إدريس سالم
إذا كان السوري، وأيّ عربي “قومجي” آخر، يرفض النزعة الانفصالية الكوردية المشروعة في سوريا منذ عقود، في لا مركزية سياسية أو فيدرالية أو إدارة ذاتية مستقلة للكورد، فلماذا لا يقبل ذاك العربي، الكوردي، شريكاً حقيقياً وحيوياً واستراتيجياً للسلام الإنساني والاجتماعي والاستقرار الاقتصادي، لدولة لم تعد دولة، ولا حتى تشبه أية دولة؟ لماذا يرفض حتى خيار الاندماج الإنساني؟ فمنذ اليوم الأول من سقوط النظام السوري، وغالبية رموز الثورة السورية – بكوادرها المختصّة ومثقّفيها ومفكّريها – وهم لا يكلّون ولا يملّون، من رفض واستحقار الكورد، وتشويه تاريخهم وحقيقتهم، التي لم يستطع لا إمبراطور ولا ملك ولا رئيس من تشويهها، بل يريدونهم أحجار شطرنج لحماية الملك وحاشيته.
متى ينتهي هذا الصراع الوجودي المزمن؟
طوال عقود من الزمن، والكورد دعاة للسلام والمواطنة الإنسانية، قبِلوا كل الحوارات، وجلسوا مع كل الأطراف، لحل الفوضى، ضمن مقاربات السلام والعيش الآمن مع الجميع، وهنا نسأل المواطن العربي السوري: هل وجدتم بينكم رجلاً يدعو إلى السلام والاستقرار واحتضان وحماية الطوائف والمجموعات العرقية، مثل رئيس إقليم كوردستان السابق، مسعود بارزاني؟ هل فكّرتم في طرح هذا السؤال على أنفسكم؟ هل قرأتم أو شاهدتم أو سمعتم منه كلمة واحدة، أو حتى نظرة تدعو إلى الحقد والعنصرية والإقصاء وتهديد حياة الإنسان الآمن؟ أعتقد أن هذا هو الشيء الجوهري، الذي تفتقده الإدارة السورية الجديدة ورموزها وكوادرها، لمستقبل شعب مشتّت مشرّد في كل دول العالم، ولا زال يعلّق الآمال آمال العودة والاستمرار في حياة آمنة وصحّية.
إن قضاء الإدارة السورية الجديدة على هذه الفوضى والتوتّر والاستذئاب المستشري بين الكورد والعرب، على مواقع التواصل الاجتماعي، سينزع فتيل أي حرب محتملة، وسيعزّز من قيم ومبادئ العيش المشترك بين جميع مكونات الشعب، تحت عنوان الجمهورية أو الدولة السورية للجميع، وليس الجمهورية العربية السورية للجميع.
إن وجود أي حل أو اتفاق داخلي سياسي حقيقي، سيمثل حلاً وانتصاراً لسوريا السوريين، وليست سوريا الأسد أو أحمد الشرع، هذا الحل أو الاتفاق، إذا ما وُجد وتأسّس، سيكون نموذجاً لمسار وقف الحرب وبناء نموذج حكم ذاتي موسّع يستفيد منه العربي السوري قبل الكوردي أو الدرزي أو العلوي أو التركماني أو المسيحي، وسيخدم كل القضايا الإشكالية والعالقة منذ عقود، ودون أي قطيعة طرف مع أي طرف آخر، لتنعم دول الجوار أيضاً بالأمان والاستقرار.
لا بد للإدارة السورية الجديدة، الاستفادة من تجربة الكورد والعراقيين، والاحتذاء بها، والحصول على مكاسب إستراتيجية سياسياً واقتصادياً، من بوابة الحوار، بعد فشل خيار المواجهات العسكرية وارتفاع تكاليفه بشرياً واجتماعياً وبنيةً تحتية. فوجود أي حل بين الكورد وأي طرف آخر، هو انتصار لكل التحديات والحروب المستمرة في الشرق الأوسط.
لم يكن الكورد في أي يوم مشكلة، لأي طرف أو دولة، بل كانوا جزءاً أساسياً من روح نسيج الحل، فحتى العربي يدرك هذه الحقيقة، لكنه يظهر خلاف ما يضمر، ولكن في المقابل، يدرك الكوردي ما لا يدركه العربي، أن الكورد يتعثرون في بناء مشهد سياسي وتحقيق الانتصار الكوردي، وفق ما يجري من تدخلات وأجندات إقليمية دولية، ولكن هناك حقيقة واضحة وكبيرة، ولا تقبل الشك، هي أن بناء ذاك المشهد وتحقيق الانتصار يكون في وحدتهم، فبها سيكونون سداً منيعاً أمام استمرار الضغوطات والهزائم للخصوم، لتكون تلك الوحدة مطلباً وأساساً متيناً، يحمي مصلحة الشعب والقضية.
وكل هذه القراءة، تؤكد أن مستقبل سوريا الجديد يعتمد على الكورد واستقرارهم وحل قضيتهم وفق دستور عادل، فتقاسم سلطة لامركزية في سوريا الجديدة يحد من العودة المحتملة لأي حكم استبدادي قمعي، وعلى الإدارة السورية أن تشكل وفداً تفاوضياً، تحاور الكورد قبل أن يفكّر الكورد في تشكيل ذلك، وعلى السوريين أن يدركوا الحقيقة التاريخية أن غياب الكورد في أي عملية سياسية من شأنها أن يكون الاستبداد حاضراً، وبقوة في جميع أنحاء البلاد.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=68679