الخميس, نوفمبر 21, 2024

شخصيات معاصرة: شريف باشا شعلة النور في التاريخ الكوردي المعاصر

نوجدار بوتاني

مجلة الحوار – العدد /81/ – السنة 30- تموز 2023م

يعد الدبلوماسي والعسكري شريف باشا ابن سعيد باشا ابن حسين باشا ابن احمد آغا خندان حالة استثنائية بين الزعامات الكوردية مطلع القرن العشرين. ولد سنة 1865م. ويعود في أصله الى مدينة السليمانية، سليل رجالات الأسرة البابانية الشهيرة، الذين حكموا جنوب كردستان، انطلاقاً من عاصمتهم السليمانية. كان والده سعيد باشا (1834 -1907) من كبار شخصيات الدولة العثمانية، وكان قد تقلّد مناصبَ رفيعة، تارة كوزير للخارجية، وأخرى كمستشار للسلطان عبد الحميد الثاني.

تزوج شريف باشا من أمينة خانم حفيدة محمد علي باشا الكبير حاكم مصر في سنة 1893م. نال شريف باشا في سنة 1898م رتبة (الفريق) وأصبح سفيراً للدولة العثمانية في السويد. وكان يعد شريف من أثرياء السلطنة. أجاد عدة لغات أجنبية. وعندما حدث انقلاب الاتحاديين سنة 1908، تعاون معهم في البدء بهدف تحقيق الاصلاحات، ثم اختلف وناضل ضدهم بعد أن عرف أنهم شوفينيون ومعادون لتحرر الشعوب وحقوق الانسان. لذلك استقال من منصب سفير الدولة العثمانية في السويد، وهاجر الى باريس. بدء نشاطه السياسي ضد الاتحاديين وكان مدافعاً صلباً عن حقوق كل الشعوب المنضوية تحت حكم السلطنة العثمانية، ولذلك وقف بقوة مع الأرمن في محنتهم.

أسس حزب معارض باسم: “حزب الإصلاحات الأساسي العثماني. ثم تحول ليصبح الناطق الرسمي لقوى المعارضة المضادة للاتحاد والترقي خارج البلاد. تصاعد نشاطه في أوربا وباريس. كما أصدر جريدة مشروطيت الإصلاحية في باريس (1914 -1909). كتب فيها قناعته السياسية ومولها بسخاء.

كان شريف باشا شخصية ريادية يتصدر المشهد السياسي المعارض للأتراك في أوربا. أثبت حضوره كشخصية متنورة وتقدمية وضد الرجعية والاستبداد. وكان على اتصال وثيق مع الحزب الاشتراكي العثماني في باريس. كان فعالاً طوال سنوات (1899 – 1920) ومدافعاً عن حق الكورد في الاستقلال حتى عرف في أوربا ب (أبو الكورد). وكان من أوائل من طالب بالمساواة بين الأمم والأقوام. تعرض للملاحقة وتم اضطهاد أقربائه من قبل سليمان نظيف والي الموصل والشخصية المعادية للكورد، رغم أصوله الكوردية. تم محاولة اغتيال شريفا باشا في باريس سنة 1914 ونجى بأعجوبة.  حيث لجأ الحكم التركي الاتحادي إلى تكليف وارسال فريق من ثمانية اشخاص بقيادة مدير امن اسطانبول الى باريس لاغتياله. وضجت الصحف إثر الحادث.، ثم تكررت المحاولات لاحقاً.

كان قائداً اصلاحياً وليبرالياً لدرجة أن خوله بعض الليبراليين الأتراك العثمانيين لتمثيلهم في المحافل الدولية. وخاصة بعد مؤتمر جنوة الذي عقد في إيطاليا. وأصبح شريف باشا ممثلاً عن الشعب الكردي بعد أن اشترك في 16 كانون ثاني 1919 في مؤتمر عقد في جنوة وحضرها شخصيات كردية وتركية. وحسب نبأ نشر في 20/1/ 1919 في جريدة نيويورك تايم أن مؤتمر الليبراليين المنعقد في جنوة كلف شريف باشا بتمثليه إياهم في لقاءات مؤتمر الصلح في باريس. وبهذا الخصوص فان هذه الوفود منحت شريف باشا كامل الصلاحيات، وبلغت برقياً كل من الرئيس الأمريكي ولسون ورؤساء الوزارات: كليمانصو ولويد جورج وأورلاندو بشأن الموضوع. ولكن بعد إصرار جمعية تعالي كوردستان فضل شريف باشا تمثيل الكورد فقط. وبعد ذلك بشهر أعلن شريف باشا أنه لم يعد يمثل العثمانيين وانما يمثل وفد الكورد ويمثل الشعب الكوردي فقط. وعندما قرر شريف باشا ذلك حيث كتب وأعلن انه يمثل الكورد ويطالب بحقهم، حدثت ضجة وانتاب سرور الأوساط الكوردية بحسب مجلة زين الناطقة باسم جمعية تعالي كوردستان.

لقد أنجز شريف باشا الكثير في مؤتمر الصلح بباريس، فقد قدم مذكرة على شكل بحث موجز يشرح فيه تاريخ الكورد ومناطق كثافتهم السكانية، كما اتفق مع الأرمن وترجم حسن علاقته معهم، وتحقق ذلك بتشجيع من أمريكا وبريطانيا، ثم توج باتفاق. وكان دوره أساسي في وضع اللبنة الأولى لحق الكورد في الاستقلال. ولكن للأسف قبل انتهاء مؤتمر الصلح، دبت الخلافات بين الزعامات الكوردية، خاصة إثر تراجع سيد عبد القادر رئيس جمعية تعالي كوردستان عن سقف الاستقلال وفضل فقط الحكم الذاتي. وطلب من شريف باشا الاستقالة. ولذلك قدم شريف باشا استقالته من رئاسة الوفد قبل توقيع سيفر في نيسان 1920 تحت ضغط سيد عبد القادر رئيس جمعية تعالي كردستان الذي فضل الحكم الذاتي فقط، حيث كان عبد القادر ذات نزعة عثمانية. بعد استقالة شريف باشا تم تعيين بديل لتمثيل الكورد في سيفر وبعدها لوزان… وتباعد البدرخانيون المطالبين بالاستقلال والأكثر راديكالية بين الزعامات الكوردية في هذا الخصوص عن السيد عبد القادر، الذي كان ثمن تراجعه عن الاستقلال، أن أعدمه الحكم الكمالي لاحقاً. وكان لانسحاب شريف باشا دور كبير في ضعف النصوص التي أقرت حق الكورد في سيفر بالاستقلال. ولاحقاً في لوزان تبخرت هذه الحقوق، واختفت من نصوصها تماماً أي إشارة لحق الأمة الكوردية في الاستقلال.

ثم خرج شريف باشا من المعترك السياسي، وعاد الى مصر لكي يعمل في أراضي زوجته الواسعة على ضفاف نهر النيل. وثمة إشارات أخرى تشير إلى أنه كان يساعد النشطاء الكورد حتى سقوط جمهورية مهاباد. توفي شريف باشا في إيطاليا سنة 1951. وبموته انطفئ شعلة من الذكاء والنور كانت تضيء سماء كوردستان من الخارج.

شريف باشا أواخر عمره

شارك هذه المقالة على المنصات التالية