السبت, يوليو 27, 2024

نُشر في: 29 مارس، 2024

آراء

رستم محمود: إقليم كردستان يترقّب بقلق… هجوم أو لا هجوم من تركيا على “العمّال”؟

بين تأكيدات أمنية وإعلامية تركية، ونفي رسمي عراقي، لا تزال ملامح العملية العسكرية الموسعة التي تقول تركيا إنها ستُقدم عليها في الأشهر المقبلة ضد حزب العمال الكردستاني في العمق العراقي، بالذات في محافظة السليمانية ومنطقة سنجار غرب محافظة نينوى، غامضة. ويعيش إقليم كردستان حالة ترقب لما ستكون عليه الأمور، ومدى تأثير عملية تركية محتملة على أوضاعه والهدوء الأمني الذي يعيشه.

حسبما تروّج تركيا عبر المنصات الإعلامية والسياسية المقربة منها، فإنها توصلت إلى تفاهمات مع الحكومة العراقية، بمشاركة واضحة من الحشد الشعبي، وبمباركة وغض نظر من إيران، واطلاع من إقليم كردستان، تنص على إطلاق يد أنقرة في كل مناطق تمركز القوات التابعة لحزب العمال الكردستاني ضمن العراق، عبر عمليات عسكرية مشتركة وأنواع من الهجمات الخاطفة والإنزال الجوي، بطريقة تشل قدرات الحزب عسكرياً، وتتضمن إغلاق البقعة الباقية من الحدود المشتركة بين تركيا والعراق، ووضع منصات أمنية تفصل بين منطقة سنجار والحدود السورية، أو بينها وبين المناطق الجبلية من العراق، مع هجوم واسع ونوعي على منطقة “جبال كارا” الواقعة بين محافظتي دهوك وأربيل، وتصفية وجود العمال الكردستاني هناك.

أجواء ضبابية
طوال الأسبوع الماضي، ساد صمت غير اعتيادي في الأوساط السياسية والأمنية العراقية، حتى بعد تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بوجود اتفاق مع رئيس الحشد الشعبي العراقي فالح الفياض، وهو ما يعني مشاركة الحشد في تلك الأعمال، وصمت إيران عنها. لكن وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي عاد ونفى وجود أي نية أو تخطيط أو حتى قبول بهذه العمليات العسكرية التركية ضمن الأراضي العراقية، موضحاً أن الأمر لا يتعدى التنسيق الأمني الاستخباري، كما كان على الدوام، ومعه إغلاق الواجهات السياسية لحزب العمال الكردستاني.

إقليم كردستان يجد نفسه وسط هذه المزاحمة الأمنية السياسية بين ثلاث قوى إقليمية، تشيد توازناتها السياسية والأمنية ضمن الأراضي الواقعة ضمن سيادته، وتؤثر بعمق على أوضاعه الداخلية. فأي دخول للقوات التركية المهاجمة على منطقة سنجار يفترض أن يتم عبر أراضي الإقليم، والهجمات التي تخطط القوات التركية لشنها على باقي قواعد الحزب بشكل موسع، سواء في جبال كارا أو جبال قنديل ومآوت في محافظة السليمانية، إنما ستكون أيضاً ضمن أراضي الإقليم وبالقرب من مدنه الرئيسية.

يحدث ذلك في وقت تشهد الساحة السياسية الكردية استقطاباً سياسياً حاداً، بشأن الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها بعد قرابة شهرين من الآن، مع مقاطعة استثنائية من الحزب الديموقراطي الكردستاني. كذلك ثمة خلاف شديد بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم بشأن حزب العمال الكردستاني، ففيما يطالب “الديموقراطي” مقاتلي “العمال” بمغادرة الإقليم بأي شرط وظرف، ومن كل مناطقه، فإن “الاتحاد الوطني” متهم بتقديم دعم لوجستي وتغطية سياسية للحزب في محافظة السليمانية ومناطق حضوره في محافظة كركوك.

تعقيدات اتفاقية سنجار
لا يملك الإقليم سياسية أمنية إقليمية خاصة به، ويعلن على الدوام التزامه بما تمليه السياسة الأمنية للعراق، شرط التنسيق الأمني بين أجهزته الأمنية ونظيرتها المركزية. لكن الإقليم يعلن منذ سنوات امتعاضه من عدم قدرة السلطات المركزية على تطبيق اتفاقية سنجار التي توصل إليها الطرفان منذ ثلاث سنوات، والخاصة بتنظيم الأوضاع الأمنية والإدارية في سنجار، والتي تتطلب إخراج المقاتلين المقربين من العمال الكردستاني من تلك المنطقة. كذلك يشكو الإقليم من استنكاف السلطات المركزية عن تقديم تغطية وأسلحة استراتيجية للإقليم، ويعتبر ذلك من الأدوات التي تدفع العديد من الأطراف إلى تصفية صراعاتها ضمن أراضيه، مثل تركيا والعمال الكردستاني.

حسابات القوى حيال عملية مفترضة
الباحث والكاتب في الشؤون الأمنية حميد سمو شرح في حديث لـ”النهار العربي” ما سمّاها الترتيبات المعقدة لمثل تلك العملية، وتأثيراتها المستقبلية على كل أوضاع المنطقة، أياً كانت نتائجها، بما في ذلك إقليم كردستان، وقال: “تجري المزاحمة بين قوى سياسية لا تثق إحداها بالأخرى بتاتاً. يعني حتى لو حصلت تركيا على ضوء أخضر إيراني، فإنها لا تعرف نوعية التوافق والأسلحة التي يمكن أن تكون بحوزة العمال الكردستاني، الذي أعلن أخيراً حصوله على أسلحة مضادة للطيران، والكثير مما يمكن أن يكون قد حصل عليه عن طريق إيران نفسها. كذلك لا يثق إقليم كردستان بقوات الحشد الشعبي، ويعرف تماماً تطلعها لتقويض مجال سيطرته، والحشد نفسه لا يعرف مساعي تركيا لما بعد العملية. لأجل ذلك، فإن من الصعوبة بمكان أن تجري العملية عبر ترتيبات واضحة ومتفق عليها”.

وأضاف سمو أن “إقليم كردستان، عبر الانقسام السياسي الشديد الذي يشهده، لا يمكن أن يكون جزءاً من صفقة واضحة ومعروفة المسار والنتيجة، خصوصاً أن إرباكاً شديداً يسود كل المنطقة في ما خص مرحلة ما بعد حرب غزة، ورغبة القوى الدولية في فرض تفاهمات سلمية على كل حساسيات المنطقة ومواجهاتها، بالذات مع القوى المناهضة لأي عملية سلام قد ترتب لمستقبل المنطقة. لأجل ذلك، فإن العملية المفترضة يمكن أن تكون محدودة جداً، وفي إطار سعي الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تحقيق نصر عسكري رمزي، قبل شروعه في وضع دستور جديد لتركيا، كتتويج لمشروعه وتجربته السياسية”.

المصدر: النهار العربي

شارك هذا الموضوع على