بقلم الأديب أنيس ميرو – زاخو
يُعدّ الأديب الكبير عصمت شاهين الدوسكي واحدًا من أبرز الأسماء المضيئة في الساحة الأدبية الكردية والعراقية والعربية. هو كاتب وشاعر وناقد غنيّ عن التعريف، عُرف بغزارة إنتاجه الأدبي وتنوعه بين الشعر والرواية والنقد والدراسات الأدبية التي تناولت مختلف القضايا الفكرية والإنسانية.
دخل حبّ الأدب قلبه منذ أن كان شابًا يافعًا، فكتب الخواطر والقصائد الشعرية الأولى متأثرًا بمحيطه وبتجارب كبار الأدباء في العراق مثل: محمد مهدي الجواهري، بدر شاكر السيّاب، نازك الملائكة، وفي العالم العربي مثل: توفيق الحكيم، إحسان عبد القدوس، طه حسين، كما قرأ لأعلام الفكر العالمي مثل: أرسطو، دوستويفسكي، سارتر، هيمنغواي وغيرهم. وفي الأدب الكردي قرأ لكبار رواده مثل: أحمد خاني، عبد الله كوران، ممدوح البريفكاني وغيرهم.
كانت باكورة قصائده في مرحلة الشباب ضمن مجموعة شعرية بعنوان «وستبقى العيون تسافر». ومع تطور فكره الإنساني ووعيه العميق بواقع شعبه، بدأ ينهل من مختلف المدارس الأدبية والفلسفية والفكرية والسياسية، فتطوّر أسلوبه وصار يمنح القصيدة موسيقاها الخاصة وإحساسها العميق. ومن هنا، لمع اسمه ككاتب غزير الإنتاج متنوع النتاج بين الشعر، المقالة، والدراسات النقدية، مع حضور إنساني واضح خاصة في مناصرته لقضايا المرأة وبقية الجوانب المجتمعية. في قصيدته ) نحن شعب لا نشبع – وإذا شبعنا لا ننفع )
تزايد اهتمام الجمهور به من الجنسين، وأقيمت له لقاءات وأمسيات أدبية في دول عدة منها: أمريكا، الدول الإسكندنافية، وعدد من الدول العربية.
تجربة مع الألم والدمار ظل الأحداث السياسية في العراق ومدينة الموصل، حيث كان يقيم، ألقت بظلالها القاسية على حياته؛ فقد عاصر حرب العراق وإيران، وأحداث الكويت، ثم سقوط النظام العراقي على يد التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وما تلاه من اضطراب داخلي وظهور تنظيم داعش الإرهابي. وأثناء احتلال داعش للموصل، ثم قصفها لتحريرها، تعرّض منزله الشخصي للقصف بالخطأ من الطيران الحربي، فدُمّر بيته ومكتبته الخاصة، واحترقت معظم مخطوطاته النادرة التي لم تُطبع بعد. كما شهد بأمّ عينيه المجازر التي ارتكبها داعش بحق الأبرياء، ودمار أضرحة الأنبياء وسرقة المتحف والآثار التاريخية، بل وقيامهم بحفريات واسعة في موقع تل التوبة حيث ضريح النبي يونس عليه السلام.
بعد تحرير الموصل، كتب روايته الشهيرة « الإرهاب ودمار الحدباء » (والحدباء أحد أسماء الموصل)، ثم كتب قصيدته المؤثرة « العبّارة » عن حادثة العبّارة، وهما عملان يصلحان ليكونا أفلامًا سينمائية توثق بطولات الشعب والقوات العراقية والبيشمركة في دحر داعش وتحرير الأرض. وعن كارثة العبارة قال في شعره :
( آه نينوى ، وآه نينوى
عاد إليك الحزن ولم ينتهي حزن أمس
طبعة ثانية من الجهل والضباب
تاركة آثار لم تتعظ ولم تدرس
إن شئت البسي ثوب الحداد
وهل الحداد يمسح موج الدنس ؟
لظى عبراتك اجتمعت مرة أخرى
واحترق الفكر والحب والحدس
لا تعاتبي أحدا فمن ناموا بالطغيان
لا يهمهم من مات غرقا أو عطس ) .
العودة إلى دهوك وبسبب فقدان السكن ومصادر العيش بعد تدمير بيته، انتقل إلى مدينة دهوك، مسقط رأسه الأولى، حيث وُلد ونشأ قبل أن تنتقل أسرته إلى الموصل.في نهاية الستينات بحثا عن الرزق . وعن دهوك :
(أنا شاعرك المغترب
أنا عاشقك السرمدي
افتحي أبوابك لقلبي المسكين
فعشقك يا دهوك
ليس محرم على العاشقين ).
صدر له حتى الآن 14 كتابًا بين مجموعات شعرية وأدبية، منها:
وستبقى العيون تسافر – بغداد ،بحر الغربة – المغرب ،عيون من الأدب الكردي المعاصر – بغداد ،نوارس الوفاء – بغداد ،الإرهاب ودمار الحدباء – دهوك ( بإشراف بن الزعيم الكردي علي سنجاري الأستاذ الأديب الكبير سردار السنجاري ،حياة في عيون مغتربة – بغداد (بإشراف إعلامية تونسية ) سندباد القصيدة الكردية – سورية بإشراف الشاعر بدل رفو ، الرؤيا الإبراهيمية – أمريكا – بإشراف ومتابعة الأستاذة شميران شمعون، أحلام حيارى – دهوك ، إيقاعات وألوان – دهوك، قهوة على نار ساخنة – دهوك ، فرحة السلام – دهوك ، هيلين – دهوك وعناقيد أنثى – دهوك ،
كما صدرت عنه ” 4 كتب ” دراسات نقدية عن أعماله الشعرية لأدباء وباحثين كبار، منها:
القلم وبناء فكر الإنسان – أحمد لفته علي (بغداد) القلم العاشق في الزمن المحترق – كلستان المرعي (سورية) التأرجح الشاهيني بين التقصي والتشخيص – هندة العكرمي (تونس) خطاب الإنسانية – أنيس ميرو (دهوك)
ولا يزال لديه عدد من المخطوطات تنتظر الطبع، رهن تيسّر الدعم المادي أو تبنّي جهة رسمية لطبعها. أقام أمسيات أدبية في الموصل ودهوك وزاخو وحصل على عدة جوائز وشهادات ودروع في الشأن الأدبي محليا وعربيا وعالميا
يمتاز أسلوبه في النتاج الشعري فكريا وإنسانيا برقة وجدانية وشفافية عاطفية، تجمع بين الرمزية والتكثيف اللغوي، وتعتمد كثيرًا على الصورة الشعرية والرمز. أما مقالاته فتتسم بالوضوح والواقعية، وتعالج قضايا الإنسان والمجتمع والمرأة والفقر والعدالة، مما جعله مرجعًا للقراء والباحثين في الأدب الكردي والعربي المعاصر.
فكريًا وفلسفيًا، تتسم كتاباته برؤية إنسانية عميقة؛ فهو لا يكتب للتباهي أو المجد الشخصي، بل ليبعث برسائل إلى العالم تُبرز أن الإنسان هو القيمة العليا. تأثر كثيرًا بمعاناة شعبه وظروفهم القاسية، وينزع إلى التأمل الوجودي وطرح تساؤلات عن معنى الحياة، والعدالة، والحب، والموت، مما يضفي على أعماله بعدًا فلسفيًا وإنسانيًا واضحًا.
في قصيدته أزمة ضمير لا محل له من الإعراب يقول :
( يا سيدي الفاضل
أزمة ، أزمة ، أزمة ، أزمات
أزمة تفجر بعد أزمة
من أجل ربطة عنق أو نزوات
من أجل منصب يعلو
بالجاه والفساد والدولارات
من أجل كرسي فارغ
يملأه كرش حابل بالنفايات
من أجل غاية كبعوضة
لا ترى بالنظر كأنها خرافات
من أجل لحظة مدمرة
تفجر أزمات وأزمات )
أما إنسانيًا، فيشهد له الجميع بتواضعه وانفتاحه على الأجيال الجديدة من الكُتّاب، حيث يشجع المواهب الشابة وينقد أعمالهم بلطف وبروح بنّاءة.
دعوة للتكريم
رغم مروره بظروف شخصية قاسية، منها فقدان إرث والدته على يد مقربين منه، وضنك العيش حيث لا وارد مادي يعينه على معاناة الحياة وجد في محنته دعمًا من المهندس الكبير سربست آغا بن ديوالي آغا، رئيس عشيرة الدوسكي، الذي وفر سكنًا مؤقتًا لأسرته في دهوك حتى تمكن من الحصول على بيت متواضع في أطراف مدينة سميل.
ومن هنا، نوجّه مناشدة صادقة إلى فخامة رئيس إقليم كردستان السيد نيجيرفان البارزاني، ودولة رئيس وزراء الإقليم، لتكريم هذا الأديب الكبير وتوفير مصدر عيش كريم له ولأسرته، تقديرًا لمسيرته وإسهاماته التي أغنت الثقافة الكردية والعراقية والعربية.
إن الأديب عصمت شاهين الدوسكي يكتب رغم التحديات والإهمال الثقافي الرسمي، مؤمنًا بقدرة الكلمة على التغيير، وبقيمة الإنسان فوق كل اعتبار. إنه أديب صاحب رسالة إنسانية وفكرية سامية، جمع بين صدق العاطفة الشعرية وعمق الرؤية الفلسفية، وبين الالتزام المجتمعي والتواضع الإنساني. وحقًا، يُعدّ نتاجه إضافة مهمّة للأدب الكردي والعراقي والعربي الحديث، ويستحق اهتمامًا نقديًا أوسع وانتشارًا أكبر مما حظي به حتى الآن.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=76040