جواد إبراهيم ملا
كان من المفروض ليس حضور جميع الشعوب والأديان والطوائف في مؤتمر الحوار الوطني السوري فحسب بل كان يجب حضور من يستطيع التعبير عن الشعوب والأديان والطوائف وعن مخاوفها وآمالها.
بالطبع لن يكون من السهل ذلك لأن كل حزب أو جهة ستدعي في إنها الأحق في التعبير عن شعبها وديانتها وطائفتها… كما أن الشعوب والأديان والطوائف في سوريا قد مر عليها فترة طويلة جدا من استبداد الدولة السورية التي استطاعت من غسل أدمغة ليس عامة الشعب فحسب بل استطاعت من غسل أدمغة الساسة والنخب المثقفة أيضا.
فرواسب وتأثير فكر حزب البعث على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان قد استولى على مساحة كبيرة في نفسيات معظم الشرائح والمكونات السورية ونخر عقولها حيث سيطر عليهم فكر البعث الإقصائي بدون أن يدروا، حتى بدون أن يكونوا قد انتسبوا لحزب البعث أيضا.
لذلك إني على شك من الكلام الجميل الهادئ الذي يقوله الشيخ أحمد الشرع وجماعته التي جعلت من نفسها الدولة والحكومة السورية واللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري وبدون أن ينتخبهم الشعب السوري حتى وبدون إصدار بيان دستوري يبين شكل الدولة السورية والذي يبدو لي في إنه سيكون مخيفا جدا فيما إذا استمروا في تجاهل واقع الشعوب والأديان والطوائف في سوريا كما تجاهلها النظام البائد.
فالعموميات التي تصدر عن النظام السوري الجديد، قد سمعها الشعب الكوردي مرارا وتكرارا في كافة العهود السورية السابقة وإكتوى بنارها فيما بعد، لأن الكورد قد وثقوا في كل العهود وفي طروحاتهم العمومية ولم يدرك الكورد يوما في أن جميع العهود السابقة قد تمسكنوا حتى تمكنوا.
فمعظم تصريحات الشيخ أحمد الشرع ووزرائه ولجانه… والمنشورة على كافة وسائل الإعلام هي إنتقائية بإمتياز لخلط الأوراق وذر الرماد في عيون البسطاء لإعطاء صورة في أنهم بتصريحاتهم يتكلمون بإسم الحكومة والعدالة الانتقالية بينما هم قاموا بتشويه العدالة بأحكامهم الإنتقائية، فعلى سبيل المثال أذكر بعضها:
1. يطلبون من الكورد تسليم أسلحتهم والإندماج بجيش النظام الجديد مع العلم هناك عشرات الفصائل المسلحة التي لم تسلم أسلحتها ولم تندمج بجيش النظام الجديد، وبعض تلك الفصائل تقوم بشن هجومها على المدن الكوردية في شرق وغرب الفرات مما أسفر يوميا على عشرات القتلى والجرجى من المدنيين الكورد، كما هناك فصائل مسلحة أخرى تتقاتل من أجل اقتسام ممتلكات الكورد فيما بينهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر في 24-2-2025 نشب اقتتال بالأسلحة الخفيفة والثقيلة فيما بين “فرقة الحمزات” و”تجمع أحرار الشرقية” على قطعة أرض ومحلات تجارية التي كانت في الأصل ملكا للكورد من أهالي مدينة عفرين الجريحة، أي إن بعض معارك هذه الفصائل المسلحة المنفلتة هي من أجل توزيع الغنائم ليس إلا.
2. تقول جماعة النظام السوري الجديد: إنه ليس للكورد منطقة محددة فقسم منهم في شمال شرق سوريا وقسم في حي الأكراد بمدينة دمشق وغيرها من المناطق… وغرضهم من ذلك هو خلط الأوراق في أن الكورد ليس لهم منطقة جغرافية محددة، والحقيقة أن شمال سوريا من شرقه ولغربه، من جبل سنجار على الحدود العراقية وحتى جبل الكورد على الساحل السوري في شمال اللاذقية هو غرب كوردستان الذي تم استقطاعه عن كوردستان الكبرى، الوطن الأم للشعب الكوردي بموجب اتفاقية سايكس بيكو ومعاهدة لوزان الإستعمارية (حيث يجب على جماعة النظام السوري الجديد أن يقرأووا تاريخ تشكيل الدولة السورية بعد انهيار الدولة العثمانية) أما تواجد الكورد في دمشق وفي كافة المدن السورية هي مسألة ليس لها علاقة بجغرافية كوردستان على الإطلاق.
3. كما تقول جماعة النظام السوري الجديد: في إنهم لا يعطون الكورد فيدرالية أو لامركزية لأن الشركس والأرمن والتركمان سيطالبون بفيدرالية شركسية وأرمنية وتركمانية، وهذا الكلام خلط فاضح للأوراق لأن الكورد يقيمون، منذ فجر التاريخ، في غرب كوردستان التي تم إلحاقها بالدولة السورية المصطنعة فيما بعد الحرب العالمية الأولى، أما التركمان فقد أرسل العثمانيون عائلة تركمانية مع حصان لكل مدينة وقرية في إمبراطوريتهم كمراكز من أجل تسيير أمور البريد العثماني، واليوم أصبح التركمان أكثر من عائلة واحدة لأن الكثير من العرب والكورد تعلموا التركمانية ليحصلوا على عمل في البريد العثماني، أما الشركس فقد هربوا إلى سوريا من الحكم الشيوعي السوفيتي في زمن ستالين، وكذلك هرب الأرمن إلى سوريا من بطش الإبادة الجماعية التي اقترفها الأتراك بحقهم في زمن العثمانيين ومصطفى كمال. وإن مقارنة الكورد بهم ليس سوى عملية تشويش الرأي العام والاصطياد بالماء العكر في تشبيههم للشعب الكوردي الأصيل بالغرباء واللاجئين.
4. يقوم النظام السوري الجديد بإلقاء القبض على عناصر النظام البائد أوقتلهم بينما يقبل بتسوية لأوضاع البعض الآخر من أجل تجنيدهم وللإستفادة من خبرتهم الطويلة في قمع الشعب الكوردي.
5. يوجه النظام السوري الجديد كلامه للكورد فقط حول وحدة سوريا وسيادة الدولة السورية بينما في الحقيقة إنه لم يعد للوحدة السورية أي وجود على الأرض، كما أن السيادة السورية، في هذه الأيام وفي عهد النظام البائد قد تلاشت نهائيا، وأصبحت السيادة السورية كلمة خيالية بكل ما في الكلمة من معنى، فلا مكان للسيادة في وجود عشرات الجيوش الأجنبية على الأرض السورية: مثل الجيوش الامريكية والروسية والتركية والإسرائيلية وقوات قسد وقوات جبهة الجنوب الدرزية ولواء أحمد عودة في درعا ولواء أحرار الساحل السوري العلوي وأكثر من ستين فصيلا عسكريا وكل فصيل تابعا لدولة من دول العالم، حتى هيئة تحرير الشام قد تم جمعها من عدة بلدان ففي قياداتها ووزرائها شيشانيون واردنيون وغيرهم، والأنكى من ذلك كله في أن النظام السوري الجديد يتجاهل وجود كل هذه الجيوش وبدل توجيه هذا الكلام لأنفسهم يقومون بتوجيهه للكورد فقط وكأن الكورد فقط هم الذين ينتهكون سيادة الدولة السورية ووحدتها.
6. لا يزال النظام السوري الجديد متمسكا بإسم الجمهورية العربية السورية كما كان النظام البائد البعثي العنصري متمسكا بها أيضا، مع العلم إن الكورد والآراميين واليهود هم السكان الاصليين لسوريا القديمة حيث في ذلك الزمان لم يكن في سوريا عربيا واحدا، فإسم الجمهورية العربية السورية هو أسم غير حقيقي نهائيا.
وهنا أوجه كلامي إلى القوات الكوردية الباسلة وقائدها الجنرال مظلوم عبدي في أن ينتبهوا جيدا من مسألة تسليم أسلحتهم وعليهم رفض تسليمها رفضا قاطعا ومهما كانت الظروف لأن الشعب الكوردي إكتوى كثيرا من المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية.
فيما يلي واحدة من المؤامرة التي إكتوى بها الشعب الكوردي، مؤآمرة “الوحدة السورية المصرية” التي ابتكرتها الدولة العميقة في كل من تركيا وسوريا ومصر، والتي تتوجت بإعلان الوحدة السورية المصرية عام 1958 من أجل القضاء على الوجود الكوردي القوي جدا في سورية والذي أرعب تركيا وكانت سورية لوحدها عاجزة عن تصفية الوجود الكوردي فكانت وحدة سوريا مع مصر الدولة القوية والتي كان بمقدورها تصفية الوجود الكوردي في سورية وكان أهم مراكز الوجود الكوردي في سوريا هو الجيش السوري حيث وصل الكورد في سوريا إلى أعلى المراتب العسكرية ليس عن طريق الإنقلابات العسكرية والثورات والانتفاضات والإنفلات الأمني كما يحدث عادة، بل استلم الكورد مراكزهم العسكرية في الجيش السوري عن طريق جدارتهم وأهليتهم وقدراتهم العسكرية حيث أن أي جنرال كوردي في الجيش السوري كان بإستطاعته القيام بإنقلاب عسكري وأن يجعل من نفسه رئيسا لسوريا.
فأول ما قامت به مؤآمرة “الوحدة السورية المصرية” أن قامت بتسريح عشرات الضباط الكورد من الجيش السوري وفيما يلي بعض أسماء الضباط الكورد الدمشقيين فقط وكنت أعرفهم شخصيا: اللواء محمود شوكت آلرشي والعقيد فؤاد ملاطلي والعقيد بكري قوطرش والعقيد إبراهيم بيرم والعقيد محمود قوطرش والعقيد عيسى كعكرلي والعقيد بكري ظاظا والعقيد محمد زلفو وغيرهم كثيرون من الذين تم تسريحهم من الجيش السوري وبيوم واحد وبقرار عنصري واحد وبعدها تم ترتيب انفصال سوريا عن مصر بإنقلاب عسكري مفبرك من قبل الدولة العميقة في كل من تركيا وسوريا ومصر لأن تركيا لا تريد دولة قوية على حدودها كما إن مصر سعت جاهدة للتخلص من هذا العبء.
والجدير بالذكر أن اللواء توفيق نظام الدين رئيس الاركان السورية حتى العام 1958 وهو من كورد منطقة الحسكة في غرب كوردستان قد تم تسريحه مع بقية الضباط الكورد وبنفس اليوم وبعدها تم سحب الجنسية السورية منه أيضا في العام 1962.
ولكي لا يتم تكرار مثل هكذا مؤآمرات على الشعب الكوردي، وخاصة على العزيز الجنرال مظلوم عبدي أن يرفض تسليم أسلحته كما عليه أن يرفض أية وصاية على الشعب الكوردي أو على أي شعب أو ديانة أو طائفة في سوريا.
والحل الوحيد في أن تكون الشعوب والديانات والطوائف أوصياء على أنفسهم، ويتم ذلك بإجراء استفتاء شعبي لكل شعب وديانة وطائفة على أن يراعى توجيه عدة اسئلة رئيسية تعبر عن مخاوف وآمال الجميع لمعرفة ماذا تريد الشعوب والأديان والطوائف في سوريا بالضبط.
فمثلا استفتاء الشعب الكوردي يجب أن يكون كالتالي:
الإجابة على ورقة الاستفتاء بكلمة واحدة (نعم أو لا):
1. هل تؤمن بحصول الشعب الكوردي على حقوقه القومية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية ضمن حكم ذاتي أو فيدرالي ضمن الدولة السورية؟
نعم أو لا
2. فيما إذا لم يقبل النظام السوري الجديد تنفيذ أي من الحقوق الكوردية الآنفة الذكر بمدة أقصاها ستة أشهر، هل يحق للشعب الكوردي التمسك بحقه المشروع في تقرير مصيره بنفسه وإعلان استقلاله عن الدولة السورية؟
نعم أو لا
وبذلك فقط يتم معرفة مخاوف وآمال الشعب الكوردي في سوريا، ومن الآن إني مع قرار الشعب الكوردي مهما كان، سلبيا أم إيجابيا.
تحياتي القلبية للشعب الكوردي وللجنرال مظلوم عبدي
جواد ابراهيم ملا
رئيس المؤتمر الوطني الكوردستاني
في 26-2-2025
فيما يلي خريطة الرحالة والمستشرق الدانماركي كرستن نيبور وفيها توزيع العشائر الكوردية في غرب كوردستان في العام 1774م أي قبل حوالي 250 عام، أي قبل تأسيس الدولة السورية التي احتلت غرب كوردستان.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=63592