الجهاد يحل محل نظريات علمية رصينة في المناهج التركية

عتبر نظام التعليم المتهالك إحدى أكثر الظواهر التي تثير القلق في تركيا حاليا، حيث جاء تصنيفها بحسب تقرير البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (بيزا) الذي تمّ إصداره في ديسمبر الماضي، في المركز الثاني انطلاقا من أسفل القائمة التي تضمّ 35 دولة تابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية طبقا للنتائج المعلنة عام 2015 في مواد الرياضيات والعلوم والقراءة.

وتراجعت تركيا في المتوسط سبع درجات في الرياضيات والعلوم والقراءة مقارنة بالدراسة التي أجراها برنامج بيزا عام 2012.

وأوضح التقرير أنه مقارنة بالدول الأخرى التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، يتميز المدرس في تركيا بأطول عدد ساعات للعمل، وأعلى عدد طلاب في الصف الواحد وأيضا أدنى قيمة من حيث الراتب الأساسي.

وقال سيهون إرجل، النائب عن حزب المعارضة الجمهوري “يقبع نظام التعليم التركي هذه الأيام في سبات عميق. وتشكل هذه الأزمة خطرا أكبر من أزمة الدولار والاتحاد الأوروبي. ويبدو أن تركيا لا تدرك ما تعنيه تلك النتائج طبقا لتقارير بيزا عام 2015″.

ولم تجد استغاثات التعليم التركي من يستمع إليها بسبب عدم وجود إعلام فعال، وأيضا بسبب الانشغال بالأزمة السياسية التي حدثت على غرار التغييرات المقترحة للدستور لمنح الرئيس المزيد من السلطة. ويبدو أن التراجع في التصنيف لم يكن كافيا، إذ أعلنت الحكومة إدخال بعض التغييرات على المحتوى الدراسي، التي يرى البعض أنها تأخذ توجها إسلاميا بطريقة واضحة.

وتمّ إدراج بعض المصطلحات في المنهج الديني مثل العلمانية والوضعية والاستنساخ والعدمية والإلحاد تحت مسمى “إشكاليات العقيدة” أو “علل دينية”. كما تمّت إضافة مفهوم الجهاد في المدارس الدينية الثانوية التابعة لهيئة الشؤون الدينية التركية -في ما يعرف باسم مدارس الإمام خطيب- من خلال إدراج فصل جديد في المحتوى يحمل اسم “جهاد في سبيل الله”. وتم على إثر ذلك فرض قيود مشددة على حصص الموسيقى في تلك المدارس.

ويرى الصحافي يافوز بايدر أن الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية، يصرّ كتحد منه لبعض الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على جعل الدروس الدينية إجبارية في المدارس الحكومية. وحالما اتبعت الطريقة السنية في التدريس، أثار ذلك موجة من الغضب بين أفراد الأقلية الشيعية والطبقات العلمانية في المجتمع التركي، وفي محاولة لتهدئة الأوضاع تزعم الحكومة أن المناهج تعلّم “ثقافة الأديان”، ولكن واقع المحتوى يتعارض وتلك المزاعم.

وتوقف تدريس نظرية التطور في المدارس الثانوية، حيث انتقد تيفون أتاي، عالم الأنثروبولوجيا الذي يعمل في قضية الإسلام الأناضولي، بعمق التغييرات التي حدثت في المناهج مستنتجا أن “النظام المدرسي التركي قد وقع فريسة للسلفيين”.

وطالت تلك التغييرات الجذرية التي حدثت في المناهج أسماء الأسلاف المؤسسين للجمهورية. فعلى سبيل المثال، تم حذف عصمت إينونو، خليفة مصطفى كمال أتاتورك كرئيس للجمهورية ودوره البارز في الحفاظ على تركيا كقوة محايدة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وأصبح اسم أتاتورك بالكاد يذكر في المناهج الدراسية.
“العرب” اللندنية
ويتحايل وزير التعليم التركي نابي أفحي وموظفوه على الشعب في محاولة تبرير التغييرات المفروضة بالقول “إنه مجرد مشروع سوف نعيد النظر فيه بعد تلقي ردود الأفعال”. ومع ذلك فإن عدم الثقة الموجودة بين الحكومة والطبقة العلمانية من المجتمع التركي قد تعمقت إلى درجة أصبح معها تجاهل اعتراضاتهم أمرا مفروغا منه. ومازال حزب العدالة والتنمية يتعرض لانتقادات شديدة من قبل أصحاب المصلحة، بما في ذلك النقابات وجمعيات الآباء والمعلمين، لرفض التشاور معهم دائما. كما تمّت إقالة وإيقاف ما لا يقل عن 30 ألف معلم وفقا لقانون الطوارئ الذي فرض عقب محاولة الانقلاب العسكري التي حدثت في يوليو الماضي، بعد أن أثاروا شكوك الحكومة في توجهاتهم العلمانية واليسارية ودعمهم للأكراد. وزعم اتحاد عمال العلوم والتعليم في تركيا، أن عملية اختيار بدائلهم تمت على أساس الولاء الحزبي وليس الكفاءة.

وتسيطر الطوائف السنية والمعادية للعلمانية بموجب قانون الطوارئ على أغلب المناصب الإدارية في تركيا مما يمكنها من استخدام نفوذها على نطاق أوسع. وما يحدث الآن من تخريب في المناهج التعليمية يصعّب من عملية إصلاحها وتطويرها في المستقبل، ولا سيما أن المناهج قديمة وغير متطوّرة قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، ومع ما لحقها الآن من تغييرات مدمّرة، فقد أصبحت غير قابلة للإصلاح إلا بعد مرور عقود من الزمن.

كما قررت وزارة التعليم التركية بالإضافة إلى تقليص الموضوعات المتعلقة بحياة أتاتورك تدريس التاريخ القريب والمحاولة الانقلابية للطلاب ضمن المناهج التعليمية بحسب تصريحات لوزير التعليم عصمت يلماز.

وأوضحت صحيفة “جمهوريت” أنه سيتم تناول مفهوم الجهاد وقضايا الحقوق والحريات الأساسية وحب الوطن في إطار درس المعلومات الدينية الأساسية الذي تم إعداده لطلاب الصف السابع بمدارس الأئمة والخطباء الإعدادية. وفي الصف الثامن سيتم تناول موضوع الجهاد في سبيل الله ضمن وحدة “طاعة الله وعبادته”.

وكشف تقرير لصحيفة زمان التركية أن تدريس الجهاد للطلاب يتم بطرق أخرى عن طريق الجمعيات الدينية والخيرية ومن بينها جمعية الأناضول الشبابية التي تنظم فعاليات داخل المدارس بعد توقيعها بروتوكولا مع الإدارات التعليمية. وتمارس هذه الجمعية منذ فترة طويلة دعاية دينية داخل المدارس الابتدائية والثانوية حيث تقوم بنصب المنصات وتوزيع المنشورات وتنظيم المسابقات الدينية وتقديم الدروس التي تتناول مواضيع الجهاد وتحث الطلاب عليه.

وقال الكاتب وأستاذ العلوم الإسلامية إحسان ألي أتشيك في تصريح له إن الشاب الذي يدرس في كليات الشريعة ومدارس الأئمة والخطباء حاليا هو شخص محتمل تحوله إلى داعشي بعد فترة، نظرا إلى الأفكار والتصورات المطروحة في المناهج الدراسية والكتب المقررة.

ووصف مصطفى إسلام أوغلو وهو أحد الكتاب الإسلاميين المعروفين والمفضلين لدى أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان، مدارس الأئمة والخطباء الدينية التي تخرج منها أردوغان، وكليات الشريعة في تركيا، بـ”مؤسسات تخرج الدواعش”، وذلك في تغريدة نشرها في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في ديسمبر الماضي، حيث قال إن تركيا ستواصل تنشئة وإخراج الدواعش طالما لم يتم تغيير المناهج التعليمية لمدارس الأئمة والخطباء وكليات الشريعة.

ويعتبر المدافعون على العلمانية والأتاتوركية في تركيا أن التغييرات الأخيرة في مناهج التعليم، وخاصة منها التي تستهدف التقليص من الدروس التاريخية التي تتناول سيرة أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، جزءا من الحملة التي تشنها حكومة حزب العدالة والتنمية على العلمانية في المجتمع التركي مستعملة مناهج التعليم والمدارس كوسيلة لأسلمة المجتمع ونشر ثقافة الجهاد.

أضف تعليق