أحمد زرداشت… شاعر وأديب يخلد أحداثاً في خضم الثورة
حاورته/ سلافا أحمد
أحمد زرادشت شاعر، وأديب كردي من مدينة المقاومة كوباني، ولد عام 1985 في مدينة حلب، نشأ وكبر فيها، وتلقى تعليمه في مدارسها، دفعه حب المطالعة للقراءة بنهم، له عدة إصدارات ومقالات، وأبحاث في الصحف والمجلات، ومن أبزر ما كتبه مجموعة قصص عن بطولات المقاومة والمقاتلين، الذين استشهدوا أو الشهداء الأحياء، وهم الذين فقدوا أعضاء من أجسادهم، والذين أصيبوا خلال المقاومة وما زالوا بيننا.
ولمعرفة تفاصيل أكثر حول الكاتب والشاعر الكردي أحمد زرادشت، أجرت صحيفة روناهي حوارا خاصاً معه، وفيما يلي نص الحوار:
ـ ما السر وراء حبك لكتابة القصص والقصائد عن الواقع المعاش؟
القصة الأولى، التي قرأتها كانت “ملحمة مم وزين” كانت تلك الساعات، التي نقضيها في القراءة متعتنا الحقيقية أنا وإخوتي، بعدها قرأت الكثير، ولكن لم أتأثر بأي منها ذاك التأثير القوي.
في إحدى المرات، التي كنت ماراً فيها من ساحة سعد الله الجابري في مدينة حلب، لمحت كتاباً أصفر، صغير الحجم قديم على الرصيف، الذي عرضت فيه مجموعة من الكتب لبائع متجول، وقد جذبني عنوانه (طفولتي)، أخذته وكأنه قطعة من التاريخ بين يدي، بدأت قراءته سطرا سطراً، كان عليّ أن أضعه من يدي بسرعة، قبل أن يمنعني البائع عن قراءته، فما زلت أذكر تلك القشعريرة، التي هزت جسدي النحيل بقوة وأنا أقرأ تلك الأسطر الباهتة، سألت البائع عن الرواية واسم الكاتب، فقال: إنه مكسيم غوركي أحد الكتّاب الروس، وانتزع الكتاب من يدي، ومرة بعد مرة أعود لهذا المكان؛ كي أقرأ تلك الرواية، حتى أنهيت قراءتها على الرصيف ذاك عند البائع، وعلى ما يبدو لم يكن متضايقاً مني كثيراً.
تأثرت بمحمود درويش كثيراً، ولكن ليس كالكتّاب الروس الذين أبدعوا في وصف الذات الإنسانية، والألم والمعاناة.
لم تكن الحياة في حلب سهلة أبداً، خاصة لأني كنت كردياً وأعيش في مناطق ذات غالبية من قوميات أخرى، ولكن أظن أن الكردي قادر على التأقلم في أية بيئة كانت، ويستطيع في الوقت نفسه الحفاظ على طابعه، ولغته وثقافته، ولكن لكل شيء ثمن، أذكر حادثة في الصف التاسع عندما طردت من المدرسة، عندما سألني أحد الأصدقاء كيف ينطق الرقم ثلاثة باللغة الكردية، فأجبته: Sê وما أن سمعت المعلمة هذه الكلمة، حتى جن جنونها، ثم أنها خرجت من الفصل وعادت مع الموجه، الذي كان من الساحل، أخذني إلى غرفة الإدارة وضربني صارخاً (كيف تنطق بكلمات أجنبية في الفصل أمام معلمتك) وتم فصلي لمدة 15 يوماً، عندها عرفت معنى أن تكون كردياً في مدارس النظام، لا يهم سواء أكنت مجتهداً أم لا.
مثل هذه الحادثة وسواها ستدفعك لا محاله إلى الكتابة عن الواقع.
ـ ما الدافع الذي دفعك للكتابة؟
بعد نشوب الأزمة السورية في عموم الساحة السورية ووصولها إلى مدينة حلب، عدت إلى مسقط رأسي، لأبدأ حياة أخرى في هذه الرقعة البسيطة، عملت كمترجم لفترة وجيزة، وللأوضاع الاقتصادية السيئة في سوريا نتيجة الأزمة، أجبرت على الخروج من سوريا، قاصدا تركيا.
في الغربة لا يمكن للقلم أن يظل صامتا فترة طويلة لذلك بدأت الكتابة والقراءة، ولكن لم أبتعد عن الأدب الروسي الذي عشقته منذ صغري.
في تركيا، مرة أخرى كنت تحت سلطة لا تعترف بالكرد، وكل ما هو كردي عليه أن يخضع للرقابة الأمنية؛ لذا كان علينا أن نتوارى عن الأعين، ولم أفلح في ذلك فألقي القبض علي في أورفا، عندما كنت أرافق زوجتي إلى المشفى، وبقيت في السجن في أورفا وعينتاب، كان أغلب السجناء الكرد متهمين بتهم باطلة، ومقاتلين من حزب العمال الكردستاني، ومقاتلين من وحدات حماية الشعبYPG ، الذين تم القبض عليهم في الأراضي التركية أو خارجها، فيما كان يحتوي المعتقل الذي كنا فيه عناصر لمرتزقة داعش الإرهابي، وكانوا “المدليين” في سجون الفاشية التركية.
لقد بقيت لفترة زمنية جيدة في السجون الفاشية، وفيها مرة أخرى عدت للقراءة، رغم إننا لم نكن نملك الكثير من الكتب عدا الدينية منها، وسرعان ما أنهيت قراءتها كلها، ولكن كان كل ما بداخلي يُقتل عدا بصيص الأمل، الذي كان يرفع من همتي كلما تعبت.
الضرب في تلك السجون أمر طبيعي، وإن قال أحدٌ غير ذلك فلا يمت للحقيقية بصلة، فقد سمعت البعض يقول، إن الضرب والتعذيب في السجون التركية “ممنوع” هذا الأمر الذي كان يثير في الضحك، والحقد في آن واحد.
في السجن تصبح كاتباً رغماً عنك، فالظلم والضرب يخلق في خوالجك كلمات لم تكن تعرفها أصلا، ولكن لم نكن نملك أي أوراق أو أقلام، لأن الكتابة ممنوعة، فكان علي أن أحفظ ما يجول في خاطري، أذكر بداية قصيدة الموت، التي أضفتها إلى مجموعة عراب الموت.
“إنْ متَ يا صديقي
فَمُت بصمتٍ
كأنينٍ للناي وهو يخاطبُ
وتراً وحيداً في الكمنجة
كأنَّكَ تَموتُ لأولِ مرةٍ
في الحبِّ
أو كآخرِ مرةٍ
في الحربِ”
وبعد فترة وقعّت على أوراق ترحيلي إلى سوريا، ورجعت إلى مدينتي كوباني التي كانت قد تحررت وتعافت من هجمات مرتزقة داعش، مكثت وقتها عند بعض الأقارب إلى حين أن وصلت عائلتي إلى كوباني.
بعد وصول عائلتي بدأت مسيرتي المهنية، والثقافية في كوباني، وقد انضممت إلى اتحاد مثقفي كوباني، وعملت في قسم الأرشيف، والمشاركة في الفعاليات والنشاطات الثقافة.
ـ لك رواية باسم “حكاية الأمل” عن المقاومة وأبطالها، ماذا كانت رسالتك عبر هذه الرواية؟
عدت إلى الكتابة بعد استقراري في كوباني، ونشرت دار شلير أول عمل لي، والذي كان عبارة عن “مجموعة قصصية” عن مقاتلي قسد في تصديهم لداعش، ونشرت عدة مقالات في بعض المجلات والصحف.
أعمل الآن على كتابي “عراب الموت” التي طالما رغبت في نشره؛ لأنه يحمل ذكرى عزيزة عليّ، وقد بدأت بكتابته عام 2010 ليكون أول مجموعة شعرية، ولم أقم بنشرها لأسباب عديدة.
أما رواية “حكاية الأمل” فهي تحمل قصصاً وحكايات من تاريخ المقاومة في مناطق شمال وشرق سوريا، كتبت على لسان جرحى الحرب، ممن فقدو أجزاء من أجسادهم في سبيل تحقيق الحرية والأمان لمناطقهم، وخاضوا عدة معارك وفي أماكنة مختلفة، ووثقوا أحداثها ويومياتها، وبتفاصيلها الدقيقة المشوقة، لتدخل في الحدث، وتنتقل معهم من خلال المكان والزمان، في استعراض لمجريات ووقائع عاشها أبطالها لحظة بلحظة.