أرض الزيتون المسروقة: كيف تحولت معاناة المزارعين في عفرين إلى واقعٍ مرير

كورد أونلاين | ,

بيان:

تُعتبر منطقة عفرين إحدى أبرز مناطق زراعة أشجار الزيتون في سوريا، حيث تحتوي على حوالي 18 مليون شجرة زيتون. تشتهر هذه الأشجار بقدرتها على إنتاج زيت الزيتون عالي الجودة، تعكس هذه الزراعة التقليدية ليس فقط الهوية الثقافية لسكان عفرين، بل أيضًا أهمية الزيتون كمحور اقتصادي رئيسي في حياة المجتمع المحلي.بعد اندلاع النزاع السوري تأثرت زراعة أشجار الزيتون بشكل كبير وتراجع مردودها الاقتصادي. مع حلول العام 2018 و إطلاق تركيا لحملتها العسكرية “غصن الزيتون” واحتلال عفرين مع الفصائل والميلشيات السورية و الجهادية، تعرضت هذه الزراعة الى شتى أنواع السرقة والاستغلال من قبل هذه المجموعات شملت القطع و التحطيب و عمليات تحويلها الى الفحم التجاري بالإضافة الى وضع اليد على أملاك السكان الكرد وأراضيهم النازحين قسراً.

تعمدت الفصائل الموالية لأنقرة التنكيل بأهالي عفرين الرافضين لسياسات التهجير من خلال اعتقال أبنائهم وبيع عقاراتهم ومنازلهم بالقوة، وفرض إتاوات مجحفة، وضرب المصدر الرئيسي لدخلهم “انتاج زيت الزيتون”.

ذاق المزارعون في عفرين معاناة مريرة تجلت في كل غصن وكل ثمرة.

مع بداية كل موسم لقطاف الزيتون، تتجهز الفصائل المسلحة الموالية لتركيا لتضيف عبئًا جديدًا على كاهل المزارعين، وتشاركهم في أرزاقهم وتستولي عليها.

ضرائب تثقل كاهل المزارعين

تتزايد الأعباء المالية على المزارعين، الذين بالكاد يستطيعون تغطية تكاليف زراعتهم. المزارع الذي قضى سنوات في رعاية أشجاره، يجد نفسه مضطرًا لدفع مبالغ قد تساوي ثمن المحصول نفسه، مما يهدد استمرارية عمله ويزيد من معاناته.

العم إبراهيم، وهو اسم مستعار لمزارع من عفرين يبلغ من العمر 65 عامًا، يقول: “أجبرني مكتب أمني تابع لفصيل العمشات على استخراج ورقة ضريبية بقيمة 2000 دولار أمريكي. ويضيف: “أشجار الزيتون تثمر كل عامين مرة واحدة فقط، وهذا العام لم تثمر أشجاري. ورغم ذلك، اضطررت لدفع المبلغ خوفًا من أن يقوم الفصيل بإلحاق الضرر بي أو بأحد أبنائي، أو أن يستولي على أرضي. فمن يمتنع عن دفع الضريبة المفروضة علينا، إما أن يخسر أرضه أو أحد أفراد عائلته.”

يقول العم إبراهيم “أجد نفسي مضطرًا لدفع أموال لا أملكها. أشعر أنني أُجبر على التخلي عن إرثي”

تختلف الضرائب من حيث المبالغ ونوع الضريبة وفقًا للفصيل المسيطر على المنطقة، فلكل فصيل ضريبة مختلفة عن الاخر

القوة المشتركة

فصيل العمشات

يفرض ضريبة قدرها 8 دولارات أمريكية على كل شجرة زيتون في المناطق التي يسيطر عليها. أما بالنسبة لأراضي الوكالات، فقد قام الفصيل بفرض نسبة 30% من المحصول لصالحه على كل من يملك أحد أقاربه من الدرجة الأولى. كما فرض الفصيل نفس النسبة على أراضي الوراثة (أي الأراضي التي يملكها شخص بالوراثة ولم يُفرغها رسميًا على اسمه).

فرقة الحمزات

يفرض ضريبة قدرها 2 دولار أمريكي على كل شجرة زيتون مثمرة، و1 دولار أمريكي على كل شجرة غير مثمرة. بالإضافة إلى ذلك، يفرض الفصيل على الأهالي قبل بدء المحصول دفع رسوم عن طريق مكاتبه الاقتصادية أو مخاتير القرى، حيث يُطلب منهم تسجيل ممتلكاتهم في المكاتب الاقتصادية التابعة للفصيل المنتشرة في مقراته بالقرى. وقد تتراوح تكلفة تحضير الأوراق بين 50 و100 دولار أمريكي تحت مسمى “إكرامية الموسم”.

كما قام الفصيل بفرض غرامات على من يمتلك أوراق وكالة للمهجرين خارج عفرين (وهي أوراق توكيل يتم إعدادها بواسطة محامين في مناطق سيطرة الدولة لتفويض أقاربهم في عفرين للتصرف في ممتلكاتهم). تتراوح الغرامة بين 200 و400 دولار أمريكي، بالإضافة إلى الضريبة المحددة مسبقًا.

أحرار الشرقية

تفرض ضريبة قدرها 2 دولار أمريكي على كل شجرة زيتون في المناطق التي يسيطر عليها.

فرقة السلطان مراد

تتفاوت الضريبة التي تفرضها الفرقة من 2 دولار أمريكي إلى 8 دولارات، بالإضافة إلى استيلائها على جميع أراضي الوكالات التي تقع تحت سيطرتها.

فصيل المنتصر بالله

يفرض ضريبة 15 % من محصول الأراضي واستولى على جميع اراضي الوكالات التي تقع تحت سيطرته

احتكار البيع والتلاعب بالسعر

لم يتوقف الأمر على مقاسمة أبناء المنطقة مصدر رزقهم، بل وصل الأمر إلى إجبار الفلاحين على بيع ما تبقى لهم من محصولهم من الزيت إلى شركات تركية تتبع لهم ظاهريًا وبالأسعار التي يفرضونها.

تفرض الفصائل المسيطرة على عفرين رقابة مشددة على صناعة زيت الزيتون من خلال تعيين مسؤول أمني في كل معصرة. هذا المسؤول يراقب المحاصيل ويضمن فرض نسبة على أصحاب المعاصر تصل إلى 7% على محصول كل أرض يتم عصره.

علاوة على ذلك، تفرض هذه الفصائل قيودًا صارمة على بيع الزيت، حيث تمنع الأهالي من بيعه إلا إلى تجار في عفرين وتمنع تصدير الزيت إلا من خلال شركة الريحانية التي تحتكر تصدير الزيت من عفرين إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، حيث تملك الشركة فروعًا في تركيا وألمانيا.

هذه الشركة، التي يديرها أشخاص مقربون من تركيا، تستغل احتكارها للسوق لتحديد الأسعار بما يتناسب مع مصالحها. نتيجة لذلك، تنخفض أسعار الزيت في السوق، فقامت بخفض سعر تنكة الزيت، حيث كان سعر تنكة الزيت يتراوح من 86 إلى 100 دولار حسب النوعية، أما هذا العام فالسعر يتراوح من 35 دولارًا إلى 60 دولارًا.”

سرقة المحاصيل من الأشجار

يواجه المزارعون أزمة حقيقية نتيجة سرقة الزيتون من أراضيهم من قبل عناصر الفصائل المسلحة. هذه الممارسات غير القانونية أصبحت شائعة، حيث يقومون بجني المحاصيل التي تعب المزارعون في زراعتها ورعايتها على مدار العام. ومع دخول موسم حصاد الزيتون، تزداد هذه السرقات، مما يترك المزارعين في حالة من الإحباط واليأس.

رغم محاولات المزارعين المستمرة لتقديم شكاوى إلى المكاتب الأمنية التابعة للفصائل، إلا أن هذه الشكاوى غالبًا لا تلقى أي استجابة أو تحقيق جدي.

حنان، وهو شاب من قرية خلنير، تعرضت أرضه لسرقة المحاصيل من الأشجار. يقول: “قاموا بسرقة محصول 50 شجرة من أرضي في وضح النهار وأمام أعين فصيل أحرار الشرقية الذي يمتلك حاجزًا في المنطقة، دون أن يتعرضوا لهم. وعندما ذهبت إلى المكتب الأمني التابع لنفس الفصيل، قاموا بإرسال دورية، ولكنها لم تتعرض لهم.”

اما بالنسبة لسرقة ثمار الزيتون، قامت جماعة تتبع للمدعو “أبو زيد شرقية” ، المسيطر على حي المحمودية التحتاني بمدينة عفرين، التابع لفصيل “أحرار الشرقية”، صباح يوم الخميس 31 أكتوبر، بسرقة ثمار الزيتون من حوالي 125 شجرة. وتقع حقول الزيتون المسروقة خلف “المشفى العسكري”، قرب المدخل الشمالي الغربي لمدينة عفرين.”

تجارة الحطب وقطع الأشجار

تقوم الفصائل بقطع الأشجار بشكل منهجي، لأهداف متعددة، منها عمليات التهجير القسري التي تقوم بها ودفع المتبقين من الكرد الى ترك أراضيهم، وأيضًا للمتاجرة والكسب غير المشروع، مستغلين غياب المحاسبة لتحقيق أرباح من أشجار سكان المنطقة الأصليين. يتم بيع هذه الأشجار كأطنان من الخشب إلى التجار الذين بدورهم يقومون ببيعها في أسواق إدلب.

كما أن قطع الأشجار الحراجية بات منظراً مألوفاً في عفرين، والهدف منه بناء المساكن العشوائية مكان الأشجار المقطوعة. تمامًا كما حصل في الأحراج بنواحي جنديرس وشران وراجو، إضافة إلى مركز عفرين، حيث بنيت المساكن في حرج المحمودية المطل على المدينة بعد اقتلاع أشجاره.

علاوة على ذلك، تقوم الفصائل الموالية لأنقرة بإحراق بساتين الزيتون في عفرين، مما يؤدي إلى تحويل الأشجار إلى فحم. هذا الإجراء ليس مجرد اعتداء على الطبيعة، بل يهدف أيضًا إلى تحقيق أرباح من خلال بيع الفحم الناتج عن عمليات الحرق. هذه الممارسات تضر بالبيئة وتؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي، حيث يتم تدمير مصدر رزق العديد من العائلات التي تعتمد على زراعة الزيتون كمصدر دخل رئيسي.

تعتبر انتهاكات الفصائل المسلحة في عفرين ضد مزارعي الزيتون مثالًا صارخًا على المعاناة التي يواجهها الأهالي في ظل غياب المحاسبة وجزءً من سلسلة من الانتهاكات المستمرة بهدف تغيير هوية المنطقة . فالممارسات الجائرة، مثل سرقة المحاصيل وفرض الغرامات وقطع الأشجار، حولت أشجار الزيتون من نعمة إلى نقمة على أهالي عفرين.

مبادرة دفاع الحقوقية

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز