في الأونة الأخيرة، أخذ المشهد السوري يشهد تطورات سريعة، حيث شهدنا تراجعآ كبيرآ للمعارضة المسلحة، وتقدم النظام في كل من حلب وريف دمشق، ودخول تركيا إلى جرابلس بهدف منع الكرد من التقدم نحو عفرين، لقاء تخليها عن المسلحيين في حلب، وتسليمها للنظام برعاية روسية. ومن ثم توصل النظام والمجموعات المسلحة إلى إتفاق وقف إطلاق النار، وعقد مؤتمر إستانة، برعاية روسية- تركية وبمشاركة إيرانية.
ورافق ذلك تغير كبير في مواقف العديد من الأطراف المعارضة للنظام السوري، وعلى رأسهم الإئتلاف الوطني السوري، والمجلس الوطني الكردي، والهيئة العليا للمفاوضات التي تأخذ من الرياض مقرآ لها، من مسائل عدة أهمها، بقاء الأسد في المرحلة الإنتقالية
وثانيآ، موقفها من جبهة النصرة- فرع تنظيم القاعدة في سوريا، التي كانوا حتى الأمس يعتبرونها تنظيم سوري وطني، وظلوا يرفضون بشدة إدراج إسمها في لائحة الإرهاب الأمريكية، الأوروبية، والدولية. ووصل الأمر ببعض قادة المعارضة السورية السياسية بالإعلان على أنهم مستعدين للجلوس مع جبهة النصرة الإرهابية وتنظيم داعش المجرم ولكنهم غير مستعدين للجلوس مع حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي!!!
السؤال الأن: ما سر هذا التحول المفاجئ في موقف المعارضة السورية، من جبهة النصرة، وإعتبارها منظمة إرهابية، ووجب محاربتها بالتعاون مع النظام السوري؟
بتقديري الشخصي هذا التغير المفاجئ في موقف المعارضة السورية السياسية والمسلحة تجاه جبهة النصرة، يعود في الأساس إلى تغير اردوغان وجهته السياسية نحو موسكو، بُعيد الإنقلاب العسكري ضد حكمه قبل عدة أشهر، وثانيآ، تجاهل أمريكا للشأن السوري وترك الأمر للروس كي يديرونه. وثالثآ، إدراك الجماعات المسلحة باستحالة الإطاحة بالأسد عن طرق القوة، في ظل موازين القوى المائل لصالح النظام، ورابعآ، رغبة كل فصيل من هذه الفصائل المسلحة، بحجز مكان لها على طاولة المفاوضات، وتجنب وضع إسمها بجانب إسم جبهة النصرة وتنظيم داعش على لائحة الإرهاب.
هذا التغير لم يأت نتاج تطور في قناعات السياسية لهذه القوى، ولا نتاج مراجعة نقدية لتجربتها الفاشلة خلال الفترة الماضية، وإنما أتى هذا التغير نتيجة ضغوط خارجية، والتطورات الميداني الحاصلة على الأرض، وإنصراف العالم عن المسأة السورية، وخوف الكثير من الجماعات المسلحة، من سيطرة جبهة النصرة عليها، نظرآ لكبر حجمها وقوتها العسكرية، وقدرتها على إكتساحها. والملفت للنظر في هذا التغير، إن أكثرية هذه المجموعات، التي إنقلبت على جبهة النصرة الإرهابية، لا تختلف عنها فكريآ وعقائديآ بشيئ.
ولم يكن ليحدث هذا التغير المفاجئ في موقف تركيا، ومعها موقف الجماعات الإرهابية المرتبطة بها من جبهة النصرة، لولا الضغط الروسي على تركيا، وإستخدام الورقة الكردية ضدها. ولا شك بأن الأسباب، التي دفعت الروس إلى بالتمسك بهذا المطلب، أي إعتبار النصرة جماعة إرهابية، ووجب محاربتها، هو وجود العديد من العناصر الداغستانية، الأنغوشية والشيشانية في صفوفها. وثانيآ، محاربة هذا التنظيم لقوات النظام السوري، وتشكيله تهديدآ عليه.
ومن هنا نستنتج، مدى إنتهازية هذه الجماعات المتطرفة وراعيها تركيا بقيادة السلطان اردوغان. ولا يقلون سوءً وصلافة، عن النظام السوري المجرم. وهذه القوى بشقيها السياسي والعسكري، ليسوا سوى متاجرين بألام السوريين ودمائهم، منذ ستة أعوام. وموقف هذه الجماعات قد تتغير غدآ، إذا ما تغيرت الظروف لسبب ما. ولهذا لا يمكن إعتبار هذا الموقف المفاجئ لهذه المعارضة من جبهة النصرة، موقف نهائي ومبدئي.
وأخيرآ، الجميع في إنتظار وضوح سياسة إدارة ترامب الجديدة، إزاء المأساة السورية، وكيفية تعاملها معها، والأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذا التساؤل الهام.
02 – 02 – 2017
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=2642