(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و”الاتحاد الأوروبي”، وبشكل عاجل، تجديد الإعفاءات الإنسانية التي أدخلتها على أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا نتيجة الزلازل في فبراير/شباط 2023 لتسهيل الإغاثة للشعب السوري بفاعلية أكبر.
أصدرت هيومن رايتس ووتش وثيقة أسئلة وأجوبة تبحث في آثار العقوبات الموسعة على العمليات الإنسانية في سوريا، وتأثيرها كذلك على الحقوق الاقتصادية للسوريين. الإعفاءات، التي امتدت ستة أشهر، ستنتهي في أغسطس/آب. ينبغي للكيانات التي تفرض العقوبات تمديد تلك الإعفاءات من دون قيود، وجعلها متسقة في مختلف أنظمة العقوبات، وإجراءات مكافحة الإرهاب، وضوابط التصدير.
قال آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “فرضت الدول هذه العقوبات على الحكومة السورية نتيجةَ العنف المهول الذي مارسته الأخيرة ضد شعبها، ولكن ينبغي ضمان عدم تأثير تلك العقوبات سلبا على حقوق السوريين، بما في ذلك إعاقة المساعدات الإنسانية الحيوية لهم. سيساهم التمديد العاجل للإعفاءات التي صدرت بعد زلازل فبراير/شباط في ضمان عدم معاناة الفئات الضعيفة في سوريا بدون داعٍ”.
تعتمد غالبية السوريين على المساعدات نتيجةً للزلزال وكذلك بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد. كان السوريون يواجهون أزمة إنسانية حادة حتى قبل الزلازل المُهلكة، إذ إن 90% منهم تحت خط الفقر. لا يستطيع قرابة 12 مليون سوري من أصل 16 مليونا من السكان المتبقين إيجاد الغذاء الجيد أو تحمّل كلفته، ويحتاج قرابة 15 مليون سوري إلى مساعدات إنسانية.
بينما يبقى التمييز من قبل الحكومة السورية أكبر عقبة أمام التسليم العادل للمساعدات الإنسانية إلى أجزاء كثيرة من سوريا، فرضت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي وغيرها عقوبات معقدة وواسعة على الحكومة السورية والمسؤولين والكيانات ذات الصلة ساهمت بدورها في مفاقمة الوضع، وجاءت ردا على تفشي جرائم الحرب وباقي الانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي ترتكبها الحكومة منذ العام 2011. كما تخضع “هيئة تحرير الشام”، وهي جماعة مسلحة منظمة تسيطر على السكان المدنيين ذوي الاحتياجات الإنسانية الشديدة في شمال غرب سوريا، لعقوبات مكافحة الإرهاب أيضا، وكذلك باقي الجماعات المسلحة الأخرى الناشطة في سوريا.
تشرح وثيقة الأسئلة والأجوبة كيف، ولماذا، وإلى أي مدى يمكن للعقوبات الإضرار بحقوق السكان بدون قصد، بما في ذلك عبر إعاقة العمليات الإنسانية، رغم الإعفاءات والاستثناءات المصممة لضمان العكس. تستند الوثيقة إلى مقابلات مع موظفي إغاثة ومراجعة شاملة للإعفاءات الإنسانية من أنظمة العقوبات وإجراءات مكافحة الإرهاب المعمول بها. قد تحمل العقوبات الواسعة التأثير عواقب سلبية على حقوق السكان، بما في ذلك من خلال عرقلة وصول منظمات الإغاثة إلى السلع الأساسية. كما أنها قد تدفع البنوك إلى التردد بشأن تحويل الأموال إلى البلدان أو المنظمات الخاضعة للعقوبات الموجودة هناك، وتؤدي إلى فرض قيود على السفر وعقبات بيروقراطية أخرى على منظمات الإغاثة والعاملين فيها. بينما تختلف إجراءات مكافحة الإرهاب التي تنطبق على سوريا عن العقوبات المطبقة على الأنظمة السياسية من حيث أهدافها وغاياتها، فهي غالبا ما تفرض مشاكل مماثلة على العمليات الإنسانية.
رغم إدراج الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، ودول أخرى إعفاءات إنسانية ضمن أنظمة العقوبات الخاصة بها على سوريا، تختلف تلك الإعفاءات من دولة إلى أخرى، وهي متجزأة بطبيعتها ولها قيود، وضوابط، وإجراءات امتثال منفصلة. يجعل هذا الواقع التعامل مع العقوبات والامتثال لها صعبا على البنوك، والمصدِّرين، والجهات الفاعلة الإنسانية، ويكلّف هذه الأطراف الكثير من المال والوقت.
في أعقاب زلازل 6 فبراير/شباط، حيث عانت وكالات الأمم المتحدة ومجموعات الإغاثة لتوسيع نطاق استجابتها للطوارئ بسرعة وفعالية، أصدرت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة إعفاءات إنسانية لستة أشهر لتسهيل الاستجابة للزلازل رغم مزاعم مسؤولي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومناصري العقوبات أن أطر عقوباتهم لا تعيق فعليا العمليات الإنسانية.
في حين قال العاملون في المجال الإنساني إنهم يرحبون بهذه الاستثناءات، قال البعض إنها أقصر من أن توفر حوافز للكيانات الخاصة والمؤسسات المالية للانخراط في سوريا. حتى 23 فبراير/شباط، عندما عدّل الاتحاد الأوروبي الإجراءات لتسهيل التسليم السريع للمساعدات الإنسانية لمدة ستة أشهر استجابةً للزلازل، كان الحصول على إذن مسبق من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والذي يستغرق شهورا، ضروريا لجميع الأنشطة تقريبا. قال عاملون آخرون في المجال الإنساني إن الإعفاءات من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على وجه الخصوص ضيقة للغاية لأنها مخصصة فقط للإغاثة من الزلازل وليس للظروف الإنسانية الأوسع.
لم تُطبّق استثناءات مماثلة على إجراءات مكافحة الإرهاب، والتي تظهر آثارها بشدة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا، حيث تسيطر هيئة تحرير الشام على منطقة تضم عددا كبيرا من السكان المدنيين ولديها احتياجات إنسانية ضخمة.
تسببت الزلازل المُهلكة في فبراير/شباط في أضرار جسيمة وشرّدت الكثيرين بدون طعام أو مياه أو خدمات أساسية ملائمة، مثل الرعاية الصحية والتعليم. وفقا لـ”مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية“، توفي في شمال سوريا أكثر من 5,900 شخص، وأصيب أكثر من 11,200 شخص، ودُمر 2,260 مبنى، ونزحت 97,400 أسرة. وقدرت أن 8.8 مليون شخص في كل من مناطق سيطرة الحكومة ومناطق سيطرة المعارضة هم الأكثر تضررا. رغم أن المدى الكامل للاحتياجات الإنسانية الناتجة عن الزلازل ما يزال قيد التقييم، من الواضح أن الزلازل ما كانت إلا إضافة إلى المشاكل الإنسانية الكبيرة التي يواجهها السوريون أصلا، بما فيها النزاع المستمر، والنزوح، والصعوبات الاقتصادية.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه بينما يشكّل الاستثناء الإنساني التاريخي للأمم المتحدة، والذي يعترف رسميا بالتأثير السلبي غير المقصود للعقوبات وتدابير مكافحة الإرهاب على العمل الإنساني، خطوة في الاتجاه الصحيح، فهو غير كافٍ طالما أن الدول والكيانات الأخرى التي تفرض عقوبات لا تتبنى بدورها مثل هذا الإجراء. تبنى مجلس الأمن، بمبادرة من إيرلندا، خطة إنسانية شاملة تحمل استثنائات لتدابير تجميد الأصول التي فرضتها جميع أنظمة عقوبات الأمم المتحدة، بما في ذلك تدابير مكافحة الإرهاب، في ديسمبر/كانون الأول 2022، في أمر حظي بدعم الولايات المتحدة.
ثمة وعي متزايد من جانب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالحاجة إلى ضمان تخفيف التداعيات الإنسانية لأنظمة العقوبات قدر الإمكان. في مواجهة الكارثة الإنسانية في أعقاب استعادة طالبان السيطرة على أفغانستان، تبنى مجلس الأمن الدولي استثناءات إنسانية للعقوبات ضد أفغانستان في ديسمبر/كانون الأول 2021.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الدول التي تفرض عقوبات ينبغي لها تنفيذ إصلاحات رئيسية عدة. على وجه السرعة، ينبغي للدول والهيئات التي تفرض عقوبات مثل الاتحاد الأوروبي أن تمدد بشكل دائم الإعفاءات الإنسانية التي تم تقديمها مؤخرا. كما عليها الاتفاق على استثناءات إنسانية واسعة ومتسقة في جميع أنظمة العقوبات، وإجراءات مكافحة الإرهاب، وضوابط التصدير.
ينبغي أن تغطي الإعفاءات المنظمات غير الحكومية وكذلك وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، ويجب ألا تكون محددة زمنيا أو تقتصر على الاستجابة للزلازل، ولكن ينبغي أن تغطي جميع الأنشطة اللازمة لجهود الإغاثة في جميع أنحاء سوريا بما في ذلك إصلاح أو إعادة تأهيل البنية التحتية المدنية المتضررة في سنوات ما قبل الزلازل. على الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة أيضا أن توضح للمؤسسات المالية والكيانات الخاصة أنها تُعاقَب لدعم جهود الإغاثة والتعافي، وعليها تشجيع القطاع الخاص على تسريع المعاملات المتعلقة بالأنشطة الإنسانية.
قال كوغل: “لا تؤدي العقوبات الفضفاضة والإعفاءات الإنسانية غير الفعالة إلا إلى مفاقمة معاناة الشعب السوري وتعميق الأزمة الإنسانية المستمرة في البلاد. على المجتمع الدولي إعطاء الأولوية لحقوق الشعب السوري من خلال اتخاذ خطوات ملموسة لتسهيل المساعدة الأساسية”.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=26597