تقود الولايات المتحدة حملة خفية ضد إعادة تنظيم داعش ترميم نفسه في مناطق نائية في سوريا مستغلاً حالة الانشغال الإقليمي والعالمي بالحرب على غزة وأخطار توسعها إلى حرب شاملة، إضافة إلى قضايا أخرى، وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية وترجمته العرب اللندنية.

وذكرت الصحيفة التي استندت إلى مقابلات مع ضباط أميركيين وآخرين من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) وهي قوات يقودها الأكراد ساعدتها الولايات المتحدة في هزيمة الجماعة المسلحة قبل خمس سنوات أن “القوات الخاصة الأميركية تسعى جاهدة لاحتواء عودة داعش، مضيفة “يحشد التنظيم قواته في صحراء البادية السورية، ويدرّب المجندين الشباب ليصبحوا مفجرين انتحاريين، ويوجه الهجمات على قوات التحالف ويستعد لإحياء حلمه في حكم الخلافة”.

ووفقاً للصحيفة، فقد ضاعف المقاتلون المتشددون وتيرة هجماتهم في سوريا والعراق هذا العام، باستهداف نقاط تفتيش أمنية، وتفجير سيارات مفخخة، والتخطيط لتحرير آلاف السجناء منذ استعادت قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة آخر مدينة تحت سيطرة تنظيم داعش.

وأضافت أن الطائرات الأميركية تنفذ غارات جوية وتوفر مراقبة حية لقوات “قسد” خلال مداهمة خلايا التنظيم، وفي بعض الحالات تقوم قوات نخبة أميركية بمهام وحدها لقتل كبار قادة التنظيم الإرهابي أو أسرهم، وكل ذلك يجري في حملة لم يتم إعلانها بصورة كبيرة.

ونقلت الصحيفة عن الجنرال روهلات عفرين، القائدة المشاركة لقوات سوريا الديمقراطية قولها “كان هذا العام أسوأ عام منذ هزمنا الدولة الإسلامية”.

وأضافت في مقابلة أجريت معها في قاعدة كوماندوز الأميركية في شمال شرق سوريا “بغض النظر عن مقدار ما تسحقهم، سيحاولون النهوض مرة أخرى”.

الجنرال روهلات عفرين

وذكّرت الصحيفة بالهجمات التي شنها التنظيم، ومن بينها التفجيرات المزدوجة في كرمان بإيران والهجوم على حفل في موسكو. لكنها قالت إن “تركيز الجماعة كان على المنطقة التي كانت تسيطر عليها في السابق”.

وعودة التنظيم إلى استعادة قواه، وتنفيذه 153 هجوماً في سوريا والعراق خلال أول 6 أشهر من هذا العام، وكذلك محاولته تجنيد أفراد جدد في صفوفه من خلال عملية سرية داخل معسكرات احتجاز زوجات مقاتلي التنظيم وأطفالهم، لا تلقى “الاستجابة” المثالية من قبل التحالف الدولي، وفقاً للصحيفة التي عللت ذلك بالمفاوضات الدبلوماسية حول الدور الذي سيلعبه التحالف في المنطقة في الأشهر والسنوات المقبلة، وكذلك عامل الانتخابات الأميركية المقبلة.

ونقلت الصحيفة عن ضابط من القوات الخاصة الأميركية المتمركزة في سوريا قوله “ما نراه هو حركة الرجال والأسلحة والمعدات”.

ومن جانب آخر هناك حرب غزة التي صعدت من هجمات الفصائل المسلحة المدعومة من إيران على القواعد الأميركية والتي -وفقاً للصحيفة- أجبرت واشنطن على تعزيز نصف مواقعها في سوريا وصرف الانتباه عن القتال ضد “داعش”.

وفي إحصائية نقلتها الصحيفة عن قوات سوريا الديمقراطية، جرى أسر 233 مقاتلاً مشتبهاً بهم من داعش في 28 عملية في الأشهر السبعة الأولى من العام.

ونفذت الطائرات الأميركية ثلاث ضربات على أهداف للتنظيم في سوريا، وواحدة في العراق، حتى الآن هذا العام. كما شنت الولايات المتحدة، التي لديها الآن 900 من أفراد الدفاع العسكري والمدني في سوريا و2500 في العراق أربع ضربات ضد تنظيم داعش طوال العام الماضي. وشاركت في نحو 50 غارة جوية أخرى نفذها سلاح الجو العراقي منذ بداية العام الماضي، بحسب بيانات البنتاغون.

وأشارت الصحيفة إلى مخاوف من أن أي انسحاب أميركي من سوريا أو العراق قد يؤدي إلى عودة نشاط التنظيم.

وذكرت أن زعماء الشيعة في العراق المرتبطين بطهران يضغطون على القوات الأميركية لمغادرة البلاد، التي تشكل قاعدة لوجستية لعمليات البنتاغون في سوريا.

وانتهت المحادثات الأميركية العراقية في واشنطن الشهر الماضي دون قرار بالانسحاب، لكنها لا تزال تثير قلق حلفاء أميركا في المنطقة.

وفي هذا السياق، نقلت عن العميد علي الحسن، المتحدث باسم قوى الأمن الداخلي “الأسايش” المتحالفة مع الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا قوله “سنرى فوضى لم نشهدها من قبل. أي انسحاب من شأنه أن يسبّب تنشيطاً فورياً للخلايا النائمة”.

وفي حين تقاتل الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية تنظيم داعش في المنطقة المنفصلة في شمال شرق سوريا، والتي يطلق عليها الأكراد اسم روج آفا، تنفذ تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، غارات جوية ضد قوات سوريا الديمقراطية، لأنها ترى أن الأكراد الذين يسعون إلى الاستقلال إرهابيون.

وتساعد القوات الروسية الرئيس السوري بشار الأسد في قتال قوات سوريا الديمقراطية، وفي الوقت نفسه، تطلق الميليشيات المسلحة من قبل إيران طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات على القواعد الأميركية في المنطقة بشكل روتيني.

ففي يناير الماضي، أدى هجوم على موقع أميركي في الأردن إلى مقتل ثلاثة أميركيين وإصابة العشرات. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت ميليشيا مدعومة من إيران صواريخ على قاعدة الأسد الجوية العراقية، مما أدى إلى إصابة خمسة من أفراد الخدمة الأميركيين واثنين من المتعاقدين، وفقًا لمسؤولين عسكريين أمريكيين.

على مدى أشهر هذا العام، أجبرت الهجمات المدعومة من إيران القوات الأميركية على تعزيز مواقعها الستة في سوريا، مما أدى إلى تشتيت الانتباه عن القتال ضد داعش.

وفي حين لا يزال حوالي 9000 مقاتل من التنظيم في السجون في جميع أنحاء شمال شرق سوريا، قالت الصحيفة إن المجموعة لم تخف نيتها تحرير رفاقها حتى يتمكنوا من العودة إلى ساحة المعركة.

وأشارت إلى أنهم حاولوا مرتين هذا العام الهروب من السجون، في إحداها حاول انتحاري اختراق بوابة سجن الرقة بواسطة عربة ثلاثية العجلات مليئة بالمتفجرات.

إلى جانب ذلك، لفتت الصحيفة إلى عشرات الآلاف من عائلات التنظيم الذين يوجدون في مخيمات، من بينها مخيم الهول، قائلة إن التنظيم يحاول باستمرار تربية الأطفال على معتقداته، من أجل إيجاد جيل جديد من المقاتلين.

وقال الحسن، المتحدث باسم قوى الأمن الداخلي “لا أستطيع أن أتخيل ما قد يحدث إذا بدأوا بالفعل عملية هروب من السجن”.

ويعيش نحو 43 ألف نازح سوري وعراقي وغيرهم في مخيمات في شمال شرق سوريا، بما في ذلك العديد من زوجات وأطفال مقاتلي تنظيم داعش المسجونين الذين تعتبرهم قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة مجندين محتملين للجيل القادم من المتشددين.

ويرسم الأطفال في مخيم الهول صور قنابل يدوية وبنادق AK-47 وسترات انتحارية متفجرة في دفاتر التلوين.

وقد حصل الجنود الأميريكيون على صور لحفلات أعياد ميلاد أطفال ذات طابع تنظيم داعش، حيث تم تعليق علم المتشددين باللونين الأبيض والأسود على الحائط وسط البالونات.

وقالت الجنرال روهيلات “إنهم يحاولون غسل أدمغتهم عندما يكونون أطفالاً، حتى عندما يكبروا يكونون على استعداد للقتل دون تردد”.

ويقول مسؤولون أمنيون إن تنظيم الدولة يهرب الصبية عندما يصلون إلى سن القتال من المعسكر للتدريب العسكري في الصحراء. وواجهت السلطات المحلية صعوبة في تحديد ما يجب فعله مع الأسر، التي غالبًا ما لا تكون مطلوبة في بلدانها الأصلية ولكن تعتبر خطيرة للغاية بحيث لا يمكن إطلاق سراحها بين عامة الناس.

وقال ضابط القوات الخاصة الأميركية “لقد تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى، لكن ليس الوقت المناسب الآن لتحويل أنظارنا عن شمال شرق سوريا”.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية