الأربعاء, ديسمبر 18, 2024

كوباني.. المدينة التي حمت الإنسانية من خطر “داعش” تتعرض الآن لتهديدات تركية

في قلب الصراع الدامي الذي مزّق سوريا، برزت مدينة كوباني كرمز للمقاومة والإرادة الإنسانية التي لا تنكسر. هذه المدينة الصغيرة التي كادت أن تسقط في قبضة أكثر التنظيمات الإرهابية وحشية، تحولت إلى نقطة تحوّل تاريخية في الحرب ضد “داعش”.

فبينما وقف العالم متفرجاً في البداية، صمدت كوباني بشعبها ومقاتليها في مواجهة قوى الظلام، لتسطر ملحمة بطولية أصبحت عنواناً للنصر والأمل. لكن اليوم، وبعد أن أطفأت نيران “داعش”، تواجه كوباني تهديدات جديدة لا تقل خطورة، مما يجعل قصتها المستمرة شاهداً حيّاً على الصراع بين الطموح الإنساني في الحرية والقوى التي تسعى لإطفائه.

كوباني ومقاومتها: البداية من 19 تموز 2012

في 19 تموز 2012، وبعد انهيار منظومة النظام السوري في المناطق الريفية، انطلقت وحدات حماية الشعب لتحرير مدينة كوباني، لتصبح أول مدينة تتحرر من سيطرة النظام السوري، وتمثل بداية لثورة شملت مناطق شمال وشرق سوريا.

أعلنت وحدات حماية الشعب أنها ستدافع عن جميع مكونات المنطقة دون استثناء، وعززت هذا الالتزام بالتضحيات الجسام التي قدمتها لاحقاً في معاركها ضد “داعش”.

ظهور “داعش”: تمدده ودعمه الإقليمي

في عام 2014، استولى تنظيم “داعش” على مساحات واسعة من العراق وسوريا، مستغلاً الدعم الإقليمي والدولي غير المباشر، بما في ذلك الأسلحة التي حصل عليها من الجيشين العراقي والسوري المنهارين.

وكشفت تقارير موثوقة عن دعم تركيا للتنظيم عبر تسهيل مرور العناصر الأجانب إلى سوريا، وشراء النفط من “داعش”، مما وفّر له تمويلاً هائلاً.

وسيطر “داعش” على الرقة بالكامل في كانون الثاني/يناير 2014، معلناً إيّاها في حزيران من نفس العام، عاصمة لخلافته المزعومة، ثم استولى على الموصل ومدن أخرى، ما عزز هيمنته الإرهابية.

هجوم “داعش” على كوباني في أيلول 2014

في 15 ايلول/سبتمبر 2014، شنّ تنظيم “داعش” هجوماً واسعاً على كوباني، مستعيناً بأسلحة متطورة ودعم لوجستي، بما في ذلك مرور إمدادات من تركيا.

وتركز الهجوم على ثلاثة محاور: الشرق، الغرب، والجنوب، بينما كانت تركيا تغض الطرف، بل وتُتهم بتمكين التنظيم الإرهابي.

في ذروة الهجوم، أفرج “داعش” عن 49 دبلوماسياً تركياً احتجزهم في الموصل، في صفقة أثارت الشكوك حول علاقة أنقرة بهذا التنظيم.

مقاومة كوباني: صمود تاريخي

وعلى مدار 134 يوماً واصلت وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات من الجيش السوري الحر، إلى جانب أحرار حول العالم، التصدي للهجوم بشجاعة أسطورية، رغم الحصار ونقص العتاد.

في البداية، تردد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في التدخل، لكن مع تصاعد الضغط العالمي، بدأت الضربات الجوية على مواقع “داعش” في كوباني في أواخر أيلول/سبتمبر 2014.

التحالف الدولي وصف كوباني بأنها نقطة تحول في الحرب ضد الإرهاب، حيث دُمرت البنية العسكرية لداعش بشكل كبير داخل المدينة.

تحرير كوباني 26 كانون الثاني/يناير 2015

وفي 26 كانون الثاني/يناير 2015، أعلنت وحدات حماية الشعب تحرير مدينة كوباني بالكامل، مما شكل أول هزيمة كبيرة لتنظيم “داعش”.

هذه الهزيمة لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل بداية انحسار التنظيم في سوريا والعراق.

وانطلقت من كوباني لاحقاً عمليات عسكرية لتحرير باقي المناطق من “داعش”، مثل تل حميس، تل براك، تل أبيض (كري سبي)، ومدينة الرقة التي كانت معقلاً للتنظيم.

كوباني بعد “داعش”: من رمز المقاومة إلى مواجهة التهديدات التركية

رغم انتصارها على “داعش”، أصبحت كوباني هدفاً للتهديدات التركية. فتركيا ترى في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا خطراً على طموحاتها الإقليمية، وتسعى لتوسيع سيطرتها تحت ذرائع مختلفة.

وعلى مدار الأعوام الماضية، شنت تركيا هجمات كثيرة على شمال وشرق سوريا، هدفت إلى زعزعة الاستقرار وخلق فراغ أمني قد يسمح بعودة التنظيم أو مجموعات مشابهة له.

القوانين الدولية وانتهاكات تركيا

الهجمات التركية على كوباني ومناطق الإدارة الذاتية تتناقض مع مبادئ القانون الدولي، فميثاق الأمم المتحدة يحظر الاعتداء على سيادة الدول الأخرى، وتركيا بانتهاكاتها تقوض الاستقرار الإقليمي.

كما تُجرم اتفاقيات جنيف استهداف المدنيين والبنية التحتية، بينما شنت تركيا ضربات تسببت في مقتل عشرات المدنيين ونزوحهم.

فضلاً عن أن الدعم التركي لداعش عبر تمويله وفتح حدودها للإرهابيين يتناقض مع الالتزامات الدولية وبشكل خاص قرارات مجلس الأمن بشأن مكافحة الإرهاب.

دروس كوباني: رسالة إلى العالم

لقد أظهرت كوباني كيف يمكن لقوة محلية صغيرة أن تصمد أمام أكبر التنظيمات الإرهابية بدعم شعبي وإصرار. كما أكدت أهمية تعاون الشعوب فيما بينها للتصدي للهجمات وإفشالها.

فضلاً عن أنها أكدت ضرورة الحذر من الدول الداعمة للإرهاب مثل تركيا التي لعبت دوراً مشبوهاً في دعم “داعش”، وما زالت تدعم فصائل الجيش الوطني التي تحمل ذات الذهنية ويتواجد ضمن صفوفها العديد من عناصر “داعش”، مما يشكل تهديداً للأمن الإقليمي والدولي.

كوباني رمز النصر والمقاومة

كوباني، المدينة التي حمت الإنسانية من وحشية “داعش”، تواجه اليوم تهديدات جديدة من تركيا التي تسعى لتدمير ما تم تحقيقه. تحتاج كوباني إلى دعم عالمي للحفاظ على مكتسباتها وحماية شعبها من أي اعتداءات مستقبلية. إن قصتها تُلهم كل من يناضل من أجل الحرية والعدالة، وتؤكد أن المقاومة قادرة على هزيمة الظلام مهما اشتدت شدته.

 

المصدر: مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية