الهجمات التركية على سوريا تطال عمق حياة الأكراد
عبد الحليم سليمان
ملخص
عقب العملية التي استهدفت شركة للصناعات الحربية الجوية في العاصمة التركية، تتعرض مناطق مختلفة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا لهجمات عنيفة بواسطة سلاح الجو التركي مخلفة خسار كبيرة في صفوف المدنيين والبنى التحتية في المنطقة.
حال من الجزع والخوف يعيشها السكان منذ أيام في معظم مدن وأرياف شمال شرقي سوريا، خصوصاً في تلك المحاذية للشريط الحدودي مع تركيا، التي تتلقى الضربات من الطائرات المسيرة والحربية التركية على مؤسسات أمنية ومدنية وعسكرية وأعيان مدنية منذ الأربعاء الماضي عقب الهجوم على شركة صناعات الطيران والفضاء التركية (توساش) في أنقرة، الذي تبناه الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني.
الهجمات التركية التي بدأت الأربعاء الماضي بدءاً من كوباني وتل رفعت، التي أظهرت مقاطع فيديو تعرضها لوابل من القذائف الصاروخية العشوائية وسط البلدة المتوسطة بين قوات النظام والمعارضة بريف حلب الشمالي، استمرت حتى السبت من دون توقف أو إشارات لانتهائها، وشملت المدن والبلدات الواقعة مناطق الإدارة الذاتية وصولاً حتى ديريك (المالكية) في أقصى شمال شرقي سوريا، وحصدت حتى الآن 17 قتيلاً بينهم عسكريان اثنان فقط و65 جريحاً، تسعة منهم عسكريون فيما البقية مدنيون بينهم أطفال ونساء، وفق مصادر محلية.
النفط المستهدف الرئيس
الهجمات الجوية والمدفعية طاولت مراكز حيوية في المنطقة لا سيما في القطاع النفطي بمدينة رميلان الغنية بالنفط وريفها وكذلك بلدة تربه سبي بريف القامشلي الشرقي، كما انقطعت الكهرباء عن عدد من القرى والبلدات جراء استهداف المحطات التي تغذي المنطقة بالنفط، وكذلك محطتا تحويل الكهرباء في مدينتي كوباني وعمودا. وتقدر الإدارة الذاتية عدد المنازل التي أصبحت من دون كهرباء جراء القصف بـ150 ألف عائلة، كما قصف معبر عون دادات التجاري والإنساني الواقع بريف منبج الغربي في محافظة حلب، والواصل بين مناطق قوات سوريا الديمقراطية والمعارضة السورية المسلحة.
الإدارة الذاتية قالت في بيان السبت إن تركيا بهجماتها تهدف إلى نشر الخوف بين الأهالي وتدمير المراكز الخدمية لزيادة الحصار المفروض عليهم، مما يزيد من الأعباء والصعوبات الاقتصادية والمعيشية ويؤدي إلى عواقب وخيمة، منها تفاقم الأزمة الإنسانية وتوقف القطاع الخدمي والصناعي، بما في ذلك خدمات المحروقات والمطاحن”.
لا علاقة لـ”قسد”
الهجمات التركية بدأت على المنطقة عقب سويعات قليلة من وقوع العملية على شركة الصناعات الحربية في أنقرة، واتهم المسؤولون الأتراك العمال الكردستاني بالوقوف وراء الهجوم على منشأتهم العسكرية، وفيما بعد أضافوا أن المهاجمين دخلوا من الأراضي السورية، لكن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي نفى في كلمة مصورة اليوم السبت، ضلوع قواته في الهجوم، مؤكداً أنه ليست لها أية علاقة أو ارتباط بهذه العملية، “ولا تستطيع الدولة التركية تقديم أدلة وإثباتات حول ذلك الأمر”.
وشدد عبدي على أن قرارهم في القيادة العامة لـ”قسد” ينص على ألا تقوم قواتهم بأية عمليات عسكرية في الأراضي التركية، فساحتهم الرئيسة والوحيدة لكفاحهم وعملهم العسكري هي الساحة السورية فحسب.
ولفت القائد العام لـ”قسد” مجدداً إلى أنهم يسعون دائماً إلى حل الخلافات مع جميع الأطراف، خصوصاً تركيا، عبر الحوار، “لكن هذه الهجمات تضر بمساعينا من أجل الحوار وتشكل خطراً”، مضيفاً “إن استمرت الهجمات فإننا أيضاً مضطرون إلى أن نصعد من مستوى ردنا المشروع عليها”، مما يشير إلى صدام محتمل، خصوصاً أن “قسد” نفذت عملاً عسكرياً على قاعدتين لتركيا في المناطق التي تحتلها داخل الأراضي السورية.
زعزعة الأمن الهش
وطاولت الهجمات التركية مراكز قوى الأمن الداخلي وحواجزهم الطرقية في مناطق مختلفة خلال أيام الهجمات الأخيرة، كما في القامشلي وعمودا ومناطق أخرى، وأظهرت مقاطع فيديو استهدافاً في محيط مركز احتجاز داخل مدينة ديريك الذي يأوي عشرات المقاتلين والعناصر من تنظيم “داعش”، مما دعا الإدارة الذاتية إلى إطلاق تحذيرات بتسبب الهجمات التركية في زعزعة الوضع الأمني الهش أصلاً.
وسط هذا الاحتدام المفاجئ لم تصدر حتى الآن أية مواقف أو إعلان عن جهود للتهدئة أو الضغط باتجاه وقف الهجمات والتصعيد التركي غير المسبوق منذ نحو 10 أشهر، كما تطالب القوى السياسية والإدارة الذاتية حلفاءها في دول التحالف الدولي، لا سيما الولايات المتحدة أو روسيا اللتين تعتبران دولتين ضامنتين، بالحفاظ على خفض التصعيد وحدود خرائط النفوذ في الشمال السوري.
وقالت الإدارة الذاتية في بيانها إن “هذه الهجمات التي تشنها تركيا تأتي وسط صمت قوات التحالف الدولي وروسيا والجهات الأخرى، مما ينذر بمرحلة خطرة تتطلب مواقف صارمة ومسؤولة، وإلا فإن تركيا ستواصل عرقلة جهود مكافحة الإرهاب، وتسهم بنشر الفوضى، وخلق كارثة إنسانية مع استمرار هذا الصمت”.
وفي الأثناء سارت دورية عسكرية للقوات الأميركية بعد ظهر السبت، انطلقت من قاعدة التحالف الدولي جنوب مدينة رميلان باتجاه الأماكن المتضررة، لا سيما مصفاة “كر زيرو” في المنطقة ذاتها من دون ترجل الجنود من عرباتهم.
مناشدات مدنية
سعياً إلى تشكيل ضغط إنساني على الجهات الفاعلة في مناطق شمال شرقي سوريا، نظم تحالف المنظمات المدنية وقفة أمام مقر الأمم المتحدة في القامشلي، طالبوا فيها مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي باتخاذ تدابير فورية لحماية المدنيين وحقوقهم الأساسية في شمال وشرق سوريا، والضغط على الحكومة التركية لالتزام القانون الإنساني الدولي، وكذلك طالبوا التحالف الدولي والولايات المتحدة بالتدخل الفوري لوقف الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا، وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المسيرة والحربية التي تستهدف البنى التحتية والأعيان المدنية والمناطق الآهلة بالسكان.
إلى جانب ذلك دعت المنظمات المحتجة لجنة التحقيق الدولية المستقلة والآلية الدولية المحايدة والمستقلة التابعة للأمم المتحدة إلى تكثيف عمليات جمع الأدلة حول “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها جميع أطراف النزاع في حق المدنيين والأعيان المدنية” في عموم سوريا، ومن ضمنها الانتهاكات التركية المتكررة في شمال وشرق البلاد، وإصدار تقرير خاص عن استهدافات البنى التحتية عام 2024، وآثارها في السكان المدنيين.
وتوجهت إلى وحدات جرائم الحرب في الدول التي تسمح قوانينها بمحاكمات وفقاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية، لتوسيع التحقيقات الهيكلية حول الجرائم الدولية في سوريا، بحيث تشمل تلك الواقعة في عموم مناطق الشمال السوري من قبل جميع أطراف النزاع، مشددين على ضرورة الوقف الفوري لهذه الهجمات والعمل على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
المصدر: اندبندنت عربية
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=54132