طارق الشناوي: سوريا لكل السوريين

كورد أونلاين |

لسوريا في قلبي وعقلي مساحة من الحب تجعلني أشعر أن أي قضية سورية هي أيضاً بالضرورة قضيتي، ولي في دمشق كثير من الأصدقاء الذين لهم في وجداني مكانة خاصة وذكريات دافئة.
قبل بضعة أشهر، التقيت بأحد نجوم الدراما السورية في مهرجان «قرطاج» السينمائي، وهو من هؤلاء الذين لم يغادروا سوريا في أثناء الثورة، كما أنه أيضاً كان حريصاً في كل تصريحاته على أن يؤكد ولاءه لبشار، ولهذا ستجده مطلوباً بقوة للعمل في كل المسلسلات والأفلام التي صورت في السنوات الأخيرة داخل دمشق. وقد استشعرت بعد حواري معه أن الفنان السوري المعارض صار من الصعب عودته لأرض الوطن، في ظل تلك الحالة من التنمر والاستقطاب التي تحرك المنظومة الفنية.
في سوريا الأسد (الأب ثم الابن) – كما يطلق الموالون للنظام على الوطن اسم الرئيس – لا شيء يعلو على صوت الهتاف لرأس النظام، كما أن كل تفاصيل الحياة لها مذاقها السياسي، حتى مهرجان «دمشق» السينمائي، قبل توقفه عام 2011، كان يعبر عن تقسيم للعالم: معنا أو علينا؛ الجوائز والتكريمات مغموسة بالسياسة، ومساحة وجود أي دولة في المهرجان يتأثر صعوداً وهبوطاً بالموقف السياسي لهذه الدولة تجاه النظام السوري.
صار الآن التوجه السياسي للفنان السوري هو المؤشر الذي يجري على أساسه الاستعانة به أو استبعاده، ليس فقط كما قد يتبادر للذهن الشركات الحكومية، ولكن شركات القطاع الخاص في سوريا لا تعمل إلا في ظل موافقات أمنية تعيد تصنيف الفنان تبعاً لتوجهه الفكري.
اختصار الوطن في شخص الرئيس يظل هو المأزق الذي يضرب في مقتل تقدم أي مجتمع، وهكذا صار في الوسط الفني والثقافي السوري فريقان: مؤيد ومعارض. وهناك فريق ثالث رمادي، لم يؤيد أو يعارض بصوت واضح النبرات، وهؤلاء معرضون للوشاية التي على أساسها يعاد مجدداً تصنيفهم.
النظام السوري يجب أن يضع في حسابه أن الظرف السياسي الذي تعيشه سوريا الآن أدى إلى توافق بين أغلب الدول التي صار مصير سوريا بيدها؛ هذه الدول توافقت على بقاء الأسد لفترة زمنية هي قطعاً محل خلاف، إلا أن الحد الأدنى هو بقاء الوضع بقيادة الأسد على ما هو عليه؛ المعادلات السياسية بطبعها لا تعرف الثبات. وفي ظل متغير آخر، قد تنقلب موازين القوى.
على الأسد أن يفتح الباب لكل المعارضين، ومن طالب بالحرية ووجدها لا تتحقق مع بقاء الأسد في السلطة لا يمكن اعتباره من أعداء الوطن. ولا يوجد مثقف ولا فنان من الممكن أن ننعته بأنه من مؤيدي ظلام «داعش» لمجرد أنه هتف يوماً بسقوط بشار؛ كل التنظيمات الإرهابية في الأساس تعادي الفن والثقافة، ومن طالبوا بالحرية هم بالضرورة يقفون في الصف الأول، مستباحة رؤوسهم من «داعش» وإخوانه.
ما يجري في سوريا هو أن البعض من الموالين للنظام يعتقدون أن من حقهم مع عودة الإنتاج الدرامي أن يقطفوا هم الثمار بمفردهم، بحجة أن الآخرين لم يدفعوا مثلهم الثمن.
شاهدنا من بدأ في تجميع قصاصات الصحف، ومقاطع من المواقع الإلكترونية وتسجيلات تلفزيونية، يتقدم بها للجهات المعنية، لتشير إلى أن هذا الفنان كان مؤيداً يستحق الحفاوة، وذاك معارضاً يجب أن توصد دونه الأبواب.
النظام السوري إذا أراد حقاً الاستقرار والبقاء، فليس أمامه سوى أن يفتح الباب لكل الأصوات، لا فرق بين فنان وفنان إلا بالإبداع. حتى تعود سوريا للجميع، يجب أن تتسع مظلة النظام للجميع.

طارق الشناوي
ناقد سينمائي مصري
“الشرق الأوسط”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية