د. محمود عباس
يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق.
إننا لا ننتظر من المؤتمر أن يكون هيئة شكلية تفاوض باسمنا على الهامش، أو تستجدي حوارًا من نظامٍ لم يعترف بعد بوجودنا، بل ننتظره أن يكون منصة لصياغة مرتكزات استراتيجية راسخة، تُكتب على أرضية واضحة لا لبس فيها:
الفيدرالية والنظام اللامركزي ليسا ترفًا تفاوضيًا، بل خيار وجود لا مساومة فيه.
هذا المطلب، بكل صراحته ووضوحه، يجب أن يكون الركيزة الأساسية للدستور السوري القادم، لا مجرد ورقة خلاف أو ملف تفاوض، فالإصرار على الصيغ المركزية البالية، هو تكرار حرفي للجريمة التي أوصلت سوريا إلى الهاوية، وهجّرت شعبها، وأغرقتها في مستنقع الصراع الخارجي.
إن انعقاد المؤتمر في 26 نيسان 2025 في مدينة قامشلو، لا يجب أن يكون حدثًا بروتوكوليًا أو استعراضيًا، بل مناسبة لإعادة ترتيب العلاقة مع الدولة السورية على أساس الاعتراف بالشعب الكوردي كشعب، وبتاريخه، وبدمائه التي سالت دفاعًا عن سوريا، لا عن نظامها.
نحن لا نطالب بالكثير، بل نطالب بالمنطق.
ليس من المعقول أن يُناط بمؤتمر يضمّ 340 عضوًا حوارٌ حقيقيّ، أو إعداد ملفات سياسية وتشريعية خلال ساعات معدودة. ومن الواضح أن البيان الختامي، والبنود المطروحة للنقاش، تم الاتفاق عليها مسبقًا، وجميعنا يعلم أن تأجيل المؤتمر كان لتسوية النقاط الخلافية بين الطرفين المهيمنين، بينما تم تجميع الحضور بهدف منح الشرعية لهيئة تقررت خلف الكواليس.
الأخطر من ذلك، أن مطلب الفيدرالية بدأ يتوارى شيئًا فشيئًا عن الخطاب العلني للمجلس الوطني الكوردي وبعض قوى الإدارة الذاتية، باستثناء إشارات عابرة تُستحضر للتغطية فقط، وهذا ما يثير القلق من محاولة خفض سقف المطالب تحت ذرائع “الواقعية” أو “المرحلية”.
ولا غرابة إن تم تقديم بيان مُعدّ سلفًا ليملى على أعضاء المؤتمر، كما حدث في “مؤتمر الحوار الوطني السوري” حين حُشد أكثر من 1200 مشارك للتصفيق لنتائج كُتبت قبل أن تُرسل الدعوات.
وعلى ضوء ما سبق، نطالب بـ:
1. أن تكون الهيئات المتشكلة تخصصية دائمة تنبثق عن المؤتمر، وليست متشكلة على أسس الانتماءات الحزبية أو المحاصصة بين الطرفين، تتولى صياغة الملف الكوردي التفاوضي، وتحمّل الحكومة الانتقالية مسؤولية التعامل معه كجزء من المسار الدستوري، لا كمجرد قضية أمنية أو إدارية.
2. الاعتراف الفوري والصريح بأن فيدرالية غربي كوردستان هي مطلب جوهري، لا بندًا تفاوضيًا مؤجلًا. فالفيدرالية لا تضمن فقط حقوق الكورد، بل تقدم إطارًا حقيقيًا لإنقاذ سوريا من التفكك والانهيار.
3. رفض قاطع لأي صيغة حكم ديني راديكالي أو إقصائي في المناطق الكوردية، لا يمكن القبول بإعادة تدوير هيئة تحرير الشام بلبوس سياسي، أو فرض نموذج إداري قائم على الإكراه العقائدي.
4. منع أي اختراق للفكر الظلامي أو الشخصيات التي قاتلت تحت راية التنظيمات المتطرفة من دخول بنية الحوار الوطني أو التأثير في مستقبل الإدارة، إن كانت تحت أسم المحافظ أو مدراء المناطق أو ما شابه، فمن حمل السلاح مع هيئة تحرير الشام لا يمكن أن يكون شريكًا في سوريا المستقبل.
5. ترسيخ الحضور السياسي والدبلوماسي للحراك الكوردي في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لا بوصفها سلطة أمر واقع، بل كقوة شرعية حمَت المنطقة من داعش وقدمت آلاف الشهداء دفاعًا عن سوريا علمانية، ديمقراطية، عادلة، تتسع لكل مكوناتها دون تمييز.
وليُدرك الجميع، في الداخل والخارج، أن الحراك الكوردي اليوم ليس في موقع التوسل، بل في موقع الفعل والتأثير، صوته مسموع دوليًا، وقضيته عادلة، ومطالبه منطقية، ومتماسكة.
وأي محاولة لإفراغ المؤتمر من مضمونه، أو تحويله إلى تمرين إقليمي لتصفية التناقضات، لن تكون مجرد إخفاق سياسي، بل ستكون طعنة عميقة في صميم القضية الكوردية ومصير شعبها.
نثمّن انعقاد المؤتمر وندعو لنجاحه.
لكننا نذكّر:
النجاح لا يُقاس بعدد الصور، ولا بطول التصفيق،
بل بما سيُكتب في الدستور،
وبما ستقرّره الإرادة الكوردية كركيزة لا يجوز القفز فوقها.
فلا دولة سورية عادلة من دون الكورد،
ولا سوريا موحدة من دون فيدرالية تضمن الشراكة،
ولا ديمقراطية تُولد من رحم الإقصاء.
الولايات المتحدة الأمريكية
22/4/2025م
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=67650