عبد الرحمن محمد
التاريخ الكردي حافل ولا شك بمئات القصص البطولية، وأساطير وروايات عن حب الأرض والطبيعة، والتغني بجمال كردستان المترامية الأطراف، والمتنوعة الجمال بكل مفرداته وسحره.
هذا التاريخ العريق والجمال في الطبيعة، والغنى في تعدد أسباب وأشكال الجمال؛ ألقيا بظلالهما على تنوع التراث، وغنى الثقافة، والفكر، والأدب بأصنافه المتعددة.
أحد أبرز رجالات الأدب، والقامة الشامخة بين القامات الثقافية وأصحاب الفكر الكردي الراقي الحديث، كان الشاعر الكردي سيداي تيريج، “ملا نواف حسو” والذي نقرأ في سيرته الذاتية أنه من مواليد عام1923 في قرية “نجموك” التابعة لقامشلو، وانتقل مع عائلته إلى قرى ريف عامودا “سيمتكي نواف” وهو في السادسة من عمره، فبدأ على يد الإمام “ملا إبراهيم كولي” تلقي علوم الدين وفقه اللغة إضافة لتعلم قراءة القرآن وتفسيره، وأخذ دروسا في اللغة العربية والفقه الإسلامي.
واضب سيداي تيريج على تحصيله المعرفي، ففي عام 1937قصد مدينة عامودا ليتابع دراسته فيها ولأعوام خمسة. بينما أتيحت له الفرصة للقاء بالعديد من علماء ومثقفي ورجالات الأدب في ذلك الوقت من أمثال الشاعر جكرخوين، ونور الدين ظاظا، وحسن هشيار، وقدري جان وغيرهم، وقد تأثر بهم، وبدأ منذ تلك الفترة بكتابة الشعر باللغة الكردية. لكن؛ النظام البعثي كان يترصد تحركات المثقفين الكرد، ومنهم سيداي تيريج، فاعتُقل عام 1952، ومصادرة العديد من قصائده ومؤلفاته ومن بينها أحد دواوينه.
صداقته مع الشاعر الكردي الخالد “جكر خوين” أضفت إلى شعره الكثير من طابع صديقه ومعلمه، وتأثره به، فتنوع نتاجه بين الوجداني، والوطني والقومي، وكان لشعره في الحب، والوصف، وحال المجتمع التأثير الكبير والتميز، سواء أكان شعرا كلاسيكيا أو حرا.
ثلاثة دواوين “خلات، زوزان، جودي” والمئات من القصائد كانت الناتج الأدبي للشاعر سيداي تيريج، ونتاجات أخرى، وجميعها كانت في وصف حبه للوطن، ولجمال كردستان، طبيعتها وأهلها.
وحسب الشاعر القدير إنه حوّل بعض الملاحم الكردية إلى أبيات شعرية كملحمة “سيامند وخجي” التي حولها إلى 335 بيتاً، بينما جاءت رواية “سيبان وبروين” في ٤٠٠ بيت من الشعر، كما إنه كتب المولد النبوي وترجمه للكردية، وكان في الكثير من قصائده يحرض على الثورة على الواقع المزري والاستسلام، والإذعان للأعداء ويخاطب في شعرة الشباب؛ لأنه يرى فيهم عماد الثورة والتقدم، وكان خطابه للمرأة متزنا مزدانا بالتقدير لها، في طابع وجداني صوفي.
كان شعر سيداي تيريج محط اهتمام الكثير من النقاد والأدباء والمهتمين بالأدب الكردي، وكتب عنه الكثيرون، ومنهم الكاتب والناقد عبدالوهاب بيراني، الذي يشير إلى ثراء وغنى سيداي تيريج وعمق تجربته: “علاقته مع أستاذه جكرخوين واختلاطه مع النخب المثقفة الكردية من سياسيين وأدباء؛ ترك أثره البالغ على وعيه الثوري، واكتسب تجربة عميقة من المعارف، وكانت الصحف والمجلات التي وصلت إليه عن طريقهم منبعاً ثرياً لمصادر ثقافته ومعرفته، كما أنه اهتم بالجانب الأدبي والتاريخي، فقرأ الكثير عن حياة وشعراء ممن سبقوه بقرون، مما أكسبه قوة التعبير وسعة المخزون اللفظي من الكلمات والمفردات، وأتقن علم العروض والوزن، والموسيقا، وتعمقت تجربته، ولعل نصوصه الشعرية عن تجاربه في الحياة تكاد تكون كتاباً في المعرفة والحكمة، ولا تقل عن جوهر وفلسفة وشعر طاغور الهندي أو أحيقار السرياني”.
ترك سيداي تيريج إرثا كبيراً سيبقى خالدا بعد رحيله لعلنا نذكر منها:
1- خلات ـ عام 1984م، وأعيدت طباعته عام 1990م في السويد.
2- زوزان ـ ديوان شعر سنة 1990م.
3- جودي ديوان شعر سنة 1998م وقد طبع في بيروت.
4- طرائف كردية، الجزء الأول – ترجمة الشيخ توفيق الحسيني إلى العربية – دمشق 1996م.
5- المولد الكردي.. قدم له دلاور زنكي. من إصدارات بيروت – لبنان سنة 2006م.
6- طرائف كردية، الجزء الثاني، وقد نُشر بعد وفاته بسنوات – قدم له دلاور زنكي. من إصدارات بيروت – لبنان سنة 2009.
وكالكثير من قصص آذار في حياة الكرد وتميز هذا الشهر في تفاصيله وامتزاجها بتاريخ الكرد، وفي أمسية الثالث والعشرين من آذار عام 2002 أغمض “سيداي تيريج” جفنيه عن العالم، واحتضن كردستان بين جفنيه وقلبه، فشيع الكرد شاعرهم وودعوه الوداع الأخير من مدينة الحسكة نحو قرية “كركفتار” في ريف الحسكة ووارى جثمانه ترابها حسب وصيته.
المصدر | صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=65968