محمد شيخموس
لا شك أن تركيا أمام استحقاقات صياغة خطاب جامع في ظل التباين العرقي والديني والهويات المضطهِدة والمضطهَدة، فهل تعيد أنقرة رسم ملامح سياستها الداخلية وتتصالح مع الداخل، بعدما انتهت عملية اللعب على حبال موسكو وواشنطن، وصوت الشارع التركي يصم الآذان، الغلاء والبطالة وانهيار الليرة والكساد الاقتصادي والحنين إلى الاستقرار وسياسة الصفر مشاكل؟ إن التحولات الاستراتيجية العميقة التي تشهدها الساحة الدولية والتي تجلت بوضوح انكماش الدور التركي، التي كانت لسنوات تلعب دوراً محورياً في رسم السياسة الإقليمية ((وإن كان بشكل سلبي)) باتت اليوم أمام تحديات تهدد أسس نفوذها وتضعف مركزها الاستراتيجي بشكل ملحوظ لتبدأ بالعد العكسي من فقدان هذا الدور، وجاءت قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين لتفقد تركيا المزيد من أوراقها في سوريا والعراق وليبيا والصراع الأذربيجاني الأرمني والحرب الروسية الأوكرانية والتناحر الهندي الباكستاني في شرق آسيا، فعملية السلام بين كل من أذربيجان وأرمينيا الذي توسط فيه الرئيس ترامب قد أحدث تحولاً دراماتيكياً في اللعبة الجيوسياسية في منطقة القوقاز من تحت رجل أردوغان كانت ضربة موجعة له حيث كان الأخير يزكي نار الخلافات بين البلدين ليحقق من خلال تناحرهما مكاسب سياسية واستراتيجية واقتصادية، بالإضافة إلى اقتراب موعد السلام في الحرب الروسية الأوكرانية وخاصة بعد لقاء أنكوراج في ألاسكا بين الرئيسين الروسي والأمريكي، حيث كان أردوغان يجيد الرقص على أصوات المدافع في تلك الجبهة المشتعلة.
إن مشروع القائد عبدالله أوجلان الذي أعلنه في شباط ٢٠٢٥ قد سحبت مبرر العداء للكرد ومنظومة المجتمع الكردستاني، ومبرر الوجود العسكري التركي في إقليم كردستان الجنوبية، هذا الوجود الذي يثير حفيظة الحكومة العراقية وحكومة وشعب إقليم كردستان ويمس السيادة الوطنية العراقية والكردستانية.
فعندما حل حزب العمال الكردستاني نفسه من خلال مؤتمره وانتهاء حقبة النضال العسكري وبدء مرحلة الكفاح السياسي الديمقراطي من خلال رمزية حرق السلاح الذي نفذه مجموعة من الكَريلا، قد وضع تركيا أمام خيار الخيال الإمبراطوري إلى واقع الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية التشاركية المبنية على أساس متعددة القوميات. لقد كان الخطاب القومي التركي هي صناعة تركيا القومية الكبرى والتي تمتد حدودها من تركستان الصينية إلى البوسنة والهرسك، في الوعي الشعبي وثقافته ولا وعيه. إن مبادرة السيد أوجلان قد وضع تركيا أمام استحقاقات صياغة دستور جديد للبلاد يتم إقراره داخل البرلمان تنهي عهد الشعب الواحد والقومية الواحدة والايديولوجية الواحدة، ونسيان الماضي التركي الذي كان ينتمي إلى عهد انتهى وحقبة سوداء في التاريخ التركي الذي عمد بدماء الملايين من الكرد والأرمن واليونانيين والعلويين واللاذ والأرناؤوط والبلغار والرومان وكل الشعوب القاطنة في هذه الجغرافيا التي تسمى تركيا.
إن السلام الذي طرحه السيد أوجلان ليس شعاراً بل التزام يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وهو ما تفتقده أنقرة في ظل سياساتها الاقصائية حيث أنها لاتزال عالقة الذهنية الإمبراطورية القومية، وقد تناست أن تركيا الحرب الباردة غير تركيا ٢٠٢٥.
إن من أولويات هذا المشروع هو توفير مناخ ديمقراطي وتنظيف السجون وإعادة إنتاج ثقافة ديمقراطية تمهد للعيش المشترك وبناء دولة تشاركية وطنية لا مكان فيها لقومية سائدة تضطهد قومية أخرى والاعتراف المتبادل بالوجود والحل الدستوري للقضية الكردية في تركيا فيدرالية شأنها كشأن معظم الدول الأوربية التي تتبنى النظام الفيدرالي التي طالما تحلم تركيا بالانضمام إلى ناديها، فمن غير المعقول أن تفتح صفحة جديدة للسلام والأخوة مع كرد شمالي كردستان وتدبر المكائد وتبث الروح العدائية تجاه كرد روجآفاي كوردستان، وتأليب كل شذاذ الآفاق والإرهابيين وعشائر الفزعات والغنائم على هذا الشعب الكردي المسالم، فهذا لا يستقيم مع ميزان السلام والحوار والاستقرار والديمقراطية.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=75027