مجازر الأرمن والسريان

في الوقت الذي يحيي فيه الأرمن والسريان الآشور الكلدان، الذكرى الـ 105 للمجازر التي ارتكبتها الدولة التركية بحقهم، ما زالت هذه الجرائم مستمرة بحق بقية الشعوب بمساعدة من أوروبا التي مكنت تركيا من استضافة داعش لإبادة شعوب المنطقة.

كيفارا شيخ نور

في يوم الـ 24 من نيسان من كل عام، يحيي الأرمن والسريان والآشور، الذكرى السنوية للمجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحقهم؛ ففي مثل هذا اليوم من عام 1915 أعدمت السلطات التركية حوالي 250 شخصاً من نخبة المجتمع الأرمني (قادة، مثقفون، كتاب، رجال دين) في إسطنبول، والتي كانت بداية لمجازر أكبر امتدت لتشمل السريان والآشور.

بعد أن سقطت القسطنطينية في أيدي العثمانيين اعتباراً من 29 أيار/مايو عام 1453، بدأ العثمانيون بشن الهجمات على أوروبا حتى وصلوا إلى أسوار فيينا –عاصمة النمسا- عام 1529 ولكنهم فشلوا في احتلال المدينة وبعد ذلك بدأت مرحلة التراجع العثماني على أكثر من جبهة.

ومن جانبها سعت روسيا التي أصبحت قوة كبيرة في ظل القياصرة قبل قرون، للوصول إلى البحار وخاصة البحار الدافئة وتجاوز معضلة توقف موانئها المطلة على بحر البلطيق عن العمل لأشهر عديدة كل عام بسبب تجمد مياه البحر، فكان لابد في البداية من الوصول إلى سواحل البحر الأسود، فخاضت روسيا ضد تركيا 15 حرباً على مدى أكثر من قرنين لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي بدأت عام 1676 واستمرت حتى سقوط الإمبراطوريتين مع نهاية الحرب العالمية الأولى 1918.

ولكن بعد أن احتل العثمانيون أرمينيا في القرن الـ 16 وتحولها إلى جزء من السلطنة العثمانية، بات الأرمن موزعين بين العثمانيين والإمبراطورية الروسية، لذا بدأ العثمانيون بارتكاب المجازر بحق الأرمن بحجة تعاونهم مع الروس ضد الامبراطورية.

وبدأت أولى  المجازر بحق الأرمن في الفترة ما بين عامي 1894 – 1896، بعدما طالب الأرمن بإصلاحات سياسية وبملكية دستورية وبانتخابات وإلغاء التمييز ضد مسيحيي السلطنة، وتعرف هذه المجازر باسم “مجازر الحميدية” نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الذي أمر بارتكاب مجازر بحق الأرمن ومن أكثرها وحشية حرق نحو 2500 امرأة أرمنية في كاتدرائية رها/أورفة.

ووثق المبشر اللوثري يوحنا ليبسيوس، الذي كان موجوداً في تركيا حينها، أعداد الضحايا اعتماداً على المصادر الألمانية ومصادر أخرى. ويقول إنه تم قتل 88243 أرمني وجرح 546000 آخرين ويؤكد أن القرى التي نهبت بلغ عددها 2493 قرية، فيما بلغ عدد القرى التي أجبرت على الإسلام 456 قرية، وأشار إلى تهديم 649 من الكنائس والأديرة، فيما تم تحويل 328 كنيسة وديراً إلى جوامع.

وفي هذا السياق قال الجنرال المتقاعد في الجيش اللبناني، ناريك ابراهاميان، لوكالة أنباء هاوار إن “تركيا اليوم تُعرف تاريخياً باسم آسيا الصغرى. وتمتاز جغرافيتها بأهمية استراتيجية للقوى الإقليمية والدولية القديمة. فالذي يسيطر على هذه  المنطقة في الشرق الأوسط سيتحكم بخطوط الاتصالات البرية والبحرية بين الشرق والغرب وكذلك بين الشمال والجنوب”.

ويؤكد أن أوروبا والإمبراطورية الروسية سعتا لتوسيع نفوذهما في هذه المنطقة. ولتحقيق أهدافهما سعتا للسيطرة على  آسيا الصغرى كلٌ على حدة. وأضاف “أوروبا بسيطرتها على أراضي آسيا الصغرى كانت تسعى  لكبح جماح الامبراطورية الروسية ومنعها من الوصول إلى المياه الدافئة  في البحر الأبيض المتوسط، لكنهم كانوا متشككين من سكان آسيا الصغرى الذين كانوا بشكل رئيس من اليونانيين والأرمن ومن الآشوريين السريان والكرد والعديد من الكيانات العرقية الأخرى. هؤلاء هم السكان الأصليون في هذه المنطقة، قبل أن تتسلل القبائل الطورانية في بدايات الألفية  الأولى لتشكل ما يسمى بالإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن الرابع عشر”.

ولفت ناريك ابراهاميان، أن الفترة الزمنية التي تلت سقوط القسطنطينية والصراع الدائر بين العثمانيين والروس حتى الحرب العالمية الأولى تميزت بالدموية من قبل العثمانيين.

وحمّل ابراهاميان، أوروبا أيضاً إلى جانب تركيا مسؤولية المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن والآشوريين والسريان واليونانيين والكرد وغيرهم من الكيانات المذهبية المسيحية، حيث قام العثمانيون بقتل 1.5 مليون أرمني وذبحوا الملايين من المذاهب المسيحية الأخرى.

الأرمن ضحية الحرب العالمية الأولى

بعد أن استولت جمعية  الاتحاد والترقي على الحكم في تركيا وعزلها للسلطان عبد الحميد الثاني عام 1908، بدأ العثمانيون بشن الهجمات على الأرمن وقتلوا خلال يومين فقط ألفي أرمني في مدينة أضنة، كما شرعنت مصادرة أملاك الأرمن، ومنحت جوائز لمن ينتقلون للسكن في مناطق الأرمن، وبذلك بدأت عمليات التهجير الواسعة للأرمن وغيرهم من أبناء الديانة المسيحية، وجرى نقل العثمانيين إلى مناطق الأرمن، إذ يجري الحديث عن نقل 400 ألف عثماني إلى منطقة الأناضول من أجل تغيير ديمغرافيتها.

وقبل بدء الحرب العالمية الأولى، سعت تركيا وباتفاق سري مع ألمانيا –دخلتا إلى جانب بعضهما في الحرب العالمية الأولى- في 2 آب/أغسطس عام 1914، إلى تغيير الحدود الشرقية للإمبراطورية العثمانية وذلك لتأمين ممر من أجل الوصول إلى القوميات المسلمة في روسيا. لذلك سعى العثمانيون إلى استئصال الأرمن الموجودين على الحدود مع روسيا.

وبعد توقيع الاتفاقية، أعلن الاتحاد والترقي سحب الأرمن إلى القتال. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى وتحديداً في نيسان 1915 نهب الجنود الأتراك 5 آلاف قرية أرمنية وقتلوا ما مجموعه 27 ألف أرمني والكثير من الآشوريين السريان الكلدان.

وبعد خسارة الأتراك في معركة ساريقاميش بالجبهة الشرقية في كانون الثاني/يناير 1915، ضد الروس. اتهم أنور باشا، الأرمن بخيانة الدولة وأمر بترحيلهم من المنطقة الشرقية حيث تم تجريد 100 ألف جندي أرمني من سلاحهم وجرى ذبحهم ودفنهم وهم أحياء، كما تمت مصادرة الأسلحة من المدنيين الأرمن والتي كان قد سمح لهم بحملها عام 1908.

واعترف وزير الخارجية التركي طلعت باشا في لقاء مع السفير الأمريكي بتركيا هنري مورگنثاو بأنهم تمكنوا “من التخلص من ثلاثة أرباع الشعب الأرمني، ولم يعد لهم أثر في بدليس، وان وأرزروم… يجب القضاء على الأرمن. إذا لم نفعل ذلك سينتقمون منا حتماً”.

وبعد هذه المجازر، تم تجميع ما تبقى من الأرمن والسريان الآشور الكلدان وتهجيرهم عبر إرسالهم سيراً على الأقدام إلى مختلف أنحاء الدولة العثمانية لتعريضهم للموت جوعاً أو عطشاً أو بفعل أعمال القرصنة التي يقوم بها البدو على المسافرين، وذلك من أجل تشتيتهم.

ويقدر الباحثون أن أعداد ضحايا الأرمن تتراوح بين 1 – 1.5 مليون شخص، لذلك يطلق على هذه المجازر عدة تسميات منها “المحرقة الأرمينية والمذبحة الأرمينية والجريمة الكبرى”، وذلك لأن قتل العثمانيين للأرمن جرى بشكل متعمد ومنهجي خلال وبعد الحرب العالمية الأولى.

وفي هذا السياق قال الصحفي والدبلوماسي الأرمني الخبير في شؤون القوميات التي تعرضت للاضطهاد التركي، هامو موسكوفيان، إنه “تم بناء الدولة التركية على أنهر من الدم والمذابح والإبادة الجماعية، وأولها عام 1914- 1918 الإبادة الجماعية للأرمن، وقامت الدولة التركية بعمليات الترحيل الجماعي القسرية والاغتصاب والنهب والسطو والكذب المستمر وذلك لإخفاء تاريخهم الأسود”.

وأضاف “ما تزال الدولة التركية ومنذ تأسيس ما يسمى الجمهورية التركية من قبل كمال أتاتورك وكنعان افرين وصولاً إلى رجب طيب أردوغان، مستمرة  بنهجها الإجرامي الدموي «العثمانية الجديدة» المشابه لنهج العثمانية”.

وأكد أنه في الذكرى الـ 105 للإبادة الجماعية الأرمنية “يجب علينا جميعًا توحيد القوى ضد هؤلاء الشياطين قبل فوات الأوان”.

من المحرقة الأرمينية إلى مجازر السيفو

ولم تقتصر مجازر الأتراك على الأرمن فقط، بل شملت السريان الآشور الكلدان أيضاً، ويعرف يوم الـ 24 من نيسان لدى السريان الآشور باسم “مذابح السيفو والمذابح الآشورية ومذابح السريان”.

ولا توجد إحصائيات دقيقة للعدد الكلي للضحايا، غير أن الدارسين يقدرون أن أعداد السريان الآشوريين الذين قتلتهم السلطنة العثمانية تتراوح بين 250 – 500 ألف سرياني آشوري.

مطالبة بتحقيق العدالة والقصاص من تركيا

واعترفت العديد من المنظمات الدولية رسمياً بالإبادة الأرمنية مثل: الأمم المتحدة، البرلمان الأوروبي، مجلس أوروبا، مجلس الكنائس العالمي، منظمة حقوق الإنسان، جمعية حقوق الإنسان التركية، ميركوسور، جمعية الشبان المسيحيين. كما تعترف 20 دولة بالإبادة الأرمنية.

ورغم كافة الدلائل على القتل العمد للأرمن إلا أن السلطات التركية ترفض الاعتراف بالإبادة الأرمنية وتجرم المادة 305 من قانون العقوبات التركي كل من يعترف بها.

وتعتبر الإبادة الأرمنية أول إبادة جماعية في القرن العشرين وقد سبقت الإبادة التي ارتكبها الألمان بحق اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية والتي تعرف بالهولوكوست. وكلمة الإبادة الجماعية صيغت من أجل وصف هذه الأحداث. كما وأطلقت الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية على الحملة العثمانية التي قام بها الأتراك ضد الأقليات المسيحية في الدولة العثمانية بين عام 1914 وعام 1923، اسم “إبادة جماعية”.

وقال الدكتور تارون هاكوبيان المحاضر في جامعتي “ييرفان وخانكندي” والمختص بالاقتصاد والقضايا التاريخية، لوكالة أنباء هاوار “بصفتي أحد أبناء الأمة التي تعرضت للإبادة الجماعية، سيكون هدفنا الرئيس ونضالنا ضد الإبادة الجماعية التي ارتكبت وما زالت ترتكبها تركيا”.

وتابع قائلاً “يجب أن نستمر في مطالبة جميع دول العالم بمطالبة تركيا بشأن جميع الخسائر الإقليمية والبشرية والمادية والنفسية والجرائم الرهيبة، حتى لا يتم تجاهل الحقوق في الدول المناهضة للحرية مرة أخرى، ومعاقبة المجرمين حتى نتمكن من العيش في سلام وازدهار بعد ذلك”.

ومن جانبه، طالب هاروت ساسونيان رئيس تحرير جريدة “كاليفورنيا كوريير” ورئيس الصندوق الأرمني المتحد -وهو ائتلاف من أكبر سبع منظمات أرمنية أمريكية- بـ “العدالة والتعويض عن القتلى وعودة الأموال والمباني والأراضي الأرمينية المصادرة والأراضي المحتلة في أرمينيا الغربية”.

السيناريو يتكرر

ولم تقتصر مجازر العثمانيين الأتراك على الأرمن والسريان الآشور الكلدان، بل شملت الكرد والعرب أيضاً في مختلف أنحاء الدولة العثمانية وحتى بعد تشكيل الجمهورية التركية ويقود هذه المجازر اليوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي هذا السياق يقول الجنرال المتقاعد في الجيش اللبناني، ناريك ابراهاميان “اليوم نفس السيناريو يتكرر، حيث تقوم القوى الغربية بتمكين تركيا من استضافة عناصر داعش من جميع أنحاء العالم، لمنحهم جنة آمنة وارتكاب فظائع في المنطقة لتدمير دول بشكل رئيس سوريا والعراق وليبيا. الآن ترتكب تركيا الإسلامية المتطرفة مع داعش فظائع والأسرة الدولية صامتة”.

وأكد أن “جرائم أردوغان في سوريا وباقي الدول العربية تخطت جرائم القبائل الطورانية، وأن ما يقوم به أردوغان هو سمة من سمات الأتراك القوميين المتطرفين”.

أضف تعليق