السبت, يوليو 27, 2024

نُشر في: 2 مايو، 2024

القسم الثقافي

الكرد في بلاد مصر – الحلقة السادسة

الدكتور محمد علي الصويركي 

مصر ملجأ أحرار الكرد

أصبحت مصر في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين موئل أحرار الكرد الهاربين من الظلم والاضطهاد العثماني، فكانت القاهرة مركز النشاطات السياسة والفكرية والأدبية لشخصيات كردية بارزة أمثال أمين بدرخان، وثريا بدرخان، ومقداد بدرخان، ومحمد علي عوني، ومحمد حلمي.

فعندما أسس الكماليون تركيا الحديثة أصدروا فرمانا بنفي البدرخانيون الأكراد من تركيا عام 1922، فالتجأ الأمير أمين عالي بدرخان ونجله الأكبر ( ثريا ) إلى مصر، واستقر في القاهرة حتى توفي بها 1926 . وكان الأمير أمين عالي بدر خان رجل وطني وقومي معروف، حاول تحقيق أهداف بني قومه في الحرية والاستقلال. وكان لجهود ونضال ولديه الأميران جلادت وكاميران دوران كبيران في خدمة اللغة والثقافة والقضية الكردية (56 ). وفي القاهرة لعب الأمير ثريا أمين عالي بدرخان(1883-1938م)، دورا كبيرا في خدمة القضية الكردية، فكان يتنقل من أجل ذلك من القاهرة إلى دمشق وحلب والعواصم الأخرى. وكان له الفضل في إصدار جريدة ” كردستان” بمدينة استنبول بعد عميه ( مقداد مدحت، وعبد الرحمن بك) بعد صدور الدستور العثماني عام 1908، وفي القاهرة في أعوام 1916-1917. وكان يكتب في هذه المجلة تحت اسم مستعار هو ” احمد أزيزي “. وفي عام 1920 أسس في القاهرة ( جمعية الاستقلال الكردي) بمؤازرة الطلاب الأكراد المقيمين في القاهرة وممن يدرسون في الجامع الأزهر.

وترجم كتابه وطبع في القاهرة من الفرنسية إلى العربية وهو ” القضية الكردية ماضي الكرد وحاضرهم” المنشور باسمه المستعار (د. بله ج شيركوه)، من قبل المرحوم محمد علي عوني عام 1930(57).

كما عاش في مصر المترجم والباحث الكردي محمد علي عوني السويركي، المولود في مدينة ” سويرك ” من أعمال ديار بكر في كردستان تركيا 1897. وقد قصد مصر لإكمال دراسته الدينية في الأزهر الشريف، ونال شهادته العالية. وحاول الرجوع إلى وطنه لكن السلطات التركية منعته بسبب أفكاره القومية، فبقي في القاهرة. فعمل مترجما ” للغات الشرقية ” في قصر عابدين لدى الملك فاروق، وعهد إليه مهمة الأشراف على مكتبة القصر الملكي في القاهرة، وحفظ الفرمانات والوثائق التاريخية الرسمية التي يعود تاريخها إلى عصر محمد علي باشا. وبحكم وظيفته وإطلاعه الواسع أصبح حجة في تاريخ الأكراد وقضيتهم. فكان أحد مؤسسي جمعية ( خويبون ) الكردية في القاهرة وسورية بالاشتراك مع أبناء بدرخان. وكانت داره في القاهرة محجاً للطلبة الأكراد يتزودوا منه العون والإرشاد والمعرفة وكان يجيد اللغات الكردية والفارسية والتركية والعربية، ويحسن الفرنسية. لذلك أصدر في مصر أول ترجمة عربية لأمهات الكتب كردية مثل ” خلاصة التاريخ الكرد و كردستان ” نشره عام 1939. و ” تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي ” نشره عام 1948. و” مشاهير الكرد ” عام 1947، وهي من تأليف العلامة الكردي العراقي محمد أمين زكي. كما ترجم ” الشرفنامة ” من الفارسية إلى العربية لشرف خان البدليسي في جزءان، طبعته وزارة التربية والتعليم المصرية بعد وفاة المترجم. كما وضع رسالة عن” العائلة التيمورية” الكردية في مصر، وله دارسات ومقالات عديدة حول القضية الكردية .

توفى بالقاهرة 1952. وفقد الشعب الكردي برحيله أحد أبنائه البررة العظام المناضلين بصمت وتواضع في سبيل تحقيق ما يصبوا إليه من حياة حرة كريمة(58) .

وفي القاهرة طبع كتاب” نضال الأكراد” تحت اسم مستعار هو” محمد شيرزاد” عام 1946، وهو اسم مستعار ل” زيد احمد عثمان”.

رواق الأكراد بالأزهر الشريف

كان للأكراد رواق في الأزهر الشريف خاص بالطلبة الكرد وكان له أوقاف قديمة ترجع إلى حوالي ثلاثمائة سنة، والرواق عبارة عن مكان واسع، يضم عدداً من الغرف للطعام والمنام، ومكتبة، والطلبة يحصلون على الطعام والكساء من الأغنياء والمحسنين، ومن الأوقاف المسجلة عليه.

يقال أن الأميرة الكردية ( خاتون خان) من الأسرة الأيوبية وقفت ثروتها في خدمة العلم والدين وإنشاء المدارس، وعن وقف هذه الأميرة انشأ رواق الأكراد في الجامع الأزهر منذ مئات السنيين، وتخرج منه مئات العلماء من الكرد كردستان (العراق، تركيا، سوريا، إيران، روسيا)، وكانوا بحق من ضمن من نشروا الدين واللغة العربية في تلك البلاد. وكانت له أوقاف متمثلة ببعض المنازل والمحال التجارية في مدينة القاهرة، يعود أجورها بالفائدة لرواق الأكراد(59).وكان له مكتبة قيمة وقفها أهل الخير على طلبة الأكراد، ضمت إلى مكتبة الأزهر العامة في سنة 1897.

ومن الذين تولوا مشيخة هذا الرواق الشيخ عبد الرحمن بن احمد بن محمد الذوقي الكردي الأزهري، نسبة إلى حصن الذوق إحدى نواحي ولاية (بدليس = بتليس) بالكردستان التركي الآن. ولد بها سنة 1277هـ /1860م، ثم قدم مصر لإتمام تحصيله بالأزهر الشريف، فمنعه شيخ رواق الأكراد بالأزهر حينئذ من الانتساب إلى الرواق، بحجة انه حنفي المذهب، والكردي في زعمه يحب أن يكون شافعيا ً. وهكذا لبث إحدى عشرة سنة يجالد ويكافح إلى أن تمكن من الانتساب إلى رواق الأكراد في (25 ربيع الآخر 1313هـ)، واليه ينسب الفضل في فتح باب الرواق لعموم الأكراد. ثم عين إماماً بمسجد الرواق العباسي بداخل الأزهر. تولي مشيخة الرواق وتنظر على أوقافه، وآخر من وقف على الرواق الكردي والتركي من رجال الدولة العثمانية الفريق إبراهيم ادهم باشا الأورفلي المصري من عشيرة الملية الكردية الضاربة في شرق وجنوب ( الرها = أورفا ) بالكردستان التركي. وقد توفي الشيخ عبد الرحمن سنة 1940م، بعد أن قضاها في العبادة وخدمة العلم، وأنجب أولاداً نبهاء جادون في أعمالهم في خدمة الحكومة المصرية(60).

وممن تولوا مشيخة الرواق أيضاً الشيخ عمر وجدي بن عبد القادر الكردي المارديني، المصري(1901-1991م)، الفقيه، المتكلم، الزاهد. المولود بماردين في كردستان تركيا، وقد رحل إلى مصر، والتحق برواق الأكراد بالأزهر الشريف،وتلقى العلم عن الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، والشيخ محمد زاهد الكوثري وغيرهما وأجازوه بما لهم وعنهم.

عمل مترجما ً في الإذاعة المصرية باللغة التركية، كما عمل شيخا ً لرواق الأتراك والأكراد والبغداديين بالأزهر(61).

وقد قفل الرواق لاسباب غير معروفة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بعكس الأروقة الأخرى التي ما زالت قائمة ألي اليوم، ويطالب الأكراد الآن بإعادة فتح رواق الأكراد الذي قفل تحت ضغط بغداد ودمشق ليعود إشعاع الأزهر الشريف مرة أخرى في ربوع كردستان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) صلاح بدر الدين: موضوعات كردية، 14

(53) صلاح بدر الدين: موضوعات كردية، 98

(54) موجز تاريخ الأدب الكردي المعاصر:68، حول الصحافة الكردية لعز الدين رسول:19-39، جليلي جليل: نهضة الأكراد الثقافية والقومية،29-56

(55)عدنان المفتي:الحوار العربي الكردي،99

(56) الأمير جلادت بدرخان:23-35

(57) الأمير جلادت بدرخان:29 (58)الأعلام: 6/ 306، وله ترجمة في مقدمة كتاب ” تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي ” تقديم أبنه الأستاذ نجم الدين عوني. وابنته درية عوني كاتبة وصحيفة لها كتاب ” عرب وأكراد” نشر في القاهرة عام 1993م. (59) درية عوني: عرب وأكراد، 185، صلاح بدر الدين: موضوعات كردية:110

(60) مشاهير الكرد:2/20-21 (61) تتمة الأعلام 1/400

في مطلع القرن العشرين وحتى منتصفه نبغ العديد من الأعلام الكردية المقيمة في مصر واصبحوا من كبار الشعراء والأدباء والمصلحين والتنويريين أمثال الشيخ محمد عبده، ومحرر المرأة قاسم أمين، وأمير الشعراء احمد شوقي، والأديب الذائع الصيت عباس محمود العقاد، والأسرة التيمورية. والقارئ الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد …الخ وكان لهؤلاء الرواد دور كبير في حركات الإصلاح الديني والاجتماعي والفكري والأدبي ليس على مستوى مصر فحسب، بل تجاوزت شهرتهم إلى العالم العربي، إذ تقول الصحفية المصرية الكردية ” درية عوني” في هذا الصدد: ” كثير من المصريين الذين لهم أصل كردي يعترفون به ولا ينكرونه، ولكن الشيء العجيب إنصهارهم في مصريتهم دون استثناء، لذلك يقول كرد العراق: إن الكرد لم ينصهروا في أي مكان إلا في مصر”. وترد على ذلك القول” ألم يؤكد احمد شوقي وعباس العقاد ومحمود تيمور وقاسم أمين على أصلهم الكردي، وهل هناك من هو أكثر منهم مصرية؟”.

وفيما يلي تعريف بهذه القامات الكردية على الساحة المصرية:

الإمام المصلح الشيخ محمد عبده: رائد الإصلاح والتجديد في الإسلام و في العصر

وهو محمد عبده بن حسن خير الله الكردي: فقيه، مفسر، متكلم، أديب، صحافي، سياسي، كان مفتي الديار المصرية، ومن كبار رجال الإصلاح والتجديد في الإسلام في العصر الحديث.

ولد في محلة نصر بالبحيرة سنة 1849، ونشأ فيها. ثم انتقل إلى القاهرة وتعلم بالأزهر الشريف، ونال شهادته العالية سنة 1877 . تصوف وتفلسف، وعمل في التعليم بدار العلوم ومدرسة الألسن 1878، وكتب في الصحف ولا سيما جريدة ” الوقائع المصرية ” وتولى تحريرها سنة 1880. وجعلها منبراً لنبهاء الكتاب، ومنهم الشاب سعد زغلول. ولما احتل الإنكليز مصر ناوأهم. وشارك في مناصرة الثورة العرابية 1882، فسجن 3 اشهر للتحقيق، ونفي إلى بلاد الشام، فنزل بيروت وعمل في التدريس في الكلية الإسلامية، ولم يلبث أن لحق بأستاذه جمال الدين الأفغاني في باريس، وأصدر معه جريدة ” العروة الوثقى ” الداعية إلى حرية الفكر، ومناهضة الاستعمار، وبث الأفكار الإصلاحية. ثم عاد مرة ثانية إلى بيروت، فاشتغل في التدريس والتأليف، وتعلم اللغة الفرنسية على كبر، وأفاد منها في توسيع مداركه وإكمال ثقافته العصرية.

سمح له بالعودة إلى مصر سنة (1888)،وهناك تولى منصب القضاء في المحاكم الأهلية، وعهد إليه بإلقاء المحاضرات في الأزهر الشريف، ثم رفع مستشارا ً في محكمة الاستئناف سنة 1891، ثم عين مفتيا ً للديار المصرية سنة 1317 هـ /1899. واستمر بهذا المنصب إلى أن توفي بالإسكندرية بمرض السرطان الكبدي يوم 11 حزيران سنة 1903، ودفن في القاهرة باحتفال مهيب. من مؤلفاته: ” تفسير القرآن الكريم – ط ” لم يتمه، و” رسالة التوحيد ـ ط ” صغيرة، في الفلسفة والتصوف، و” حاشية على شرح الدواني للعقائد العضدية ـ ط” ، و” شرح نهج البلاغة ـ ط”، و” شرح مقامات البديع الهمذاني ـ ط” ، و” الإسلام والرد على منتقديه ـ ط” من مقالاته، و” الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية ـ ط” . و” الثورة العرابية ” لم يتمه . وترجم رسالة ” الرد على الدهريين ـ ط” .

قامت دعوته الإصلاحية على أسس ثلاثة: العودة بالإسلام إلى ما كان عليه في العهد الأول من تحرر واجتهاد . والنهوض باللغة العربية وإحياؤها. وإخراج حقوق الشعوب وتخليصها من طغيان الحكام.

حاول أن يلائم من نقاء الإسلام والثقافة الغربية المعاصرة. مع تمسكه بالمبادئ الإسلامية الأصلية. كما رآها ابن القيم، والغزالي .

نادى بالتسامح الديني والتقارب بين الشعوب، ورأى أن السبيل الحق لتحرير الشعوب هو التعليم والتربية(62). ” قاسم أمين محرر المرأة العربية

محرر المرأة القاضي والمصلح الاجتماعي قاسم بن محمد بك أمين، كاتب مصري ذائع الصيت. كان جده ابن أمير من أمراء كرد السليمانية في كردستان العراق، اخذ رهينة إلى الآستانة لخلاف كان بين الأكراد والدولة العثمانية، وكان ذلك الرهينة هو محمد أمين بك والد قاسم، فجئ به إلى مصر زمن الخديوي إسماعيل باشا، ودخل في الجيش المصري حتى ارتقى إلى رتبة (ميرآلاي) .

ولد قاسم في بلدة ( طرّة ) بمصر سنة 1863، وانتقل به والده إلى الإسكندرية فالقاهرة حيث تلقى دراسته، اتصف خلالها بنجابته وقوة ذكائه. وتابع تعليمه في الأزهر، وكان وثيق الصلة بالإمام والمصلح المعروف محمد عبده، والزعيم الكبير سعد زغلول. أرسل ببعثة إلى فرنسا، وهناك أكمل دراسته الحقوق في جامعة مونبيلية. فعاد إلى مصر سنة 1885، وعين وكيلا للنائب العمومي بالمحكمة المختلطة، وتدرج في مناصب القضاء حتى كان مستشاراً بمحكمة الاستئناف، وخدم في القضاء المصري لمدة 23 سنة، كان فيها مثالا للعدالة والنزاهة، والشجاعة الأدبية. توفي بالقاهرة بالسكتة القلبية عن عمر يناهز الثالثة والأربعين سنة في 21 نيسان1908.

دعى قاسم أمين في كتاباته إلى تحرير المرأة العربية ورفع شأنها للرقي الاجتماعي، ومشاركتها الرجل في الحياة العامة وفق تعاليم الإسلام. فوضع كتاب ” أسباب ونتائج وأخلاق ومواعظ” 1898، وكتاب ” تحرير المرأة ” 1899، و” المرأة الجديدة ” 1906. وكان لصدور الكتابين الآخرين دوي كبير في العالم العربي آنذاك. وله كتاب ثالث سمي ” كلمات قاسم بك أمين”، وكان أسلوبه يقوم على الحجة والإقناع الهادي، وأفكاره سامية ملتزمة بالمبادئ الإسلامية.

شارك هذا الموضوع على