هيومن رايتس ووتش: أوقفوا موجة القتل في الساحل السوري واحموا المدنيين
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن إعدامات ميدانية وفظائع أخرى وقعت في المنطقة الساحلية السورية في أعقاب هجمات متمردين على قوات الأمن السورية وأثناء العمليات الأمنية اللاحقة للحكومة، مع تحمُّل المجتمع العلوي وطأة العنف. بينما أقر الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بأن “أﻄرافا عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عديدة”، رفض التعليق على تورط مقاتلين أجانب أو فصائل متحالفة مع الحكومة أو قواته الأمنية. لم يُحدَّد بعد المدى الكامل لهذه الجرائم أو مرتكبيها بشكل قاطع.
بدأت موجة الانتهاكات الأخيرة بعد هجمات منسقة في 6 مارس/آذار شنها مسلحون مرتبطون على ما يبدو بالحكومة السابقة لبشار الأسد. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 231 عنصر أمن حتى 9 مارس/آذار، بحسب “قيادة العمليات العسكرية” التابعة للحكومة الجديدة عبر قناتها الرسمية على “تيليغرام“. ردا على ذلك، أجرت قوات الأمن الحكومية، ومنها الفصائل التابعة لوزارة الدفاع، ما أسمته الحكومة “عمليات تمشيط” في جميع أنحاء المنطقة. انضمت إلى هذه العمليات جماعات ومسلحون مجهولون، دخل العديد منهم محافظتي طرطوس واللاذقية من أجزاء أخرى من سوريا بعد دعوات رسمية للتعبئة العامة. تُظهر فيديوهات غير مؤكدة منشورة على قنوات تيليغرام مرتكبي هذه الجرائم، وكثير منهم يرتدون بزات عسكرية، وهم يرتكبون إعدامات خارج القضاء، ونهب، وإطلاق النار عشوائيا على المنازل والقرى، فضلا عن سوء المعاملة وانتهاك الكرامة الشخصية على نطاق واسع، بما في ذلك الخطاب الطائفي.
قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “وعد القادة الجدد في سوريا بإجراء قطيعة مع أهوال الماضي، ولكن ثمة تقارير عن انتهاكات جسيمة على نطاق صادم ضد سوريين أغلبهم من العلويين في الساحل وأماكن أخرى في سوريا. الإجراءات الحكومية لحماية المدنيين ومقاضاة مرتكبي إطلاق النار العشوائي والإعدامات الميدانية وغيرها من الجرائم الخطيرة يجب أن تكون سريعة ولا لبس فيها”.
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من عدد المدنيين الذين قتلوا أو نزحوا، ولكن تشير النعوات المتداولة على “فيسبوك” إلى مقتل المئات، بما في ذلك عائلات بأكملها. أفادت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في 9 مارس/آذار أن قوات الأمن العام والفصائل المسلحة والأفراد التابعين لها كانوا مسؤولين عن مقتل قرابة 396 شخصا، “من المدنيين وأفراد غير مسلحين من بقايا نظام الأسد”. تشير بعض التقديرات إلى أن عدد القتلى المدنيين يصل إلى 800 شخص. كما أفادت الشبكة السورية عن مقتل مدنيين على أيدي فصائل مسلحة تابعة للحكومة السابقة.
في البداية، حثت قنوات حكومية على تيليغرام الناس على التوجه إلى الساحل “لدعم إخواننا”، لكن تغير هذا الخطاب بسرعة مع تأكيد المسؤولين لاحقا عدم ضرورة قدوم المتطوعين. في 6 مارس/آذار، أعلن مدير “الأمن العام” في اللاذقية عن تعبئة أمنية كاملة، في حين أمر وزير الدفاع بنشر الجيش لسحق الموالين للأسد. بحلول 7 مارس/آذار، أعلن الرئيس الشرع أن زمن “العفو والمسامحة” قد مضى، وركز على “تحرير” و”تطهير” المنطقة بينما حث قوات الأمن على حماية المدنيين. أفادت قيادة العمليات العسكرية أنه تم حشد حوالي نصف مليون مقاتل لهزيمة “الانقلاب النصيري”، و”نصيري” مصطلح يقصد به إهانة العلويين. وادعت لاحقا أن “حشودا شعبية غير منظمة” قامت بـ”انتهاكات فردية”.
في 9 مارس/آذار، أعلن الرئيس الشرع عن تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث 6 مارس/آذار في غضون 30 يوما، وتعهد بإحالة المسؤولين عن الجرائم إلى القضاء. على السلطات السورية أن تضمن قدرة اللجنة على القيام بعملها بشكل مستقل ومحايد.
على إثر المداهمات الأمنية، فرّت عائلات عديدة من الساحل ولجأت إلى قرى جبلية نائية، وقاعدة حميميم الجوية الروسية قرب مدينة اللاذقية، وعبر الحدود إلى لبنان.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى طالب طب علوي عمره 22 عاما فر من مدينة بانياس سيرا على الأقدام مع عائلته بعد أن علم بمقتل أربعة من أقاربه. وجدوا مأوى في منزل على مشارف إحدى القرى.
قال: “نشعر بالجوع والبرد، ولكن تستحيل العودة إلى المدينة لأننا لا نشعر بالأمان هناك. هنا أيضا، لا توجد راحة، فكلما سمعنا صوتا نركض إلى البرية لنتوارى”. أضاف أنه اتصل بـ “الهلال الأحمر السوري” و”الخوذ البيضاء” لإخلاء المكان، لكنهم أخبروه أنهم ليس لديهم القدرة على ذلك. “قالوا لنا أن نتصل بالسلطات، لكن لا توجد طريقة للوثوق بهم. أولويتنا القصوى الآن هي البقاء أحياء واللجوء خارج هذا البلد إذا نجونا من هذا”.
راجعت هيومن رايتس ووتش فيديوهات وصورا لواقعة إعدام جماعي في قرية المختارية في ريف اللاذقية وحددت موقعه الجغرافي، حيث أحصت جثث 32 رجلا على الأقل.
قال ناشطون سوريون في المنطقة الساحلية لـ هيومن رايتس ووتش إن العلويين وغيرهم في المنطقة يعيشون في خوف بسبب الانتهاكات التي حدثت أثناء “عمليات التمشيط” منذ ديسمبر/كانون الأول فضلا عن الخسارة واسعة النطاق لسبل العيش بسبب الفصل التعسفي من الوظائف وحل قوات الجيش والأمن السابقة.
منذ ديسمبر/كانون الأول، كانت ثمة حوادث تحريض عديدة ضد المجتمعات ذات الأغلبية العلوية والشيعية، شملت تخريب أضرحة دينية علوية وتدميرها وتوزيع منشورات مناهضة للعلويين بشكل واسع. كما تم الإبلاغ عن انتهاكات في سياق “عمليات التمشيط” الأمنية، منها القتل الميداني، منذ أوائل يناير/كانون الثاني على الأقل، وقد شملت الانتهاكات القرى ذات الأغلبية العلوية في ريف حمص الغربي.
في 23 يناير/كانون الثاني، أجرت قوات الأمن عملية “تمشيط” في قرية فاحل، اعتقلت خلالها قرابة 58 رجلا، منهم عسكريون سابقون كانوا قد حَلّوا رسميا وضعهم القانوني مع السلطات الجديدة. يقول السكان إنهم اكتشفوا بعد انتهاء العملية جثثا على مشارف البلدة.
لاحقا، تأكد في ذلك اليوم مقتل 13 عسكريا سابقا، بعضهم اعتُقل في وقت سابق أثناء العملية، ومدنيَّيْن. قال مكتب إعلام حمص في تصريح لصحيفة “ذا ناشيونال” إن السلطات تعقبت المهاجمين واعتقلتهم، لكن لم يتم الكشف عن مزيد من المعلومات حول جهود المساءلة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة السورية أن تضمن فورا أن يتمكن المدنيون الذين يريدون الفرار من القيام بذلك بطرق آمنة وأن تتمكن المنظمات الإنسانية من تقديم المساعدة إلى أولئك الذين يحتمون في القرى النائية، بما يشمل الغذاء والمساعدات الطبية وخيارات النقل الآمن إلى أماكن أخرى.
يؤكد العنف في المنطقة الساحلية السورية على الحاجة الملحة إلى العدالة والمساءلة. يجب أن تشمل المساءلة عن الفظائع جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعات مثل “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا والتي تشكل الآن قوات الأمن الجديدة في سوريا، والتي لديها تاريخ موثق جيدا من الانتهاكات الحقوقية وانتهاكات القانون الدولي. تحتاج جهود العدالة إلى معالجة الانتهاكات الماضية والمستمرة، وضمان محاسبة المعتدين وتعويض الضحايا.
كما ينبغي للقيادة السورية الجديدة أن تتعاون بشكل كامل مع المراقبين المستقلين، بما يشمل “الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لسوريا” و”لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا”، وتضمن لهم الوصول دون عوائق.
في الوقت نفسه، فإن الإصلاح الكامل للقطاع الأمني، الذي يشمل قوات الجيش والأمن السورية الجديدة، أمر بالغ الأهمية. يشمل ذلك إنشاء قطاع أمني يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وضمان الرقابة المدنية، وتنفيذ عمليات تدقيق صارمة لإزاحة الأفراد المتورطين في الانتهاكات. وعلى الدول الأخرى أن تقدم المساعدة الفنية والمالية لضمان أن قوات الأمن الجديدة تحمي المدنيين وتراعي سيادة القانون. وينبغي أن يشمل هذا أيضا دعم القضاء المستقل القادر على ضمان شرعية الاحتجاز والمعاملة القانونية لجميع المعتقلين.
قال كوغل: “العدالة لا تكون حقيقية إذا كانت تُطبَّق فقط على البعض دون الآخرين. يجب أن تمتد المساءلة إلى جميع منتهكي حقوق الإنسان، بغض النظر عن انتماءاتهم السابقة أو الحالية. وبدون ذلك، سيظل السلام والاستقرار الدائمان في سوريا بعيدَيْ المنال”.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=64654