الأربعاء, سبتمبر 11, 2024
آراء

ماذا لو تعامل الكرد مع أعدائهم ببراغماتية

*محمد واني

لم تخف أيّ من الحكومات الشيعية المتعاقبة التي حكمت العراق منذ عام 2005 عدائها لإقليم كردستان، الكيان شبه المستقل الذي انفصل عن العراق إداريا عام 1991 بعد طرد القوات العراقية من الكويت، وبسقوط نظام صدام حسين عام 2003 عاد الإقليم، طواعية، إلى بغداد وشارك في تأسيس الدولة العراقیة الجديدة، وساهم في العملية السياسية والانتخابات وكتابة الدستور وإقامة النظام الاتحادي الفيدرالي لتحقيق هدف إستراتيجي واحد وهو استعادة مدينة كركوك والمناطق الكردستانية الأخرى التي تعرضت للتغيير الديموغرافي الشامل من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، عن طريق عمليات التعريب والتهجير القسري وفق المادة 140 من الدستور التي تعد الحل الأمثل لمشكلة تلك المناطق المعقدة، بعد أن عجز الكرد عن استعادتها عن طريق المواجهة المسلحة لسنوات طويلة.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف الحيوي عادوا إلى الدولة العراقية الجديدة وساهموا في بنائها بعد أن انفصلوا عنها لعدة سنوات ودعموا حلفاءهم الشيعة، وساندوهم على تولي السلطة وبسط سيطرتهم الكاملة على مفاصل الدولة، ظنا منهم أن الشيعة سوف يردون لهم المعروف ويلتزمون بوعودهم وتعهداتهم واتفاقاتهم السياسية، ويعملون على تطبيق المادة الدستورية الإستراتيجية، ولكنهم لجأوا إلى التسويف والمماطلة والتأجيل وإغراق إقليم كردستان بأزمات جانبية لا حصر لها، فما أن يخرج من أزمة حتى يدخل في أزمة أخرى أشدّ، وهكذا ظلت المادة المهمة حبيسة الدستور إلى حد الآن ولم تطبق منها فقرة واحدة. نفس نهج النظام العنصري السابق، ولكن بزيادة النزعة الطائفية.

قادة الإقليم أدركوا أنهم قد تعرضوا لأكبر عملية خداع واستغفال في تاريخ العراق، عندما وثقوا بهذه الأحزاب الطائفية التي مازالت تمارس لعبة “التقية” معهم

ولو قيض لهذه المادة أن تطبق لوضع حد نهائي للنزاع التاريخي بين الشعب الكردي ودولة العراق، ولكن يبدو أن الأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد ومن ورائها دول إقليمية وربما قوى دولية كبرى لا تريد للسلام الدائم أن يسود في العراق ولا في المنطقة، مصالحها تكمن في إثارة الأزمات والتوترات الدائمة.

ربما أدرك قادة الإقليم هذه الحقيقة ولكن بعد فوات الأوان، ليكتشفوا أنهم قد تعرضوا لأكبر عملية خداع واستغفال في تاريخ العراق، عندما وثقوا بهذه الأحزاب الطائفية التي مازالت تمارس لعبة “التقية” معهم، وكان هذا خطأهم الكبير الذي وقعوا فيه ومازالوا يدفعون ثمنه إلى الآن.

وبعد أن هیمنت هذه الأحزاب وفصائلها المسلحة على السلطة المطلقة واستولت على كل إمكانيات العراق المالية النفطية المهولة، بدأت تجاهر بعداوتها لإقليم كردستان وتسعى للحد من صلاحياته الدستورية. ولكن، وفق السياسة الكيسنجرية “خطوة خطوة” وعلى مراحل تم إبعاد الكرد عن مراكز صنع القرار والمناصب الرفيعة في الجيش بشكل خاص، حتى وصلت نسبتهم فيه إلى الصفر (أقل من 1 في المئة)! وكان منصب رئاسة أركان الجيش يشغله الكردي الجنرال بابكر زيباري لفترة من 2003 إلى 2015 ولكن المنصب سحب منه وأسند إلى الشيعي الجنرال عبدالأمير يارالله.

وفي ما كانت الأحزاب الشيعية باختلاف توجهاتها السياسية والعقائدية تهيمن على أجهزة الدولة المختلفة وتؤسس هيئة موسعة تجمع فيها ميليشياتها وفصائلها المسلحة كقوات ساندة، اتجه الكرد إلى التشرذم والتناحر والتآمر ضد بعضهم البعض، وقد استغلت الأحزاب الشيعية ضعف الكرد وهشاشة وضعهم الداخلي والصراع العبثي الدائر بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، اللذين يحكمان الإقليم باتجاهين سياسيين متعارضين، وعملت على دق الأسافين بينهما وإجهاض أيّ محاولة لتقريب وجهات نظر الطرفين للوصول إلى اتفاق سلام، ومازالت تؤجج هذا الصراع وتراهن على انتصار طرف على الطرف الآخر، وتواصل بث الدسائس لتعكير الجو العام للإقليم بكل الوسائل القانونية وغير القانونية، سواء عن طريق المحاكم أو البرلمان أو الحكومة، أو من خلال قطع رواتب الموظفين، أو من خلال استهدافه بالصواريخ والدرونات، إن اقتضت الحاجة ذلك.

*كاتب كردي عراقي
المصدر: العرب اللندنية

الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين