السبت, يوليو 27, 2024

نُشر في: 1 مايو، 2024

القسم الثقافي

سليفــان (مَيَّـافَارقِـين) .. لمحــات مـن التاريـخ والجغرافيـة والتراجـــم

الدكتور محمد علي الصويركي

الملك الأشرف موسى الأيوبي
(578-635هـ =1182-1237م)
الملك الأشرف موسى بن الملك العادل محمد بن أبي بكر بن أيوب، مظفر الدين، أبو الفتح، ابن أخي السلطان صلاح الدين: من ملوك الدولة الأيوبية بمصر والشام.
ولد في القاهرة، وقيل في قلعة الكرك سنة 578هـ/ 1182م، ولاه أبوه عام 598هـ/1201ـ1202م حكم مدينة الرها ( أورفه). وأضاف إليها فيما بعد حران وخلاط وتلك الديار، ثم تملك دمشق تسع سنين فأحسن وعدل وخفف الجور .

حارب الأشرف نور الدين أرسلان شاه الزنكي صاحب الموصل وانتصر عليه في وقعة بين النهرين عام 600هـ/1204م. ثم أضاف أبوه إلى حكمه أيضا ً مدينة خلاط و ميافارقين وغيرهما. وأخذ منذ عام 606 هـ /1204م في غزو الجزء الأكبر من أرض الجزيرة، وكان مقر حكمة بلدة الرقة. ولمّا توفي الظاهر غازي صاحب حلب عام 613 هـ/1216م احتفظ الأشرف بحكم هذه المدينة في فرع أسرته، وكان يهددها في ذلك الوقت الأفضل بن صلاح وكيكاوس ملك الروم. وعند وفاة أبيه، حاصر الإفرنج مدينة دمياط . وتردد الأشرف قليلا،ً ثم قرر المبادرة إلى عون أخيه الكامل الذي أصبح رأس الأسرة الأيوبية. وقد روي أن استعادتهما دمياط من يد الإفرنج راجع إلى طالع سعده. ولما توفي المعظم صاحب دمشق، هاجم الكامل، الناصر بن المعظم، وانظم الأشرف بادئ الأمر إلى الناصر، ولكنه انحاز بعد ذلك إلى الكامل، فأعطاه الكامل دمشق نظير تخليه عن جزء من أملاكه الشرقية عام 626هـ /1229م. وانظم الأشرف بعد ذلك إلى كيقباذ ملك الروم ضد العدو المشترك جلال الدين خوارزم شاه، آخر أمراء أسرته، والذي ضيق عليه المغول وهزمه في عام 627هـ /1230م. ولم يتردد الأشرف والكامل في محاربة كيقباذ عندما أغار على ديار الجزيرة عام 631هـ /1233 – 1234م، ولم يكن التوفيق حليفهم أول الأمر، ولكنهم افلحوا في طرد السلاجقة عام 633هـ /1235ـ 1236م. ويظهر أن الغيرة أفسدت ما بين الأخوين بعد ذلك فحارب الكامل أخاه الأشرف، وقبل أن تسفر الحرب بينهما عن نتيجة حاسمة، توفي الأشرف في دمشق سنة 635هـ/1237م.
كان الأشرف جوادا رقيق الطبع فأجمع الناس على حبه. وعندما فتح دمشق جعل فيها دار حديث، وبنى مسجد أبي الدرداء، والمسجد الذي عند باب النصر، وخان الزنجاري( جامع العطية)، ومسجد القصب خارج باب السلام، وجامع الجراح، وجامع بيت الانبار، وجامع حرستا، وزاد وقف دار الحديث النورية .
قال عنه شمس الدين الذهبي: كان فيه دين وتواضع للصالحين. حلو الشمائل موصوفا بالشجاعة، لم تكسر له راية قط.
وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام: كان جوادا عادلا سخيا، وعفا عن المحارم ما خلا بامرأة قط إلا زوجته أو محرمه. ومهما بلغ الثناء عليه فانه يوضع في مصاف العظماء من أمراء بيته، من آثاره “ دار الحديث الأشرفية” بسفح قاسيون بدمشق(1).

يحيى الحصكفي
(460-551 هـ =1067-1156 م)
يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد، المعروف بالخطيب الحصكفي الطنزي ( أبو الفضل، معين الدين): أديب، كاتب، شاعر، فقيه، خطيب. ولد ( بظنزه = بشيري) في جهات ديار بكر، ونشأ بحصن كيفا = شرناق الآن. والحصكفي نسبة إلى حصن كيفا. قال ابن خلكان: هي قلعة حصينة شاهقة بين جزيرة ابن عمرو وميافارقين من مدائن ديار بكر.
قدم بغداد وتأدب على الخطيب أبي زكريا التبريزي وغيره، وتفقه على مآدب الشافعي. ورجع إلى بلاده ونزل (ميافارقين = سليوان) واستوطنها، وتولى بها الخطابة والافتاء، وبرع في النظم والنثر والإنشاء والخطب، وهو صاحب الأبيات المشهورة التي أولها :
أشكو إلى الله من نارين : واحدة
في وجنتيه، وأخرى منه في كبدي
ومن سقامين، سقم قد أحل دمـي
من الجفون وسقم حل في جسـدي
ومن ضعيفين: صبري حين اذكره
ووده ويراه الناس طــوع يدي
مهفهف رق حتى قلت من عجب
أخصره خنصري أم جلده جـلدي
ومن شعره:
والله لو كانت الـدنيـا بأجمعها
تبقي علينا ويأتي رزقها وغـدا
ما كان من حق حر أن يذل لها
فكيف وهي متاع يضمحل غدا
وله:
من كان مـرتـدياً بالــعقل متزراً
بالعلم ملتفعـاً بالـفضل والأدب
فقد حوى شرف الدنـيا وإن صفر
كفاه من فضـة فـيها ومن ذهب
هو الغني وإن لـم يـمس ذا نشب
وهو النسيب وإن لم يمس ذا نسب
ومن مؤلفاته: “ ديوان رسائل ـ خ” ، و” ديوان شعر “ ، و” عمدة الاقتصاد” في النحو، و” قصيدة ـ خ”.
قال عنه السمعاني في كتاب (الأنساب): أحد أفاضل الدنيا، وكان إماما بارعاً اشتهر ذكره في الآفاق بالنظم والنثر والخطب والفقه والأدب ولكن كان غالياً في التشيع.
قال ابن خلكان: هو صاحب ديوان الشعروالخطب والرسائل، قدم بغداد واشتغل بالأدب وأتقنه حتى مهر فيه، وقرأ الفقه على مذهب الشافعي وأجاد فيه، ثم رجع إلى بلاده ونزل (ميافارقين) واستوطنها وتولى بها الخطابة .
وقال ابن الجوزي في (المنتظم): هو إمام فاضل في علوم شتى وكان يفتى ويقول الشعر اللطيف، والرسائل المعجبة، وكان ينسب إلى الغلو في التشيع. أنشد بميافارقينلنفسه سنة 550هـ من قصيدة شيعية شائعة، رائقة رائعة، أولها.
حنت فأذكت لوعتي حنين
أشكو من البين وتشكو البينا
وقال: العماد الاصبهاني في حقه: كان علامة الزمان في علمه، ومعري العصر في نثره ونظمه، له الترصيع البديع، والتجنيس النفيس، والتطبيق والتحقيق، واللفظ الجزل الرقيق، والمعنى السهل العميق، والتقسيم المستقيم، والفضل السائر المقيم(2).

ابن الأردخل
(577 – 628 هـ = 1181 – 1231م)
محمد بن الحسن بن يمن بن علي الأنصاري أبو عبيد اللّه، مهذب الدين، أبو المعالي، المعروف بابن الأردخل: نديم وشاعر، ولد ونشأ في الموصل، واتخذه الملك الأتابكي ناصر الدين محمود نديماً له، ثم رحل إلى ميافارقين وامتدح صاحبها الأشرف موسى الأيوبي، وأقام عنده ينادمه، وتوفي بها. له (ديوان شعر).

فخر الدولة ابن جهير
( …- 483هـ =…- 1090م)
الوزير الأكمل، فخر الدولة أبو نصر، مؤيد الدين، محمد بن محمد بن جهير الثعلبي كان ناظر ديوان حلب، ثم وزر لصاحب ميافارقين، ثم وزر للخليفة القائم، في سنة أربع وخمسين، وامتدت دولته إلى أن استخلف المقتدي، فاستوزره عامين، ثم عزله ، ثم في سنة ست وسبعين استدعاه السلطان ملكشاه، واستنابه على ديار بكر، فافتتح ابنه أبو القاسم آمد بعد حصار يطول، وملك ميافارقين سنة 378هـ ، وكان مقيما على حصارها، فوصل إليه سعد الدولة كوهرائين في عسكره نجدة له، فجد في القتال حتى سلمت البلد إلى فخر الدولة ابن جهير واخذ جميع أموال بني مروان وأرسلها مع ابنه إلى السلطان في اصبهان.
كان جوادا، فاضلا مهيبا، من رجال العالم، عاش نيفا وثمانين سنة. مات على إمرة الموصل، سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة(3).

أبو سعيد عبيد الله بن بختيشوع
أبو سعيد عبيد الله بن بختيشوع : من أسرة بختيشوع التي تعني بني عبد المسيح في اللغة السريانية، وهم أسرة من الأطباء و العلماء السريان النساطرة تعود أصولهم إلى مدينة جنديسابور في منطقة الأحواز في إيران حاليا، انتقلوا إلى بغداد ثم لاحقا الموصل و ميافارقين، وهذه الأسرة خدمت الخلفاء العباسيين.
عاش في ميافارقين، وكان صديقا لابن بطلان. له عدة مؤلفات في الطب والفلسفة منها: “ رسالة في الطب و الأحداث النفسانية” ، “ مناقب الأطباء “، “ الروضة” ، “ طبائع الحيوان و خواصها ومنافع أعضائها” . توفي عام 1058(4).

المختار بن الحسن بن بطلان
أبو الحسن المختار بن الحسين بن عبدون بن سعدون بن بطلان «936 ـ 1055م»، لم يكن مكثراً في تأليفه شأن الاوائل ومعاصريه الذين صنفوا كتباً موسوعية في الطب والفلسفة، واتبعوا في ذلك نظرية تقليدية تقضي بوصف الأمراض من الرأس إلى القدم، ووصف العلاجات لكل حالة مرضية بأدوية مفردة أو مركبة، إذ يبدو أن هذا الهاجس ما كان يشغل بال ابن بطلان برغم إمكاناته الكبيرة التي تجلت واضحة في مؤلفاته، ولذلك كانت كتبه ورسائله تركز على الجانب العلمي من الطب وإمكانية استفادة العامة والخاصة والمسافرين والرهبان في الأديرة، وذلك بإتباع أساليب الوقاية والحمية والغذاء وأسلوب الدواء المتبع، بالإضافة إلى مناقشته لبعض المسائل التي كانت تثار في عصره.
يذهب ابن بطلان في كتابه «دعوة الأطباء» يحكي عن طبيب متجول حطت به الرحال بمدينة «ميّافارقين» فأخذ يسأل عمّن بها من الأطباء، فأُرشد إلى دكّة بسوق العطارين حيث يلتقي الضيف بالطبيب الشيخ.. لتبدأ أحداث قصة، تقارب أن تكون رواية لما فيها من سرد وأحداث وحوارات ووصف.. كتبت بلغة العصر التي تتراوح بين الشاعرية المسجوعة بالسردية المرسلة، في أسلوب خال في مجمله من مبالغات الزخرف اللفظي، وخالياً من الغموض، وقد ساعدته في ذلك ثقافته الفلسفية الواضحة في كتابه.
ومن الموضوعات المهمة التي بين ثنايا كتابه ذكر الطعام والشراب واللذة وعلم التشريح والعلوم الطبية والصيدلانية..
ومن كتبه الأخرى “ تقويم الصحة” الذي ترجم إلى اللاتينية والألمانية في القرن الثاني عشر ومن ثم طبع باللاتينية عام 1013م. وقالت عنه زيغريد هونكة: «وهل هناك انفع من «تقويم الصحة» لابن بطلان من التأثيرات المفيدة أو المضرة للمناخ والتغذية، والعوارض الخارجية والحركة والراحة والنوم واليقظة، وعن الوسائط المكافحة ضررها».
ويقول عنه جورج سارتون: «أن عدداً من المسيحيين اشتركوا في بناء العلم الإسلامي بينهم ابن بطلان، وانه ربما أول من شرع في كتابه الأسلوب الذي جاء في كتابه «تقويم الصحة» وهو جدول صحي مختصر في الطب».. أما شاخت ديوزورث فقد قال: «ومن بين نقاد جالينوس والآخرين يكفينا أن نذكر الطبيب وعالم اللاهوت النصراني ابن بطلان». ويضيف عزت عمر إلى ذلك لمحات من حياة ابن بطلان وتنقلاته ورحلاته وعلاقاته الودية والتناحرية من علماء عصره ومشاهير الأدباء في زمانه وخاصة الطبيب المصري علي بن رضوان وما جرى بينهما من حوارات حادة وعميقة في مسائل طبية، غلب عليها النقد اللاذع والقذف المر والخلافات الحادة حول حب الأخير للإغريق الذي كان حسب رأي زيغريد هونكة «رغبة ابن رضوان في تمجيد شبابه وجهوده التي بذلها يومئذ في الغبّ من مناهل الإغريق وهو الطالب الفقير ابن حمال الماء الذي اضطر للعمل في صباه ليكسب الدراهم التي اشترى بها كتب القدامى، ولكن ذلك لا يعني أن ابن بطلان ضد علوم القدماء وإنما كان ينتقد بعض أساليب المعالجة التي اتخذها الأطباء العرب عن الإغريق..».
ويعزز عزت عمر دراسته لابن بطلان بمنهج في التحقيق، يوضحه للقارئ في الفصل السادس من الكتاب إذ يقول: «لقد ارتأينا في تحقيق النص أن يكون موضحاً بالهوامش والتعليقات، وإثبات الاختلافات بين النسخ بعد موازنتها بعضها ببعض، والتعريف بالإعلام، وشرح ما يحتاج إلى توضيح، كما إننا حاولنا قدر الإمكان إخراج النص بالاعتماد على النسخة الأقدم والأقرب إلى عصر المؤلف، ونعني بها نسخة مكتبة «الامبروزيانا» ومع ذلك لم نثبت نصها عرفياً، وإنما حاولنا ضبط النص وفق قراءتنا الخاصة للنصوص الثلاثة التي اعتمدناها في التحقيق. ولما كان النص محاورة طريفة بين الأطباء فإننا حاولنا من حيث الشكل إخراج نص، وفق النصوص الأدبية الحديثة بالإضافة إلى علامات الترقيم، معتمدين في ذلك على الوحدة الكتابية المعروفة حالياً، دون إشارة إلى ذلك في الهوامش، كما قمنا بتشكيل الكلمات وضبطها بالحركات الضرورية، ولاسيما فيما يشتبه من الألفاظ وأسماء الإعلام وكناهم وأنسابهم وألقابهم وأسماء المواضيع والبلدان مع الإشارة إلى ذلك في الهوامش. كما إننا عمدنا إلى تعريف أسماء الإعلام الواردة في النص بشكل مختصر وكذلك الألفاظ العلمية «الطبية والصيدلانية» وقد عانينا من صعوبة بالغة في تثبيت أسماء الشعراء الذين استشهد بهم ابن بطلان دون أن يذكر اسماءهم فاختلطت أشعاره بأشعار غيره، ما اضطررنا للجوء إلى كتب الأدب ودواوين الشعراء لمعرفة قائليها ولضبط نصّها مع ذكر العيوب الشعرية التي أصابتها نتيجة التحوير أو التضمين أو الاقتباس الذي قام به المؤلف»(5).

هوامش

(1) دائرة المعارف الإسلامية: 2/ 2134ذيل كتاب الروضتين :165، وفيات الأعيان:2/138، السلوك:1/256، الشرفنامة:97، مرآة الزمان:8/711، النجوم الزاهرة:6/300، الدارس في تاريخ المدارس:2/292، الأعلام:7/327، الموسوعة العربية:2/1742، شذرات الذهب:175-
(2) كشف الظنون:1166، هدية العارفين:2/520، ،معجم الأدباء:7/247، أبناء الرواة:4/42-43،الأعلام:8/148-149، وفيات الأعيان:6/244-249، البداية والنهاية:12/127، الكامل في التاريخ:11/439، سير الذهبي:20/320، النجوم الزاهرة:5/328، شذرات الذهب:4/168، الفهرس التمهيدي:279، مشاهير الكرد:1/200.
(3) الفارقي: تاريخ الفارقي،143، ابن الأثير: الكامل،8/440
ك(4) ابن أبي اصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء . موسوعة المنجد في الأعلام ص 115.
(5) المختار بن الحسن بن بطلان دعوة الأطباء ـ صفحات من الأدب الطبي العرب يدرسه وحققه: عزت عمر : دار الفكر ـ دمشق 2003.

إعداد: الدكتور محمد علي الصويركي

شارك هذا الموضوع على