الادب الكردي 2 – 10 – شكري شيخاني
من روائع القصص والملاحم الأدبية العالمية
توجد في التاريخ الادبي الكردي ملحمة مم وزين والتي حازت على إعجاب الملايين
أتمنى أن تستمتعوا معي بقراءة هذه الملحمة ولو على فترات…أتمنى لكم متعة القراءة والفائدة..لما فيها من تضحية ومحبة وأشواق جارفة وراقية بإطار الحب العذري
(مم وزين) ملحمه من روائع الادب الكردي
صاغ أحداث هذه القصة شعراً، شاعر كردي كبير هو احمد خاني المتوفى عام 1706م، وهو واحد من علماء الأكراد الذين برعوا في علوم الفقه والفلسفة والتصوف والأدب. وكان من آثاره “ديوان شعر” باللغة الكردية دوَّن فيه أحداث هذه القصة. وقام بترجمة هذه الملحمة إلي العربية العلامة الكردي الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، حيث قدم إلى القارئ هذه الفاجعة التاريخية “مم و زين”، بعد أن كساها بُرداً من لغة السحر والبيان.. لغة البيان الإلهي المعجز.. وبعد أن انفق في كتابتها من الدموع، قدر الذي استهلكته من المداد. فمن هو احمد خاني مبدع هذه الملحمة ، وماقصة (مم وزين) التراجيدية؟
الشاعر الخالد أحمد خاني تتألف القصة من 25 فصلاً في 184 صفحة من القطع الصغير. وأول ما تلامس أعيننا لدى تصفحنا هذه القصة، كلمة الإهداء التي كتبها البوطي ووجها إلى: (كل قلب كتب عليه أن يتجرع الحب علقماً ولا يذوقه رحيقاً، وأن يحترق في ناره ولا يقطف مرة من ثماره ـ أقدم هذه القصة عسى أن يجد فيها برداً من العزاء والسلوى).
إن قصة (مم وزين)، تعد أعظم مأساة عاطفية في تاريخ الأدب الكردي، وهي واقعية من أول فصل إلى آخر فصل، ليس للخيال فيها شأن سوى إحياء ما أهمله التاريخ أو تساقط منه عند نقلها مما لا يقوى وحده على ضبطه وتصويره، اتخذت مستقرها في قلب هذه الأمة، وفي أجمل بقعة من بقاعها تترجم كصورة حياتها، وتكشف عن مقدار ما أفاض الله في نفسها من عزة وشهامة، ووفاء ومراس وقوة، إلى جانب ما أودع فيها أيضاً من رقة عذبة متناهية، وعاطفة غريبة ملتهبة.
الجزيرة الخضراء
حدثت هذه القصة في حدود عام 1393م في جزيرة (بوطان) المعروفة اليوم باسم (جزيرة ابن عمر)، تلك الجزيرة التي تقع على شاطئ نهر دجلة، وتمتد في اتساع شاسع بين الهضاب والتلال الخضر الواقعة في شمالي العراق.
واسم هذه الجزيرة يتألق في مقدمة ربوع كردستان التي يمتاز معظمها بقسط وافر من جمال الطبيعة وبهائها، إذ تتشعب بين رياض طبيعية بديعة، وينعكس إليها من سائر أطرافها بريق دجلة الذي يحف بمعظم جهاتها، كما يزيد من روعة جمالها جبالها الشاهقة المصوبة كالخناجر صوب السماء.
دارت حوادث القصة، في قصر أمير هذه الجزيرة (الأمير زين الدين)، حيث كانت بلاد الكرد إذ ذاك وما بعد ذلك العصر إلى أواسط العهد العثماني منقسمة إلى إمارات، يتولى إدارة كل منها أمير يتمتع بالجدارة والقوة.
ولم يكن الأمير زين الدين ذا كفاءة عادية فحسب… بل كان يتمتع إلى ذلك بغنى واسع، وبمظهر كبير من القوة والسلطان، والغريب أنه لم يمنعه امتلاكه العجيب لقلوب رعيته، واكتسابه محبة سائر طبقات إمارته، مما أذاع اسمه مقروناً بالهيبة والإجلال لا في جزيرة بوطان وحدها بل في سائر كردستان وإماراتها.
ولم يكن قصره الذي كان يرى من بعيد كأنه برج هائل، كقصور بقية الأمراء من أمثاله وانما كان آية من آيات الفن والإبداع… كان منتهيا إلى أقصى حد في البذخ المبذول لتصميمه وتشييده واقامة أبهته..!
وكان يزدان بمتاحف تضم مختلف العجائب والنوادر، وأنواع المجوهرات الغريبة الفاخرة! أما رحابه وشرفاته، فكانت تعج بمئات الغلمان، والجواري والفتيات الجميلات.. يجلن في أنحائه، ويضفين على رحابه جوا سحرياً يشع بالفتنة والجمال.
غير أن الآية الكبرى للجمال في ذلك القصر لم تكن منبعثة عن أي واحدة من تلك الجواري والحسان، وانما كانت سراً لدرتين غير كل ذلك، خلقهما الله في ذلك القصر، بل في تلك الجزيرة كلها مثلاً أعلى للجمال، ونموذجاً كاملاً للفتنة والسحر الإلهي في أسمى مظاهرهما. ولم تكن هاتان الشقيقتان سوى أختين للأمير زين الدين، كان اسم أكبرهما التي لا يتجاوز عمرها ربيع العشرين (ستي)، وكانت بين البياض الناصع والسمرة الفاتنة، قد أفرغ الجمال في كل جارحة من جسمها على حدة، ثم افرغ بمقدار ذلك كله على مجموع جسمها وشكلها، فعادت شيئاً أبرع من السحر، وأبلغ من الفتنة!
وأما الصغرى واسمها (زين)، فقد كانت وحدها البرهان الدال على أن اليد الإلهية قادرة على خلق الجمال والفتنة في مظهر أبدع من أختها وأسمى! كانت هيفاء بضة، ذات قوام رفيع، قد ازدهر في بياضها الناصع حمرة اللهب، وذات عينين دعجاوين، أودعهما الله كآيات الفتك واللطف التي تتسامى على التعبير..