ديالا علي
من بين نساء الشرق الأوسطيات ، هنالك العديد من النساء اللواتي ناضلن من أجل الحرية و الكرامة، و لكل واحدة منهن فكر تحاول من خلاله إيصال صوت النساء المكبوحات بشتى الوسائل و الطرق.
منهن من تتغنى بالمساواة و كسر حاجز الخوف، منهن من تخاطب النساء بلسان تقبل الذات و الجسد و غيرها الكثير الكثير من الأفكار و المبادئ التي تبنى عليها آلاف الجمعيات و المؤسسات النسوية، ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل حول العالم أجمعه .
من بين كل تلك النساء المناضلات اللواتي لفتن انتباهي الطبيبة و الكاتبة المصرية نوال السعداوي! لربما لم تكن مختلفة عن باقي النساء و لكن ما كان يميزها عن غيرها هو عقلها الناضج و إيمانها التام بقوة المرأة و قدراتها.
نوال السعداوي الطبيبة الكاتبة استطاعت من خلال أفكارها المتنورة فتح آفاق جديدة أمام المرأة، لتستطيع كشف حقائق لطالما كانت مهمشة و ثانوية بالنسبة للنساء.
كتبت السعداوي جروح السنين من قلب يعتصره الوجع و عقل غاضب، ليتحول ذلك كله إلى ثورة تنير به دروب صانعات السلام في جميع أرجاء الأرض و من الأعراق و الطوائف كافةً.
دونت آلام النساء بعقل يتحلى بالنضج و المعرفة، لترى مكامن القوة و الجسارة في شخصيتها، لم يكن قلمها مجرد أداة يسطّر الحروف و الكلمات، بل كان دواءً شافياً و بندقيةً في وجه الفكر المتطرف و الذهنيات المتعصبة و المتكلّسة، وقفت في وجه الحكومات، رجال الدين المتعصبين، و كذلك في وجه أصحاب الذهنيات الرجعية التي تحاول جاهدةً النيلَ من عزيمة المرأة و الاستهزاء بقدرة عقلها.
إن عبارة “كانت امرأةً بألف رجل ” لربما تكون قليلة في حقها، لأنها حقاً كانت امرأةً شجاعةً ترى الحياة من منظور مختلف، حيث كرامة الإنسان من أولويات العيش الثمين.
زودتنا السعداوي بعدد لا يحصى من الكتب ذي فائدة ملموسة، لتبهر دوماً، بما تطرحه، القرّاءَ و المهتمين بالشأن الثقافي في العالم العربي على وجه الخصوص. ففي كتابها الذي يحمل عنوان “المرأة و الصراع النفسي” كانت قادرة على تسليط الضوء على الضغوطات النفسية التي تواجهها النساء حيال الذهنية المجتمعية و الآراء المغلوطة حيالها. كما أنها، و في كتاب آخر تحت عنوان المرأة و الجنس، تحدثت عن مشكلات عانت منها المرأة العربية منذ زمن بعيد إلى اليوم، إن أشد عباراتها صراحة و أكثرها إيلاماً في الوجدان عندما صرحت قائلة “لا يجب أن نلقي بالمسؤولية على المجتمع أو الرجل وحده، فالمرأة التي تقبل بالخضوع و الذل و الإهانة لتعيش في حماية رجل هو بالنسبة لها كل الحياة هي من وقعت وثيقة عبوديتها بنفسها”.
و تتابع السعداوي في الكتاب نفسه معالجة قضايا تستحق البحث و التدقيق و الوقوف عليها بشكل جدي، فالنظرة الجمعية حيال المسائل المتعلقة بالمرأة و الجنس، و من ضمنهم الكبت الجنسي الناجم عن ذلك، نحن اليوم بأمس الحاجة في النظر بوضوح إليها حفاظاً على الطبيعة البشرية من التشوه و الاندثار!
قالوا لها” أنت إمرأة متوحشة و خطيرة” فكتبت قائلة ” أنا أقول الحقيقة و الحقيقة متوحشة وخطيرة”!
نعم هكذا هي الكاتبة الطبيبة و الناشطة النسوية المدافعة عن حقوق المرأة، صاحبة الصراحة الشديدة و تفانيها الذي لا يتزعزع في الدفاع عن الحقوق السياسية و الجنسية للنساء.
إن روح تلك المرأة القتالية و خصالها الجريئة دائماً ما كانت تعرضها للانتقاد من قبل مع معارضيها، لترد عليهم دوماً بمقولة “إن الاستسلام ليس من شيم النساء”.
صدقت السعداوي حتى وفت للحياة حقها، و أثبتت، كما عودتنا دوماً، بأنها شجرة السرو التي تبقى شامخة و معطاءة إلى الأبد!
“إن المعرفة هي إثارة عدم الرضا في نفس الإنسان من أجل العمل على تغيير حياته نحو الأفضل، و لولا عدم الرضا لما تقدم الإنسان، و لكانت حياته كحياة الحيوانات، إن الحيوانات لا تشعر بالقلق و لذلك هي لا تغير حياتها إلى الأفضل!
و هنا أتساءل دهِشةً من عنفوان تلك الشخصية الجبارة كم من سعداوي بيننا نحن النساء، لنعيش حياة مليئة بالمبادئ سيدها العقل و المنطق!
كم من ثورة تلزمنا لنتخلص من السلاسل و القيود المكبلة حول أعناقنا!
كم يلزمنا من الصبر لنصل إلى نقطة في عالم السعداوي، عالمها الخاص، مدينتها الفاضلة التي زينتها بزيزفون الحياة الوردية بعيون طفلة عاشقة للحرية؟!
في النهاية تستحق هذه الإنسانة بأن يضاف لقب الأم الكبيرة القادرة على احتضان أوجاع و مآسي النساء كافةً إلى اسمها، لما تمتلكه من حضور رهيب و رحمة كافية بأن يدخل الخوف إلى قلوب رافضي الجنس الأنثوي.
المصدر: اتحاد مثقفي روجآفايي كردستان
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=20556