السبت, يوليو 27, 2024

نُشر في: 4 مارس، 2024

حقوق الإنسانرئيسي 1

الانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز من قبل تركيا والفصائل التابعة لها في سوريا.. تقرير لهيومن رايتس ووتش يوثق بعض الحالات

إخلاء مسؤولية: يتضمن هذا التقرير توصيفات مؤلمة للعنف وتفاصيل عنيفة وصادمة قد تكون مزعجة للقراء.

تحت إشراف قوّات الجيش والمخابرات التركيّة، التي لا تتسامح مع هذه الممارسات فحسب بل توافق عليها ضمنيا وتشارك فيها بشكل مباشر، ارتكبت فصائل من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وقسم الشرطة العسكريّة الذي أنشئ للحدّ من انتهاكاتها، منذ سيطرتهم على عفرين في 2018 ورأس العين في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعمال اعتقال واحتجاز تعسفي، وإخفاء قسري، وتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأخضعوا عشرات الناس لمحاكمات جائرة في ظلّ إفلات من العقاب.[76] أفادت نساء كرديّات محتجزات بأنّهنّ تعرّضن لعنف جنسي، بما في ذلك الاغتصاب. احتُجز أطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر مع أمهاتهم.

في الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوقيّة أخرى، تحمّل الأكراد الجزء الأكبر من هذه الانتهاكات، غالبا للاشتباه في صلاتهم بـ قسد أو الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا أو حزب العمّال الكردستاني. استُهدِف أيضا العرب وغيرهم ممن يخضعون لحكم قسد الذين لديهم علاقات وثيقة متصورة مع قسد والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. قال 14 محتجزا سابقا وأقارب محتجزين سابقين وحاليين إنّ المحققين استجوبوهم بشأن صلاتهم المزعومة بمختلف الجماعات الكرديّة المسلّحة.

تحدّثت هيومن رايتس ووتش إلى 40 محتجزا سابقا وأقارب لمحتجزين سابقين وحاليين في عفرين ورأس العين في أعقاب التوغلات التركيّة. جميع حالات الاحتجاز التي وثقتها هيومن رايتس ووتش حصلت بين يناير/كانون الثاني 2018 وأغسطس/آب 2023، مع وجود شخصين رهن الاحتجاز وآخر مفقود حتى كتابة هذا التقرير. قال أربعة محتجزين سابقين إنّ عناصر من فصائل الجيش الوطني السوري أو الشرطة العسكريّة احتجزوا أيضا واحد أو أكثر من أقاربهم معهم.

رغم أنّ معظم الانتهاكات الموثقة ارتكبتها فصائل من الجيش الوطني السوري والشرطة العسكريّة وحصلت في مراكز احتجاز تابعة لهم، إلا أنّ محتجزين سابقين أفادوا أنّ مسؤولين في الجيش والمخابرات التركية كانوا أحيانا حاضرين أثناء اعتقالهم واستجوابهم، وفي بعض الحالات تورّطوا بشكل مباشر في التعذيب وسوء المعاملة التي تعرّضوا لها. قال بعضهم إنّهم شاهدوا مسؤولين في الجيش أو المخابرات التركيّة يزورون بشكل منتظم مراكز الاحتجاز التي احتُجزوا فيها، لكن لم يتواصلوا معهم بشكل مباشر. أكّد مصدران مطّلعان ولهما دراية مباشرة بتفاصيل عمل الجيش الوطني السوري أنّ الفصائل والشرطة العسكريّة يخضعون مباشرة لأجهزة المخابرات التركيّة. قال أحدهم: “لا شيء يحدث دون علمهم”.

قال محتجز سابق إنّ خلال فترة احتجازه لمدّة 45 يوما في قسم الشرطة العسكريّة في رأس العين، شاهد مسؤولا عسكريّا تركيا يتردّد على مركز الاحتجاز عدّة مرات: “كان يطرح أسئلة عن أوضاعنا، ويسألنا ما إذا كنا نحتاج إلى أيّ شيء. كان هو نفس الرجل في كلّ مرة، وكان دائما معه مترجم فوري”.

من بين الفصائل التي اتهمها الأشخاص الذين قابلناهم بارتكاب انتهاكات خطيرة فرقة الحمزات وكتيبة الوقاص وفرقة السلطان سليمان شاه، وفرقة السلطان مراد و”جماعة أحرار الشرقية”، بالإضافة إلى قسمي الشرطة العسكريّة في عفرين ورأس العين. حددت تقارير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة المتعاقبة بشأن حقوق الإنسان في سوريا انتهاكات ارتكبها فيلق الشام وأحرار الشام. على وجه التحديد، ذكرت اللجنة في تقرير أصدرته في فبراير/شباط 2022 أنّ العديد من الادعاءات التي وثقتها تشمل اتهامات موجهة إلى فرقة الحمزات وفرقة السلطان مراد.

قال مصدر مطّلع له علاقات وثيقة بالشرطة العسكرية لـ هيومن رايتس ووتش إنّ مجرّد العيش في منطقة سيطرت عليها قسد لفترة ما قد يتسبب لك في اتهامات بالتواطؤ أو التخابر. قال سكّان حاليون وسابقون إنّ التواصل مع أقارب نزحوا إلى مناطق تسيطر عليها قسد قد يكون أيضا سببا للاعتقال. قالت امرأة تعيش حاليا في مخيّم للنازحين في مدينة الحسكة الخاضعة لـ قسد: “يخشى الناس من كلا الجانبين [الحدود بين مناطق سيطرة قسد والجيش الوطني السوري] التواصل مع عائلاتهم على الجانب الآخر. إذا تواصلت مع أقاربي هناك، أخشى أن يتهمونا بالتجسس لصالح فصائل [الجيش الوطني السوري]”.

شاركت فصائل من الجيش الوطني السوري والشرطة العسكريّة في أيضا عمليات اختطاف واحتجاز كان هدفها الوحيد ابتزاز الأموال من أشخاص تعتبرهم أثرياء. قال المصدر المطلع: “هذه هي الطريقة التي يعملون بها. يسألون، هذا الرجل الذي اعتقلناه من لديه في الخارج وما هي الأصول التي يملكها؟ إنها بمثابة مهنة بالنسبة إليهم، وهي طريقة أخرى لكسب المال”.

في معظم الحالات الموثقة، ورغم أنّ الفصائل والشرطة العسكرية اتهموا المحتجزين لديهما بارتكاب جرائم خطيرة تنفيذا لطلبات الجماعات المسلّحة الكرديّة، إلا أنّهم أطلقوا سراحهم مقابل المال. في 23 حالة موثقة، قال أشخاص إنّهم أو أقارب لهم محتجزون دفعوا مبالغ تتراوح بين مئة دولار و30 ألف دولار أمريكي لمختلف الفصائل وعناصر الشرطة العسكريّة لضمان إطلاق سراحهم أو سراح أقاربهم. في أواخر 2021، أفرج أحد الفصائل، بالتنسيق مع الشرطة العسكريّة، عن رجل كرديّ ووالدته في عفرين بعد أن دفع لهم أحد أقاربهم في الخارج ما يُعادل 70 ألف دولار. قال: “بعد 11 شهرا من احتجازي، أخبروني أنهم سيطلقون سراحي إذا دفعت المال. قالوا لي ‘عائلتك لديها الكثير من الممتلكات في محيط عفرين، لديكم شقق ومبان وأراض زراعيّة، ويُمكنكم تحمّل دفع المال”.

قال نازح كرديّ لـ هيومن رايتس ووتش إنّ والده (70 عاما) رفض مغادرة عفرين بعد الغزو فاعتُقل في أربع مناسبات منفصلة بين يونيو/حزيران 2018 ويناير/كانون الثاني 2020 على يد عناصر من فرقة السلطان سليمان شاه، المعروفة أيضا بـ”الأمشاط”، فأمضى فترات تراوحت بين 14 و22 يوما في الاحتجاز ودفع كلّ مرة مبلغا تراوح بين ألفين و3,500 دولار مقابل إطلاق سراحه. في أبريل/نيسان 2023، قالت امرأة للباحثين إنّ شقيقها واثنين من أصدقائه احتجزهم فصيل يحرس أحد الحواجز في ناحية راجو في عفرين، ثم نُقِلوا إلى قسم الشرطة العسكريّة في عفرين، ولم يُفرج عنهم إلا في اليوم التالي بعد أن دفع كل واحد منهم 250 دولار. قالت: “ليست هذه المرة الأولى التي يحتجزون فيها أشخاصا من القرية ثم يُطلقون سراحهم بعد أن يدفعوا المال”. في مايو/أيار 2023، قال أحد سكان إحدى قرى منطقة عفرين لباحثي هيومن رايتس ووتش إنّ قسم الشرطة العسكريّة في القرية اعتقل ستّة رجال أكراد وامرأة كردية ليُطلق سراحهم في اليوم التالي بعد أن دفع كلّ واحد منهم حوالي مئتي دولار.

في الجزء الحدودي الخاضع لسيطرة الجيش الوطني السوري بين رأس العين وتلّ أبيض، تحصل أعمال تهريب بشر من مناطق قسد إلى تركيا تشارك فيها بشكل كبير مختلف الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري. وثق الباحثون حالات تعرّض فيها أكراد من مناطق خاضعة لسيطرة قسد ودفعوا أموالا لمهرّبين للالتحاق بالمجموعات التي تحاول الدخول إلى تركيا بطريقة غير شرعيّة، إلى الاستهداف من قبل الفصائل التي تسهّل لهم الرحلة واحتُجزوا بتهم تتعلق بالانتماء إلى جماعات كرديّة مسلّحة. وفي هذه الحالات أيضا أفرِج عنهم مقابل المال.

باستثناء الحالات التي تُكشف فيها الشهادات بخصوص الانتهاكات للعلن وتحظى باهتمام إعلامي كبير، يبدو أنّ أجهزة المخابرات التركيّة التي تسيطر على الأراضي المحتلّة تتجاهل الممارسات الابتزازيّة التي تعتمدها الفصائل.

*جزء من تقرير كل شيء بقوة السلاح

المصدر: هيومن رايتس ووتش

شارك هذا الموضوع على