الأولى التي يلقي فيها زعيم سوري كلمة منذ ما يقرب من 60 عاما، وهي نقطة تحول في مسيرته من قائد فصيل مسلح إلى رجل دولة.
ولكن آندرو تابلر الزميل البارز في معهد واشنطن للأبحاث والمتخصص في شؤون سوريا والشام، قال إن الشرع يخاطر بتبديد رصيده السياسي إذا لم يتمكن من المصالحة بين الأقليات المهمشة في سوريا.
وأوضح “هناك خطر حقيقي من ألا يتمكن الشرع من إعادة توحيد البلاد. إما المصالحة أو أن يحكم جزءا فقط من سوريا. هذا لا يعني أنه سيُعزل، بل يعني أن سلطته ستقتصر على جزء من البلاد”.
* تركيا تضغط من أجل حل كردي
يقول مصدران حكوميان وثلاثة دبلوماسيون أجانب إن خطر تجدد الصراع في شمال شرق سوريا يلوح في الأفق إذا رفضت المنطقة التي يقودها الأكراد الاندماج في الدولة المركزية بموجب اتفاق توسطت فيه واشنطن في مارس آذار.
وتعثر تنفيذ اتفاق مارس آذار، الذي من شأنه أن يمنح الحكومة المركزية السيطرة على أصول النفط والغاز والكهرباء ذات الأهمية الكبيرة في الشمال الشرقي، إذ تقول السلطات الكردية إن الدستور المؤقت الذي أقره الشرع لا يحمي حقوق الأقليات بشكل كاف.وقال مسؤول سوري رفيع المستوى لرويترز إن تركيا، القوة الإقليمية المؤثرة، والتي برزت كداعم قوي لحكومة الشرع، بدأت تفقد صبرها وستدعم العمل العسكري ضد الأكراد.
وتعارض أنقرة بشدة الحكم الذاتي للأكراد وتعتبر المنطقة الكردية في شمال سوريا تهديدا لأمنها.
وأضاف المسؤول أن دمشق طلبت من أنقرة تأجيل أي هجوم عسكري لإتاحة الفرصة للمفاوضات مع الأكراد. ووافقت تركيا على توفير التدريب والذخائر للجيش السوري، الذي يعيد الشرع بناءه.
وقال المسؤول “الموعد النهائي هو حتى نهاية العام بشكل أساسي. بعد ذلك، من يدري ما سيحدث”. وتابع أن دمشق تعتقد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منح تركيا حرية التصرف في حل القضية الأمنية الكردية.
وأحجمت وزارة الدفاع التركية عن التعليق على احتمالية العمل العسكري. ولم يرد البيت الأبيض بعد على طلب للتعليق.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة ترغب في رؤية سوريا مستقرة وسلمية ومزدهرة، وهو ما يتطلب وحدة الصف، لكن الأمر متروك للشعب السوري لاختيار نمط الحكومة التي يريدها.
وذكر الشرع علنا أنه جار إحراز تقدم نحو التوصل إلى اتفاق، لكن الأمر سيستغرق وقتا.
وحظيت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أكراد، والتي تتهمها تركيا بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، بدعم أمريكي خلال الحرب الأهلية السورية، وهي مجهزة تجهيزا جيدا، وتضم عشرات الآلاف من المقاتلين تحت قيادتها.
وطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القوات الكردية علنا بإلقاء أسلحتها وإلا “سيدفنون معها”.
وقال عبد الوهاب خليل، عضو مجلس قوات سوريا الديمقراطية، لرويترز إن قيادتها تدعم الاندماج مع الحكومة المركزية السورية على أساس شراكة حقيقية واعتراف دستوري بجميع مكونات المجتمع السوري، وإن الاندماج العسكري وحده ليس كافيا.
وقال تابلر من معهد واشنطن إن الشرع بحاجة إلى تقديم تنازلات مع الأقليات، وخاصة الأكراد، لإنجاح المصالحة.
وأضاف “إذا أراد حكم سوريا كلها، فعليه تقديم تنازلات سياسية حقيقية”.
* العلويون ’طائفة حُكم عليها بالإعدام’
عانت معاقل السنة في سوريا أكثر من غيرها خلال الحرب الأهلية، إذ تحولت مدن مثل حمص وحلب إلى أنقاض. وبعد خمسة عقود من حكم عائلة الأسد الذي شابه الفساد، يشعر الكثير من السوريين بالرضا لعودة السلطة إلى السنة، الذين يشكلون ثلثي سكان سوريا البالغ عددهم 24 مليون نسمة. ويتمثل الشاغل الرئيسي لديهم في مدى قدرة الإدارة الجديدة على إنعاش الاقتصاد السوري، الذي لا يزال يعاني من العقوبات والحرب الأهلية.
وصور الأسد حزب البعث العلماني على أنه حامي الأقليات، التي نجت إلى حد كبير من الدمار الذي لحق بالمناطق السنية خلال الحرب. وبينما يتعهد الشرع بأن يكون الحكم لجميع السوريين، أثارت مذبحة طالت مئات العلويين في المناطق الساحلية في مارس آذار مخاوف من رد فعل عنيف ضد الأقليات.
وفي القرداحة، وهي قرية علوية في الجبال المطلة على الساحل الشمالي الغربي لسوريا، يتذكر السكان بمرارة مجازر مارس آذار. ويتحدث الكثيرون الآن علانية عن التقسيم أو الحماية الدولية.
وقال أبو حسن (50 عاما) “الوضع ما بيسوى أبدا العالم كله خايفة ما فيه أمان خايفين من المجازر تتكرر بنخاف من الخطف ومن القتل، الهيئة موجودة هنا وتستمر في عمل الدوريات نريد حل نريد دولة نظامية لا نريد عصابة.. بشار تركنا وراح”.
ووعدت الحكومة بمعاقبة المسؤولين. وخلص تحقيقها في عمليات القتل، الذي نشر في يوليو تموز، إلى أن القادة السوريين لم يأمروا بشن هجمات على المدنيين، وهي نتيجة رفضها زعماء الطائفة العلوية.
وروى بعض السكان حالات اختطاف فتيات علويات على يد مسلحين. ودعت منظمة العفو الدولية الحكومة إلى التحقيق في اختطاف النساء العلويات وتقديم الجناة إلى العدالة. وأكدت الحكومة السورية أنها لم تعثر على أي حالات اختطاف لفتيات أو نساء علويات في مناطق الساحل.
وقال بعض الشباب في القرداحة وقرية جبلة المجاورة إنهم يتغيبون عن المحاضرات الجامعية لتجنب نقاط التفتيش التي تديرها القوات الحكومية والقوات الموالية لها، إذ تنتشر المضايقات والاختطاف والانتهاكات الطائفية.
وقال حسن لحام الذي يدير متجر بقالة “نحن طائفة حُكم عليها بالإعدام الطائفة العلوية حُكم عليها بالإعدام نحن شبابنا كلهم بناتنا صغار هذا الجيل حُكم عليه بالإعدام كلهم ما بتطلعوا أبدا من بيوتهم ما بتطلعوا من الضيعة لأنه كل الحواجز بصير عليها اعتقالات فيه 25 شاب من الضيعة موقفين فيه كتير ناس انقتلوا من الضيعة”.
والقرية هي موطن عائلة الأسد. وأعرب العديد من السكان عن شعورهم بالضغينة تجاه الرئيس المخلوع، الذي فر إلى روسيا، لتخليه عنهم وتحملهم تكلفة ارتباطهم به.
وترك رحيل الأسد فراغا في القيادة المحلية للطائفة العلوية. وتضغط العديد من الجمعيات العلوية في الخارج على الحكومات الأجنبية لحماية الأقلية في سوريا والضغط من أجل نظام حكم لا مركزي أو اتحادي.
* تنسيق بين الأقليات
يقول مرهف إبراهيم، وهو طبيب يعيش في فلوريدا غادر سوريا في 2005 وأسس الرابطة العلوية في الولايات المتحدة، إنه قدم التماسا للكونجرس ولوزارة الخارجية الأمريكية في وقت يسعى فيه للتواصل مع حكومات غربية أخرى وهي مساع ربما تشمل إسرائيل.
وقال “العلويون دفعوا ثمنا باهظا في عهد الأسد، اضطروا للقتال للدفاع عن نظامه. والآن يدفعون الثمن مرة أخرى بالتعرض لعمليات قتل وعنف جنسي وتجاوزات أخرى بحقهم”.
وأضاف أن الرابطة لديها تعاون وثيق أيضا مع الأكراد ومع شركاء للهجري في السويداء ومع جماعات مسيحية ومع سنة معتدلين.
وتفادت المجتمعات المسيحية في سوريا أسوا أعمال العنف الطائفي حتى الآن. وفي وادي النصارى في غرب سوريا، تمر دوريات تقوم بها قوات حكومية لكنها لا تتدخل في الحياة اليومية إلا نادرا. ويعتبر الوادي ملاذا آمنا ويحافظ على التقاليد المسيحية ويحتفل سكانه بالسيدة مريم العذراء “عيد العدرة” في منتصف أغسطس آب بحفلات موسيقية.
لكن أكثر من 20 من السكان قالوا لرويترز إنهم يخشون على مستقبلهم في ظل الدولة السورية الجديدة ويقولون إن الخيارات لن تكون متاحة أمامهم سوى للهجرة إذا لم تتح لهم فرصة حكم ذاتي أكبر.
وقال ميشالي (27 عاما) ويعمل في مطعم للشاورما “إحنا بالمنطقة المسيحية يعني محميين بس ما بقى فينا ننزل وين ما كان” في إشارة لمحدودية حرية التنقل لديهم.
وأضاف “أي بلد أجنبي يعني بيقبلني بتمنى أروح عليه، لكنني لا أملك المال لجمع حق سفري، ولكن نحن نعيش بخوف ونحن غير مؤمنين في أي لحظة يمكن أن يحدث لدينا شيء، في أي لحظة يمكن أن يحدث لدينا مشكلة ضدنا المسيحية”.
وفي دويلعة، وهو حي أغلب سكانه من المسيحيين في العاصمة دمشق، وقع تفجير انتحاري نفذته جماعة إسلامية متشددة في كنيسة مما أسفر عن مقتل 25 في يونيو حزيران مما عمق الخوف الذي يخيم على سكان المنطقة.
وقال سعيد بعصولو وهو مسيحي يملك متجرا” هنا الجو المسيحي إنه كلهم خايفين كتير. إحنا هنا مجتمع مترابط، بس المجموعات الجديدة اللي جم من الشمال شوهوا وجه الإسلام، هي دولة عن منطقة مختلطة بمسيحية وعلوية وسنة. أنا بفكر أهاجر ما في أمل بها البلد.. نحنا بدنا إسلام معتدل”.
شاركت في التغطية مايا الجبيلي – إعداد شيرين عبد العزيز وسلمى نجم للنشرة العربية – تحرير حسن عمار
المصدر: رويترز
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=76075