الأربعاء 13 آب 2025

التقرير السياسي المقدّم إلى المؤتمر الثامن لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا

بيان:

الرفاق والرفيقات…

بدايةً، نهنئكم وأنفسنا وجميع مكونات شعبنا السوري بكُرده وعربه، مسلميه ومسيحييه وجميع أطيافه، بالخلاص من نظام حزب البعث الاستبدادي الشوفيني الفاسد وتسلّط الأسد الابن ومن قبله الأب على مقدرات سوريا الدولة والمجتمع على امتداد ستة عقود ونيف من الزمن.

لقد عمّت الفرحة قلوب السوريين في الداخل والخارج وتنفسوا الصعداء يوم الثامن من شهر كانون الأول 2024، عندما أُعلن رسمياً في العاصمة دمشق عن سقوط النظام وهروب رئيسه إلى خارج البلاد، واكتملت الفرحة هذه بيوم العاشر من شهر آذار المنصرم عندما أُعلن رسميًا عن الاتفاقية المبرمة بين كلٍّ من الرئيس الانتقالي السيد أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، والتي وضعت الركيزة الأساسية لحماية السّلم الأهلي والعيش المشترك، وتمكين عودة المهجّرين والنازحين إلى ديارهم وممتلكاتهم، ونبذ خطاب الكراهية والاستعلاء بلا تردد، وذلك على قاعدة حماية سيادة ووحدة سوريا، والتكاتف للعمل يدًا بيد لترميم وإعادة بناء وإحياء مؤسسات الدولة دون تهميش أو إقصاء بسبب انتماء ديني أو قومي أو مذهبي، وضمان الحقوق الدستورية للجميع.

اليوم، ومع مرور سبعة أشهر على استلام السلطة الجديدة لمقاليد الأمور في المرحلة الانتقالية، تبرز مهام تاريخية ومسؤوليات كبرى لا تقع فقط على عاتق السلطة الانتقالية، بل على عاتق جميع القوى والفعاليات الوطنية والديمقراطية السورية التي يهمها قبل غيرها حاضر ومستقبل سوريا أولاً، وإن جملة المآخذ والتحفظات، بل والمخاوف الجدّية الموجودة حيال بعض تدابير ومسارات السلطة القائمة ومرارة ما خلّفه النظام البائد، لا يجب أن تحيدنا عن أداء الواجب الملح في إطار مساعي المساهمة النشطة المسؤولة والبنّاءة باتجاه توفير مناخات أكثر إيجابية، من شأنها حماية حقوق وكرامة المواطن والسير بالبلاد نحو برّ الأمان والاستقرار، بغية استعادة سوريا لعافيتها بعد كلّ الخراب والفظائع التي عاشتها البلاد على مرّ ثلاثة عشر عاماً من الأزمة المتفجّرة التي راكمت عواملها المركّبة سياسات وجرائم النظام السابق وسلوكه الأرعن على شتى الصعد، بمختلف الأدوات بما فيها الكبتاغون والمخدرات؛ فكان الترحيب العربي الرسمي بسقوط النظام حاضرًا دون تأخر، رافقه تضامن دولي وانفتاح واسع في تعامل إيجابي مع السلطة الجديدة في دمشق،  تجسّد بالشروع في رفع العقوبات عن سوريا بُعيد الزيارة التي قام بها الرئيس الشّرع إلى المملكة العربية السعودية ولقائه هناك مع الرئيس الأمريكي بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مما حمل السوريين على التفاؤل بما هو خير لهم، وعامل دفع وقوة لمستقبل سوريا ومكانتها، رغم كل الصّعاب والعذابات التي عاشوها، ولا يزال معظمهم يعانون قسوة الحياة اليومية تحت خط الفقر، مع ندرة فرص العمل واتساع حجم البطالة المكشوفة وتلك المقنعة.

وثمة مخاطر وتحديات ماثلة أمام الجميع، تستوجب الوقوف عندها، وأكثرها مأساوية ما جرى من مجازر وتهجير بحق المدنيين العزّل من أبناء الطائفة العلوية في مناطق السّاحل السوري وجواره في محافظتي حمص وحماه، تلاه العمل الإرهابي الجبان بحق المصلين العزّل في كنيسة مار الياس، وأيضًا هجمات مسلّحة غدرت بالكثير من بني معروف الموحّدين الدروز في ضواحي دمشق- أشرفية صحنايا، جرمانا ومحافظة السويداء؛ حيث برزت في هذه السياقات أصابع قوى التكفير التفجيرية وأكثرها توحشاً خلايا وذئاب منفردة تتبع تنظيم الدولة (داعش) والمتواطئين معها تحت يافطة ورايات (الدفاع عن الدين) و(الدعوة إلى الجهاد) في بعض الساحات ومراكز مدن سورية، مما يثقل كاهل السلطات الجديدة التي من المفترض أن تتحمل المسؤولية في توفير الأمن والأمان وحماية سلامة المواطنين وصون ممتلكاتهم دون تمييز أو تنمُّر.

في السياق ذاته، تأتي قضية الشعب الكردي المثخن عموماً بالجراح تاريخياً، وذلك جراء جملة سياسات اضطهاد قومي وتمييز عنصري ومحاربة ثقافته ولغته، وخاصةً بحق المكوّن الإيزيدي منه، هنا وهناك في سنجار، ففي ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم وفي ظلّ حكومات حزب البعث تفاقمت تلك السياسات الظالمة، وتجسّد أبرز مشاريعها وقوانينها العدائية حيال الكُـرد السوريين، بغية تعريبهم وتهجيرهم وتشتيتهم من خلال تطبيق قانون الإحصاء الاستثنائي الخاص بالجزيرة (محافظة الحسكة) ومشروع الحزام العربي سيئ الصيت وجملة قرارات رسمية وتعاميم خاصة ومنها (سرّية جدًا) بهدف محاربة اللغة الكردية وتضييق فرص العمل أمام الكُـرد وحرمانهم من حقوقهم في أراضيهم، ناهيكم عن سدّ أبواب التوظيف في العديد من قطاعات الدولة ومؤسساتها، فضلًا عن قرارات الفصل والنقل التعسفيين ومحاربة الكردي بلقمة عيشه، وجاء الغزو العسكري التركي وأعوانه تحت مسمى (عملية غصن الزيتون) لاحتلال كامل منطقة عفرين بنواحيها السبعة في آذار 2018م، ليعمّ فيها الخراب والفساد وانتهاك الحرمات وهجرة قسرية لمئات الألوف من سكانها الأصليين الكُـرد، تلاها غزو واحتلال منطقتي سري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض تحت مسمى “عملية نبع السلام” في تشرين الأول 2019، وما نجم عنها من مآس وجرائم، على غرار منطقة عفرين التي في الآونة الأخيرة خفّت فيها مستويات الجرائم وانخفض حجم الانتهاكات، إلا أنها لا تزال موجودة ومنتشرة رغم مساعي تطويقها وإيقافها بعد مجيء السلطة الانتقالية الجديدة.

لقد تجلّت نزعة معاداة الكُـرد حتى في شعلة نـوروز ليلة 21 آذار، العيد القومي لأكراد العالم قاطبةً، وما حصل وسط مدينة جنديرس مساء 20 آذار 2023 عندما أطلق مسلّحون الرصاص الحي ومن مسافة صفر على مدنيين وسقوط أربعة شهداء من عائلة واحدة، سوى دليل واحد على مدى خطورة وبشاعة السلوك الإجرامي لأصحاب الفكر العنصري وخطاب الاستعلاء والكراهية إزاء الآخر… وهنا يجب القول بأن سجون ومحاكم دمشق في عهد النظام البائد لم تخلُ يوماً من مناضلين كُـرد دافعوا عن قضايا عادلة تخص ألف باء الحرية والمواطنة، علماً أن القضاء السوري الذي كانت تتصدره محكمة أمن الدولة العليا في دمشق على مدى عقود، كان يضرب بعرض الحائط أبسط القيم والمعايير القانونية والإنسانية، ويتشاطر في توصيف إحياء نـوروز بأنه (جريمة) و (محاولة لاقتطاع أجزاء من سوريا وإلحاقها بدولة أخرى)، كما تكتظ محفوظات وأرشيف تلك المحكمة وغيرها بآلاف الوثائق الرسمية التي تُشير بوضوح إلى نزعة معاداة الكُـرد في سوريا، مما يمكن القول إنّ مؤسسات الدولة وأطقمها المتسلطة تحت يافطة العروبة ومنطلقات حزبها الحاكم على مدى عقود، هي التي كانت تثير النعرات العنصرية بين أبناء البلد الواحد، وتجهد كثيراً لفرض العزلة على الحراك الكردي السوري والإساءة إليه، وإنّ آثار وأضرار تلك السياسات الرعناء وكذلك إجحاف قوانين التأميم والإصلاح الزراعي ولجان الاستيلاء على الأراضي الزراعية لا تزال موجودة وقائمة، من الواجب والممكن إزالتها وتعويض المتضررين من تطبيقاتها.

وفي سياقٍ متصل بالانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق الكُـرد المدنيين العزّل بُعيد استلام قوات عملية (ردع العدوان) لمقاليد السلطة في دمشق في الثامن من كانون الأول 2024، ووقوع أكثر من مائة شهيدٍ وجريح في محيط سد تشرين على أيدي مسلحي ما عُرف بـ (الجيش الوطني- فجر الحرية)، تعرض جوار قرية برخبطان الواقعة في جنوب مدينة كوباني في ليلة 17 آذار 2025 لمجزرة رهيبة راح ضحيتها تسعة شهداء جلّهم أطفال من عائلة واحدة (سبعة أطفال ووالديهم) من أهالي قرية كركي Girikê الكردية، مما أثارت المجزرة تلك السخطَ والاستنكارَ لدى الكثير من الشرفاء في الداخل والخارج.

وبالإشارة إلى كارثة الزلزال الكبير الذي أصاب مناطق واسعة من كردستان تركيا وولايات قهرمان مراش وغازي عنتاب وملاطية وآلبستان وأنطاكيا وغيرها لدى الجارة الشمالية تركيا، وطالت آثارها المدمّرة أربع محافظات سورية (حلب، إدلب، اللاذقية وحماه)، من بينها مناطق عفرين ونواحيها التي تعرض أهاليها ودوَرهم السكنية لأضرار وخسائر جسيمة وانهيار أبنية وتشرّد، حيث تعرض الكثير من العوائل والأسر الكردية منهم لتمييز عنصري مخزي لدى توزيع الأغطية وعمليات الإنقاذ من تحت الأنقاض والإسعافات الأولية (النجدة والإغاثة)، مما شكّل وصمة عار للجهات والمنظمات المشرفة صاحبة الصلاحية والسلطة آنذاك.

لقد اتّسم الحراك الكردي السوري تاريخياً بوجهٍ عام بالسّلمية ونبذ العنف، داعياً الجميع إلى اعتماد لغة الحوار دون تردد، ومدافعاً بلا هوادة عن الحريات الأساسية للمواطن والحقوق القومية المشروعة الطبيعية للكُـرد كجزء لا يتجزأ من الشعب السوري، وذلك في إطار حماية وحدة وسلامة سوريا، وإنّ أطياف التنوع الديني، القومي والمذهبي في البلاد، تبقى تشكل نسيجاً مجتمعياً واحداً، من الخطأ الكبير الإساءة إليه أو التقليل من شأنه.

وكان لحزب “الوحـدة” على مرّ ثلاثة عقود ونيف حضوره المتقدم في نشر هكذا ثقافة سياسية وتوجّهات من شأنها بلورة ضرورات التفاهم والعمل المشترك من أجل التلاقي ووحدة الصف الوطني العام والكردي السوري بوجهٍ خاص، ومن هنا جاءت وثيقة العمل المشترك وجملة الأعمال المشتركة مع الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، وكذلك مشاركتنا في كونفرانس قامشلي 26 نيسان 2025م والتزامنا بمخرجاته من بيان ختامي لأعماله باللغتين العربية والكردية، وبموجبه تشكيل وفد كردي محاور، حيث كان للكونفرانس وقعه الإيجابي الملحوظ لدى الوسط الكردستاني العام، وموضع ترحيب وتفاؤل لدى كُـرد سوريا بوجهٍ خاص، يحدوهم الأمل في وحدة الخطاب والصف الكردي دفاعاً عن قضيتهم القومية العادلة ورفع الغبن التاريخي اللاحق بهم.

وفي خضم ما شهدته سوريا من مآسٍ وفظائع في ظلّ النظام البائد واستمرار وضراوة استهداف الوجود الكردي التاريخي في مناطقه (الجزيرة، كوباني، عفرين…)، إبان الأزمة المتفجرة منذ آذار 2011 وفرض الحصار عليها، كانت ولا تزال للإدارة الذاتية  وقواها الدفاعية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية، دورها البناء في حماية السلم الأهلي والعيش المشترك، وإفشال هجمات تنظيم الدولة (داعش) وأخواتها من القوى التكفيرية التفجيرية وأعوانها المنتشرين في بيئاتٍ محلية وإقليمية وأصقاع عديدة من العالم.

ولدى تناول متغيرات الأوضاع الإقليمية- الدولية يظهر جلياً بأن العملية المسماة بـ”طوفان الأقصى” التي قامت بها حركة “حماس” ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023م وما نجم عنها من فظائع ومآسي طالت المدنيين العزّل في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، شكّلت منعطفاً مفصلياً في رسم وإعادة صياغة السياسات والاصطفافات على شتى الصعد والمجالات، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعهما دول حلف الناتو وغيرها من الدول تبقى حريصة كلّ الحرص على ضمان حماية مصالحها الخاصة وتوسيع نفوذها على الصعيد الإقليمي ومحيطه، بصرف النظر عن لوائح حقوق الإنسان والقوانين الدولية، مما يبرز وقوفها الثابت في الحفاظ على دور فاعل لإسرائيل في المنطقة وجوارها، لتبقى بمثابة القوة الضاربة بلا منازع، وجاءت الغارات الإسرائيلية الجوية على الداخل الإيراني، وباستمرار تبادل الهجمات الجوية والصاروخية بين إسرائيل وإيران لأكثر من عشرة أيام، لتفيد بأنّ لا مكان بعد اليوم لأذرع إيران العسكرية هنا وهناك، وأنّ البرنامج النووي الإيراني لن يصل إلى صنع سلاحٍٍ نووي، ويبقى تحت مراقبة دولية صارمة بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة، حيث ثبت للجميع أنّ المقامرة وانتهاج لغة العنف والحروب واختلاق الفتن من خلال العزف على أوتار التعصب الديني والقومي، لا ولن تخدم قضايا الشعوب، بل تُسمّم الأجواء وتسدّ السبل والأبواب أمام السّلم والاستقرار، فتتفاقم الصراعات ويعمّ الفوضى والفلتان الأمني، وتنتعش خطابات الكراهية والعنصرية المقيتة. ومن هنا لا بديل عن الاحتكام إلى لغة العقل والمنطق، واعتماد طرق الحوار والدبلوماسية، لا منطق القوة والقتل الذي يتعارض مع كافة المواثيق الدولية ولوائح حقوق الإنسان وتلك الناظمة للعلاقات بين الدول والشعوب، بما فيها تقاسم مياه الأنهر والينابيع.

إنّ احترام هذا الجانب القيمي والامتثال لمقتضياته، بموجب القوانين الدولية، هو ابتعاد عن التوحشّ وصناعة الموت، ومبعث الأمل في مستقبل أفضل للجميع، لا مكان فيه للجوع والمرض والاستبداد.

إننا على ثقة بأن ديمومة دفاع الشعب الكردي عن قضيته القومية الديمقراطية العادلة، هنا وهناك، ستبقى قائمة ومستمرة وتتوسع. وكلما توفّر مناخٌ سلمي، تطوّرت هذه القضية نحو الأمام، وازداد شأنها، وتعززت أواصر الصداقة والتآخي بين شعوب المنطقة، للعمل يداً بيد من أجل السّلم والحرّية والمساواة.

صادق عليه المؤتمر الثامن لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا

19 تموز 2025م