الخميس, مارس 6, 2025

أردوغان في قبضة ترامب هل يواجه مصير زيلينسكي أم يراوغ بذكاء؟

د. محمود عباس

لا يمكن استبعاد احتمال أن يجد رجب طيب أردوغان نفسه يومًا ما في البيت الأبيض، ليس كحليف استراتيجي، بل كرئيس دولة تُفرض عليها الشروط كما حدث مع فلاديمير زيلينسكي. فعالم السياسة لا يحكمه المنطق الظاهري فحسب، بل تتشابك فيه المصالح والقوة والابتزاز بأدوات أكثر تعقيدًا مما يظهر على السطح.

إذا استمر أردوغان في تحدي المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وسوريا، وواصل دعم الجماعات المتطرفة ومحاولة توسيع نفوذه عبر الحكومة السورية الانتقالية، في ظل شبه انعدام فرص إعادة العلاقات مع روسيا بعد أن استغل ضعفها في سوريا والمنطقة ونقض تعهداته معها، وكذلك مع إيران، واستمر في محاولاته لإخراج أمريكا من سوريا عبر استهداف قوات قسد، كل ذلك بينما يقف على أعتاب عزلة دولية متزايدة، فقد لا يكون بعيدًا عن مواجهة نفس السيناريو الذي عاشه زيلينسكي.

في هذه الحالة، لن يُعامل كطرف شريك في المفاوضات، بل ككيان يُعاد تشكيل حدوده السياسية وفق ما تقتضيه المصالح الكبرى، حيث تصبح تركيا ورقة قابلة للمساومة في إطار التوازنات الدولية، بدلًا من أن تكون قوة مستقلة تفرض أجندتها.

لكن، هل يمكن القول بأن أردوغان سيقع بنفس السهولة التي وقع بها زيلينسكي؟ الواقع أكثر تعقيدًا، فالسياسة ليست مجرد ردود أفعال متوقعة، بل هي مجال تحكمه الإرادة والقدرة على المناورة، صحيح أن زيلينسكي اعتمد بالكامل على المساعدات الأمريكية للبقاء في وجه روسيا، لكنه لم يكن يملك أوراق ضغط حقيقية على واشنطن، بينما تركيا، رغم تناقضاتها، تمتلك من النفوذ ما يجعلها لاعبًا يصعب تجاوزه بسهولة، تركيا كيان استراتيجي محوري في الجغرافيا السياسية للعالم الحديث، بموقعها بين الشرق والغرب، وتحكمها بمفاصل جيوسياسية تجعل منها عنصرًا فاعلًا لا يمكن استبعاده أو الضغط عليه كما حدث مع أوكرانيا.

رغم ذلك، فإن القوة لا تُقاس فقط بالموقع الجغرافي أو بالقدرة العسكرية، بل بمدى التماسك الداخلي والاقتصادي والاستقلال السياسي، وهنا نجد أن تركيا، رغم قوتها الظاهرة، ليست بمنأى عن الهشاشة التي قد تجعلها عرضة للضغوط الأمريكية، فبينما كان يتمسك أردوغان سابقا بسياسة اللعب على التناقضات بين واشنطن وموسكو، فإن تغير موازين القوى الدولية بدأ يقلب الطاولة عليه، خصوصًا مع التقارب الأمريكي الروسي، أو بالأحرى تقارب ترامب وبوتين، الذي قد يُعيد رسم حدود النفوذ بشكل يُضعف قدرة أنقرة على المناورة، مما يضع أردوغان في موقف مشابه لذلك الذي واجهه زيلينسكي، ولكن مع تبعات أكثر خطورة.

فالأمم، كما وصفها كبار الفلاسفة السياسيين، ليست مجرد كتل جغرافية، بل هي كيانات تحكمها المصالح العميقة والتاريخ المتغير، وكلما افتقدت الدولة إلى بوصلة استراتيجية واضحة، كلما باتت أكثر عرضة للضغوط الخارجية.

وهنا يبرز السؤال الجوهري:

هل يستطيع أردوغان الاستمرار في هذه المناورة دون أن تنقلب عليه قواعد اللعبة؟ السياسة ليست مجرد سلسلة من الأفعال وردود الأفعال، بل هي بناء استراتيجي طويل الأمد، وأي رئيس يخطئ في قراءة التحولات الكبرى يجد نفسه معزولًا في لحظة غير متوقعة.

في الواقع، تركيا رغم قوتها لا تستطيع تحمل صدام مفتوح مع الولايات المتحدة، لأن اقتصادها مرتبط بالنظام المالي الغربي، كما أن جيشها، رغم استقلاليته النسبية، لا يزال يعتمد على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية والأوروبية، ولذلك، فإن قدرة أردوغان على المناورة أصبح في تراجع كبير، وأي مواجهة مباشرة مع واشنطن ستؤدي إلى عواقب وخيمة على استقرار تركيا واقتصادها وربما جغرافيتها الجيوسياسية.

المعادلة ليست لصالح أردوغان، بل ضده:

  • تركيا أقوى من أوكرانيا، وأردوغان أكثر حنكة سياسية من زيلينسكي، لكنه ليس بمنأى عن الضغوط الأمريكية.
  • تركيا تحتاج إلى أمريكا خاصة بعد خروجها من الحلف الروسي الإيراني، مما يجعل العلاقة مماثلة إلى حد ما لحالة أوكرانيا، التي تعتمد بالكامل على الدعم الأمريكي.
  • إذا واصل أردوغان تحدي المصالح الأمريكية في سوريا والشرق الأوسط، فقد يجد نفسه مضطرًا لقبول إملاءات واشنطن، تمامًا كما فُرضت على زيلينسكي، ولكن بأسلوب مختلف وأكثر تحفظًا.

يبقى السؤال: هل يستطيع أردوغان تجاوز هذا الفخ بحنكته السياسية، أم أن قوة المصالح الدولية ستجبره على الخضوع؟

السياسة، هي فن الممكن، لكنها أيضًا لعبة التوازنات الدقيقة، حيث يكون البقاء للأذكى، لا للأقوى فحسب، فأردوغان، رغم حنكته السياسية، لا يستطيع تغيير حقيقة أن العالم لا يُدار فقط بالقوة، وليس بالانجرار خلف مصالح أنية بسيطة مقارنة بالتحالفات الدولية الإستراتيجية، بل بمن يملك مفاتيح المصالح الكبرى. فعلى سبيل المثال، تخليه عن العلاقة الاستراتيجية العميقة مع روسيا مقابل مكاسب آنية في سوريا، جعله يسقط في خلاف لن يغفره له الاستراتيجيون الروس، حيث لن تُنسى خيانته بسهولة في الأروقة السياسية لموسكو، وهذا تحديدًا ما ستستغله إدارة ترامب في تعاملها مع أردوغان، حيث سيتم التعامل معه كرجل يبيع حلفاءه عند أول فرصة، ولا يمكن الوثوق به في شراكة طويلة الأمد.

  والسؤال الذي يبقى مفتوحًا هو: هل يدرك أردوغان متى يتوقف قبل أن يصبح هو نفسه ورقة تُلعب بها الدول الكبرى؟

الولايات المتحدة الأمريكية

1/3/2025م

شارك هذه المقالة على المنصات التالية