من جديد، الدب الروسي في الكرْم السوري، فماذا عن الحصرم الكوردي؟!

التصريح الروسي الأخير: تغيير شكل للعبة قذرة أم تكويع أبيض؟!

القسم الأول

د. ولات محمد

“وبضدها تتميز الأشياء”

 المتنبي

في مؤتمر صحافي عقده في موسكو مع نظيره السوري نهاية الشهر الماضي 31/ 7/ 2025 قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: “ناقشنا العلاقات بين دمشق والجماعات الكوردية. نريد بالطبع أن يبقى الكورد كأعضاء كاملي الحقوق في المجتمع السوري ضمن دولة موحدة.

أهمية التصريح الروسي كوردياً تكمن في كونه صدر في حضور وزير الخارجية السوري، أما ما يقلل من أهميته (في المقابل) فهو قلة حيلة روسيا في الملف السوري (ناهيك عن الملف الكوردي) بعد خروج حليفها من السلطة. وربما لهذا لم يستوقف كلام لافروف الكورد كثيراً، أو ربما لعدم ثقتهم بموقف موسكو من قضيتهم، قياساً إلى ما صدر عنها من سوء بحقهم خلال السنوات الماضية. لهذا يحاول المقال فهم دوافع هذا التصريح وخلفياته من خلال أولاً مقارنته بالتصريحات الروسية السابقة الخاصة بالموضوع الكوردي ذاته في عهد النظام السابق، وثانياً النظر إليه في سياق ما يجري على الأرض السورية وخارجها في الوقت الراهن.

خلال السنوات الثماني الماضية دأب المسؤولون الروس على الترويج لفكرة مفادها أن أمريكا تدعم جماعات كوردية انفصالية بهدف إقامة دويلة كوردية في شمال شرق سوريا. وقد استغلوا حضورهم الإعلامي والدولي لترسيخ هذه الفكرة على نحو ممنهج، وزادت وتيرة تصريحاتهم بهذا الصدد قبيل احتلال عفرين وبعده وكذلك قبيل احتلال كل من سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض وبعده. وقد بدا واضحاً أن الترويج لهذه الفكرة عملية روسية مدروسة وممنهجة وذات هدف، وذلك بالتناغم مع إعلام كل من تركيا والنظام والمعارضة السورية وبعض الإعلام العربي.

عندما بدأت ألاحظ تكرار التصريحات الروسية في هذا الخصوص على نحو فاضح وتكرار عباراتهم رحت أسجل ما كنت أطلع عليه من تلك التصريحات أولاً بأول ابتداء من 10/ 2018 ووصولاً إلى تصريح لافروف الأخير. وقد سبق أن كتبت مقالاً حول هذا الموضوع (عامي 2019 و2023) دون أن أقوم بنشره، لكن التصريح الأخير قدم معطى جديداً هذه المرة، إذ جاء مغايراً (من حيث الشكل والمضمون) لكل ما سبق من جهة، وجاء في ظل تراجع النفوذ الروسي في سوريا بعد فقدان حليفه النظام السابق للسلطة قبل ثمانية أشهر من جهة ثانية، ما جعل المسألة أكثر جدارة بالتأمل والمناقشة. ولكن علينا أولاً التذكير بالتصريحات الروسية السابقة الخاصة بموقفهم من الكرد في سوريا.

المواقف والتصريحات الروسية السابقة

اختلق الروس فكرتهم القائلة “إن أمريكا تساعد الكورد في شمال سوريا على إقامة دويلة كوردية وتقسيم سوريا”، وراحوا يرددونها بكثافة وعلى نحو لافت للانتباه ويعيدونها على أسماع الناس حتى صارت مألوفة على المستويين الشعبي والإعلامي، وراح كثيرون يرددونها وكأنها حقيقة واقعة. وبغية فهم تصريح لافروف الجديد سأعرض هنا لبعض تلك التصريحات كما وردت في حينه مرفقة بتواريخ صدورها، وقد قمت بتقسيمها إلى ثلاثة أقسام: التصريحات الصادرة بعد احتلال عفرين، التصريحات الصادرة قبيل احتلال سري كانيه/ رأس العين وتل أبيض وبعده، والتصريحات الصادرة بعد سقوط النظام السوري.

1 ـ بعد احتلال عفرين

من المعروف أن روسيا هي التي سحبت قواتها من منطقة عفرين (في صفقة معروفة) وسمحت للقوات التركية والمليشيات التابعة لها بالهجوم على المدينة واحتلالها في مارس آذار 2018، ومع ذلك لم تتوقف موسكو عن حملة اتهامها للكورد بتهديد وحدة الأراضي السورية والسعي للانفصال وإقامة “دويلة كوردية” بمساعدة وتشجيع من أمريكا. وهذه بعض تلك الصريحات:

ـ بتاريخ 14/10/2018 قال لافروف إن “الولايات المتحدة، ومن خلال حلفائها السوريين، وبالدرجة الأولى من خلال المكوِّن الكوردي، تحاول استخدام هذه الأراضي لإقامة دويلة، هذا أمر غير شرعي ولا يمكن القبول به. (…) أمريكا تسعى لتكرار (سيناريو) إقليم كوردستان، في منطقة شرق الفرات“.

ـ بتاريخ 2/12/2018 وفي مقابلة تلفزيونية على هامش قمة “مجموعة العشرين” في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس قال لافروف إن: “ما يحدث على الضفة الشرقية لنهر الفرات غير مقبول (…). إن ما يحدث في شرق الفرات انتهاك سافر للتمسك بمبدأ وحدة أراضي سوريا (…). أحد عناصر السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة في سوريا هو اللعب بالورقة الكوردية (…). وهذه لعبة خطيرة جدا، نظرا لحساسية المسألة الكوردية بالنسبة لعدد من دول المنطقة كالعراق، وإيران، وتركيا“.

ـ بعد أربعة أيام 6/12/2018 قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن “الوجود غير القانوني للقوات الأميركية في سوريا يهدف إلى تقسيم دولة ذات سيادة (…). من وجهة نظر أوسع، نرى أن هدف الوجود الأميركي غير الشرعي بات واضحاً، وهو يتمثل في محاولة اللعب بالورقة الكوردية، والسعي نحو تقسيم سوريا، بغض النظر عن التصريحات الرسمية التي تزعم الالتزام بوحدة أراضي سوريا”.

ـ في اليوم ذاته 6/12/2018 قال رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف للملحقين العسكريين الأجانب إن “الوضع شرقي الفرات يتأزم بشكل حاد، وتحاول الولايات المتحدة المراهنة على الكورد السوريين لإنشاء كيان شبيه بدولة، مستقل عن دمشق شمال البلاد”.

ـ في 19/2/2019 قال لافروف “هدف واشنطن أصبح أكثر وضوحًا، وهو تقسيم سوريا وإقامة دويلة على الضفة الشرقية“.

ـ في 3/5/2019 وعقب ما سمي “ملتقى العشائر” الذي عقد في عين عيسى في الرقة قالت الخارجية الروسية في بيان أصدرته: “تتبع الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفائها أسلوباً ممنهجاً نحو تحقيق حل للأزمة السورية، يهدف استثنائياً إلى ضمان وجود طويل الأمد لها في سوريا، ويجري من أجل ذلك إشراك جزء من التشكيلات المسلحة الكوردية المتميزة بميولها الانفصالية، (…) تسعى بدعم الولايات المتحدة إلى إقامة كيان على غرار دولة بالجانب الشرقي من نهر الفرات (…) من الواضح أن هذه الفعالية تهدف إلى تقسيم البلاد …”.

ورداً على هذه الحملة الروسية (التي شارك فيها أيضاً كل من تركيا والنظام السوري والمعارضة آنذاك) صرح المسؤولون الأمريكان بين فينة وأخرى بأن علاقاتهم مع (قسد) علاقة عسكرية أمنية محصورة في إطار محاربة الجماعات الإرهابية، وأنها لا تحمل أية أجندة سياسية، ومنها تصريح جيمس جيفري:

ـ الأربعاء 22/5/2019 قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري في جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي إننا “نحتفظ بعلاقاتنا مع قسد باعتبارها شريكاً عسكرياً في محاربة داعش من أجل إرساء الاستقرار في المنطقة (…)، وليست لدينا أية أجندة سياسية مشتركة معهم، باستثناء وجودنا في المنطقة التي يسيطرون عليها عسكريا وإدارياًً (…). لا نطرح عليهم أي مستقبل سياسي، إلا ذلك الذي نعرضه على الجميع في سوريا (…). لن تكون هناك دولة كوردية مستقلة في سوريا”. ومع ذلك لم يتوقف الروس سياسيين وإعلاميين ومحللين عن حملتهم التضليلية تلك، بل استمروا بها حتى احتلال سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض. وهذا ما سوف يتناوله القسم الثاني من المقال.

Scroll to Top