روناهي/ الدرباسية –
يتصف إقليم الجزيرة، في شمال وشرق سوريا، بطبيعته الريفية، لأن نشأة الإقليم ريفية في مقوماته كلها، أما المدن، والبلدات، فتعد تنشئة حديثة، لكن أغلب المناطق بُنيت قراها قبل مدنها، وذلك بعكس السائد في أغلب المناطق الأخرى، حيث من المعروف أن المدن تُبنى وتتوسع، ثم يليها بناء الضواحي والقرى التابعة لها.
هذه الخصوصية التي يتمتع بها إقليم الجزيرة جغرافيا، أثرت على باقي مناحي حياة السكان، فالسكن في الأرياف فرض على قاطنيها نمطاً معيناً من الحياة، وأسلوباً خاصاً للمعيشة، والذي يعتمد على الزراعة، وتربية المواشي.
وعلى الرغم من التطور الحاصل تاريخيا في المنطقة، والذي أدى إلى بناء المدن والنواحي، وما رافق ذلك من صناعة وحرفية وأعمال أخرى، إلا أن نمط الحياة نفسه ظل سائدا حتى يومنا هذا، فنرى الزراعة تطغى على الصناعة، وعلى الأعمال الأخرى، وذلك كتعبير عن ارتباط الناس بماضيهم الذي نشؤوا فيه.
إضافة إلى ذلك، فإن الريف يعدّ الرئة الحية للمدن، والمتنفس الوحيد للأهالي، فجل أهالي مدن الجزيرة، تعود أصولهم إلى أريافها، وعلى الرغم من انتقالهم إلى المدن، إلا إنهم لم يقطعوا صلتهم مع قراهم ومع ماضيهم، فنرى المشاريع الزراعية في القرى، إضافة إلى “لمة” العائلة في بيوت الآباء، والأجداد الموجودة في القرى، والتي تعدّ إحدى التقاليد الموروثة تاريخيا عن الآباء والأجداد. ومثل باقي مدن وبلدات الجزيرة، تضم ناحية الدرباسية حوالي 2000 قرية تحدها من الشرق، والغرب، والجنوب، كما إن مركز ناحية الدرباسية أتى بعد بناء القرى بعدة سنوات، في الثلاثينات من القرن الماضي.
“جرنكي جورين” بين الماضي والحاضر
ولأن الحاضر هو امتداد للماضي، ولا يجوز إغفاله أو إهماله، فحري بنا أن نلقي الضوء على إحدى القرى التابعة لناحية الدرباسية، والتي تعد من القرى، التي انطلق منها بناء مركز ناحية الدرباسية.
لذلك توجهت صحيفتنا إلى قرية جرنكي جورين، للاطلاع على حاضر القرية، والغوص في ماضيها، من خلال أحاديث أهلها. تقع قرية جرنكي جورين على بعد 25 كم من مركز ناحية الدرباسية باتجاه الجنوب، وتبلغ مساحتها ما يقرب من 3200 كم مربعاً، كما إن غالبية أهل هذه القرية هم من عائلة “بيت الآغا”.
وللحديث أكثر عن تاريخ هذه القرية، التقت صحيفتنا بعضاً من أهالي القرية، فتحدث المواطن سعود أحمد البالغ من العمر خمسين عاماً: “قريتنا قرية قديمة، عمرها 90 عاما، تعيش فيها قرابة 25 أسرة، نحن في القرية جميعنا أقرباء، فجدي “بشار” أتى إلى القرية وتزوج منها، ومن ثم كبرت العائلة، وبعد ذلك أتت عائلتان من “الشيخان”، مع مرور الزمن، اضطر الكثير من أخواتنا، وأبناء عمومتنا للانتقال والعيش في الدرباسية، ولكن مع ذلك لا تزال منازلهم موجودة، ويقومون بزراعة أراضيهم، ويزورون القرية بين الفينة والأخرى”.
وأضاف: “عملنا منذ البداية في الزراعة، حيث فلحنا وزرعنا الأراضي، إلى جانب ذلك نقوم بتربية المواشي، ولكن النظام السوري، استولى على نصف مساحة القرية، وقد أعطاها لعدد من العوائل القادمين من “زركان”، وهم حتى الآن هنا، وبعد ذلك قمنا بتحويل أراضينا إلى أراضٍ مروية، بعد أن كانت بعلية، فقمنا بحفر ستة آبار لسقاية الأراضي، وفي السابق كنا نزرع القطن إلى جانب القمح والشعير، ولكن الآن اقتصرت زراعتنا على القمح والشعير، بعد أن باتت زراعة القطن مكلفة، وتتطلب كميات كبيرة من المحروقات، ولوازم الإنتاج الأخرى”.
المواطن سعود أحمد اختتم حديثه: “نواجه بعض الصعوبات في تربية المواشي، لا سيما من ناحية تأمين العلف، فالعلف بات غاليا، ولم نعد نقوى على شرائه ما أثر بعض الشيء في معيشتنا، إذ نحن، القرويين، نعتمد على هذا المصدر”.
المرأة القروية
من جانب آخر، تحدثت لصحيفتنا المواطنة زليخة محمود، الأم السبعينية، فقالت: “أنا بالأصل من أهالي قرية خرزة، التابعة لناحية عامودا، ولكن انتقلت إلى جرنك بعد الزواج، وعلى الرغم من إنني امرأة قروية بالأساس، إلا إن البيئة تغيرت علي، وقد لاحظت اختلافات عديدة بين قرية أهلي، والقرية التي تزوجت فيها، أقصد “جرنك”، فالعديد من الأمور تغيرت، على المستوى العام، فمثلا سابقا كنا نخرج للحصاد بالأيدي، وكنا نجمع القش وغلال المواسم… إلخ، ضف إلى ذلك، جر المياه من الآبار، للغسيل والطبخ والشرب، وعلى الرغم من أننا كنا نقوم بكل هذه الأعمال بأيدينا، إلا إن الحياة كانت بسيطة، لم يكن هناك صعوبات نعاني منها، كنا نقوم بهذه الأعمال، ونحن مسرورون، دون كلل أو ملل”.
زليخة محمود تابعت: “أما اليوم، اقتصرت أعمالي على القيام بواجبات المنزل، إضافة إلى زراعة بستان صغير للخضار في شرفة المنزل، إلى جانب رعي عدد من الأغنام، الأمور تغيرت كثيرا، بتنا نفتقد لبساطة الماضي، ونَحنُّ إلى تلك الأيام، اليوم، وعلى الرغم من التطور الحاصل، إلا إن همومنا كثرت، وبتنا نفتقد للراحة، حيث باتت الأعمال كثيرة وصعبة، ولكن مع ذلك، لا زلنا نحافظ على جو الأسرة القروي، والذي يعني بالنسبة لنا العودة إلى الماضي مع كل ذكرياته الجميلة”.
الأم زليخة محمود، أنهت حديثها: “نحن نفضل حياة الريف على حياة المدينة، فالقرية مهما كبرت، تبقى عائلة واحدة، أما في المدينة، فالروابط الأسرية آخذة في التفكك، وهذا له تأثير على أسلوب الحياة بشكل عام”.
الثقافة – صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=15340