مام في الشام برؤية عربية (9)

مصطفى عبد الوهاب العيسى

 

كعربي اليوم أقول بأن العيش مع الكرد في سوريا والعراق مثلاً كان سبباً رئيسياً في تعاطفنا مع الشعب الكردي ، و هو ما لا شك فيه ، فأين موقعي من الإنسانية قبل كل شيء عندما لا أتعاطف على الأقل مع دموع طالبة كردية تتساقط لأنها قد لا تكمل دراستها بسبب العراقيل التي واجهتها في استكمال أوراق التسجيل لأنها مكتومة القيد ( شاءت الصدفة أن تتكرر أمامي مثل هذه الحوادث ، ومنها ما حصل يوماً عندما كنت طالباً في المعهد التقاني للحاسوب بمدينة الرقة في سوريا 2008 ، وقابلتُ حينها الطالبة الكردية جيندا القادمة من حي العزيزية في مدينة الحسكة وهي تواجه هذه المشكلة التي أبكتها بحرقة ) ،  و ربما ورثنا الوقوف مع القضية الكردية من الآباء و الأجداد ، ورغم أهمية توارث القضية هذا في ترسيخ إيماننا بعدالة هذه القضية منذ الطفولة ، إلا أنه يبقى مفيداً فقط في مراحل عمرية مبكرة عندما تكون النقاشات والحوارات ضمن مجتمع صغير ، وعلى نطاق محلي ، ولا تستدعي المنطق والدراسات والأدلة والإثباتات .. الخ ، فقد كان من السهل علي أن أُناقش صديقاً أو جاراً أو قريباً يعرفُ والدي ويكن المحبة والاحترام له ، فإذا لم أستطع مجاراته بالنقاش وإبراز الحجج المنطقية ، كنتُ ببساطة أُحرجه بقولي إن الشيخ عبد الوهاب عبد الكريم العيسى ( شيخ قبيلة بكارة الجبل العربية ) كان من الأعضاء الثلاثة فقط الذين وقفوا تحت قبة البرلمان السوري وطالبوا لأول مرة بحل أهم القضايا الكردية ( مسألة الإحصاء 1962 و التجنيس ) ، ولكن كما ذكرتُ سابقاً بأن توارث القضية هذا غير كافٍ عند الاختلاط بمجتمعات جديدة أو العيش بمدن أكبر ، والولوج بفضاءات أوسع و حوارات جدية تتطلب منا الأخذ بأساليب المنهجية العلمية والمنطقية في النقاش ، والحكمة والرشد والعقلانية في الحديث ، و هنا كان دور المطالعة والثقافة ضرورياً في المساعدة على فهم و تقبل و استيعاب الكثير مما لا يقبله حتى اليوم بعض المتعصبين أو المتطرفين قومياً ، ولا يجب للأمانة التاريخية أن نغفل عن الدور الذي لعبه الكُتّاب والأدباء والفنانون الكبار في تفتح أذهاننا بشكل أفضل ، إلا أننا كنا دوماً نبحث عن المزيد من نقاط القوة والقواعد والمهارات الإضافية التي نستند عليها و نرتكز إليها في كتاباتنا أو نقاشاتنا ، وهنا يأتي دور مام جلال الذي بسيرة حياته الطويلة و ما تخللها من كتابات و مبادرات و مواقف و .. الخ ، أعطانا و منحنا العديد من نقاط القوة التي يمكن استخدامها في طرح و توسيع دائرة المناصرين للقضية الكردية ، و جذب و حشد الأقلام العربية لتكتب أكثر و تناصر بقوة هذه القضية العادلة .

في الحقيقة لا يمكن نكران أن مام جلال أسهم بشكل فعلي بجعل القضية الكردية قضية عربية وجب على العرب الوقوف معها قولاً وفعلاً ، و نجح بشكل كبير في إزالة مصطلح ” إسرائيل الثانية” من أذهان البسطاء والمغفلين الذين تلقفوه من منابر متطرفة وساهموا بنشره أكثر دون وعي و دون مسؤولية .

كان مام جلال محباً للمعشر و ذكياً و متوقد الذهن وغير معقد من العرب والعروبيين ، و بالقدر نفسه كان مخلصاً لقضيته القومية كما وصفه طالب شبيب .

كنت أعتقد أنه ما أنصف مام جلال أحدٌ من العرب مثل ما أنصفه شاعر العرب محمد مهدي الجواهري عندما قال :

وأنتَ من قلةٍ يسخو الزمانُ بها

تُستلُّ من كثرةٍ عبءٍ على الزمن

يا صفوةَ الصفوِ من صحبي و أقربهم

مني ، وأصدقهم في السر والعلنِ

ولكن في الحقيقة ما قاله جمال عبد الناصر كان أعظم ، وتجاوز أبيات الجواهري ، فرغم مكانة الجواهري الكبيرة أدبياً ، إلا أن زعيماً عربياً بحجم جمال عبد الناصر ( حركة تاريخ كما يصفه عملاق الصحافة العربية هيكل ) سيكون لكلماته تأثير و وقع مختلف في الشارع العربي  .

 

Scroll to Top