الجمعة, نوفمبر 22, 2024

عبدالجبار نوري: مقاربة نقدية لكتاب – حياة لها معنى!؟ – لديستوفيسكي

ثمة أسس معمارية هندسية متقنة بنى عليها الكاتب الروسي الشهير” ديستوفيسكي” افكارهِ الفلسفية في مجمل أنجازاته الأدبية والعلمية الأخوة كارمازوف ، والآبله ، الجريمة والعقاب ، المقامر ، المراهق ، ورواية الشياطين ووو ، أثرى المكتبة الروسية والعالمية ب43منجزا أدبيا وعلميا ، هوعالم نفس محترف ومتفهم عميق للذات البشرية والكاتب العبقري والروائي الواقعي بحيثيات مدونته السوسيولوجية الأجتماعية ” حياة لها معنى ” ، يقول في مقدمة الفصل الأول من الكتاب : علينا نحن البشر أن نتساعد ونحبُ بعضنا بمسك أيدي بعضنا بعضاً فإما الوصول إلى المدينة الفاضلة (اليوتوبيا) وإما نهلك معاً في جحيم أتون مدينة الأشرار (الديستوبيا ) ، ويستعرض بعض من آراءهِ الثاقبة والحكيمة لتعبيد طريق الألف ميل أمام البشرية بالنضال والكفاح والتضحية بشجاعة فرسان لنيل قصب السبق في نيل ( الحرية ) لأن الجبناء لن يصنعوا الحرية .لا للحروب نعم للسلام ، الحب والأنسنة لا تتغيران وإذا تغيرتا حصلت الكارثة  ، وديستوفيسكي في عقيدته الوجودية يقول: عبثية الحياة بدون الله وبدون الخلود ، وهو رجل دين لاهوتي من أرائهِ ان نهب محبتنا للرب  احراراً لا عبيداً ، فهو يمثل جيل الواقعية السحرية للأدب الروسي ، فهو مفكرليس واعظاً ، يقول في روايته ( الأبله ) : خيرٌللأنسان أن يكون تعيساً خيرُمن أن يكون سعيداً ومخدوعاً ، ويقول في روايته ( الجريمة والعقاب ) ربما أبدوا للبعض عجيبا وغريباً ” أيكون جريمة قتل قملة قذرة ضارة وقتل عجوز لا يحتاج أليها أحد مرابية تمتصُ دم الفقراء إلا أن قتلهم يمحو أربعين خطيئة ، لا أظن إن هذا الفعل جريمة ولا أريد أن أتطهر منها وأكفر عنها !.

هوكاتب قدير ، وفيلسوف متفهم عمق النفس البشرية وزواياها المظلمة ، وقدم في كتابه ( حياة لها معنى) وصفا ثاقبا وصادقا للحالة السياسية والسوسيولوجية للمجتمع الروسي آن ذاك والذي أصبح مصدر ألهام للفكر والأدب المعاصر، أضافة إنهُ مخابراتي بوليسي كما ظهر في روايته ( الجريمة والعقاب ) ، وهو أحد أعضاء جماعة الفكر المتحرر( جماعة بيتراشيفيسكي ) ، يقول فيه فرويد : تعلمتُ سلوك النفس البشرية من روايات ديستوفيسكي ، وقال فيه الفيبسوف الألماني هيغل: يمكن أن يكون في موقع النبي المصلح ، وأمتدحهُ الفيلسوف الوجودي مارتن هيتجروعالم الرياضيات الحديثة لودويك وعالم الفيزياء أنشتاين ، إذاً هو أستاذ كل الأزمنة ، ففي عالم ديستوفيسكي تتصارع الأ ضداد الخير مع الشرالحقيقة مع الزيف الرحمن مع الشيطان الموت والخلود والعاقل والأهبل ، وهو عليم بميتافيزيقيا الكينونة البشرية وبنهايات ممزوجة بالبراكماتية المطابقة للواقع ، لا يهتم بالقاتل أكثر مما يهتم بالأسباب والدوافع ، يقول في روايته المقامر:{ الرذيلة لها مقياس واحد بالنسبة للجميع وحتى إن أختلفت بالدرجات لأن لطخة السوء تبقى } تمكن من فك شفرة الأنسان بالغوص في أعماقه يكتشف إن الذات البشرية ممزوجة بالخير والشر والنسبة تضطرب بينهما ربما غريزيا تعلو نسبة الشراكثر ، وأثني على رأي الكاتب لأن الصراع بين الخير والشر أزلي وتأريخي وما حصل بين الأخوة قابيل وهابيل ، فكان هابيل الضحية وقابيل القاتل الجلاد ، الناس يميلون إلى قابيل القاتل ويسمون أبناءهم قابيل ولا يقتربوت من هابيل!؟ ، ويوثق هذه النزعة الشريرة والبائسة الدكتور علي الوردي في كتابه ( مهزلة العقل البشري) .

ويلخص الكاتب الروسي الفذ الحالة البشرية بأكملها ضمن صفحة واحدة فقط ، فهو في القمة الهرمية للأدب العالمي 1821-1881 .

مقاربات فكرية تأريخية في تلاقح الحضارات!؟

– وجدتُ التشابه والمقاربة بين رؤى ديستوفيسكي في مغزى روايته ( حياة لها معنى ) الوصول إلى المدينة الفاضلة وبين حيثيات سفر التكوين وملحمة كلكامش ، حيثُ تظهر الحكاية الفنتازية السحرية أن Nintiآلهة الحب  والجمال السومرية التي خُلقت ْمن ضلع ( أنكي ) لتشفيهِ بعد أن أكل الزهورالسحرية المحرمة من الشجرة الممنوعة التي ظهرت كأساس لقصة أدم وحواء في سفر التكوين ، وإن فكرة خلود الآلهة التي ظهرت في ملحمة كلكامش والتي دفع بطلها بهوس وجنون وركوب المخاطر والمغامرات المرعبة لأكتشاف سرموت صديقهُ الحمبم (أنكيدو ) وهو سرالحياة والموت أنتهت بأستسلام البطل كلكامش بعد مقتل ( أنكيدو ) وسرقة الأفعى عشبة سر الخلود ، ونصائح الكاهن ( أتونابشتم ) مندوب الآلهة في سماع القرار السماوي أن الخلود للألهة فقط والموت من نصيب البشرية وقرر البطل كلكامش الرجوع لموطنه وبناء مدينة أوروك لآعتقاده الأنساني { بأن سر الخلود للبشريكمن في العمل الخير والصالح والذكر الحسن في خدمة البشرية } أي تحقيق حلم البشرية في المدينة الفاضلة .

– توضحت رؤى فلسفة ديستوفيسكي تلك الحقيقة المطلقة في فهم قيمة الأنسان ( كأثمن رأسمال) لكون هذا الأنسان قادر على تطوير ذاتهُ ليحصل على السعادة الحقيقية عبر ألتزامه بالفضيلة وترسيخ السلام العالمي ونبذ الحروب والبحث عن القيمية المعرفية وليس السعي وراء المتعة الفانية تلك هي الفكرة الفلسفية الأخلاقية ، وهنا قراتُ دراسة لزميلي الكاتب الأكاديمي “علي القاسمي” في كتابه الموسوم (عودة كلكامش ) : إن الملحمة السومرية تصدت لثلاث قضايا مهمة ( الحياة والحب والموت ) بدأ من النهاية حسب أعتقادهِ ليست اٌقل شأناً من البداية ، فأذاً الفكرة فلسفية أخلاقية صيغتْ بهيئة  (ملحمة شعرية مطولة ) شرقية ظهرت في عراق وادي الرافدين ، وليس غريبا أن تظهرالفكرة الفلسفية الأخلاقية في الألياذة الأغريقية لهوميروس في حروب طروادة في أزدراء وأحتقار ( باريس ) لخطفه ( هيلين ) زوجة الملك  مينالاوس )ملك أسبارطة أعتبرت خطيئة والتجاوز على قانون قواعد لعبة الحروب في الملحمة الطروادية ، إن كلا الملحمتين الشرقية والأغريقية مكتوبتين بنص شعري مطول في نصه السردي وكلاهما يتقاربان بالفكرة الفلسفية : إن الأنسان يخلد بأعماله الصالحة للفوزبالتغيير ويذكرنا التأريخ بأنجازات عظمائه في نقلة نوعية في تحديثها وعصرنتها في زمن العولمة الرقمية نجد الكثير من الرموزالعلمية أضاءوا زمن العتمة أمثال أديسون مخترع الكهرباء ، أنيشتاين صاحب النظرية النسبية في الفيزياء الكونية ، ونلسون مانديلا صاحب الثورة البيضاء والقس لوثر صاحيب الأصلاح الديني ، ووليم مورتون طبيب أسنان مكتشف ( البنج) 1846 ، والزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم صاحب ثورة الخبز والسلام  .

المصادر والهوامش

-عودة كلكامش – الدكتور علي القاسمي

– ملحمة كلكامش – الدكتور طه باقر

– ديستوفيسكي – ميخائيل ياختين

كاتب وناقد أدب عراقي مغترب

مايس 2024

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية