الثلاثاء, أكتوبر 22, 2024
حقوق الإنسانرئيسي

سوريا: عقوبة الإعدام أداة للقمع السياسي وتصفية الخصوم

كُتبت هذه الورقة بدعم وتمويل من منظمة Legal Action Worldwide. إنّ محتوى هذه الورقة من مسؤوليات “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وهذا المحتوى لا يمثّل بالضرورة وجهات نظر Legal Action Worldwide.

مقدمة:

تأتي هذه الورقة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة حكم الإعدام، الذي يُحتفل به في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، كجزء من الجهود العالمية الرامية إلى تسليط الضوء على المخاطر والآثار السلبية لعقوبة الإعدام.

تقدم “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” هذه الورقة بصفتها جزءً من التحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، وإيماناً منها بأهمية تسليط الضوء على الانتهاكات المرتبطة بعقوبة الإعدام في سوريا، حيث أنه وبرغم التحركات الدولية لإلغاء هذه العقوبة أو الحدّ منها، لا تزال سوريا تستخدم عقوبة الإعدام بشكل واسع النطاق، خصوصًا منذ بدء الحراك الشعبي عام 2011 حيث توظف الحكومة السورية عقوبة الإعدام كأداة للقمع وتصفية المعارضين/ات، لا سيما من خلال “قوننة الممارسة” وتسخير محاكم استثنائية للحكم بهذه العقوبة.

تستند عقوبة الإعدام في سوريا إلى نصوص قانونية عديدة لكنها تتجسد بشكل رئيسي في قانون العقوبات السوري رقم 148 الصادر عام 1949، والذي ينصّ على عقوبة الإعدام في بعض “الجرائم الواقعة على أمن الدولة” والتي جاءت بعبارات فضفاضة وتحتمل أكثر من تأويل كعبارة “دس الدسائس لدى دولة أجنبية” و “دس الدسائس لدى العدو” و”حمل السلاح على سوريا في صفوف العدو” و”إثارة الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي” و “التجسس لمصلحة دولة معادية“.[1]

بالإضافة إلى فرض هذه العقوبة ضدّ مرتكبي بعض الجنايات الخطيرة كالحريق أو تخريب الممتلكات العامة إذا نتج عن تلك الأعمال وفاة شخص أو اكثر، والقتل عمداً او تسهيلا لجناية أو إذا وقع على أحد الأصول والفروع،[2] وإذا كان قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012 قد ألغى المواد الواردة في قانون العقوبات والمتعلقة بالإرهاب، إلا إنه أبقى على عقوبة الإعدام بحق كل من يرتكب “عملاً ارهابياً” أو هدد الحكومة بالقيام بعمل “إرهابي“، ووسع من رقعة الجرائم التي تطالها عقوبة الإعدام.[3]

يُظهر تطبيق هذه القوانين في الواقع وجود تحوير واسع لمفهوم الإعدام بشكل تعسفي وتوظيفه سياسيًا لتبرير تصفية الخصوم السياسيين وتعزيز سطوة السلطة الحاكمة. تؤكد تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش على أن هذه النصوص القانونية تُستخدم كغطاء لتنفيذ الإعدام ضد المعتقلين/ات السياسيين/ات في سوريا، بتهم ملفقة وفضفاضة مثل “التآمر ضد الدولة”، حيث يتم تكييف تهم جنائية وفقًا للأوضاع السياسية بدلًا من الالتزام بالمعايير القانونية المعترف بها دوليًا. كذلك تُشير لجنة التحقيق المستقلة الدولية بشأن الجمهورية العربية السورية إلى أن استهداف المعارضين/ات باستخدام عقوبة الإعدام لا يقتصر فقط على من يحمل السلاح، بل يمتد إلى الصحفيين/ات، المدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وحتى المدنيين/ات ممن يُشتبه في تورطهم/ن في أنشطة مناهضة للحكومة.

استغلال الحكومة للقضاء والهيمنة عليه وتسييسه:

ينص الدستور السوري لعام 2012 على أن السلطة القضائية مستقلة وأن القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم لغير القانون ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال (المادتان رقم 132 و134). ولكن عمليًا، لا يُترجم هذا النص إلى واقع. فالدستور نفسه يمنح رئيس الجمهورية رئاسة مجلس القضاء الأعلى (المادة رقم 133)، كما أن تعيين القضاة وترفيعهم وعزلهم يعود عملياً للسلطة التنفيذية، حيث أن أربع من أعضاء مجلس القضاء الأعلى بمن فيهم الرئيس هم من السلطة التنفيذية دون ضمانات دستورية لحصانة القضاة، مما يساهم في تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية وتقويض استقلال القضاء ويجعله أداة سياسية في يد الحكومة.[4]

يتجلى هذا الافتقار للاستقلالية بوضوح في المحاكمات السياسية، لا سيما في المحاكم الاستثنائية كمحاكم الميدان العسكرية سابقاً ومحكمة مكافحة الإرهاب حالياً، التي تعمل خارج نطاق الضمانات القانونية الأساسية كالحق في تعيين محامٍ أو بعلنية المحاكمة أو الحق في سلوك طرق الطعن.

بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر تدخل الأجهزة الأمنية والسياسية في عمل القضاء جزءً من نظام قمعي يستخدم الإعدام كأداة لترهيب المعارضين/ات وإسكات أي صوت ينادي بالتغيير. ينعكس هذا على افتقار العدالة في تنفيذ أحكام الإعدام، حيث يتم تجاهل حقوق المتهمين/ات في محاكمات عادلة، مما يعزز مناخ الإفلات من العقاب ويلغي ثقة المجتمع في القضاء السوري كجهاز مستقل ونزيه.

وبناءً على ذلك، أدانت العديد من المنظمات الدولية خلال سنوات النزاع المستمر -بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش– استخدام النظام السوري لأحكام الإعدام كأداة للقمع ودعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد هذه الانتهاكات والمطالبة بوقف الإعدامات في سوريا. كما دعت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة إلى ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة حول الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة السورية، بما في ذلك تنفيذ الإعدامات الجماعية.

المحاكمات الميدانية ومحكمة مكافحة الإرهاب:

تستند الحكومة السورية لتنفيذ عقوبة الإعدام على إطار قانوني يتجاوز القانون الجنائي التقليدي ليشمل مجموعة من القوانين الخاصة، وعلى رأسها قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012، الذي يسمح بتوجيه تهم الإرهاب لأشخاص بسبب معارضتهم السلمية للنظام أو مشاركتهم في أنشطة مدنية.

محاكم الميدان العسكرية (المحكمة الميدانية): 

أُنشئت هذه المحاكم لتكون قنوات سريعة وسرية لإصدار الأحكام دون أي ضمانات للمحاكمة العادلة، وشكلت أداة مركزية في قمع النشطاء منذ تأسيسها عام 1968، حيث استخدمت كوسيلة لترهيب المعارضين/ات لنظام الحكم. فمنذ الثمانينيات تم تنفيذ عدد كبير من الإعدامات صرح عنها وزير الدفاع السابق العماد مصطفى طلاس عام 2005 في مقابلة مع الصحيفة الألمانية دير شبيغل، حيث تحدث عن الهجوم العسكري الدموي على حماه عام 1982 مشيراً إلى تنفيذ 150 حكماً بالإعدام أسبوعياً في دمشق وحدها في ذلك الحين.

ومع بداية الحراك عام 2011، أصدرت محكمة الميدان العسكرية آلاف أحكام الإعدام خارج إطار القضاء حيث تقدر منظمة العفو الدولية أن ما بين 5000 و 13000 شخص أعدموا بين أيلول/سبتمبر 2011 وكانون الأول/ديسمبر 2015 بمحاكمات صورية، حيث بدأت أولى عمليات الإعدام هذه في سجن صيدنايا العسكري في شهر أيلول/سبتمبر 2011، ولا يوجد أي دليل يشير لتوقف صدور وتنفيذ أحكام الإعدام قبل إلغاء هذه المحاكم عام 2023.

كانت محاكم الميدان العسكرية تعمل تحت إشراف الضباط العسكريين بدل القضاة المدنيين، وغالبًا ما تكون إدانة المتهمين/ات بناءً على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب دون إعطائهم/ن الحق في الدفاع عن أنفسهم/ن أو الحصول على محامٍ أو على فرصة للاستئناف أو الطعن حيث كانت أحكامها تصدر بشكل مبرم.

وتنفذ معظم الإعدامات بشكل سري وتدفن جثث الضحايا في مقابر جماعية دون إبلاغ ذويها.[5] ألغيت هذه المحاكم رسميًا في شهر أيلول/سبتمبر 2023 بالمرسوم التشريعي رقم 32، إلا أن تأثيرها العميق على النظام القضائي السوري واستمرار استخدام آليات مشابهة عبر محكمة مكافحة الإرهاب يعكس عدم توقف الحكومة السورية عن ممارسة هذا النهج للانتقام من خصومها السياسيين.

محكمة مكافحة الإرهاب: 

أصدر الرئيس السوري بشار الأسد في 26 حزيران/يوليو عام 2012 القانون رقم 22 لعام 2012، الذي أسس لمحكمة مختصة بقضايا الإرهاب استنادًا على قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012، وذلك كبديل عن “محكمة أمن الدولة العليا” التي ألغيت بموجب المرسوم رقم 53 لعام 2011، وجعل من هذه المحكمة كياناً استثنائياً لا يتبع إجراءات المحاكم السورية التقليدية المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 112 لعام 1950. حيث منحت المادة رقم 7 من قانون مكافحة الإرهاب المحكمة الحرية في تجاوز الأصول القانونية السارية خلال كافة مراحل الملاحقة والمحاكمة، مع الاحتفاظ فقط بحق الدفاع. منذ ذلك الحين، أصبحت محكمة الإرهاب وسيلة وأدّاة لقمع المعارضين/ات السياسيين/ات. واعتمدت في ذلك على قانون مكافحة الإرهاب المذكور آنفاً والذي جاء بمصطلحات فضفاضة تجيز الحكم بعقوبة الإعدام بحق كل من يعارض السلطة الحاكمة وينتقد نهجها القمعي بحق المدنيين/ات، هذا بالإضافة إلى الأحكام الأخرى المشددة التي نص عليها هذا القانون.

ويشمل اختصاصها الأشخاص المدنيين/ات والعسكريين/ات، مع ملاحظة أن الأحكام التي تصدر بحق المتهمين/ات غيابياً ولا سيما النازحين/ات خارج مناطق سيطرة الحكومة السورية تكون مبرمة ولا تقبل الطعن، إلا إذا سلم المحكوم عليه نفسه طواعيةً، ومن الممكن أن أغلب المحكوم عليهم غيابياً لا يعلمون بالحكم الصادر بحقهم ولا بتحريك الدعوى أصلاً، وبالتالي في حال فكر أحدهم بالعودة إلى مناطق سيطرة الحكومة وتم إلقاء القبض عليه فلا يعتبر أنه قد سلم نفسه طواعيةً، وإذا كان الحكم هو الإعدام فسيتم تنفيذه دون أن يكون له حق الاعتراض، وهذا يدل على مدى استهتار الحكومة بأرواح السوريين/ات، ولا سيما المعارضين/ات،[6] وهذا يؤكد مرة أخرى أن الغاية الأساسية من إحداث محكمة مكافحة الإرهاب هو إسكات الخصوم وخنق أصواتهم.[7]

مراسيم العفو ولجنة العفو الخاص ودورها في تنفيذ حكم الإعدام:

جاءت مراسيم العفو في سوريا خلال العقد الأخير كجزء من استراتيجية الحكومة لاحتواء الضغوط الداخلية والدولية، دون أن تؤدي إلى تغييرات ملموسة على أرض الواقع. ساهمت هذه المراسيم في تعزيز صورة الحكومة السورية دون أن تحمي المعتقلين/ات السياسيين/ات من الاختفاء القسري أو الإعدام.[8] وتماشياً مع هذه السياسة، صدر في عام 2022 المرسوم التشريعي رقم 108، الذي أعاد تشكيل لجنة العفو الخاص في وزارة العدل السورية بحيث تضم خمسة قضاة، يعينهم رئيس الجمهورية بمفرده، مهمتها مراجعة طلبات العفو المتعلقة بأحكام الإعدام، وهي لا تملك سلطة مستقلة عن رئيس الدولة،[9] حيث أن مهمة اللجنة هو إبداء الرأي لا أكثر لكن القرار يكون لرئيس الدولة. مما يعني أن الرئيس يحتفظ بالقرار النهائي في تنفيذ أو تعليق الأحكام. يعزز هذا من سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء ويجعل منها أداة لتنفيذ الأحكام بشكل أكثر تسييسًا، خصوصًا في القضايا ذات الطابع السياسي أو تلك التي تتعلق بالمعارضة،[10] وبشكل يتعارض صراحة مع المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي تم تبنيها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985، والتي أكدت على عدم جواز حدوث أية تدخلات غير لائقة، أو لا مبرر لها، في الإجراءات القضائية.

انتهاك الحق في الحياة وتأصيل ثقافة الانتقام من الخصوم:

ينتهك الإعدام الحق الأساسي في الحياة، وهو حق غير قابل للتصرف وفقًا للمواثيق الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أن الإعدام يمثل عقوبة نهائية لا يمكن التراجع عنها في حال وقوع أخطاء قضائية، ما يعني أن احتمال إعدام شخص بريء، مهما كان الاحتمال ضئيلاً، يجعل تطبيقه غير مقبول أخلاقيًا. وقد أظهرت دراسات عديدة أن أنظمة العدالة البشرية ليست معصومة من الخطأ؛ فالأدلة المغلوطة أو الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب أو الفهم الخاطئ للحقائق غالباً ما تؤدي إلى إدانات غير عادلة. في هذه الحالة، يكون الضرر الناجم عن تنفيذ حكم الإعدام غير قابل للتصحيح.

يؤكد تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً (2016-2021) أن الحق في الحياة هو حق إنساني أساسي، وأن عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء أو الإعدامات التعسفية تنتهك هذا الحق، خاصة في حالات النزاع مثل سوريا. تشير المقررة الخاصة إلى أن عمليات الإعدام التي تنفذها الجهات الحكومية أو الجماعات المسلحة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب أو لإجراءات أمنية، دون محاكمات عادلة أو إجراءات قانونية صحيحة، تشكل انتهاكًا واضحًا للحق في الحياة. ويعد هذا خرقًا للقانون الدولي، ويزيد من خطورة هذا الانتهاك الإفلات من العقاب الذي تتم به هذه الجرائم، حيث تفشل الدولة في التحقيق أو محاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات.

كذلك تُعد الإعدامات التي تجري في سوريا انتهاكًا صارخًا للمادة رقم 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي صادقت عليه سوريا، والتي تنص على حماية الحق في الحياة وتحظر الإعدام إلا في حالات الجرائم الأشد خطورة وبعد محاكمة عادلة.[11]

هذا ولم تثبت عقوبة الإعدام فعاليتها كرادع للجريمة، إذ تشير الدراسات إلى أن البلدان التي ألغت العقوبة لم تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الجريمة. بل على العكس، يُعتبر إصلاح أنظمة العدالة الجنائية والاهتمام بعوامل الوقاية من الجريمة أكثر فاعلية في تقليل الجريمة على المدى الطويل. في الواقع، يؤدي اعتماد الإعدام كعقوبة إلى تأصيل ثقافة الانتقام والعنف بدلاً من تعزيز روح التسامح وإعادة التأهيل.

يتناقض الحكم بالإعدام مع الإنسانية التي يُفترض أن تكون حجر الزاوية في أي نظام عدالة ومع المعايير الدولية لحقوق الإنسان لأنها تسبب معاناة نفسية وجسدية كبيرة للمحكوم عليهم بالإعدام، وكذلك لعائلاتهم. فالأشخاص الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام يمرون بمرحلة تُعرف باسم “ظاهرة طابور الإعدام“، حيث يتعرضون لضغط نفسي هائل نتيجة الانتظار المجهول والتوتر المرتبط بتنفيذ الحكم، وهذا يعتبر بحد ذاته شكلًا من أشكال التعذيب. وفقًا لمنظمة العفو الدولية، تُعد عقوبة الإعدام أقصى أشكال العقوبة القاسية وغير الإنسانية، حيث تنتهك الحق الأساسي في الحياة، وتؤدي إلى معاناة شديدة على مستوى الجسد والنفس سواء للمحكوم عليهم أو لعائلاتهم التي تعيش في حالة من الخوف والانتظار الدائمين.

في سوريا ودول النزاع الأخرى، تصبح أهمية إلغاء عقوبة الإعدام أكثر إلحاحًا لعدة أسباب مرتبطة بالظروف الخاصة التي تعيشها تلك الدول حيث تُستخدم عقوبة الإعدام كأداة سياسية لقمع المعارضين/ات وتصفية الحسابات السياسية تحت غطاء محاربة الإرهاب، ويتم تنفيذ الإعدامات بعد محاكمات صورية، غالبًا ما تكون غيابية ودون ضمانات المحاكمة العادلة، مما يحول العقوبة إلى وسيلة للترهيب والسيطرة، بدلاً من تحقيق العدالة.

أضف إلى ذلك أنه في دول النزاع مثل سوريا، يكون القضاء في الغالب غير مستقل ويخضع لسيطرة السلطات أو الجماعات المسلحة، مما يعني أن المحكوم عليهم بالإعدام غالبًا ما لا يحظون بفرصة عادلة للدفاع عن أنفسهم. في هذه السياقات، يكون تنفيذ الإعدام تعسفيًا، ويتم استهداف الصحفيين/ات، الناشطين/ات الحقوقيين/ات، وحتى المدنيين/ات. الإعدامات الجماعية، كما تم توثيقها في سجن صيدنايا على سبيل المثال، تُعد جزءً من استراتيجية الدولة لقمع المعارضة وترهيب المجتمع.

توصيات:

إلغاء عقوبة الإعدام بشكل كامل: يجب على سوريا أن تنضم إلى الاتجاه العالمي المتزايد لإلغاء عقوبة الإعدام بشكل كامل من خلال تعديل قوانينها الجنائية وضمان وقف تنفيذ هذه العقوبة، خاصة في الجرائم السياسية والمدنية التي يُستخدم فيها الإعدام كأداة قمعية. وريثما يتم ذلك، يجب نشر بيانات حول المحاكمات وأحكام الإعدام الصادرة وتوفير معلومات دقيقة حول المحكوم عليهم لضمان عدم استغلال العقوبة، مع ضرورة الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
إلغاء قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012 وإغلاق محكمة مكافحة الإرهاب: ينبغي إلغاء قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012، الذي يُستخدم كأداة سياسية لاستهداف المعارضين/ات السياسيين/ات والنشطاء المدنيين/ات تحت تهم فضفاضة وغير محددة. مع ضرورة تعديل تلك المواد التي وردت في قانون العقوبات بصيغ تحتمل أكثر من تأويل ويكتنفها الغموض. بالإضافة إلى ذلك، يجب إغلاق محكمة مكافحة الإرهاب، التي افتقرت على الدوام إلى ضمانات المحاكمة العادلة، وأصدرت أحكامًا بالإعدام بناءً على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، وإحالة الدعاوى القائمة أمامها إلى القضاء العادي مع ضرورة توفير ضمانات المحاكمة العادلة أمام هذه المحاكم، وإتاحة إمكانية الحضور العلني لهذه المحاكمات، والنص دستورياً على حظر إحداث أية محاكم أو لجان استثنائية تسلب القضاء العادي اختصاصه الأصيل.
تعزيز استقلالية القضاء وتوفير ضمانات للمحاكمة العادلة: يجب أن تعمل سوريا على ضمان استقلالية القضاء بشكل فعلي بعيدًا عن أي تأثير سياسي أو أمني. وأن تطبق مبدأ الفصل بين السلطات، وأن تلغي أي قوانين تتعارض مع الدستور أو مع المعاهدات الدولية التي تصادق عليها. يجب الالتزام بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك إتاحة الدفاع الكامل للمعتقلين/ات، منع الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، وتوفير حق الاستئناف في قضايا الإعدام، وإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى بحيث لا يكون للسلطة التنفيذية أي دور فيه.
تحقيقات مستقلة في الانتهاكات السابقة: ينبغي إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة في جميع الانتهاكات المتعلقة بالإعدامات التي تم تنفيذها منذ بدء النزاع في سوريا، مع التركيز على محاكم الميدان ومحكمة مكافحة الإرهاب. يجب تقديم المسؤولين عن هذه الانتهاكات إلى العدالة لضمان عدم الإفلات من العقاب.
التعاون مع المنظمات الدولية: يجب على سوريا التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية مثل مؤسسات الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية لضمان الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وضمان المحاكمات العادلة والمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، والاستفادة من خبراتها المتراكمة في المجالات المذكورة لتعديل تشريعاتها بما ينسجم مع تلك المعايير والمبادئ.

_________________________________________________________________________________________________________

[1] قانون العقوبات السوري العام رقم 148 لعام 1949. المواد رقم 263، 264، 265، و298، 272، 273، 274 بدلالة المادة رقم 247 والمواد رقم 298، 299، 300 بدلالة المادة رقم 247.

[2] قانون العقوبات السوري العام رقم 148 لعام 1949. المواد من 579 إلى 585.

[3] قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012. المواد رقم 5 و6.

[4]   للمزيد من المعلومات، انظر تقرير “سوريا: تدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية وتأثيره على حماية وممارسة الديمقراطية“. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 2 شباط/فبراير 2024.

[5]  للمزيد من المعلومات، انظر تقرير “محاكم الميدان العسكرية في سوريا: 55 عاماً من الأحكام التعسفية“. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

[6]  للمزيد من المعلومات، انظر تقرير “دراسة حالة: قوانين وآليات إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام في سوريا“. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 31 تشرين الأول/أكتوبر 2022.

[7] “سوريا: استخدام محكمة مكافحة الإرهاب لخنق المعارضة“. هيومن رايتس ووتش. 25 حزيران/يونيو 2013.

[8]  آخرها المرسوم التشريعي رقم (27) لعام 2024 الصادر في في 22 أيلول/سبتمبر والذي تضمن عفوًا عامًا شمل بعض الجرائم مثل الفرار من الخدمة العسكرية وبعض الجرائم البسيطة، لكنه لم يقدم أي حلول للآلاف من السوريين/ات المحتجزين/ات بشكل تعسفي بسبب معارضتهم للنظام أو مشاركتهم في الاحتجاجات السلمية. كالمراسيم السابقة منذ عام 2011، استثنى هذا العفو الأفراد المدانين/ات بجرائم يُزعم أنها تمثل “اعتداءً خطيرًا على المجتمع والدولة”، وهو ما يعني استبعاد معظم المعتقلين/ات السياسيين/ات والنشطاء الذين تعرضوا للتعذيب وأدينوا في محاكمات عسكرية غير عادلة. وفي أمثلة أخرى يمكن الاطلاع على المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2022 (ظاهريًا يبدو هذا العفو أشمل وأوسع من غيره ولكن عملياً استثنى المحكومين/ات بموجب قانون العقوبات العام والعسكري وقانون الجريمة المعلوماتية وغيرها من القوانين)، والمرسوم التشريعي رقم 13 لعام 2021 (صدر في ذروة النزاع السوري، لكنه لم يشمل المعتقلين/ات السياسيين/ات بشكل واسع) والمرسوم التشريعي رقم 22 لعام 2014 (استثنى الجرائم المتعلقة بمكافحة الإرهاب).

[9] قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري. المادة رقم 454.

[10]  للمزيد من المعلومات، انظر تقرير “سوريا: “لجنة العفو الخاص” أداة في يد رئيس الدولة لإنفاذ أحكام الإعدام“. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 7 حزيران/يونيو 2022.

[11]  في نيسان/أبريل 2023، طلبت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في قائمة المسائل المتعلقة بتقرير سوريا حول التزامها بتنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  معلومات عن “الخطوات المتخذة لتنقيح التشريع الحالي لكي لا يُسمح بعقوبة الإعدام إلا في أشد الجرائم خطورة وألا تكون هذه العقوبة إلزامية أبداً وإتاحة العفو أو تخفيف العقوبة في جميع الحالات؛ بغض النظر عن الجريمة المرتكبة”. كما طلبت اللجنة تقديم معلومات إحصائية حول ممارسة عقوبة الإعدام في سوريا. وفي ردّها عن هذه المسألة أكدت الأخيرة أنها تنفذ عقوبة الإعدام في أضيق نطاق، ولا تُفرضها إلا في حالات نادرة في الجرائم الأشد خطورة بيد أنها لم تقدم المعلومات الإحصائية المطلوبة (الفقرة رقم 36).

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين

شارك هذه المقالة على المنصات التالية